<%@ Language=JavaScript %> أحمد بزون معرض عمران القيسي في «غاليري زمان» لعـب كثيـر يشـرع آفـاق المخيلـة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

معرض عمران القيسي في «غاليري زمان»

 

لعـب كثيـر يشـرع آفـاق المخيلـة

 

 

أحمد بزون

 

 

 

يأخذنا الفنان عمران القيسي إلى لوحة مختلفة بكل المقاييس، فهو لا يقدم لنا مشهد طبيعة أو تشخيصاً واقعياً أو أي نوع من أنواع اللوحات التي تستدرج العين إلى حدث أو موضوع بعينه. قد نجد في بعض اللوحات رسماً لغزال، أو وجهاً لشخص، أو شكل شجرة، لكن التفاصيل تلك لا تأتي ضمن سياق واقعي، فالتجريد يشدها من جهة والسوريالية تشدها من جهة أخرى. إذ لا قانون يحكم تأليف أو بناء اللوحة، كون الفنان ينطلق من كونه في الأساس بعيداً عن أي صيغة مألوفة في الفن التشكيلي. ولهذه الغاية نجده ينأى بلوحته عن أي أحادية تقنية أو أسلوبية، ويبدو مسكوناً بالتنوع التقني والبصري إلى أبعد الحدود.
روح التجربة نفسها، التي رأيناها في أعمال سابقة للقيسي، عرضها في غاليري زمان نفسها، التي يعرض فيها أعماله اليوم لغاية 30 تموز الجاري، ووجدناها في المعرض الحالي الذي حمل عنوان «71 × 27»، على أن العدد الأول يشير إلى سنيّ عمره، فيما العدد الآخر يشير إلى عدد الأعمال المعروضة. العنوان لا يختصر المعرض بشيء محدد، ربما ليفسح في المجال لمُشاهد اللوحات أن يضع العنوان الذي يريد أو الانطباع الذي يعوم على وجهه. فالقيسي يزرع ألوانه، أما الحصاد فللآخرين.
بيتاغوروس
الانطباع المباشر الذي نشعر به ونحن نتنقل بين لوحة وأخرى أننا أمام خرائط ملونة، أكثر منها تشكيلات لمشاهد مألوفة، لكنها ليست خرائط جغرافية، إنما خرائط مبتكرة، مشغولة بمزاج فنان يرسم وهو متحرر من أي قيد أو شكل جاهز. شكل الخرائط واضح من خلال حدود الألوان والانسيابات والفراغات التي توحي بحدود بين بر وبحر، أو بين منطقة وأخرى. فغالباً ما يبتعد القيسي عن أي تقميش لوني أو تداخل وتمازج، إذ اللعبة التي يعتمدها ترتكز على شغله على المادة اللونية الواحدة، فهو يجري اختباراته وتجاربه مستخدماً تقنيات من شأنها تغيير طبيعة المادة، إن من خلال استخدام الحرارة أو مزجها بمواد طبيعية، أو مستخدماً أساليب بعيدة عما تطبعه ضربة الفرشاة التقليدية، فهو يسيّل المادة على القماش أو الخشب ويؤاخي بين مادتين لونيتين أو أكثر، إلى أن تبدو اللوحة عبارة عن حقل تجارب لونية، والأفضل أن نقول إنها حقل لتجسيد مزاج خاص يجمع بين التجريد الرياضي العلمي من جهة والصوفية أساس السوريالية من جهة أخرى، أي يجمع بين نقيضين. ولا غرابة فهو أطلق على إحدى لوحاته عنوان «تحية إلى بيتاغوروس» الفيلسوف وعبقري الرياضيات المعروف، وعلى أخرى عنوان «عن ابن كرام» الصوفي المتطرف المتهم بالكفر لاستحضاره الله مجسداً.
يطلق عمران القيسي العفوية في وضع ألوانه، ويترك نفسه على راحتها، فتتبدى الأشكال كأنها وليدة سكب رصاص محمّى في مقلاة عرّافة، وتتوالد الأشكال بعشوائية لا تضبطها إلا دربة الفنان على تثقيف العفوية وإبعادها عن أي هزال تأليفي. يطلق القيسي ألوانه من دون أن تتحول إلى شرر أو حال تشظٍّ عمياء. تبقى الأمور ممسوكة، وتبقى الانسيابات الحرة تتشكل على هوى الطبيعة، فكأننا أمام خطوط شاطئ رملي هادئ مرة أو شاطئ صخري صاخب التعرجات مرة أخرى. وفي كثير من

 

 

الأحيان يحول الأشكال حتى تبدو مجرد حركة بهلوانية.
وإذا كان الاختصار يصل إلى حدّ الاختزال الرياضي، فإن رغبة الفنان في تنويع التقنيات تأخذه أحياناً إلى استخدام قلم الرصاص أو الحبر الصيني، ليرسم به أشكالاً حيوانية بخطوط نمنمية شديدة الدقة، فتبدو المفارقة ماثلة بين التجسيد بواقعية فاقعة والتجريد بمسح التفاصيل وتحويل الشكل إلى مجرد مساحة لونية صافية. لكن واقعية القيسي تبقى غارقة في الافتراض، حيث أن السمكة أو الحصان أو الغزالة أو الحيوانات التي ليس لها اسم محدد تسبح في فضاء غير واقعي، كأن نرى حيواناً محلقاً في السماء، أو سمكة طائرة في فضاء أحمر. حتى أن الخرائط اللونية تتحول في نهاية الأمر إلى أشكال يمكن أن نتخيلها ثوراً أو كلباً أو حصان بحر أو أي شكل حيواني آخر، أو كأنما المساحة اللونية المنبسطة أمامنا في اللوحة هي جلد حيوان فصّل منه الفنان خريطة بلد، ما يذكرنا بأليسا ملكة قرطاجة وأسطورة مدينتها التي فصّلت خريطتها من جلد ثور. على أن التراث الأسطوري والفني ليس بعيداً في أي حال من الأحوال عن أعمال اللوحات. ولا يقتصر الأمر على حضور الخرائط الرياضية لبيتاغوروس، إنما نرى المزيد من استحضار المنمنات مرة والأشكال الزخرفية مرات كثيرة، وكذلك حضور تسطيح الأشكال والاهتمام بالخط الذي يرسم حدود الشكل من دون أن يجسده. في الأعمال لعب كثير، وأحياناً بهلوانية ظريفة تُفتح آفاق المخيلة، تلك التي يسبح فيها عمران القيسي، ويخترع أشكال عالمه... ونجري خلفه فنتسلى كثيراً.

 

 

 

 

 

السفير 20/7/2011

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا