<%@ Language=JavaScript %> عبد الهادي النشاش حركات الاحتجاج العربيّة بين خياريْ الإصلاح والتدخّل الأجنبي
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

حركات الاحتجاج العربيّة

بين خياريْ الإصلاح والتدخّل الأجنبي

 

عبد الهادي النشاش

باحث وكاتب سياسي

الأحداثُ المستّمرةُ في أكثر من بلدٍ عربي منذُ مطلع العام الجاري تطرحُ أمامَ المعنيّين والمتابعين والمراقبين أسئلةً حائرة ، بَعضُها حَظي بإجابةٍ منقوصة وأغلبُها ظلَّ يدورُ في حلقةٍ مُفرغة ، يَرجعُ ذلك بالطبع الى الكمّ الهائل من الضخّ الإعلامي الذي يَنضحُ أغلبُه بتضليلٍ وتشويشٍ قلَّ نظيرهما.

وفي ظنّي وليس كلّ الظنّ إثم أنَّ هذا الإعلام المبرمج يَتحركُ وفقَ أجنداتٍ مرتبطة بمصالح مباشرة لدولٍ كُبرى وَجدت في بلادنا مَلاذاً لتصديرِ فائضِ الأجيالِ القديمةِ من مُنتجات مُجمّع صناعاتها الحربيّة ، بُغيةَ استنزاف طاقات الأمة ودفعها الى تبديلِ أولوياتها تَحتَ يافطة اللّبرلة من مواجهةِ عدوٍ يحتلُّ أرضَها ويتربصُ بها الدوائر الى اتون إحترابٍ داخلي لا يُبقي ولا يذر.

لا يختلفُ إثنان عاقلان على حقيقةِ أنّ الثورات وحركات الاحتجاج التي شَهدتها أقطارٌ عربيّةٌ عِدَّة إنّما عبّرت بوضوحٍ عن إرادةٍ شعبية جادّة لدى أغلبية ساحقة من المواطنين العرب لإحداث تغييرٍ جوهري في أنماط أنظمة الحكم السائدة في بُلدانهم ، وصولاً الى إنتزاع «مبدأ المواطنة» والحريات الأساسيّة وتداول السلطة وفق تعدّدية سياسية تُعبّر كلٌّ منها عن مصالح الفئات الاجتماعية التي تمثّلها.

وهكذا فإنَّ مَشروعيةَ حركاتِ الاحتجاج تَنبعُ في الأصل من طبيعة الأهداف التي تسعى الى تحقيقها على الصُعد السياسيّة والإجتماعيّة والاقتصادية في إطارِ برنامجٍ وطني واضح المعالم ، غير مرتهن البتّة لأجندات قوى خارجيّة.

وإذا كانت بعض حركات الاحتجاج قد انطلقت عفوياً وباشرت نشاطاتها بعيداً عن أدوارٍ فاعلةٍ لقوى سياسيّة مُنظّمة ، فإنَّ نَجاحها يَرتهنُ بقُدرتها على تنظيمِ نفسها ولملمةِ شُتات ناشطيها ضمن برنامج سياسي وجتماعي واقتصادي ــ كما أسلفنا ــ وخلا ذلك فإنّها ستتحوّل دُون أنْ تدري الى حاضناتٍ لموامراتٍ شتّى ، تُنفّذها قوى محلّية مرتبطةٌ بالخارج فكرياً ومَصلحياً وربّما استخبارياً وبالتالي لَنْ تنجحَ هذه الحركات في تحقيقِ التغيير والإصلاح المنشودين وربّما تتحوّل الى حصان طروادة لاستجلاب الغزو الأجنبي ، المتحفِّز لإعادة إنتاج إستعماره البغيض لبلادنا بذريعة الانتصار للحرّية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

في مصر وتونس وحتّى اليمن ثَمّةَ أحزابٌ سياسيّةٌ قائمةٌ ، معارضةٌ ، لها قواعدها الاجتماعية ولها برامجها أيضاً ، وبصرف النظر عن السمة العامّة للثورات أوحركات الاحتجاج التي اشتعلت في هذه البلدان والتي اكتست طَابعاً «شَبابياً عفوياً على نحوٍ ما في مراحلها الأولى فإنّه لا يَنبغي أنْ نُغفل دَور القوى والأحزاب السياسيّة التي انخرطت باكراً في نشاطات هذه الثورات وأسهمت في صَوْغِ شعاراتها وأهدافها وتالياً برامجها السياسيّة ، الأمرُ الذي حَالَ دُونَ تفجيرٍ داخلي رغم انهيار النظامين : المصري والتونسي.

اللافتُ في الحالتين التونسيّة والمصريّة رغمَ إرتباط النظامين الحاكمين في البلدين ببرامج الغرب وأجنداته ، أنّ الدوائر الغربيّة فوجئت بالثورتين وأحداثهما ممّا حال دون دَسّ أنفها في مجرياتهما حتى هذه اللحظة على الأقل.

في الحالة الليبية كان الأمرُ مختلفاً ، غيابٌ كاملٌ للقوى والأحزاب السياسية المعارضة على مدى أربعين عاماً ونيّف .. معارضون على شكل أفرادٍ أو جماعاتٍ صغيرة ينتشرون في عواصمِ الغرب ، لا قواعدَ إجتماعيةَ ، ولا تأثيرَ لَهُم في المجتمع الليبي.

وحين بدأت حركةُ الإحتجاج العفوية لَم يستجبْ النظامُ لمطالبها وحَاولَ القضاءَ عليها في المهد ، فلجأ ناشطون ليبيون الى السلاح ثم إستقطبوا قيادات من النظام نفسه فحدّدوا بذلك قاعدة إشتباك ، أفضت كما هو معلوم الى حرب أهلية بائسة نشهدُ فصولها تباعاً.

ولأنَّ النظامَ الليبي صاحبَ موروثٍ في معاداةِ الغربِ مِنْ جهة ، وفي دعمِ حركاتِ التحرّر العربيّة والعالميّة مِنْ جهةٍ ثانية فقد أصبحت ليبيا : شعباً وأرضاً وسماءً حقلَ إختبارٍ لشتّى صُنوف أسلحة الأطلسي الفتّاكة ، وأمست قيادة حركة الإحتجاج على موعدٍ مع إستجلاب الأخوة في الأطلسي ؟!

وفي ظنّي أنْ لا حَلَّ ناجزاً للمأساة الليبية سوى مباشرة حوار سياسي بين المعارضة والقيادة الليبية يَضعُ حدّاً للعنف الجاري عبر إصلاحات بنيوية جادّة تُشكّل قاسماً مشتركاً بين الطرفين ويفوّت الفرصة على مزيدٍ من التغوّل» الغربي على البلاد والعباد .. ؟!

في الشأن السوري لا أَعتقدُ أنَّ وطنياً سورياً واحداً يَرغبُ أوْ يتمنّى إنتاجَ النموذج الليبي لأنَّ في هذا ــ إنْ حدثَ لا قدّر الله ــ مصائب أشدّ هَوْلاً وأعظم فداحةً ليس لسورية وحسب وإنّما للإقليم بأسره.

ومَنْ كان لديه إطلالة عميقة على طبيعة القوى السيّاسية المعارضة في سورية يُدركُ أنَّ ثمة وجه شبهٍ بينها وبين المعارضة الليبية ، فهي غير مُنظمة ، ولا تحظى بقاعدةٍ إجتماعيةٍ يُعتدُّ بها ، وعلى العكس من ذلك فإن النظام الحاكم يُمثّل في الواقع قاعدة إجتماعية عريضة لأسبابٍ ليست مجهولة أهمّها : إنجازُ إستقرار غير مسبوقٍ في البلاد ، سياسة شعبية على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي ودورٍ قومي في مواجهة العدو الصهيوني وفي نصرة قضايا الأمة ومقاوماتها.

ولأنّ القيادةَ السوريّة قد بادرت مُنذُ بداية حركة الإحتجاج الى الإستجابةِ لعددٍ كبيرٍ من مطالب المحتجّين بما في ذلك :  إلغاء قانون الطواريء وتشكيل لجان عديدة لتقديم حزمة مشاريع لقوانين الأحزاب والإنتخاب والإعلام والإدارة المحليّة ، ولأنّها أعلنت كذلك بوضوح لا لبس فيه عَنْ إستعدادها لتعديل الدستور وبخاصّة المادّة الثامنة ، أو حتى إستبداله كاملاً .. لأنّها فعلت ذلك فقد أصبحَ البابُ مُشْرعاً أمام إصلاحات جدّية في البلاد تُحقّقُ الديمقراطيةَ بمعناها الشامل.

ولقد أحسنت المعارضةُ السوريةُ صُنعاً إذْ عَقدت إجتماعَها الأول بدمشق ضمن سقف الوطن تحت شعار يَحظى بالتقديرِ والإحترام : سورية للجميع في ظلّ دولةٍ مدنيّة ديمقراطية.

وأحسبُ أنّها بهذا التوجّه قَدْ وضعتْ الأمورَ في نصابها ، وأرستْ أساساً لحوارٍ وطني جاد يَستبعدُ كُلّ تدخلّ أجنبي في شؤون البلاد.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا