<%@ Language=JavaScript %> قراءات سوسيولوجية "للثورات" العربية الراهنة ملف من اعداد احمد ديركي- النداء 165
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

قراءات سوسيولوجية "للثورات" العربية الراهنة

 

 

ملف من اعداد احمد ديركي - النداء 165

 

د. فؤاد خليل: ثمة مشتركاً مجتمعياً بين البلدان العربية يتبدى من كونها مجتمعات مُضطَّهدة ومُستغلة ومستهدفة في قيمها الفردية والجمعية وتعيش السياسة في الحاكم والحاكم في السياسة

أشعل "البوعزيزي" النار في جسده، ولم يكن يدري بأنه سوف يحرق بن علي معه.

تظاهرت مجموعة شبابية في مصر محتجة على واقعها، فأطاحت بحسني مبارك.

تظاهرة في اليمن تطالب برحيل علي عبد الله صالح والسلطة تقمع الشعب.

إعتصام في "دوار اللؤلؤة"، في البحرين يطالب بحقوق الشعب فدخلت قوات "درع الخليج" مقتلعة الدوار.

خرج الشعب في الاردن مطالباً بحقوقه فإنتشر الجيش وقمعهم.

خرج الشعب الليبي مطالباً بحقوقه فأعلن القذافي بأنه "قائد ثورة وليس رئيس جمهورية" فتدخل حلف شمال الاطلسي تحت ذريعة "حماية" المدنيين.

خرج فتية مدارس في محافظة درعا السورية متظاهرين فأُعتقلوا وعذبوا فقامت درعا ولحقت بها بعض المحافظات السورية مطالبة بحقوق الشعب السوري فكان الرد نزول الجيش لقمع الشعب، والوعود بالاصلاحات...

هذا جزء من حالة العالم العربي وبقيته تغلي.

ما الذي حدث؟ سؤال سهل لكن الإجابة عليه ليست بهذه السهولة. كتب الكثير، وما زال هناك أكثر من الكثير ليكتب، حوله. وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال بأبعاده الإجتماعية كان لمجلة "النداء" مجموعة من المقابلات مع أساتذة معهد العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية. تعددت وتباينت آراؤهم في بعض النقاط، وتقاربت وتقاطعت في نقاط اخرى، وهي آراء قابلة للنقاش، وسوف تنشر المقابلات على حلقات متتالية:

أحمد ديركي

 

يقول د. فؤاد خليل حول المصطلح الذي يمكن أن يصف ما يحدث في العالم العربي "إن كل مفهوم يحمل أبعاداً وعناصر معرفية مختلفة. وقد تجري مقاربته من زاوية عنصر أو أكثر، كما تتم من زاوية غير منظور ورؤية. وهذا ما يجعل تعريف المفهوم في صيغة جامعة أمر صعباً ومعقداً. إذ من النادر ان إجتمع أهل الفكر والثقافة على تعريف موحد لمفهوم متعدد الدلالات والمعاني...

لكن الإختلاف الأكاديمي شيء، وفوضى إستخدام المصطلح شيء آخر. فما يستخدم من مصطلحات حول ما يجري في البلدان العربية، يندرج في أغلبه في باب الإلتباس المعرفي، حتى لا نقول في باب الإرتجال الصحفي...

وإذا شئنا أن نضبط المصطلح بقدر أو بآخر، أمكن لنا أن نسوق الآتي:

أ ـ إن إستخدام مصطلح الثورة لتوصيف ما يجري عربياً يحيل الى نموذج ثوري مرجعي يتمثل في الثورة الفرنسية أو في الثورة الروسية أو الصينية... الخ. وهو نموذج يتوافر على عناصر أساسية من أبرزها: قوى التغيير، التنظيم، القيادة، البرنامج السياسي، الإيديولوجيا الثورية، العنف الثوري، التغيير الجذري البنيوي. وأي مقارنة بين هذا النموذج والمجريات العربية الراهنة، لا تتيح توصيف الأخيرة بأنها ثورة. ذلك أنها تفتقد الى غالبية العناصر التي شكلت تاريخياً بنية النموذج الثوري، مثلما أنها لا تتيح توصيفها بالحراك الثوري، إذا ما تعاملنا مع هذا المصطلح وفق مقياس العناصر الثورية المذكورة...

ب ـ ومصطلح الإنتفاضة يختلف عن مصطلح الثورة في كونه يحيل إلى هبة شعبية تدعو إلى التغيير. غير أنها تفتقر الى التنظيم المركزي والإيديولوجيا الثورية، وفي حالات كثيرة الى البرنامج السياسي الموحد. وقد تتوسل العنف سبيلاً الى تحقيق أهدافها، وقد تنتهج السبيل السلمي إليها. ومن هذا المنظار، ربما يتاح القول: إن ما يجري عربياً يحمل غير عنصر من عناصر الإنتفاضة الشعبية...

ج ـ والنهضة هي مشروع مجتمعي متكامل يدعو إلى التقدم في مجالات الفكر والسياسة والإقتصاد، أي أنه مشروع ينشد التحول في بنى العلاقات والتفكير والرؤى. وهذا لا ينطبق مع ما تشهده الساحات العربية، مع الإشارة الى أن مطلب تغيير النظام يشكل باباً الى النهوض، أو أنه يمثّل مأمولاً نحو بناء أفق نهضوي حقيقي...

د ـ ومفهوم الصحوة ينتمي الى منظومة التفكير الإسلامي. وهو يدل على يقظة تُحلُّ بالخَلق بعد ما كانوا قد أصيبوا بالسبات والجمود، وأبتعدوا زمناً عن أصالة دينهم. أو بتعبير آخر، إن الصحوة تحيل الى معنى محدد هو أسلمة التحركات الشعبية. وهذا ما لا تقره أيُ نظرة موضوعية الى واقعها الملموس.

في ضوء ما تقدم، أننا نعتقد أن التوصيف الأكثر دقة لما يحدث في الوطن العربي، هو: إما مصطلح الحراك الشعبي الديمقراطي، أو الحراك المجتمعي التغييري، أو حركات التغيير الديمقراطي. لكن إختيارنا لهذا المصطلح لا يعني إنه منغلق على ذاته، بل هو يحمل عنصراً وربما أكثر من المصطلحات التي وردت آنفاً..."

وحول أبرز الصفات الإجتماعية المشتركة للمجتمعات العربية وخصوصية كل مجتمع يقول د. خليل "إستند الحراك الشعبي العربي الى نموذج مرجعي للمطالب التي ينادي بها. وقد تمثلت في: الحرية، والعدالة، والكرامة، والدولة المدنية... ويدل هذا النموذج على أن ثمة مشتركاً مجتمعياً بين البلدان العربية يتبدى من كونها مجتمعات مُضطَّهدة ومُستغلة ومستهدفة في قيمها الفردية والجمعية، وتعيش السياسة في الحاكم والحاكم في السياسة... أما خصوصية كل مجتمع، فإنها ترتبط بأشكال إضطهاده وإستغلاله، ودرجة تجانسه، ومدى فعالية قواه المدنية والحزبية، وحجم طبقته الوسطى، وموقع نخبه الفكرية والثقافية ودورها..."

ويصف د. خليل طبيعة علاقة الأنظمة بمجتمعاتها بالقول: "لا مراء في أن العلاقة التي نسجتها الأنظمة العربية مع مجتمعاتها تندرج تحت عنوان "عربي أصيل" هو الإستبداد بالمجتمع، أي الهيمنة والسيطرة على كل مناحي حياته بدءاً من المعاش وصولاً الى الفكري. إذ كانت تنشد تحويله الى ما يمكن تسميته بمجتمع الصمت المُحدّب، أو مجتمع الطاعة الأبوية في حضرة رئيس أو ملك أو أمير..."

وفي رأي د. خليل أن أبرز العوامل المؤدية الى "الحراك الشعبي الديمقراطي" هي "ليس هناك من حراك مجتمعي تغييري يجري بسبب عامل أحادي. فوراء كل حراك تقف جملة من العوامل التي تتفاعل وتتكامل في جدلية تاريخية محددة. وعلى هذا، فإن العوامل التي أدت الى الحراك الشعبي العربي تكمن في التفاوتات الطبقية بين شرائح المجتمع وفئاته، وفي الفقر والبطالة والتهميش وإرتفاع نسب الأمية، وفي الإستبداد السلطوي المعمم. وفي قمع الحريات الفردية والجماعية، وأسر حرية التفكير والتعبير، وسلخ الإنسان من قيمته الإنسانية وتحويله الى رقم إحصائي في التعداد السكاني..."

أما في تشابه ردات فعل الأنظمة يعيد السبب د. خليل الىانه "تشابهت الأنظمة في ردة فعلها على الحراك المجتمعي في بلدانها، لأنها تتشارك في طبيعة واحدة هي الإستبداد وإن إختلفت أشكاله بين ملكي أو جمهوري. ولأنها لا تستمد شرعيتها من المجتمع أي من الداخل، بل من التسويات التاريخية التي أرستها مع قوى الغرب الكولونيالي..."

وحول ثورة تونس التي كانت الشرارة يقرأ د. خليل هذه الظاهرة وكيفية إنتقالها بالقول: "لم يأت الحراك التونسي من فراغ، بل كان مسبوقاً طيلة 30 عاماً من الإستبداد العربي، بأشكال من الإحتجاجات الشعبية في هذا البلد العربي أو ذاك. أي أنه كان مسبوقاً بمسار مديد من التراكم الرفضي للواقع الإستبدادي أو الطغياني. والتراكم التاريخي لا يقدم في الأغلب إمكانية التنبؤ بتحوله الى تاريخ كيفي أو نوعي. وإذا ما وقع التحول النوعي، تراه يُحدث صدمة فكرية وسياسية عامة. وفي أثنائها قد ينبهر أهل الفكر والسياسة بما يحدث في الملموس. لكن الناظر بتمعّن في حركة التاريخ العربي في الفترة المذكورة، يجد في أغلب الظن على حق، أن التونسي محمد البوعزيزي شكل إلتماعة التاريخ في لحظة دفقه من التراكم الكمي الى التحول النوعي. وكانت تلك الإلتماعة دليلاً حسّياً على إعلان تاريخي في إنتهاء "صلاحية" النظام العربي الرسمي، ودخول المجتمعات العربية في مرحلة تاريخية جديدة. ذلك أن هذه المجتمعات تتشارك في نموذج مرجعي واحد لحراكها الشعبي التغييري..."

ويضيف د. خليل حول مسألة "كسر جدار الخوف" "عندما نتحدث عن تاريخ جديد دخلت فيه المجتمعات العربية، يعني ذلك أن الحِدة هنا لا تقتصر على المطالب التي أشرنا اليها آنفاً، بل هي تعبر عن مسار كُلي يصنع فيه الناس تاريخهم، وفي الوقت نفسه يصنعون أنفسهم في تاريخهم، أي أنهم يعيدون بناء وعيهم ووجدانهم ومشاعرهم وأشكال تضامنهم وصراعهم حسب ظروف مجتمعهم وأحواله. وبمعنى آخر، نحن أمام إنسان عربي جديد سيداً على نفسه، ويشعر بكرامته وبذاته الحرة، أي أمام إنسان يحطم جدران الإستبداد العالية أنّى كانت الوطن العربي، ويطوي الخوف من وجدانه الى غير رجعة..."

وصف د. خليل دور "ثورة الإتصالات"، الإنترنت ووسائلها، بالقول: "لا يختلف إثنان بأن ثورة الإتصالات (الفيسبوك ـ التويتر...)ساهمت بقدر كبير في التواصل المجتمعي بين فئات الحراك وشرائحه، لا بل شكلت أحد عوامله الرئيسية. أما القول بأنها هي التي صنعت الحراك، ففيه إفتراءات على الحراك وإختزاله بعامل أحادي. فنظرية العامل الأحادي طوتها السوسيولوجيا منذ زمن بعيد، ناهيك عن أن الواقع الملموس لا يشهد على أن ثورة الإتصالات هي التي صنعت الحراك العربي. إذ كيف نفسر ولو بمثل بسيط، أن ثمة فئات شبابية تجيد إستخدام وسائل الإتصال الحديثة ولم تنخرط في الحراك، بل كانت تقف في مواجهته، أو أن ثمة فئات مجتمعية إنخرطت بقوة في الحراك وهي لا تجيد إستخدام تلك الوسائل..."

وعن دور الشباب يقول د. خليل "شكل الشباب بالطبع الكتلة الأوسع في الحراك العربي. لكن وسم الحراك "بالثورات الشبابية" فيه عسف نظري وسياسي. فالشباب لا يصنفون فئة عمرية فحسب، بل هم يُصنفون داخل الحراك تحديداً، فئة مجتمعية ـ سياسية. والحراك لم يقتصر عليهم بل إنخرطت فيه فئات وشرائح مجتمعية متنوعة، ما أضفى عليه صفة الحراك المجتمعي أو الشعبي، حتى وإن بقي الشباب يمثلون بقدر أو بآخر قوته الدافعة..."

أما عن البدائل التي تروج لها الأنظمة، "الحركات الأصولية الإسلامية"، أو "الحروب الأهلية"، أو "المذهبية"، أو القبلية"، يقول د. خليل: "إن دهر الإستبداد الذي مارسته الأنظمة العربية ، أدى الى إلغاء السياسة في مجتمعاتها، أي الى إلغاء التعددية الحزبية والسياسية وهيمنة الحزب الحاكم أو السلالة النبيلة الحاكمة. ومع إلغاء السياسة بهذا المعنى، لا يعود الناس يجدون متنفساً لهم سوى العودة الى تراثهم الديني الرفضي. ما أوجد بيئة ملائمة لاستنبات أشكال من الإسلام السياسي الذي يناهض النظام ويؤلف وجهه الآخر في آن. وإزاء واقع كهذا، كان من الطبيعي أن يحّول النظام حركات الإسلام السياسي الى فزاعة تحت الطلب، يوظفها في علاقته مع الغرب الكولونيالي تحت عنوان "محاربة الإرهاب". كما يستخدمها أيضاً تحت شعار أنها تشكل بديله إذا ما جرت المطالبة بتغييره. ومثلما وظّف فزاعة تلك الحركات، عمّم النظام كذلك مقولة أن بديله هو الحرب الأهلية في أشكالها المختلفة. وتثبت هذه المقولة أن النظام لم يبن دولة مدنية حديثة يتساوى فيها الجميع أمام القانون، ويجري من خلالها تجاوز الولاءات التقليدية. ذلك أن الأنظمة العربية أمكن لها أن تبني سلطات متغّولة، أي أنها بنت سلطات على حساب الدولة والمجتمع. فكان أن إختزلت الدولة بالنظام، والنظام بالأسرة الحاكمة، والأسرة الحاكمة بالملك أو الرئيس، وبالتالي أخذ الحكم يَختزل في شخصه المجتمع والجغرافيا والتاريخ. وفي مساق إختزالٍ من هذا النوع، قد يؤدي عنف النظام تجاه الحراك وفي حالات محددة، الى تفجير البنية المجتمعية على قواعد طائفية أو قبلية أو إثنية. غير أن مجرى الحراك العربي حتى هذه اللحظة، أثبت بالملموس أن التخويف من الإسلام السياسي والحرب الأهلية، يحيل الى مبالغة إيديولوجية مكشوفة، وخصوصاً بعد أن إتضح للعيان مسار الإنتفاضة في طابعها المدني في كل من تونس ومصر..."

وحول خصوصية كل حراك يقول د. خليل: "لقد تحدثنا سابقاً عن النموذج المرجعي للحراك. أما إذا أردنا أن نتحدث عن الخصوصيات المجتمعية لكل من البلدان التي شهدت الحراك التغييري، فإنه يمكن لنا أن نسجل خصوصيات عامة أبرزها:

أ ـ تميز الحراك التونسي بتركيبة متجانسة، وإستند الى مجتمع مدني متطور والى مستوى ثقافي عالٍ في أوساط النخب. كما أفاد من وزن الإتحاد العام للشغل ومن الطبقة الوسطى المتنورة ومن حيادية الجيش... وقد طبعت هذه المميزات الحراك التونسي وجعلته يثمر بأقل كلفة ممكنة...

ب ـ وإتصف الحراك المصري بقدر كبير من التجانس، وإشتمل على طبقة وسطى عريضة، ووجد الدعم من حركات حزبية متنوعة، ومن نخب فكرية وسياسية واسعة. وأفاد كما الحراك التونسي من حيادية الجيش ودوره في حماية الدولة. فكان أن وصل الى مآله المرحلي وأدخل مصر في مرحلة تاريخية جديدة...

ج ـ وإتسم الحراك الليبي بضعف في تركيبته المدنية وبغلبة التقليد عليه. وقد فرض الإستبداد الليبي العاري شكلاً عنفياً (عسكرياً) للحراك. وجراء ذلك إنقسم الجيش وإنشطرت ليبيا واقعياً الى شرق وغرب، ما أتاح للغرب الكولونيالي الفرصة المؤاتية للتدخل العسكري المباشر. وبالتالي وجد الحراك نفسه في مسار مديد من الإستنزاف الكياني المدّمر...

د ـ وشهد الحراك اليمني إنتظاماً مدنياً لافتاً بالرغم من البيئة القبلية التي تحيط به. إذ ما زال حتى اللحظة ينضبط في نطاق سلمي ديمقراطي، ويحافظ على تجانسه بحيث إنه لم يتأثر بالأشكال التقليدية التي تتأتى عن التنوع في التركيبة المجتمعية. وربما يرجع ذلك الى التوازن المتكافىء نسبياً بين قوى الحراك وقوى النظام، والذي عبّر عن نفسه في ظاهرة إنقسام الجيش. وأي إختلال في هذا التوازن قد يدخل اليمن في مسار حراكي غير سلمي...

ه ـ وإصطبغ الحراك في البحرين بصبغة مدنية قوية. وهو يمثل الغالبية الساحقة من سكان المملكة. غير أن نقطة ضعفه هي في عدم تجانسه مع تركيبة النظام الملكي. وفي موقف محيطه المجاور الذي سارع الى المشاركة في قمعه لمنع أي حراك مشابه في بلاد الخليج. ولعل هذا ما قد يجعل الحراك البحريني على وتيرة بطيئة ومتعرجة ومحكومة بتداعيات اللاتجانس المذهبي، وبتوازن القوى بين الدول المجاورة...

و ـ لم يشهد الأردن حراكاً متنامياً كما يجري في بلدان عربية أخرى. إذ بقي محصوراً في نطاق الإحتجاجات المطلبية القطاعية، ويتوجه الى الحكومة من أجل تلبيتها، أي أن الحراك ما زال تحت سقف النظام الملكي، ولم يستطع حتى اللحظة أن يستند الى كتلة شعبية تنزع نحو تجاوز هذا السقف وتخترق المساحة المجتمعية التقليدية التي تحفظ بصورة أو بأخرى وجود المملكة بالذات...

ز ـ وهناك في سوريا حراك مجتمعي يدعو الى إصلاح البنية المؤسسية والدستورية للنظام. لكن الحراك السوري لم يشتمل على بعد على كتل مدينية مركزية تؤدي الى خلق توازن حقيقي مع قوى النظام، حيث ما زال مقتصراً على المدن الطرفية أو على بعض الأحياء في المدن الكبيرة والوسطى. أضف الى ذلك، أن التدخل الخارجي جاء يطوق الحراك بأشكال من العنف المنّظم، ويقلّص إمكانيات تحوله الى حراك شعبي متنامِ. وما يجدر التذكير به هنا، أن اللحظة الراهنة تتوافق مع شكل التغيير الإصلاحي. أما الشكل الذي يتوخى التغيير الجذري، أي تغيير النظام قد يضع سوريا أمام خطر المصير الكياني برمته..."

وعن مقولة "غياب القائد" يرى د. خليل: "إذا كان المقصود من أن الحراك لم يستولد قائداً بمعنى القائد الكاريزماتي أو الملهم، فهو صحيح. لكن ذلك لا يعني أن الحراك لا قيادة له. إذ من غير الواقعي أو المنطقي أن تتحرك كتل مجتمعية واسعة من دون أي شكل من أشكال التنظيم. وأي شكل تنظيمي يستوجب قيادة ما. أما شكل القيادة التي أنتجها الحراك، فهو الشكل الجماعي لا الفردي. وهذا هو الشكل المعاصر للحركات المجتمعية الإحتجاجية عامة. ذلك أن الزمن الذي كان ينتج قيادات كارزماتية أو زعامات كبرى قد إنقضى ثم تلاشى في تضاعيفزمن العولمة..."

وعن العلاقة ما بين الأزمة الإقتصادية العالمية والحراك الشعبي الديمقراطي يقول د. خليل: "لعبت الأزمة الإقتصادية التي أصابت العالم الرأسمالي في السنوات الثلاث الأخيرة، دوراً غير مباشر في المسار الحراكي لجهة إنعكاساتها على الإقتصادات العربية، فيما تركته من تعاظم في نسب الفقر والبطالة والتهميش في أوساط الكتل الشبابية، ومن إستتباع شبه مطلق للأنظمة العربية وخصوصاً "المعتدلة" منها، وتحميلها العبء الأكبر في مواجهة أكلاف الأزمة وأعبائها على حساب تنمية مجتمعاتها... ومع ذلك، يبقى أن نؤكد أن أسباب الحراك هي أسباب داخلية تتعلق بأوضاع كل بلد عربي في المقام الأول والأخير..."

اما دور الوجه الثقافي للعولمة يرى د. خليل أنه "طبعاً للعولمة دورها المجتمعي في الحراك. وقد عبّر عن نفسه من خلال وسائل الإتصال الحديثة... وهذه الأخيرة وفّرت نظاماً فعالاً في التواصل المجتمعي بين كتل الحراك وشرائحه سواء من حيث تحديد مكان التظاهر وحجمه، أو من حيث تحدي عناوينه السياسية وأهدافه المباشرة. كذلك تبدى هذا الدور في خلق ما يسمى "بالجماعات الإفتراضية" أي المجموعات الشبابية أو غيرها التي تتعارف وتبني صداقات وأواصر شخصية متنوعة من دون أن تتلاقى مادياً. والحال، لا يعود مستغرباً أن تؤلف تلك الجماعات أحد أطراف الحراك أو مظهراً من مظاهر ديناميته المتنامية..."

وحول أفق هذا الحراك يرى د. خليل بأنه "لا أحد يستطيع أن يقطع في القول بما سوف يؤول اليه الحراك العربي. بيد أن النظر الموضوعي، يرى اليه أنه يشكل مساراً معقداً ومتعرجاً. أو بمعنى آخر، إنه مسار قد يتعرض للإحتواء أو التوجيه من الخارج، والانتكاسة والتراجع من الداخل. ورغم كل شيء يبقى منتظماً في منحى تاريخي متنامِ. وهو المنحى الذي أخذ يضع الإستبداد العربي في متحف الآثار اللائق به، والذي حوّل فكرة التغيير الى مبدأ محرك للسلوك الفردي والجماعي في البلدان العربية. وهو أيضاً ما قد ينفتح على مشروع نهضوي تتداخل فيه عناصر التقدم كافة، وتتكامل في نطاقه العروبة كرابطة جامعة للشعوب العربية مع العروبة كمشروع سياسي أيديولوجي، وتحقق الأمة العربية تالياً من خلاله وزناً حضارياً وثقافياً فاعلاً في العالم المعاصر..."

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا