<%@ Language=JavaScript %> البير فرحات  «الشيوعي».. ذلك الحزب الذي كان!
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

«الشيوعي».. ذلك الحزب الذي كان!

 

 

البير فرحات

 

بعد مضي ما يقارب الـ85 عاماً على ولادته، ها اننا نشهد ان الحزب الشيوعي اللبناني قد أصابه الهرم، ووهن العظم منه، فبات لا يطال له فيرعى، ولا هو في العليق ولا اللجام.

ذلك برغم تاريخه الحافل والمميز، وبالرغم من بعض السقطات هنا وهناك. فقد كتب فيه وكتبت له، صفحات ناصعة في تاريخ وطننا، ليس أقلها دوره في تحقيق الاستقلال وجلاء الجيوش الأجنبية عن أرضه عامي 1943 و1946، واطلاق أول قانون عمل في البلدان العربية، وأخيراً وليس آخراً اطلاقه المقاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني وعدوانه منذ ما قبل العام 1982.

ومع احترام تضحيات الآخرين، فان هذا الحزب هو حزب الشهداء الذين سقطوا برصاص الدولة في التظاهرات الوطنية والمطلبية، وفي مقارعة العدو، وعلى أيدي تلك التيارات الأصولية والطائفية، الكافرة بالإنسان، والتي استهدفت مثقفين كباراً من مناضليه، سعوا إلى التأسيس لنهضة لبنانية وعربية جديدة، في ميدان الفكر والثقافة والمجتمع والعمل.

اما حال قياداته اليوم فهو حال من يعجز عن طرح برنامج طليعي للتغير الديموقراطي سياسياً واجتماعياً وثقافياً وأخلاقياً، بل ويكتفي بطرح ما هو دون تلك، بل ما هو دون ما تطرحه بعض القوى السياسية هنا أو هناك.

انه حزب باتت قياداته، بأغلبيتها الكبيرة، لا عمل لنصفها الا شتم العماد ميشال عون ونصفها الآخر شتم السيد حسن نصر الله، في حين يتفق الجميع، الا قلة، على شتم نجاح واكيم، بالرغم من وجود خلافات سياسية وايديولوجية مع هؤلاء وأولئك، وهو الشيء الطبيعي بين الحلفاء، والذي لا يؤدي إلى عداوة.

وعندما ارتأت تلك القيادات، بعد انتقاد شديد النأي بنفسها عن موقف التبعية فهي اختارت اما المزايدة او اللاموقف، وكلاهما، شكل من أشكال التبعية. وبالاضافة إلى ذلك فانها عندما عجزت عن صوغ موقف سليم في التحالفات السياسية ضد العدو المشترك اصبحت عاجزة عن صياغة سياسة متماسكة معادية لأولئك الأعداء. وهي اذ عجزت عن الجمع بين الشأن الوطني (اللبناني) والشأن القومي (العربي) وكذلك الأممي، تاهت في دروب التباس الهوية، وتغرزت في صفوفها الاتجاهات الأورو ـ متوسطية التي اصبح لها ممثلون بارزون فيها.

على ان الأسوأ كان وما يزال هو القطيعة مع الجماهير واستبدال العلاقة النضالية معها بصلات فوقية واستعراضية تسعى إلى حمل القوى المسيطرة على الاعتراف بها من خلال تقديم اوراق اعتمادها اليها، وهي لا تغني ولا تسمن من جوع، في حين ان المطلوب هو اعتراف الجماهـير بالحزب وبدوره. اما في الـشأن الداخلي الحزبي فقد جـرى خرق الديمـوقراطية الداخـلية في أكثر من ناحية، وبات معيار تقديم الكوادر قائماً على الزبائنية والاستنساب الفئوي، وصولاً إلى تسليم مسؤوليات هامة إلى عناصر فاسدة وضعت يدها على قرش الفقير ولم تجر محاسبتها، في حين ألقي الحرم على العديد من الشيوعيين الشرفاء غير القابلين برهن اراداتهم لأصحاب السلطان، مما كان أحد الأسباب التي دعت الكثيرين إلى الخروج والتقاعد عن العمل الحزبي.

ما هي السياسة التي تتبعها تلك القيادات ازاء حال وجود الوف الشيوعيين خارج الحزب وهو ما بات يعرف بـ«الشيوعيين السابقين»؟ هذه المسألة غير جديرة بالاهتمام لديها. يكفي المحافظة على وجودها هي على رأس ما تبقى.

لن نعود هنا إلى جميع السقطات التي وقع فيها هؤلاء. سوف نكتفي هنا بما تيسر، والرزق على الله الكريم. نبدأ بالانتخابات النيابية التي دعي اليها على اساس قانون العام 1960 الذي كان هناك شبه ـ اجماع في البلاد على كونه غير دستوري، وتقسيمي، ومزوراً لإرادة الناخبين. فإنه بالرغم من الاعتراض الشديد عليه بما في ذلك داخل الحزب، والدعوة إلى مقاطعة الانتخابات بما يؤدي إلى المساس بشرعية السلطة التي سوف تنبثق عنه، قررت القيادة خوض تلك الانتخابات، مقصرة عن اتخاذ موقف من شرعية السلطة، والعياذ بالله... الا ان الحزب عاد وقاطع الانتخابات البلدية، لأسباب غير مفهومة مما اضطر بعض الحزبيين إلى كسر القرار وخوض تلك الانتخابات. صيف وشتاء على سطح واحد...

اما الحملة الشعبية التي جرت تحت شعار اسقاط النظام الطائفي، فإن هذا الشعار هو في الأصل ملتبس، لأن النظام الطائفي هو الدولة الطائفية كما اجتهد وبيّن مهدي عامل، وبالتالي فإن المطلوب اسقاطه هو الدولة الطائفية (يا ساتر!). كما انه كان على الحزب ان يتبنى هو بصراحة اطلاق تلك الحملة الشعبية بحيث تكون ذات هوية علمانية واضحة بما يفوت الفرصة على من يريد الاندساس فيها من موقعه الطائفي. هذا التبني لم يكن من شأنه، كما ادعوا، ان يكون موقفا حزبيا فئويا، لانه لا يمنع انخراط مختلف القوى الدمقراطية فيه، وبل المشاركة مع الحزب في قيادتها.

ثم جاء الموقف من انتخابات نقابة المهندسين، حيث قرر الحزب المقاطعة باعتبار انه لا يريد المشاركة في صراع طائفي، في حين ان تلك الانتخابات قد شهدت اصطفافاً سياسياً واسعاً، شارك في هذا الجانب منه او ذاك قوى متعددة الطوائف والمذاهب. الا انه لو أخذنا جدلا بصحة هذه النظرية التي اعتمدها الحزب في هذه المسألة فقد كان عليه ان يرشح احد الحزبيين او العلمانيين الكثر الموجودين في نقابة المحامين ليؤكد استقلالية هذه القوى اذا كان ذلك هو المطلوب فعلا.

هل هناك من مصدر لكل هذه الاختلالات؟ ان المصدر يكمن في هوية الحزب الملتبسة طبقياً فهو لا يتجاوز في نقده الدولة والنظام سقف المعارضات البرجوازية. فهو لا يأخذ مثلا موقفا من شرعية هذه الدولة ومن جوهر نظامها السياسي القائم على هيمنة تحالف القطاع المصرفي مع الاقطاع السياسي.

هذه الدولة فاقدة للشرعية الدستورية. فهي لا تمتلك دستوراً جرى وضعه من قبل جمعية تأسيسية او هيئة مماثلة، ولم يعرض حتى اليوم ـ هو وتعديلاته ـ على الاستفتاء الشعبي. نعم، دولة لا يكون فيها الشعب مصدر السلطات هي دولة لا شرعية. فهل ان الحزب قادر على طرح هذا الموضوع الذي هو أم المواضيع كلها؟

اما الهيمنة الطبقية لتحالف القطاع المصرفي مع الاقطاع السياسي فانها تتأتى بشكل خاص في ظروفنا المحلية من الدين العام ومن الفوائد الربوية التي انتزعها القطاع المصرفي من الدولة والشعب. فقد كان الدين العام لا يزيد عن مليار و200 مليون ليرة في أوائل التسعينات فأصبح يقدر الآن بما يتراوح بين 60 و65 مليار دولار.

لقد جرى تسديد ذلك الدين أكثر من مرة وهو ما زال يتزايد. فهل ان الحزب قادر على طرح مطلب الغاء هذا الدين العام او عـلى الأقل اجراء «موريتاريوم» عليه، او انه عاجز عن ذلك ايضا لكون هويته الطبقية الملتبسة لا تسمح له بالتصدي لذلك الشكل العاهر من الهيمنة الطبقية القائمة بما لا يؤدي طبعا إلى تجاوز النظام الرأسمالي ولكنه يفتح الطريق إلى التقدم في المستقبل نحو آفاق أكثر رحابة تؤدي إلى الغاء ذلك النظام. لقد أسقطت الأرجنتين مثلا كامل دينها العام، وهي بالمناسبة ديون للخارج وللمؤسسات المالية الدولية فلم ينتصب الميزان، ولم يحجم رأس المال الاجنبي الاستمرار في التوظيف فيه. وها هو اقتصاد الارجنتين اليوم في وضع افضل مما كان عليه.

ذلك الحزب الذي كان طليعياً هل غير هويته وهل ما زال حزباً شيوعياً؟

 

السفير 28/7/2011

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا