<%@ Language=JavaScript %> د. محمد السعيد ادريس اختزال الثورة وأجندات المصالح   
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

اختزال الثورة وأجندات المصالح   

 

   

د. محمد السعيد ادريس

 

من يسأل عن وإلى أين تتجه الثورة في مصر الآن على ضوء ما يحدث من تطورات وصدامات بين أطراف متعددة ومتنوعة، وما هو مشاهد من تعارض في أجندات مصالح تلك الأطراف مدنية كانت أم عسكرية، مصرية أم غير مصرية، في مقدوره أن يكتشف بسهولة أن المشهد، بكثير من تفاصيله، يكاد يتطابق مع المشهد الذي كان موجوداً في الأسبوع الأخير الذي سبق سقوط رأس النظام السابق . في ذلك الوقت كان حسني مبارك قد أقال حكومة أحمد نظيف وجاء بحكومة يرأسها أحمد شفيق القائد الأسبق للقوات الجوية وزير الطيران المدني، لكن الأهم أنه كان قد اضطر إلى تعيين نائب له، للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً، واختار لهذا المنصب أبرز المخلصين له في ذلك الوقت، وهو عمر سليمان رئيس المخابرات العامة . وقتها دخل النظام السابق بمؤسساته التنفيذية والتشريعية كافة، وقطاع غير قليل من القضاء تساندها مؤسسة الإعلام الرسمية، وبمشاركة من مؤسسات الإعلام الخاص (صحافة وتلفزيون) المملوكة لرجال الأعمال شركاء النظام في الفساد والإفساد، كل هؤلاء دخلوا معركة خاضوها بكل قواهم ضد الثورة هدفها خلق قناعة بضرورة قبول (كل هذه التنازلات)، والمقصود هنا اختزال الثورة في تلك المطالب الشعبية أو التنازلات الرئاسية، وفضّ المظاهرات . لكن تأخر قبول مبارك بهذه المطالب أدى إلى رفضها واستمرار الثورة في الإصرار على مطلب إسقاط النظام بداية برأسه .

لم يقتصر المشهد على ذلك فقط، بل دخل طرف ثالث هو بعض أحزاب المعارضة الرسمية وبعض الرموز الإصلاحية من النخب المصرية، هؤلاء قبلوا اختزال الثورة في تلك الإجراءات التي اضطر إليها مبارك، وهؤلاء هم من سارعوا إلى قبول الحوار مع نائب الرئيس على ترتيب الأوضاع ووضع أجندة عمل وطنية كل هدفها إنهاء الثورة واختزالها في تلك المطالب .

ظهرت في ذلك الوقت بعض التشكيلات السياسية الحوارية المستحدثة مثل ما سمي ب”لجنة الحكماء” التي استأثرت بالجزء الأكبر من المشهد بعد تزعمها الحوار مع نائب الرئيس عمر سليمان، واكتمل المشهد بدور رجال النظام وأجهزته الإعلامية والأمنية في تشويه الثورة، واتهام قطاعات واسعة من الثوار بالعمالة والتمويل والتدريب في الخارج في محاولة لإقحام الشعب طرفاً في العداء للثورة والإعداد للانقضاض على الثوار .

باقي تفاصيل المشهد باتت محفوظة وأبرزها، بالطبع، نزول الشعب بالملايين في معظم أرجاء مصر وإسقاطه النظام بعد أن تكشف حجم الفساد والاستبداد . وبسقوط النظام، بدأت مرحلة جديدة أخذت تتمحور بين مطلب إكمال إسقاط النظام ومحاكمة الفاسدين والمستبدين، وبناء نظام العدل والحرية والكرامة وسيادة الوطنية، وبين الإبقاء على النظام خشية الفوضى وعدم الاستقرار والاكتفاء بالإصلاح بديلاً للثورة المستمرة حتى تحقيق الأهداف . وكان هذا الانقسام على الأهداف: الثورة أم الإصلاح، هو الوجه الآخر للانقسام بين الأطراف المشاركة في إدارة حركة الأحداث والتطورات في مصر بعد سقوط رأس نظام حسني مبارك .

هذا الانقسام على الأهداف بين الأطراف، هو الذي يسيطر على المشهد السياسي المصري الآن: الثوار أدركوا بعد مضي ستة أشهر من إسقاط مبارك أن تلكؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة في محاكمة رأس النظام السابق وأركان حكمه، يخفي وراءه حرصاً على عدم إكمال مهمة إسقاط هذا النظام، واختزال الثورة وأهدافها في مجرد إجراءات إصلاحية أو تجميلية للنظام السابق، ولذلك كان قرارهم بتجديد التظاهر في الميادين ابتداء من يوم 8 يوليو/تموز الجاري تحت شعار “الثورة أولاً” . وعلى الطرف الآخر يقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة مدعوماً من الإخوان المسلمين وجماعات سلفية، وبعض الأحزاب المصرية، ضد استمرار التظاهر في الميادين تحت شعارات أبرزها الدفاع عن الاستقرار والأمن، وعدم عرقلة المهام المطلوب إنجازها في المرحلة الانتقالية، وخاصة الانتخابات التشريعية والرئاسية، ووصل الأمر بالبعض إلى مستوى المطالبة بإرجاء محاكمات أركان النظام السابق إلى ما بعد المرحلة الانتقالية وانتهاء الانتخابات .

وجاءت الصدامات الدامية التي وقعت في ميدان العباسية (وسط القاهرة) يوم السبت 23 يوليو/تموز بين قطاعات كبيرة من البلطجية والمتظاهرين على مشهد من قوات الشرطة العسكرية لمنع المتظاهرين من الوصول إلى قصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لتفاقم المشهد، خاصة بعد اتهامات مباشرة للمجلس الأعلى ضدّ حركات شبابية بالعمالة والتمويل من الخارج، وتهديد السلفيين بالنزول إلى ميدان التحرير للتظاهر دفاعاً عن الاستقرار .

الاستقطاب يزداد حدة، وهو استقطاب يخفي وراءه تنازع أجندات مصالح كل الأطراف، لكنه يفرض مجدداً السؤال عن: إلى أين تتجه الثورة وإلى أين ستقودها تلك الأجندات؟ إلى اختزالها أم إلى إكمال تحقيق أهدافها، ومع من سيقف الشعب هذه المرة؟

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا