<%@ Language=JavaScript %>  علي الكردي الثورات العربية تحرر المارد من قمقمه!
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

الثورات العربية تحرر المارد من قمقمه!

 

 

علي الكردي
 

ليس من قبيل المصادفة، أن تنبعث الشعوب العربية من رمادها، وتنزل إلى الشوارع، كاسرةًَ حاجز الصمت والخوف، لتخوض معركة مصيرها بنفسها، بل يمكن القول: إن الشعوب العربية تحملت بصبر أنظمة الاستبداد أكثر مما ينبغي، بعد أن حوّلت النظم الحاكمة الأوطان إلى مزارع خاصة لها، ولأسرها، وزبائنها، ومارست بحق شعوبها كل أشكال القمع، والقهر، والترويع، وتحالفت عملياً مع القوى الغربية الاستعمارية، للاستقواء بها ضد شعوبها، ومن أجل تأبيد سلطاتها الفاقدة لأي شرعية دستورية، أو قانونية، أو شعبية. وبهذا المعنى، ما نشهده اليوم في العالم العربي، هو أبعد من كونه ثورة ديمقراطية، إنه نهوض جديد للشعوب العربية، التي حطمتها الأنظمة الديكتاتورية، نهوض يحاول القضاء على جذور الفساد، الذي نخر بنيان المجتمعات العربية، ودمر توقها الدائم للحرية، والكرامة، والتحرر من كل أشكال التبعية والاستغلال الداخلي والخارجي.إذا كان البعد الخارجي لهذه الثورات، لم تظهر ملامحه بعد، بوضوح ٍ كامل، فهذا لا يعني أن المعركة التي تدور رحاها اليوم، في أكثر من بقعة عربية، هي ليست معركة تحرر مزدوج، في بعدها الداخلي، هي ثورة على نظم الاستبداد، والنخب الحاكمة التي فرضت وصايتها على الشعب والمجتمع، وعممت الفساد الذي دمر أسس المجتمع ذاته، وحوّل الشعوب إلى شيع، وقبائل، وطوائف متنازعة فيما بينها، فاقدة لأي وعي بهويتها الوطنية الجمعية، ومصالحها الحقيقية، وفي بعدها الخارجي: هي في الحقيقة استكمال لحركات التحرر الاجتماعي والسياسي التي بدأت في مطلع القرن الماضي، مع مفكري النهضة العربية، بعد انهيار الدولة العثمانية، وفيما بعد، في مرحلة النضال ضد الوصاية الاستعمارية الغربية، التي استمر نفوذها السياسي والاقتصادي بعد جلاء جيوشها، ما بعد الحقبة الاستعمارية.إن الحركة القومية العربية، التي قادت موجة التحرر الاجتماعي في بدايات الاستقلال، وكانت تطمح إلى بناء أمة حديثة، تصهر مكونات المجتمعات العربية، وطبقاتها، وشرائحها في بنية واحدة، تحقق الوحدة العربية، على أمل توسيع هامش المبادرة الإستراتيجية للتخلص من التبعية الاستعمارية، وسياسة الأحلاف والتكتلات التي كانت تفرضها الدول الغربية، لإبقاء الدول العربية ضمن دائرة السيطرة والنفوذ الغربيين، قد فشلت عملياً في تحقيق أهدافها، لذلك، لا يمكن لنا أن نعزل الحراك الجاري حالياً في المجتمعات العربية، عن سيرورته التاريخية، وبالتالي لا بد أن نلحظ أن الحركة القومية العربية في بداياتها، كانت حاملة لمشاريع تحديثية مهمة، تعليمية، وصناعية، وزراعية، وحاملة أيضاً لمشاريع تغيير اجتماعي عميقة، الأمر الذي دفعها إلى القضاء على الطبقات شبه الإقطاعية، التي سيطرت على الحياة الاقتصادية والسياسية في حقبة ما قبل الاستقلال، ودفعها أيضاً إلى تطبيق قوانين الإصلاح الزراعي، وتعميم الخدمات العامة، وخصوصاً التعليم في الأرياف، وكان لهذه الإجراءات دور كبير في تكوين روح وطنية جديدة، استندت إليها الإنجازات اللاحقة، أضافت تراكماً للإنجازات التي حققتها النخب العربية المثقفة في عصر النهضة، وفي مرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار، بيد أن مسيرة التحولات هذه، تعرضت إلى نكسة عميقة، أدت إلى تراجع ونكوص مخيف في العقود الأربعة المنصرمة، وبدلاً من أن تتقدم الدول العربية المستقلة حديثاً، وتستكمل شروط انخراطها في مشروع الحداثة، ما تعنيه من تمثلٍ لقيم الحرية والمساواة، والعدالة الاجتماعية، واحترام الإرادة الشعبية وتقرير المصير، بمعزلٍ عن أي تدخل، أو ضغوط خارجية، نراها ارتدت إلى الوراء، لصالح أنظمة ديكتاتورية، كان كل همها تأبيد سلطاتها الفردية، وتوريثها، ولو على حساب كرامة شعوبها، وحريتها، وتقدمها، ولتحقيق هذا الهدف، عملت هذه الأنظمة على كسب الولاءات العشائرية والطائفية والأهلية، وتسعيرها، بدلاً من صهر الهويات الجزئية بهوية وطنية جامعة، قائمة على أسس ومبادئ أخلاقية وإنسانية عامة. بهذا الشكل ارتدت المجتمعات العربية إلى ما قبل الدولة بمفهومها الحديث، وهذا ما يفسر لنا انتشار الفساد، وغياب القانون، والقضاء المستقل، وبروز الصراعات المذهبية والطائفية والإثنية في أكثر من بلد عربي، بوصفها قنابل موقوتة تزعزع تقدم واستقرار المجتمعات العربية.لا بد من الإشارة، في هذا السياق إلى عاملٍ آخر له خصوصية على مستوى الإقليم العربي، ساهم بدوره في إجهاض المشروع القومي العربي، الذي حمل في خمسينيات القرن العشرين لواء التحرر والتحديث، وهو النفوذ السياسي والإستراتيجي القوي لدول الغرب الاستعماري في المنطقة العربية، باعتبارها مناطق غنية بالنفط، وبالتالي تشكل مناطق حيوية وإستراتيجية بالنسبة لمصالحه، ولهذا عمل الغرب بشكلٍ حثيث لإجهاض أي محاولة للتحرر والاستقلال الناجز عن هذا النفوذ، ووجد الغرب في ممالك وإمارات النفط العربية، حليفاً قوياً له، فمن جهة فتحت دول النفط الخليجية أبوابها للغرب لبناء القواعد العسكرية، وتعزيز نفوذه السياسي والعسكري، مقابل حماية الغرب لأنظمتها الاستبدادية التي تنتمي أشكال الحكم فيها إلى القرون الوسطى، فهي دول ريعية، استخدمت فائض أموال النفط في شراء الذمم والمحسوبيات، وتوزيع الأعطيات، وعملت على إجهاض أي حركة تحررية عربية، لأنها اعتبرتها تهديداً مباشراً لوجودها، ومن جهة أخرى وظفت وسائل الإعلام والدين في الصراعات السياسية، فأصبح التذرع بحماية الإسلام أو الدفاع عنه أداة من أدوات الصراع السياسي في المنطقة.ثمة عامل آخر حاسم، بل هو أكثر أهمية، وتأثيراً من سابقه، وهو وجود إسرائيل في المنطقة، بوصفها الذراع الضاربة للغرب الاستعماري، وجزءاً لا يتجزأ من أمنه ومصالحه الإستراتيجية، لذلك عمل الغرب، ولا يزال طوال العقود الماضية على ضمان أمنها، وتعزيز تفوقها الساحق على كل البلاد العربية، ومن جهتها عملت إسرائيل كل ما بوسعها، لاستنزاف طاقات العرب على مستوى التنمية، والتقدم الاقتصادي والتقني، وعطلت إمكانية تشكيلهم لتكتل اقتصادي إستراتيجي ينهض بهذه المنطقة، لأنها كانت وما تزال عامل قلق وعدم استقرار في المنطقة برمتها.ترسم لنا المقدمات السابقة، الملامح الأساسية التي تكون منها النظام الإقليمي والاجتماعي في المنطقة، خلال العقود الأربعة الماضية، الذي قام على توازنات داخلية وإقليمية، وانحطاط فكري وسياسي واجتماعي واقتصادي، أجبر الشعوب العربية، بسبب العنف والفساد والإعلام الكاذب، على الخضوع والانصياع، والإذعان للقهر الذي يُمارس عليها، بعد استلاب إرادتها، وإفقارها، وتصحير الحياة السياسية والثقافية، وإفراغها من نخبها وأحزابها، لقد بثـَّتْ رياح الثورة الشعبية التي هبت من تونس ومصر، روح الثقة والأمل في إمكانية التغيير، لدى باقي الشعوب العربية، إذ ثمة مشتركات كثيرة فيما بينها، على الرغم من خصوصية واختلاف الظروف بين بلدٍ وآخر، لكأن الشعوب العربية في لحظة صحوة استثنائية وعت ذاتها، وشعرت بالطاقة الكامنة التي تمتلكها، فيما إذا تحركت وامتلكت إرادة التغيير. ومن هنا انفجرت الثورات العربية كالبركان، لأن حجم الضغوط، وتراكم القهر والإذلال وصل حداً لا يُطاق، ولهذا كان الشعار الأساسي الذي رفعه المحتجون «الحرية والكرامة»، والمطالبة بالديمقراطية، وفي هذا السياق يجب أن نفهم محتوى الشعار على أساس أن الحرية والكرامة المنشودة مطلوبة على مستوى الفرد والمجموع، على مستوى الشعب والأمة.. على مستوى كرامة وحرية الشعوب العربية في الداخل، وحريتها وكرامتها بين الأمم الأخرى في الخارج. وبالتالي إذا كانت هذه الثورات موجهة في المرحلة الراهنة نحو مشكلات المجتمعات العربية في الداخل، ومشكلات الحكم فيها، فهي في الوقت ذاته، تبطن على المستوى الأبعد، التحرر من هيمنة ونفوذ الخارج، بعد إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك حينما تُرفع أعلام فلسطين في ميدان التحرير في القاهرة، أو في شوارع وساحات تونس، فهي ترسل إشارات بالغة الدلالة، أن وجود إسرائيل في المنطقة كقوة نابذة، ليس غائباً عن وعي الجماهير العربية، المحتجة، ومن هنا يمكن أن نقرأ أيضاً سبب قلق إسرائيل العميق من الحراك الشعبي الناهض في المجتمعات العربية، الذي سيفكك عاجلاً أم آجلاً تبجحها خلال ستين سنة من كونها «واحة الديمقراطية الوحيدة في صحراء الديكتاتوريات العربية»، فإسرائيل تعي جيداً، أنها لأول مرة في تاريخها، ستواجه إرادة الشعوب العربية الحرة، وليس الأنظمة المستبدة، التي تهتز الآن أمام شعوبها.من جهةٍ أخرى، لا بد أن نتساءل عن دور وموقف الولايات المتحدة، والغرب عموماً من الثورات الشعبية العربية، وهل يمكن لدموع التماسيح التي يذرفها الغرب على قمع المحتجين أن تخدع الجماهير التي نزلت إلى الشوارع؟! من الواضح أن الغرب يواجه لأول مرة أيضاً، فضيحة معايير سياساته المزدوجة في المنطقة، التي يعتبرها في دائرة مصالحه الحيوية الإستراتيجية، وقد وجد نفسه فجأة ممزقاً ما بين مبادئه التي تدعو إلى دعم الديمقراطية، وبين مصالحه في دعم الأنظمة الديكتاتورية الحليفة له، والتي كانت على مدار العقود الماضية تذعن لإرادته، بغض النظر عن مصالح شعوبها.لقد اتسمت مواقف الولايات المتحدة والغرب عموماً بالفتور في بداية انطلاق الثورات العربية، وتباينت درجة تفاعلها بين بلدٍ وآخر، ولم يكن أمامها من مهرب، إلا أن تدعم – ولو على خجل – التحوّل الديمقراطي، وتدعو أصحابها من الحكام العرب إلى الإحجام عن قمع شعوبهم، وبعد الصدمة الأولى المفاجئة في تونس ومصر، راحت تدرس وتدقق كيف يمكن لها أن تستوعب وتحتوي الحراك الشعبي الناهض في المنطقة، وما هي طبيعة وخلفيات القوى المرشحة لقيادة المرحلة اللاحقة، وبغض النظر عن النتائج المستقبلية لهذا الحراك، فقد بات مؤكداً أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، حتى ولو بقيت الديكتاتوريات والملكيات المطلقة في السلطة، إذ لم يعد بمقدورها أن تتجاهل شعوبها، وتمارس سياسات الإذعان المطلق للولايات المتحدة والغرب، كما اعتادت أن تفعل، ولم يعد بإمكانها أن تقبل صاغرةً سياسة حماية إسرائيل من أي ضغط، و هي تصول وتجول وتستوطن الأرض الفلسطينية، إذ ثمة معادلات جديدة في المنطقة سوف تفرض نفسها على الجميع.ندرك – بطبيعة الحال – حجم الصعوبات الكثيرة القادمة، التي ستواجه الثورات العربية، وندرك مخاطر الثورة المضادة، وحجم المشكلات البنيوية الضخمة في البلاد العربية، ونعلم مدى شراسة النخب الحاكمة التي لن تتخلى بسهولة عن سلطتها، لكن من المؤكد، أن سيرورة جديدة قد انفتحت، ومارد الشعوب العربية، حطم قيوده، وخرج من قمقمه، مطالباً بحريته وكرامته، وعاقداً العزم لأول مرة، على صنع مصيره بيديه

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا