<%@ Language=JavaScript %> هشام غصيب في نقد عزمي بشارة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

في نقد عزمي بشارة

 

 

 هشام غصيب

 

 

حول كتاب عزمي بشارة:

” في المسألة العربية”

هذا نص غريب وغير مألوف بعض الشيء. فلا هو بالنص العلمي الأكاديمي الهادئ الجاف، ولا هو بالنص الآيدولوجي الوعظي المتهافت؛ تلك النصوص التي يعج بها الإعلام العالمي، والعربي تحديداً. فجل النصوص المعنية بالديمقراطية هي أقرب إلى الثرثرة الإعلامية، التي تهدف إلى دغدغة العواطف وتجيييشها وشل الملكة النقدية لدى القارئ أو المستمع وإرادته السياسية. وبالتأكيد، فإن نص عزمي بشارة لا يندرج ضمن هذا الإطار، ولا ضمن إطار التوبة الليبرالية لدى العديد من اليساريين العرب، يساريي ما بعد الانهيار السوفييتي. لكنه أيضاً ليس نصاً مدرسياً أكاديمياً يضج بالتفصيلات الدقيقة حتى الغثيان. كلا! إنه لا هذا ولا ذاك. وبالمقابل ، فإنه نص سياسي صراعي، نص يرتبط بحركة سياسية قائمة أو مرتقبة، أو ربما نص يسعى إلى تأسيس حركة سياسية عربية جديدة، حركة لمن يسميهم عزمي بشارة في كتابه ” الديموقراطيين العرب”. إنه نص لا يسعى إلى إعادة إنتاج معرفة قائمة أو إلى شرحها وتبسيطها. بل إنه لا يسعى إلى إنتاج معرفة جديدة بالمعنى الأكاديمي الحيادي، وإنما يسعى إلى صنع أفكار ترشد حركة سياسية، أي أسلحة فكرية تشهرها حركة سياسية عربية. لذلك يخلو هذا النص من الكليشيهات المعهودة بصدد الديمقراطية، ويعبر عن وعي سياسي عربي جديد ينظر إلى المسألة من زاوية جديدة ويحاول بمشقة بالغة بلورة رؤية عربية جديدة. انه يحاول أن يقول شيئاً جديداً على الساحة العربية. فهل يفلح في ذلك؟ إنه بالتأكيد نص عسير وعر المسالك والتعبير واللغة. هل هو كذلك لأن أسلوب مؤلفه وعر وعسير في تكوينه الداخلي؟ لكنه يكون أبعد ما يكون عن العسر والوعورة حين يتكلم في وسائل الإعلام. لماذا إذاً هذا العسر والوعورة؟

إن هذا النص طافح بالأفكار الغنية الطازجة غير المألوفة إلى حد الفوضى والضبابية. إننا نشهد في النص الولادة العسيرة القيصرية لهذه الأفكار الخصبة. ونجد عزمي بشارة يلدها بمشقة ويكاد أن يختار أصعب السبل وأطولها للتعبير عنها، وكأنه يشعر أن أي تعبير مألوف يعجز عن استيعابها. ولذلك أيضاً نجده ينتج الفكرة لكي يشطح بعدها طويلاً ويقفز إلى أفكار أخرى لا ترتبط مباشرة بالفكرة الوليدة، وكأنه يحاول الاستراحة من عناء عملية الولادة، لكي يعود إليها بعد صفحات يعالجها بمزيد من التفصيل والرصانة. إنه بالفعل نص مربك. لكني اعتقد أيضاً أن هناك أسباباً فكرية عميقة لهذا الإرباك والعسر.

إن عزمي بشارة يتصدى بحزم للنظريات العنصرية الثقافوية الغربية بصدد الديمقراطية. كما إنه يسخر من النيوليبراليين العرب، الذين يراهنون على الدبابة الأمريكية لتحريرهم من استبداد الأنظمة العربية.

ويسخر من محاولة الأميركيين تبرير عدوانهم وغزوهم الأرض العربية بالديمقراطية. كما إنه يسخر من نظام الطوائف الذي أنشأه الاحتلال في العراق وغيره وألبسه ثوب الديمقراطية الزائف. وهو يخصص جزءاً كبيراً من الكتاب في محاولة منه لدحض هذه الرؤى والمزاعم والظاهرات. لكنه لا يفلح تماماً في ذلك. إنه يسجل موقفاً واضحاً ويبدي تبرمه بالمزاعم الأمريكية والنيوليبرالية وشجبه إياها، لكنه لا يفلح تماماً في تفكيكها وتعريتها. لماذا ؟

أولاً، أرى أننا لا نستطيع مجابهة التزوير الأميركي من داخل إطار الأيديولوجيا السائدة. ويبدو لي أن عزمي بشارة ظل إلى حد ما يدور عبثياً ضمن هذا الإطار وظل أسيراً له، الأمر الذي أفسد عليه محاولة تملك تبصراته وأفكاره و إدراكاته الثاقبة، التي قاده إليها نضاله الفكري والسياسي، والتعبير عنها بدقة. ويتبدى هذا القيد الآيديولوجي في إصراره على وضع الأنظمة الشيوعية والفاشية في سلة واحدة في مجابهة الديموقراطية الغربية، وكأن هذه الأخيرة تمثل بالفعل نهاية التاريخ، وكأن عدوانيتها المتكررة وممارستها الإمبريالية لا تمت بصلة إلى جوهرها الطبقي التاريخي. إنه يغيب تماماً تناقضات الديمقراطية الليبرالية المرتبطة جوهرياً بنمط الإنتاج الرأسمالي وتناقضاته المميتة، ومن ثم يغيب الارتباط الجدلي العميق بينها وبين نقيضها الجدلي الفاشي. وهو لا يرى ضيراً في إفراز الديموقراطية الليبرالية مجرمي حرب كبوش وزبانيته وبلير وغيرهم. صحيح أنه يدرك تماماً ضحالة التصورات التقليدية للديموقراطية والتي تنبثق من هذا الإطار الآيديولوجي، تلك التصورات التي لا تميز بين المجتمعات وتختزل الديموقراطية إلى مجرد وصفة سياسية أخلاقية، الأمر الذي يدفعه إلى الربط وتأكيد العلاقة العضوية بين الديموقراطية في الوطن العربي وما يسميه “المسألة العربية”، بوصف الأولى مكوناً عضوياً من مكونات سيرورة الثانية. إلا أن بقاءه أسيراً لهذا الإطار يحول دون توضيح هذه العلاقة والتعبير عن مكنوناتها.

ثانياً، فإن هاك غياباً لنظرية متماسكة شاملة في النص، وبخاصة بصدد الدولة. إن عزمي بشارة يتكلم عن الدولة وكأنها معطى بديهي. إنه يطرح ملاحظات متناثرة ثاقبة حول الدولة، وبخاصة الدولة الريعية في الوطن العربي، لكنه لا يطرح نظرية في الدولة، ومن ثم لا ينظّر للدولة العربية تحديداً. لكن الديموقراطية الليبرالية موضوع اهتمامه هي شكل من أشكال الدولة. فكيف يمكن إذاً أن نتكلم بصورة متماسكة عنها من دون نظرية في الدولة.

ثالثاً، فإني أرى أن أفضل طريقة لمجابهة التزوير الإمبريالي والأساليب الأمريكية في إساءة استعمال المفهومات السياسية وتسخيرها ألغاماً فكرية لتحطيم الوعي وشل الإرادة السياسية هي التدقيق العلمي في المصطلحات ونقدها وتفكيكها. وهذا ما لا يفعله عزمي بشارة. فهناك مفهومان محوريان في الكتاب يبقيهما عزمي بشارة على حالهما من دون تحديد وتمحيص نظر: الديموقراطية وما يسميه المسألة العربية. وهو يفترض أن المفهوم الأول، الديموقراطية، نظام مكتمل ومتفق عليه وأنه لا حاجة إلى إعادة النظر فيه. ويغفل تماماً فكرة أن الديموقراطية هي سيرورة غير ناجزة وأن مغزاها وأسسها غير متفق عليها حتى في العلوم الاجتماعية، هذا ناهيك بما ألحق بها إعلام الثرثرة السائد من تزوير وتسطيح. أما المسألة العربية، وهي مفهوم جوهري آخر ينهار النص من دونه، فتبقى هائمة في ضباب كثيف. إننا ننهي قراءة الكتاب ونحن في حيرة من أمرها. إن عزمي بشارة يربطها بحق تقرير المصير وشرعية الدولة، وكأنه بعد لأي يفسر الماء بالماء. لكنها قضية القضايا. وهو يعلم أن هناك رؤى حولها متنوعة بتنوع الأحزاب والمدارس الفكرية العربية. ولما كان هذان المفهومان هما القاعدة التي يرتكز إليها النص، بات النص هائماً في فراغ فكري.

رابعاً، فإن عزمي بشارة يتكلم عن ديموقراطيين عرب، من دون أن يحدد طبيعة وعيهم و إرادتهم السياسية وقاعدتهم الاجتماعية. وكان الأولى أن يتكلم عن قوى ديموقراطية تنبثق من قلب قوى الإنتاج وعلائقه. لكنه يغفل تماماً في كل طروحاته مسألة البنية الإنتاجية في الوطن العربي، وطبيعتها التابعة. كما إنه يغيب تماماً علاقة الديموقراطية بالقاعدة الإنتاجية وتناقضها التام مع واقع التبعية البنيوية التي تعاني منه أمتنا. ونراه أيضاً يغفل العلاقة العضوية التي تربط الديموقراطية بطبيعة الطبقات الاجتماعية والصراع الطبقي، ومن ثم سيرورة الثورة الاجتماعية، مع إني أعتقد أن مفهوم الديموقراطية يفقد مضمونه التاريخي من دون ذلك.

لذلك كله جاء النص مرتبكاً وعسيراً ووعراً وغير متماسك. وإني لأدعو المؤلف إلى بذل محاولة ثانية لإعادة التعبير عن أفكاره الثاقبة حقاً و إعادة ربطها على أساس نظري محكم.

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا