<%@ Language=JavaScript %> فؤاد قاسم الأمير الحل: رفض اتفاقية مشروع غاز البصرة مع شركة شيل والإيعاز الفوري بالتنفيذ المباشر من خلال عقود خدمة اعتيادية
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الحل: رفض اتفاقية مشروع غاز البصرة مع شركة شيل


والإيعاز الفوري بالتنفيذ المباشر من خلال عقود خدمة اعتيادية

 


فؤاد قاسم الأمير
 


إن من يريدنا أن نوافق على "اتفاقية تطوير غاز البصرة" مع شركة شيل (وشركة ميتسوبيشي)، أو بصورة أدق وأوضح فإن من يريد أن يسوّق لهذه الاتفاقية، يضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما - بالنسبة إليه-. الخيار الأول هو الاستمرار بالحرق هدراً للغاز المصاحب لإنتاج النفط، أو الخيار الثاني وهو الموافقة على هذه الاتفاقية!!، وأحلاهما مر!. بينما في واقع الحال هناك خيار ثالث، لم يتم وضعه أمام المسؤولين وأمامنا لسبب ظل مجهولاً بالنسبة لي ولغيري من المعنيين بالمسألة النفطية العراقية. و حاولت جهدي عندما لم يطلعنا المسؤولون في وزارة النفط عن سبب عدم طرح الخيار الثالث، أن أجد لهم سبباً مقنعاً أو نصف مقنع، ولكن للأسف لم أجد سبباً أو عذراً. والخيار الثالث ليس غائباً عن الأذهان، فهو موجود باستمرار، ومطروح من قبل العديد - ومنهم كاتب هذه السطور- من الخبراء والمعنيين ببناء صناعة نفطية/غازية يستحقها العراق والعراقيون. لقد طرَحتُ البديل الثالث قبل ثلاثة أعوام تقريباً، كما طرحه غيري، وهو إعادة تأهيل نفس المشروع الذي تتحدث عنه الاتفاقية بالجهد المباشر من قبل أجهزة وزارة النفط، سواء أكان هذا الجهد من قبل الأيدي العراقية أو الأجنبية وذلك من خلال التعاقد مع الشركات المختصة ذات الخبرة في الاستشارة والتصميم وتحضير وثائق المناقصة والتعاقد والتنفيذ وبواسطة عقود خدمة اعتيادية. وهو أمر ليس بعسير ولا مكلف، وبالتأكيد ستكون عوائده على العراق أفضل بكثير من هذه الاتفاقية.
كنت قد طرحت هذا الأمر عندما حَصَلتُ على "الاتفاقية الأولية بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب"، الموقعة في 22/9/2008، والتي كانت تعتبر، وكالعادة "سرية"، لحين قيامي بنشرها مع ملاحظاتي حولها، في أواسط كانون الأول 2008، ثم نشرت بكتاب في كانون الثاني 2009، تحت عنوان: "الاتفاقية الأولية بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب: آراء وملاحظات". وخلاصة الكتاب، رفض الاتفاقية الأولية، "والاتفاقية النهائية" والتي من المفترض أن توقع لاحقاً، والبدء بالتنفيذ المباشر لتأهيل مشروع غاز الجنوب.
وبدلاً من أن ترفض الاتفاقية، والقيام مباشرة بإعادة تأهيل مشروع غاز الجنوب، نعود، وبعد أن أضعنا ثلاثة أعوام، لنجد "الاتفاقية النهائية" جاهزة وموضوعة أمام مجلس الوزراء، ليس لرفعها إلى مجلس النواب للمصادقة عليها، وإنما لإقرارها والمصادقة عليها وتمشيتها من قبل مجلس الوزراء مباشرة. وهنا نجد أيضاً، أن من أعد هذه الاتفاقية فإنه يضع مجلس الوزراء - وبقية العراقيين- أمام خيارين، إما الاستمرار بالحرق هدراً للغاز المصاحب، أو تمرير هذه الاتفاقية!. إنه لم يقدم الخيار الثالث، أو على الأقل أن يقدم مقارنة بين حل الاتفاقية والحل الثالث، ولماذا اختار الاتفاقية؟، وهو على أكثر احتمال يعتقد بأن "المعارضين" قد أخّروا العراق ثلاثة أعوام، وكان الأجدر بنا أن نمضي بها منذ ذلك الحين!!. أو يعتقد عدم استطاعة العراقيين العمل بالحل الثالث، ولا بديل أمامه إلاّ المضي بالاتفاقية.
لقد لاحظت ومنذ بداية الاحتلال، أن المحتل و(غيره)، وبعد أن فشل في تمرير أجندته للسنوات الثمان الماضية، يعمل على إيصال العراقيين إلى حالة من اليأس سواء في القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ليقنعوا بما هو موجود أمامهم!. ونجحوا في أمور كثيرة، وهنا أتحدث عن الصناعة، فإنني قبلت وعن مضض "بخصخصة" الصناعة العراقية جزئياً بشكل أو بآخر، مثل ما حدث لبعض معامل السمنت أو معمل أسمدة بيجي، لأن البديل تركها بلا عمل ودون صيانة، وبالنتيجة تآكلت المعدات والحديد وأصبحت أقرب إلى الخردة. وهذا ما حدث كذلك لمعدات مشروع غاز الجنوب الذي أهمل في أيام الحصار الاقتصادي في عهد النظام السابق وما تلاه من احتلال أميركي، ولمدة تقارب العشرين عاماً. ولكنني أقف عند الحالة التي نتحدث عنها الآن، أي إعادة تأهيل مشروع غاز الجنوب، ولا يمكن أن يصل بي اليأس حتى أوافق على هذه الاتفاقية الظالمة بحق الشعب العراقي، ولأسباب ذكرتها سابقاً، واضطر لإعادة ذكرها على ضوء ما استجد في الثلاث سنوات الماضية. وإنني هنا أتحدث باسم الأغلبية من العاملين في الصناعة النفطية، والذين شيدوا هذا الصرح الكبير الذي أوشك أن يصبح حطاماً، وأن الأخذ بالحل الثالث سيعيد الثقة للعاملين في هذه الصناعة، وسيحاولون أن يمضوا بإعادة البناء بصورة أفضل.
ليس ما نرجوه من مجلس الوزراء فقط هو رفض الاتفاقية رفضاً قاطعاً، ودون الدخول في أية مناقشات جديدة مع شركة شيل، وإنما نطالب (بنفس قرار الرفض) الطلب من وزارة النفط القيام بتنفيذ المشروع بعقود الخدمة المباشرة، وبالاستعانة بالشركات الأجنبية الهندسية. وإنني على ثقة أن باستطاعة وزارة النفط تنفيذ ذلك، فهي تقوم حالياً (وبمعية الشركات الأجنبية) بأعمال مشابهة سواء بالنسبة لتأهيل المصافي، أو تحضير وثائق المناقصة، وصيغ العقود للمصافي الكبيرة المنوي الإعلان عنها قريباً، كذلك بالأمور المتعلقة بإكمال توسيع إمكانيات التصدير للنفط من موانئ البصرة، وغيرها من المسائل والقضايا. ولن يكون هذا الأمر صعباً سيما وأن من المفترض أن تكون شركة شيل قد أكملت التصميم الأساس في الوقت الحالي، ومتطلبات التأهيل تفصيلاً، وهي موجودة في كثير منها في نص الاتفاقية المعروضة على مجلس الوزراء.
كنت أنتظر أن أحصل على نسخة من الاتفاقيات النهائية كي أكتب عن الموضوع، ولكني ارتأيت أن أكتب حتى لو لم أحصل عليها في الوقت الحاضر، حيث أن الأمر أمام مجلس الوزراء، والأهم من ذلك هو أنني توصلت إلى أن هذه الاتفاقيات يجب أن ترفض أصلاً، فهي ليست فقط مؤذية للعراق وإنما غير قانونية وغير دستورية، ويجب البدء فوراً بالتنفيذ المباشر تجنباً لأية خسارة إضافية نتيجة للتأخير. لماذا إذن الدخول في التفاصيل التعاقدية للاتفاقية، وهي مرفوضة كلياً بالنسبة لي. مع تأكيدي هنا، على أننا لو كنا قد قبلنا بهذه الاتفاقيات من حيث المبدأ، كان علينا الدخول في تفاصيل النصوص العقدية، فالمشاكل والعُقد وتمرير الأمور هي في التفاصيل. وهو أمر متوقع جداً في هذه الاتفاقيات، وكما سنوضح في هذه الدراسة.
ليعذرني القارئ عندما يجد بعض التفاصيل، فهذه هي طريقتي في الكتابة، إذ على ضوء هذه التفاصيل التي أرى ضرورة وضعها نستطيع جميعاً أن نصل إلى النتيجة التي أراها مقنعة، وقد يراها الغير عكس ذلك.
1- المقدمة: موجز ما ذكرته في أواخر عام 2008 وملاحظات أخرى
وهنا سوف أعتمد أساساً على كتابي المشار إليه أعلاه، مع إضافة بعض الملاحظات التي أرى من المفيد إضافتها. كما أنني سوف أعتمد على بعض معلومات هذا الكتاب في الفقرات الأخرى من هذه الدراسة:
أ- لقد تم في 22/9/2008 توقيع "مقدمة اتفاقية HOA Head of Agreement"، والتي سميتها: "الاتفاقية الأولية"، بين وزارة النفط العراقية وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء (التابعة لشركة شيل الهولندية النفطية العملاقة)، وذلك بعد أن وافق عليها مجلس الوزراء في 7/9/2008. والاتفاقية مكتوبة باللغة الإنكليزية، ومكتوب عليها "سري Confidential"، ولا أعرف في الواقع معنى السرية في هذه الاتفاقية. وتتألف من مقدمة وتعاريف و(18) مادة وثلاثة ملاحق. وتذكر المقدمة أنها اعتمدت على عرض كان قد قدم من شركة شيل إلى وزارة النفط في 22/1/2008.
الغرض من هذه الاتفاقية الأولية هو وضع الأسس لإنشاء شركة مشتركة طويلة الأمد لمدة (25) عاماً قابلة للتمديد، وتكون في جنوب العراق، وفي محافظة البصرة، وأية مساحة أخرى يتم الاتفاق عليها، والتي قد تعني أن عمل الشركة سيمتد خارج البصرة وقد تشمل أيضاً جميع الحقول الغازية في الجنوب وليس فقط الغاز المصاحب.
أما لماذا اختيرت شركة شيل وبلا منافس للقيام بهذا العمل، (بالإضافة لخبرتها ) فهو وكما جاء في كتاب الوزارة إلى رئاسة الوزراء في أوائل أيلول 2008 "بسبب عزوف غيرها من الشركات عن العمل لدواعي أمنية"، وهو أمر يثير الاستغراب حقاً نظراً لمعرفتنا بأن المنطقة آمنة، وإذا كان الوضع العام غير آمن، ما الذي يدفع شركة شيل للعمل في وسط غير آمن بينما ترفض الشركات الأخرى ذلك. إضافة لذلك فإن بإمكان جميع الشركات الهندسية المعروفة القيام بالعمل المطلوب، عدا مسألة "تسييل الغاز الطبيعي" فهي من اختصاص شركة شيل، ولكن أوضحت في كتابي عدم الحاجة إلى تسييل الغاز الطبيعي, علماً أننا سنرجع إلى هذا الموضوع لأن شركة شيل تلح على القيام بذلك.
ب- مدة الاتفاقية الأولية (12) شهراً، إلاّ إذا تم تمديدها باتفاق الطرفين. وفي حالة الإلغاء يتحمل الطرف العراقي التبعات المالية التي قامت شركة شيل بصرفها. أي عملياً تنتهي الاتفاقية الأولية في تشرين الثاني 2009، ولكن كما ظهر لاحقاً أنها مُددت عدة مرات أحدها في 3/3/2010، حيث أصبحت أمراً واقعاً وذلك لإكمال الاتفاقية النهائية. ولقد قدمت مسودة الاتفاقية النهائية في أيلول 2010، ورفضها السيد مستشار رئيس الوزراء للشؤون القانونية في 28/10/2010، لعدة أسباب منها ما ذكرته في كتابي آنف الذكر، (وكما مبين في مذكرته في المرفق 3). ثم قدمت مسودة أخرى في شباط 2011، وأخيراً المسودة التي أرسلتها وزارة النفط والموجودة الآن أمام مجلس الوزراء.
ج- إن الشركة المقترحة، ستكون مملوكة 51% (من قبل شركة غاز الجنوب)، و49% (من قبل شركة شيل)، ويمكن إضافة شريك أجنبي آخر، ولكن حصته ستكون ضمن حصة شركة شيل، وهو ما حدث فعلاً لاحقاً حيث دخلت شركة ميتسوبيشي بنسبة 5%. إن صيغة الاتفاقية الأولية لا ترينا فائدة كبيرة لحصول الجانب العراقي على 51%، أي الغالبية المطلقة في اتخاذ القرارات، حيث أن القرارات "المهمة" تتخذ بالإجماع.
إن جزء من المبالغ المطلوبة من الجانب العراقي (شركة غاز الجنوب)، سيكون جميع أصول شركة غاز الجنوب تقريباً، إذ ستشمل جميع منشآت مشروع غاز الجنوب المطلوب تأهيله. والذي يعني بالنتيجة "خصخصة" شركة غاز الجنوب جزئياً من قبل المستثمر الأجنبي.
د- إن التشريعات القانونية التي اعتمدت عليها وزارة النفط لتكوين هذه الشركة المشتركة، هما القانون (22) لسنة 1997 "قانون الشركات العامة"، والقانون (21) لسنة 1997 "قانون الشركات الخاصة والمختلطة"، المعدل في سنة 2004. ولقد أوضحنا في كتابنا المشار إليه، أن هذه الشركة لا يمكن أن تمرر من خلال هذين القانونين، وأن الأمر يتطلب تعديل القانونين المذكورين، أو تمرير هذه الشركة بقانون خاص استثناءاً من القانون أعلاه. ولقد أيد مستشار رئيس الوزراء للشؤون القانونية في مذكرته المؤرخة في 28/10/2010 (الملحق رقم3) هذا الرأي المتعلق بعدم قانونية الشركة.
أود أن أضيف هنا، بأنني كنت على خطأ عندما اعتبرت عمل هذه الشركة يشابه عمل المصافي النفطية أو المصانع البتروكيمياوية، ولهذا يمكن مشاركة القطاع الخاص أو الأجنبي فيها، ولكن بعد مراجعتي للأمر خلال الثلاث سنوات الماضية، وإصرار وزارة النفط وشيل على تمرير الاتفاقية، توصلت بأن الغاز الخام المجهز للشركة، وهو غاز مصاحب لإنتاج النفط إلاّ أنه جزء من الاحتياطيات النفطية والغازية العراقية، ولهذا تنطبق عليه المادة الدستورية (111) والتي تقول "النفط والغاز ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات"، وبهذا لا يمكن مشاركة الأجنبي به حسب مفهوم الدستور العراقي وكما كنت قد أوضحت تفصيلاً ذلك في كتبي السابقة عن قانون النفط والغاز. وسوف أتطرق إلى هذا الموضوع لاحقاً. علماً أنني كنت قد أكدت في نفس الكتاب عدم إمكانية هذه الشركة الاستفادة من غاز الحقول الغازية، لأن الدستور العراقي لا يسمح بذلك وحسب نفس نص المادة (111) المذكورة أعلاه.
هـ- إن سعر الغاز الخام الذي ستشتريه الشركة المشتركة من شركة نفط الجنوب سيكون نسبة ثابتة من العوائد المستلمة من قبل الشركة المشتركة نتيجة بيع منتجاتها (وهي الغاز الجاف والغاز السائل LPG والسوائل الهيدروكربونية الخفيفة)، وبالأسعار العالمية، سواء أكان هذا البيع للاستهلاك المحلي أو للتصدير. وتستطيع وزارة النفط، أو أية جهة حكومية أخرى، التي تشتري المنتجات بالأسعار العالمية أن تبيع هذه المنتجات بالأسعار المحلية وتتحمل ميزانية الدولة الفرق بالأسعار.
إن السعر العالمي للغاز الطبيعي الجاف عند إعداد هذا الكتاب كان بحدود (6-8) دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ولكن سعره الداخلي يبلغ (50) دينار لكل متر مكعب أو ما يعادل (1,15) دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وحتى هذا السعر المحلي "الرخيص" هو أعلى من سعر الغاز المباع في الدول المجاورة، والذي يبلغ في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة (0,75) دولار، وفي إيران (0,35) دولار، وفي قطر (0,87) دولار، وفي مصر (1,19) دولار، وفي عُمان (0,95) دولار.
إن الفرق في السعر بين ما تبيعه الشركة المشتركة للغاز الجاف، وما يباع للسوق المحلية والذي يصل إلى ما يقارب (6) دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (أو لكل 971 قدم مكعب)، ستتحمله خزينة الدولة. ولهذا لن تكون هناك أرباحاً متحققة للدولة، بعكس الشركة المشتركة التي ستحقق أرباحاً عالية. وحتى عند احتساب حصة شركة غاز الجنوب من هذه الأرباح، وكذلك حصة الحكومة من الضرائب على الشركة كإيراد كامل للحكومة، فإن الدعم الحكومي للغاز المجهز إلى الكهرباء ومعامل الأسمدة والبتروكيمياويات سيتجاوز جميع إيرادات الحكومة. أما اقتراح رفع الدعم عن سعر الغاز المحلي جزئياً أو كلياً، فإنه سيعرض أسعار الكهرباء للارتفاع الكبير وسينهي صناعة الأسمدة والبتروكيمياويات في العراق. وسنتطرق لهذا الموضوع في فقرة أخرى من هذه الدراسة.
لهذا فإنه لن يكون هناك عائد اقتصادي للعراق من هذه الشركة، علماً أن شركة شيل ستحقق أرباحاً عالية، من بيعها - وبالأسعار العالمية- جميع الغاز العراقي إلى العراق نفسه، حيث أن الحاجة المحلية الفعلية للغاز تتجاوز الغاز المحروق هدراً والذي من المفروض تسليمه لهذه الشركة، ولن يتوفر غاز للتصدير لفترة طويلة مقبلة. هذا وأن الدراسات الجديدة تؤكد ما سبق وتوصلنا إليه في كتابنا السابق الذكر أعلاه بهذا الخصوص، وكما سنلاحظه في سياق هذه الدراسة.
و- لقد صرح منير بو عزيز (وهو الشخص الذي وقع الاتفاقية الأولية عن شركة شيل) إلى "مجلة أخبار النفط والغاز Gas and Oil News" بعددها الصادر في تشرين الثاني 2008، من أن المشروع من شيل لا يتجاوز مشروع غاز الجنوب المنفذ والموجود فعلاً على الأرض ومنذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن يحتاج إلى إعادة تأهيل، كما صرح أيضاً لصحيفة الحياة في أوائل نيسان 2009: "أن العراق قادر على إنتاج أكثر من (700) مقمق يومياً - مليون قدم مكعب قياسي يومياً- تكفي للاستهلاك المحلي والتصدير"، وأضاف: "إن الحكومة العراقية اختارت شركة شيل لأنها الشركة العالمية الوحيدة في كل البلاد العربية... وهي جاهزة لبدء العمل فوراً باعتبارها شاركت في إعداد دراسة عن إمكانيات العراق الغازية على مدى السنوات الثلاث الماضية".
وبالواقع فإن الاتفاقية الأولية تتحدث عن إنتاجية أقل من طاقة المشروع الأصلي الموجود، وقد تصل لاحقاً إلى ما هو مصمم له أصلاً، حين يصل إنتاج الحقول الجنوبية (3-3,5) برميل يومياً. إن الأمر الوحيد الجديد الذي جاءت به الاتفاقية الأولية هو دراسة احتمال بناء وحدة تسييل الغاز LNG لأغراض التصدير بدلاً من التصدير بواسطة الأنابيب.
من يريد من القراء الاطلاع على ماهية غاز الجنوب، يمكنه الرجوع إلى كتابي حول الموضوع. ولكن أود أن أوضح هنا أن أهم ما دمر من المشروع في حروب 1991 و2003 هي كاسبات الغاز. ولقد تمت دراسات في وزارة النفط لإعادة تأهيل المشروع في سنة 2004 بالتعاون مع شركة KBR (كيلوك براون أند رووت) الأميركية، ولكن لم تمض به. ثم تقدمت شركات يابانية بإعداد دراسة تفصيلية حول غاز الجنوب، وقدمت عرضاً في 2007 لإعادة تأهيله بصورة أولية وبكلفة قدرها (160) مليون دولار للمشروع بضمنها كلف الكاسبات ولم يؤخذ به أيضاً، وكأن الغاز مخطط له أن يكون بيد شركة شيل خصوصاً بعد أن أعدت تقريرها المفصل عن غاز العراق في سنة 2006. لقد كان الحديث في سنة 2007 عن تأهيل كامل للمشروع بكلفة تقل عن نصف مليار دولار، وازداد تقدير الكلفة عند توقيع ومناقشة الاتفاقية الأولية مع شركة شيل ليصل إلى (3,5) مليار دولار (عدا وحدة تسييل الغاز الجاف). وفي التقدير الأخير لشركة شيل في آب 2011 فإن كلفة تأهيل وتشييد منشآت الغاز قد ارتفعت إلى رقم فلكي يصل إلى (12,8) مليار دولار، بالإضافة إلى (4,4) مليار دولار كتقدير لكلفة وحدة تسييل الغاز الجاف. وبحسب معرفتنا بتقديرات شركة شيل على النطاق العالمي، فنحن لن نستغرب إذا ما تجاوزت كلفة المشروع الفعلية مبلغ (20) مليار دولار!!.
من كل ما مر ذكره فإنه لا يوجد بديل - على الأقل بالنسبة لي- إلاّ العمل الفوري بالتنفيذ المباشر لتأهيل المشروع وبعقود خدمة مع الشركات الهندسية المختصة. وما سنذكره لاحقاً في سياق هذه الدراسة يؤكد ذلك.
2- الاتفاقية النهائية مع شركة شيل والمعروضة على مجلس الوزراء
كانت وزارة النفط قد أنهت مباحثاتها مع شركتي شيل وميتسوبيشي، وأرسلت في أوائل آب الماضي نسخة من العقد واتفاقية المساهمين، حيث تم توقيعهما بالأحرف الأولى في أواسط تموز 2011، لغرض عرض الموضوع على لجنة الطاقة في رئاسة الوزراء لدراسته ومن ثم إحالته لمجلس الوزراء لإصدار القرار المناسب. لقد أرفقت مع الكتاب ملخصان، الأول يتضمن "الملامح الأساسية لاتفاقية غاز البصرة"، والثاني "التقرير الاقتصادي الذي يبين المنافع الاقتصادية المتوخاة والتي ستتحقق من جراء السير بإجراءات مصادقة العقد واتفاقية المساهمين". وهما المرفقان (1) و(2) لهذه الدراسة.علماً أن هذين المرفقين هما ما تم إرسالهما إلى عدد من المعتمدين بهذه الأمور في الخارج لغرض إبداء الرأي والملاحظة، حيث أدى الأمر إلى تجمع للمهتمين بالأمر لمعارضة هذه الاتفاقية، وإرسال الاعتراض إلى المعنيين الأساسيين في الدولة العراقية، مثل السادة رؤساء الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب.
وحسب المعلومات المتوفرة لدي، فإن نص العقد واتفاقية المساهمين لم يتم إرسالهما إلى أحد، بحجة أنها طويلة وثقيلة القراءة، ولذا قد تكون هناك أموراً مثيرة مهمة موجودة في هاتين الوثيقتين، ولم يُشر إليهما في المختصرات التي عرضت على لجنة الطاقة في أواسط آب وافقت لجنة الطاقة في مجلس الوزراء عليهما وأرسلتاها إلى رئاسة الوزراء لاستحصال الموافقة وذلك في النصف الثاني من آب الماضي.
أود أن أوضح ما يلي:
أ- يذكر كتاب وزارة النفط المشار إليه أعلاه، أنه "تم إجراء الكثير من التعديلات على هاتين الاتفاقيتين مسترشدين بالملاحظات التي تم إدراجها من قبل السيد المستشار القانوني لدولة رئيس الوزراء وكذلك الملاحظات المثبتة من قبل الوزارة وبالاستعانة بعدد من المستشارين العالميين في مجالات القانون والعقود النفطية والمجالات الاقتصادية بالإضافة إلى جهود كوادر هذه الوزارة".
على ضوء ذلك، تم وحسب قول وزارة النفط:
- تعديل النموذج الاقتصادي بما يضمن تعظيم الموارد المالية للعراق. ووضع آلية تسمح بزيادة حصة العراق من أرباح الشركة كلما ازدادت هذه الأرباح في المستقبل عن الحدود المرسومة لها في العقد.
- تقليص التزام شركة غاز الجنوب بتسليم الغاز الخام إلى شركة غاز البصرة من (2500) مقمق (مليون قدم مكعب قياسي) يومياً إلى (2000) مقمق يومياً محصورة بحقول ثلاثة هي: (الرميلة، الزبير،غرب القرنة المرحلة الأولى). وسنتطرق إلى هذا الموضوع لاحقاً.
- تعديل إيجار الأرض ليكون (10) ملايين دولار في العام الواحد، قابلة للزيادة بنسبة 2% سنوياً لمعامل التضخم.
لا أعرف في الواقع كيف أخذت ملاحظات المستشار القانوني لرئيس الوزراء بنظر الاعتبار، إذ لا توجد لدي العقود الأخيرة. وفي كل الأحوال فإن الكثير من ملاحظات المستشار تشير إلى عدم استطاعة وزارة النفط المضي بالاتفاقية وفق القوانين العراقية النافذة. من المحتمل أن الفقرة الأخيرة والمتعلقة بإيجار الأرض قد أخذ بها، إذ لا يستطيع الأجانب تملك الأراضي الشاسعة التي تعود إلى شركة غاز الجنوب، والتي كانت في الصيغ السابقة ستصبح ملكاً للشركة المشتركة (مع المنشآت والأصول التي عليها) كجزء من المبالغ الواجب دفعها للشركة المشتركة من قبل شركة غاز الجنوب.
ب- إن الشركة المشتركة المزمع تكوينها ستكون تحت اسم "شركة غاز البصرة"، وتتألف من شركة غاز الجنوب (ولها 51% من الحصص)، و"شركة شيل غاز العراق Shell Gas Iraq B. V" (والمفروض أنها تابعة لشركة شيل الهولندية، ولها حصة 44%)، و"شركة دايموند غاز العراق Diamond Gas Iraq B.V" (والمفروض أنها شركة تابعة لميتسوبيشي ولها 5% من الحصص). ولقد أثار المستشار القانوني موضوع العلاقة والضمان والمسؤولية بين هاتين الشركتين والشركتين الأم شيل وميتسوبيشي، إذ لم يثبت ذلك في العقد.
لقد تم توقيع اتفاقيتين بالأحرف الأولى، الأولى تسمى "اتفاقية تطوير غاز البصرة Basrah Gas Development Agreement"، والتي يسميها كتاب وزارة النفط أعلاه بالعقد. وهذه الاتفاقية توقع من قبل الشركاء الثلاث المذكورين أعلاه، ومن قبل السيد وزير النفط أيضاً ممثلاً للحكومة العراقية. والنسخ السابقة التي كنت قد اطلعت عليها ترى أن هذه الاتفاقية (العقد) تقع بحدود (215) صفحة.
أما الاتفاقية الثانية، والتي تسمى "شركة غاز البصرة/اتفاقية المشاركين (المساهمين) Shareholders' Agreement"، فإنها توقع من قبل المساهمين/المشاركين الثلاثة فقط. وهي التي تحدد العلاقة وطريقة العمل بين الشركاء الثلاثة، وتقع بحوالي(125) صفحة.
وفي تفاصيل هاتين الاتفاقيتين نجد الأمور التي نعتقدها سرية، أو غير معلن عنها، ومنها ما ذكره الخبير أحمد موسى جياد (وهو كاتب في الشؤون النفطية العراقية، يحرص دائماً على الكتابة بموضوعية عالية). حيث ذكر في 30/8/2011 ونقلاً عن "صناعة النفط العالمية": أن هناك رسالة تأكيد/ضمان من وزارة النفط إلى المساهمين في شركة غاز البصرة تقول: "أن الوزارة تضمن بأن شركة غاز الجنوب سوف تتمكن من الالتزام بمسؤوليتها، وذلك بتزويد شركة غاز البصرة بجميع الكميات المحدودة، والكميات المخطط لها من الغاز الخام، ومن ضمنها تزويد العجز في الغاز المجهز، كلما كانت هناك حاجة".
ويضيف الأستاذ جياد من النرويج: "إن كان هذا الأمر صحيحاً، فإن الاتفاق لن يكون بالاعتماد على الغاز المصاحب من الحقول الثلاثة (الرميلة، غرب القرنة، الزبير)، وذلك عندما تكون كميات الغاز المتوفرة أقل من الأحجام المضمونة. وهذا يناقض ما أعلن عنه رسمياً من قبل الوزارة حول الاتفاقية، الأمر الذي يؤدي إلى شكوك بأن الوزارة لم تعلن بمصداقية كامل معلوماتها حول هذه الاتفاقية. ولا يعرف فيما إذا كانت الوزارة قد أعطت مجلس الوزراء نسخة من هذه الرسالة/الالتزام، أو أية وثيقة أخرى جانبية موقعة تتعلق بشركة غاز البصرة".
إنني لا أستبعد مثل هذه الرسالة، إذ أن شركة شيل تعرف أكثر من أية جهة أخرى عدم وجود الكميات اللازمة من الغاز الخام للمشروع. إضافة لذلك، لا يمكن أن يعقل أن تعمل شيل جاهدة لبناء وحدة تسييل الغاز، (Liquefied Natural Gas LNG)، بكلفة (4,4) مليار دولار إلاّ إذا كانت على ثقة بأن الغاز سيجهز لها سواء كان ذلك من الغاز المصاحب من الحقول الثلاثة أعلاه أو من حقول نفطية أخرى، أو حتى من الحقول الغازية الصغيرة الموجودة في المنطقة. ولكنني أميل إلى أن هذا التعهد لم يتم برسالة جانبية وإنما مكتوب بشكل آخر ضمن تفاصيل الاتفاقيتين فإن لشركة شيل خبرة كبيرة في كيفية تمرير ما تريد بوضع صيغ رمادية تحتمل عدة أوجه. وقد يكون من المفيد التحدث الآن وفي بضعة سطور عن هذه الشركة قبل الاستمرار في الدراسة.
ج- إن شركة شيل، وهي إحدى الشركات النفطية والغازية العملاقة والعريقة في العالم، معروفة في العراق وهي تعرف العراق جيداً منذ بدء إنتاج النفط العراقي من خلال امتيازات الشركات الأجنبية في شركة نفط العراق وشركة نفط الموصل وشركة نفط البصرة، إذ كانت تملك 23,75% من حصص هذه الشركات. لقد كانت خيبتهم الأولى عندما تم "تأميم" 99,5% من أراضي امتياز الشركات النفطية العاملة في العراق (ومنهم شيل) وذلك في القانون رقم (80) لسنة 1960 ذائع الصيت. وكانت خيبتهم الثانية في العراق عندما فشلت هذه الشركات في تمرير "اتفاقية بغداد" في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، حيث حاولت الشركات نفسها باسترجاع "أراضيها المفقودة" من خلال هذه الاتفاقية!. أما خيبتهم الكبرى فكانت يوم قام العراق بأول تأميم له، وذلك عندما أمم حصة شركة النفط الملكية الهولندية التي تملك 60% من شركة شيل، وذلك بموجب القانون رقم (90) في 21/10/1973، وخلال عامين من هذا التاريخ تم تأميم الحصة المتبقية لشركة شيل، وجميع الشركات البريطانية والفرنسية والأميركية الأخرى. لهذا ما إن تم الاحتلال في سنة 2003 حتى رجعت بقوة إلى العراق للحصول على "الجائزة العالمية الكبرى"، وهي نفط وغاز العراق. وكانوا يأملون أن يتم ذلك من خلال عقود المشاركة بالإنتاج ولكن خاب أملهم.
قد يعتقد القارئ أن اهتمام شركة شيل هو في هذا العقد الغازي فقط. ولكنها وضمن دورة التراخيص الأولى كانت قد حصلت على عقد خدمة فنية لتطوير "حقل غرب القرنة المرحلة الأولى" بالتعاون مع شركة أكسن موبيل الأميركية Exxon Mbil، حيث كانت حصة الشركة الأميركية 60%، وشركة شيل 15%، والشريك الحكومي 25%. إن إنتاج هذا الحقل حالياً يبلغ (244) ألف برميل/اليوم، وتعهدت هذه الشركات أن يكون إنتاج الذروة من هذا (2,325) مليون برميل/اليوم لمدة (7) أعوام. وكان أجر الربح لتجمع الشركات أعلاه (بضمنها الشريك الحكومي) في هذا الحقل هو (1,9) دولار عن كل برميل إضافي.
ثم حصلت شركة شيل على عقد خدمة فنية آخر في دورة التراخيص الثانية لتطوير "حقل مجنون"، وكانت حصتها في هذا العقد 45%، وحصة الشريك الماليزي بتروناس Petronas 30%، وحصة الشريك الحكومي 25%. إن الإنتاج الأولي لهذا الحقل سيكون (45900) برميل/اليوم، وإنتاج الذروة (1,800) مليون/برميل لمدة (10) أعوام. وأجر الربح لتجمع هذه الشركات بضمنها الشريك الحكومي هو (1,39) دولار/لكل برميل منتج.
علماً أن هناك شركة هولندية أخرى تدعى ستات أويل Statoil، كانت قد حصلت في دورة التراخيص الثانية على عقد خدمة فنية لتطوير "حقل غرب القرنة المرحلة الثانية" مع شركة لوك أويل Lukoil الروسية، حيث كانت حصة الشريك الروسي (56,25%)، والشريك الهولندي (18,75%)، والشريك الحكومي (25%). وإن إنتاج الذروة لهذا الحقل سيكون (1,8) مليون برميل يومياً ولمدة (13) عاماً، وأن أجر الربح (1,15) دولار لكل برميل منتج.
لا أعرف مدى علاقة شركة شيل الهولندية (والبريطانية)، بشركة ستات أويل الهولندية هذه، ولكن ونظراً لحجم وأهمية شركة شيل فلابد أن تكون هناك علاقة وثيقة بينهما. وما جلب نظري أن شركة شيل شريك في تطوير "حقل غرب القرنة المرحلة الأولى"، والشركة الهولندية الثانية ستات أويل شريك في تطوير "حقل غرب القرنة المرحلة الثانية"!!. لعلها مصادفة؟!!.
تذكر النيويورك تايمز في عددها الصادر في 29/6/2009 في مقالة عن شركة شيل، تحت عنوان: "شيل تجابه تغيرات أخرى". حيث شرحت حال شركة شيل الملكية الهولندية Royal Dutch Shell في عام 2004 وما بعده وكيف كانت في فضائح كبيرة متعلقة بسجلاتها ودفاترها المحاسبية، منها ما هو متعلق بقيامها بإضافة احتياطيات وهمية للغاز والنفط في سجلاتها، الأمر الذي أدى إلى تبديل قياداتها وقيامها بتعديلات كبيرة في سجلاتها منها تقليص احتياطاتها النفطية والغازية بجوالي 25%. ولقد ساعد ارتفاع أسعار النفط إلى رجوعها إلى السوق العالمية، في وقت كان يُعتقد أنها ستضطر إلى الاندماج مع شركة نفطية عالمية كبيرة أخرى، لولا هذا الصعود في أسعار النفط. وبعد ذلك حققت نجاحات كبيرة وخصوصاً في أمور الغاز في قطر وكندا، حيث استثمرت بقوة ونجاح لأغراض استمرار مستقبلها في هذه الصناعة، ولاسيما في قطر في الحقول الغازية وتحويل الغاز إلى غاز مسيّل لأغراض التصدير.
ومن الأمور السيئة التي وقعت بها هذه الشركة وأثارت لها مشاكل جمة هو مشروع تنقيب وإنتاج المواد الهيدروكربونية (وأساساً الغاز) في جزيرة سخالين Sakhalin Island في روسيا حيث ازدادت توقعات الاستثمار التي وضعتها شركة شيل والبالغة (22) مليار دولار إلى أكثر من الضعف. وبالنتيجة خسرت شركة شيل مشروع (سخالين2) إلى الشركة الروسية الكبيرة كازبروم Gazprom لعدم تنفيذها المشروع بالطريقة والتقييم الصحيح، وذلك لقاء استلامها (7,5) مليار دولار واحتفاظها بحصة (27,5%) من المشروع.
إن شركة شيل أصبحت أحد أعمدة العالم في صناعة الغاز المسيّل Liquefied Natural Gas LNG، وهو العمل الذي ساعدت هي في خلقه وتطويره. وهذا هو سبب الأمر الذي نراه وراء اندفاع وإلحاح هذه الشركة في بناء وحدة تسييل الغاز في العراق.
إضافة لذلك فإن لديها خبرة كبيرة في الحفر في المياه العميقة، كما أنها لا تزال تستثمر بغزارة في الرمال النفطية في كندا رغم انخفاض أسعار النفط في عام 2009، فهي تبحث عن المستقبل في المصادر الهيدروكربونية (وخصوصاً في الغاز) تعزيزاً لاستمرار أعمالها. وهي تعرف أن العالم سيعود إلى هذه المصادر عالية التكاليف عندما تنتهي المصادر الهيدوكربونية منخفضة الكلفة في الشرق الأوسط.
إن الغاز الطبيعي مادة مهمة جداً بالنسبة لشركة شيل، ولهذا قامت بدراسة موسعة جداً، تقع في حوالي (200) صفحة، عن الغاز الطبيعي العراقي سواء الغاز المصاحب لإنتاج النفط أو الغاز الحر، وصدرت الدراسة في عام 2006 تحت عنوان: "الخطة الرئيسية لغاز العراق Iraq Gas Master Plan". إن شركة شيل سوف تستمر في الجري وراء الغاز العراقي، ولكن يجب أن يكون جوابنا على الدوام أن لا مانع لدينا من الاستفادة من هذه الخبرة الكبيرة ولكن بشروطنا وضمن المصالح العراقية الوطنية، ووفق أصول العمل الهندسي والاقتصادي الذي يخدم الاقتصاد العراقي.
هـ - الملامح الأساسية لاتفاقية غاز البصرة
نرى في المرفق رقم -1- النص الكامل للموضوع أعلاه، وسنشير هنا للأمور التي لم نتطرق إليها سابقاً، أو أمور نرى أن نعلق عليها:
• يقول المرفق: "تم الحصول على موافقة مجلس الوزراء على الأطر العامة للمشروع وشروطه التعاقدية بتاريخ 30/6/2010، والمبلغ إليهم بموجب كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 1/7/2010 ومرفقة قرار مجلس الوزراء المرقم (243) لسنة 2010. وتم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقية الرئيسية بين شركة شيل وميتسوبيشي وذلك بتاريخ 12/7/2011. وأن الشركة تؤسس طبقاً لقانون الشركات الخاصة رقم (21) لعام 1997.
فهو لم يُشر هنا إلى ملاحظات السيد مستشار رئيس الوزراء للشؤون القانونية والتي كتبت بعد تاريخ الموافقات المشار إليها أعلاه، إذ أن ملاحظاته كانت بتاريخ 28/10/2010. كما أن هذه الشركة لا يمكن أن تؤسس وفق القانون (21) لسنة 1997، وكما أكد ذلك في ملاحظاته.
• تبلغ مدة المشروع (25) عاماً من تاريخ بدء العمليات، يتم بعدها خروج الشركاء غير الحكوميين (أي الأجانب) من الشركة ما لم توافق شركة غاز الجنوب على تمديد الاتفاق.
إن هذه الاتفاقيات تدخل حيز التنفيذ بعد موافقة مجلس الوزراء عليها، وهناك فترة سُميت: "ما قبل البدء بالعمليات، تصل إلى (15) شهراً" يتم خلالها الحصول على الموافقات والتصاريح وإعداد الاتفاقيات الفرعية".
لا أفهم في الواقع معنى "ما قبل العمليات"، فالمفروض أن الشركة كانت قد عملت على المشروع بما يزيد عن الأربعة أعوام، وأن هناك عمل هندسي يجب أن يكمل بالتداخل مع أعمال الشركة الآخر، وأن الجانب العراقي مستعجل جداً لتنفيذ العمل وإكماله لإيقاف حرق الغاز. فلماذا إذن يحال العمل على شركة شيل، وهي تحتاج إلى (15) شهراً أخرى للتحضيرات، وهي التي ادعت أنها جاهزة للعمل فوراً.
• "تكون الأولوية لإعادة التأهيل ورفع مستوى مرافق الغاز الحالية بغية زيادة الغاز المتاح في السوق المحلية"، ولكنه يضيف: "من المتوقع أن يصل الإنتاج عند الذروة إلى (2000) مقمق في اليوم. كما وأن الاستثمارات المتوقعة للمشروع واللازمة لإعادة تأهيل المنشآت الحالية من خطوط أنابيب ومحطات ضواغط وخطوط معالجة بالإضافة إلى بناء المنشآت الجديدة اللازمة لمعالجة تلك الكميات من الإنتاج وإسالة الغاز الطبيعي تبلغ (17) مليار دولار خلال العشرة أعوام القادمة".
من الواضح جداً بأننا نتحدث هنا عن تأهيل نفس المشروع السابق وبلا زيادة في الطاقة (إلاّ في مسائل محدودة تظهر بعد ستة أعوام(، ولا تعديل أو تحسين في التكنولوجيا، عدا مسألة "إسالة الغاز الطبيعي". ولا أعرف من أين ستجد الشركة الغاز الفائض للتصدير ونحن بحاجة الآن إلى (2000) مقمق في اليوم لأغراض محلية فقط. علماً أنه لا يمكن أن تكون كلفة إعادة التأهيل بهذا المبلغ. هذا وأنه يستطيع أن يستلم لمشروعه الآن حوالي (750) مقمق يومياً من الغاز الخام، وهي ما يحرق، وينتظر التوسع بإنتاج النفط في الحقول الثلاثة ليستطيع استلام (2000) مقمق ويصل إنتاج الذروة البالغ (2000) مقمق يومياً.
مما يزيد الأمر غرابة هو ما تقوله هذه الوثيقة من "إن شركتي شيل وميتسوبيشي تلتزمان سوية بإنفاق (1,5) مليار دولار خلال الثلاثة أعوام الأولى من بدء العمليات (عدا ظروف القوة القاهرة وبعض العوامل الخارجية عن تحكم الأطراف) ولا يتم مطالبة غاز الجنوب بأية استثمارات لحين الوصول إلى ذلك المبلغ. كما يجب أن لا تقل استثمارات كل من شركة شيل وميتسوبيشي الهادفة لزيادة إنتاج الغاز ومشتقاته للاستهلاك المحلي عن 90% من إجمالي مبلغ (1,5) مليار دولار".
فليلاحظ القارئ أن التجمع الأجنبي في هذه الشركة سوف يصرف فقط (1,5) مليار دولار، خلال الأعوام الثلاثة الأولى من بدء العمليات، ولو أضفنا فترة "ما قبل العمليات"، لوصلنا إلى (4) أعوام و(3) أشهر لصرف (1,5) مليار دولار. هل بلغ الأمر بالاقتصاد العراقي وميزانية الدولة عدم قدرتهما على توفير مبلغ (1,5) مليار دولار إلى وزارة النفط من الآن وحتى نهاية 2015 لغرض إعادة تأهيل هذا المشروع، ومن المفروض أن هناك زيادة في أسعار النفط، كما أن هناك توسع في إنتاجه، وتوقع توفر في النقد، بحيث حتى أردنا شراء (36) طائرة إف 16. ورغم ذلك لا يتوفر لنا ما يقارب (350) مليون دولار/السنة، لغرض إعادة تأهيل المشروع وعدم الدخول في المشاركة مع الأجنبي. إن هذا الأمر بالنسبة لي غير منطقي بالمرة. لماذا الشراكة مع شيل والمشروع ليس معقداً من الناحية الهندسية، ويمكن أن تقوم به أية شركة هندسية مرموقة وبعقود خدمة. كما أن المبالغ المطلوبة له ليست عالية فهي (1,5) مليار دولار فقط وللأربع أعوام الأولى من العمل. علماً أن 90% من مبلغ (1,5) مليار دولار تذهب لزيادة إنتاج الغاز ومشتقاته للاستهلاك المحلي، وهو عملياً كل الإنتاج بما يتعلق الأمر بالغاز الجاف. أما المبالغ الباقية التي تنوي الشركة صرفها، فهي من الأرباح التي يحصل عليها الشركاء الأجانب، إذ سيكون الشريك العراقي والحكومة العراقية "منشغلة" بمحاولة الدعم بين السعرين وكما سنوضح لاحقاً.
يؤكد هذا الحال ما نرمي إليه، من عدم وجود أية فائدة من الشريك الأجنبي، لا فنياً ولا مالياً، ويثير الشكوك والتحسس وعدم الثقة في داخل المجتمع العراقي.
• عندما يتحدث عن التقييم الاقتصادي للمشروع، فهو يتحدث عن إعداد نموذج اقتصادي لتقييم المشروع، وتمت مراجعة النموذج والفرضيات المستخدمة فيه فإن معدل العائد الداخلي IRR لشركة غاز البصرة المتوقع يساوي (15%). ويضيف "إن هذا المعدل تم احتسابه آخذاً بالاعتبار التزامات المشروع المستقبلية وكذلك المشاريع المماثلة داخل وخارج العراق"، ويستمر ليقول: "وفي حالة زيادة أرباح الشركة بصورة تحقق معدل عائد أعلى من (17,5%) تم وضع آلية في العقود لرفع سعر شراء الغاز الخام من شركة غاز الجنوب مما يؤدي إلى زيادة معينة في أرباح شركة غاز الجنوب وخفض مقابل لأرباح الشركاء الأجانب".
يجب أن نوضح أن النموذج الاقتصادي يوضع لتسهيل الحسابات وأن مخرجاته، مثل IRR تعتمد على فرضيات المدخلات. وسنرى عند عرض ومناقشة المرفق رقم -2- أن هناك خطأ في المدخلات، حيث افترض سعر الغاز الجاف من شركة نفط البصرة، أعلى من السعر الداخلي بثلاث أضعاف. كما افترض أن سعر الغاز الخام المجهز إلى شركة نفط البصرة يباع بسعر زهيد.
في كل الأحوال فإن نسبة IRR تعادل أو تزيد عن 15%، وهي عالية جداً في الوقت الحاضر. من الممكن الحديث عن أن هذه النسبة قد تكون معقولة عندما تكون الفائدة المصرفية على الدولار بحدود 6-8%، عندئذ يكون من الأفضل الذهاب إلى المشروع الذي يعطي IRR أعلى من نسبة الفائدة هذه. أما عند الحديث عن IRR يصل إلى 17.5%، فهذا يعني أن المشروع يربح بصورة خيالية في هذا الوقت بالذات. إن الفائدة على الدولار في الولايات المتحدة الأميركية الآن هي ما بين صفر و0,25%، والحال كذلك في الدول الغربية الصناعية، وحتى عند احتمال رفع الفائدة عند ظهور بوادر تضخم نقدي فكل التوقعات تشير إلى أنها لن تتجاوز الـ3% لسنوات طويلة. لذلك فإن IRR عندما يكون بحدود 10% فهو مشروع رابح بكل المقاييس.
يجب أن تغمرنا الفرحة عادة عندما نجد أن شركة مشتركة عراقية أجنبية تقوم بمشروع مربح وبنسبة IRR تصل إلى (15%)، لأن الكل سوف يستفيد من هذا المشروع. ولكن الحالة هنا تختلف إذ أن الشريك العراقي سيشتري جميع المنتج الرئيسي تقريباً وهو الغاز الجاف بسعر يعادل (3,22) دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية BTU، ثم يبيعه إلى المستهلك العراقي (الكهرباء والأسمدة الكيميائية والبتروكيمياويات)، بسعر (1,15) دولار، (أو 1,04 دولار كما تقول الوثيقة في الفقرة التالية - و- أدناه)، للمليون وحدة حرارية بريطانية، لذا سوف يتكبد خسارة تزيد على غالبية أرباحه في المشروع، بينما الشركاء الأجانب لا تطالهم هذه الخسارة وينصرفون بالربح كاملاً. لو كانت المدخلات للنموذج الاقتصادي تشير إلى أن سعر البيع المحلي للغاز الجاف الذي تبيعه شركة نفط البصرة هو بحدود (1,04) دولار للمليون BTU، لكان الأمر معقولاً. سنرجع إلى هذا الموضوع في الفقرة التالية.
علماً أن هذه "الملامح الأساسية" تذكر أن كمية الغاز التي يتم حرقها تمثل خسارة اقتصادية تقدر بحوالي (1,8) مليار دولار سنوياً. واعتقد في حساباته هذه أنه افترض الغاز المحروق حوالي (800) مقمق في اليوم وبسعر يقارب (6) دولار/مليون BTU. وهو رقم قريب من الواقع كثيراً، ولكن في نفس الوقت فإن الدراسة تحتسب سعر الغاز الخام الذي تبيعه شركة غاز الجنوب (الحكومة العراقية) إلى شركة غاز البصرة بأقل من عُشر هذا السعر!!.
وفي كل الأحوال إذا كان مشروع إعادة تأهيل غاز الجنوب يجلب هكذا أرباح، فالسؤال الذي يطرح نفسه مباشرة. لماذا نشرك شركة شيل وميتسوبيشي بهذه الأرباح؟.
• لقد احتسبت الضريبة على أرباح شركة غاز البصرة على أساس نسبة (35%) وفي حالة كانت النسبة المطبقة دون ذلك فسيتم تحويل الفارق إلى شركة غاز الجنوب في صورة مدفوعات إضافية على سعر الغاز الخام. إن فرض ضريبة قدرها 35%، ينسجم مع قرار كان قد صدر عن مجلس الوزراء في النصف الثاني من شهر أيار 2009، يقر مشروع قانون لفرض ضريبة على دخل شركات النفط الأجنبية لا يقل عن 35%.
علماً إنني كنت قد احتسبت ضريبة الشركات في كتابي المذكور أعلاه، (والمكتوب في نهاية 2008)، بنسبة (15%) فقط، إذ عند كتابتي له حينذاك لم تكن الضريبة محددة في الاتفاقية الأولية، وكان المتداول بين الأوساط النفطية أن نسبة الضريبة سوف تكون (15%) من الأرباح.
و- مشروع غاز البصرة (المرفق -2-)
سنتحدث هنا عن الأمور التي تحتاج إلى توضيح أو التي لم يسبق أن تطرقنا إليها سابقاً حيث أن نص هذه الوثيقة موجود في (المرفق -2-) من هذه الدراسة. والمرفق يقول إن جميع الأرقام الواردة في هذه الوثيقة تستند إلى مدخلات ومخرجات النموذج الاقتصادي للمشروع.
• افترضِتْ الطاقة الإنتاجية القصوى (200) مقمق يومياً. والتكاليف (12,8) مليار دولار كلفة تأهيل وتشييد منشآت الغاز، و(4,4) مليار دولار كلفة تشييد وحدة الغاز المسال، أي عملياً نحن نتحدث عن مشروع غاز الجنوب الموجود فعلاً على الأرض ويحتاج إلى تأهيل (دون وحدة تسييل الغاز).
تم تقييم منشآت شركة غاز الجنوب، وبلغت الأصول (1,524) مليار دولار. وسيقوم ائتلاف شيل/ميتسوبيشي بإنفاق مبلغ موازي لذلك لتمويل حصته في الأعوام الثلاثة الأولى للمشروع، (أو بالأحرى للأعوام الأربعة والأشهر الثلاثة بعد توقيع العقود، وكما أوضحنا في فقرة سابقة). أما بقية متطلبات الاستثمار فسيتم تمويلها بنسبة المساهمة (51%-49%)، والبالغة (17,2) مليار دولار (وبضمنها وحدة تسييل الغاز). وستقوم شركة غاز الجنوب بتمويل جزء من حصتها في تمويل الاستثمار والبالغة (3,712) مليار دولار من الموازنة العامة للدولة، وهذا المبلغ ينفق في مرحلة الإنشاء فقط حيث أن العوائد في هذه المرحلة لا تغطي مبالغ الاستثمار، أما بقية مبلغ الاستثمار فسوف يمول من عوائد حصتها في المشروع. إن مبلغ (3,712) مليار دولار تستثمر بعد أن تكمل شركة شيل استثمارها لمبلغ (1,5) مليار دولار، أي عملياً بعد (4) أعوام و(3) أشهر من توقيع العقد، ولا يزال العمل في ذلك الحين هو "في مرحلة الإنشاء"!!.
وهذا يعني أن مجموع تمويل شركة غاز الجنوب هو 1,524 مليار دولار (أصول الشركة) مع 3,712 مليار من الخزينة العامة ليساوي المجموع (5,236) مليار دولار.
• الأسعار
اعتبر سعر نفط برنت 75 دولار/برميل. وسعر الغاز الخام يمثل (10%) من إجمالي إيرادات المشروع وتزداد النسبة مع زيادة معدل عائد المشروع.
علماً أني رأيت في جدول نتائج المنهاج الاقتصادي للمشروع، الذي يبدأ من عام 2011 باعتباره عام الصفر وينتهي في عام 1936، بأن معدل سعر نفط برنت (75) دولار/البرميل لعمر المشروع، ومعدل سعر الغاز الخام المجهز لشركة غاز البصرة هو (0,52) دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية بعمر المشروع!!!.
أما سعر الغاز الجاف من شركة غاز البصرة، فإنه يمثل 33,6% من السعر العالمي، ويعادل 3,22 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. أي اعتبر هنا معدل السعر العالمي للغاز (9,6) دولار/المليون وحدة حرارية بريطانية، بينما وضع في جدول النتائج المشار إليه معدل السعر العالمي لعمر المشروع للغاز (7,579) دولار/المليون وحدة حرارية بريطانية. في الواقع إن سعر الغاز الجاف قد احتسب في الدراسة استناداً إلى سعر زيت الوقود العالمي (على أساس المحتوى الحراري المكافئ)، والذي يمثل 74% كمعدل للأعوام السابقة من سعر النفط الخام برنت والسعر 3,22 دولار يمثل 33,6% من سعر زيت الوقود المكافئ وليس من سعر الغاز العالمي، ولذا ظهر التباين!!.
أما سعر الغاز الجاف من شركة غاز الجنوب إلى السوق المحلي فلقد اعتبر (1,04) دولار/مليون وحدة حرارية، ويعادل السعر الحالي (50) دينار/المتر المكعب. (وحسب حساباتي يكون السعر 1,15 دولار/مليون وحدة حرارية).
ولقد ذكرنا سابقاً أن مسألة رفع أسعار المنتجات المحلية (وبالأخص الغاز الجاف) أمر ليس على الطاولة بالمرة، إذ أن هذا الأمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور الصناعة العراقية بالكامل، وكما سيظهر لنا في سياق هذه الدراسة. وأن السعر (50) دينار/المتر المكعب هو بحد ذاته عالٍ جداً مقارنة بالدول المجاورة التي بنت صناعتها البتروكيمياوية والحديد والصلب والأسمدة والألمنيوم بسبب رخص الطاقة، وأصبحت المملكة العربية السعودية مثلاً اكبر مُصَدِر للبتروكيميات في العالم.
• لقد وضعت الوثيقة جداول ورسوم لتظهر أن هناك أرباحاً للجانب العراقي، كما توصلت دراستها بأن IRR 15,4% لشركة غاز البصرة، و15% لشركة شيل/ميتسوبيشي، و24% لشركة غاز الجنوب.
سيتحقق لشركة غاز الجنوب عائد صافٍ بحدود (9 مليار دولار) بضمنها كلفة الغاز الخام وبعد تغطية التكاليف ومبالغ دعم الأسعار سيتحقق كذلك لوزارة المالية من الضرائب والرسوم مبلغ (22) مليار دولار. على القارئ أن يعرف أن هذه الأرقام هي لعمر المشروع، أي هذه العوائد هي نتيجة عمل فعلي لمدة (25) عام. ولكن ما أغفل ذكره هو صافي أرباح شركتي شيل/ميتسوبيشي، فهو في الواقع أقل بقليل من صافي موقف شركة غاز الجنوب البالغ (18,85) مليار دولار، فيما لو استبعدنا المبالغ المتحققة من مبيعات الغاز الخام، والمبالغ المنقوصة منها نتيجة دعم أسعار المنتجات الغازية المباعة محلياً.
والسؤال الذي يطرح مجدداً هو لماذا تدفع مثل صافي الأرباح هذا إلى شركة شيل/ميتسوبيشي، لمشروع ما هو إلاّ إعادة تأهيل ويخلو من أية تكنولوجيا جديدة (عدا وحدة تسييل الغاز التي لا نحتاج إليها)، ومعظم استثماراته تتولد من مبيعاته وتستطيع ميزانية الدولة تحمل الدفعات الأولى، وهي في كل الأحوال تتحملها ميزانية الدولة جزئياً حتى في حالة المضي بتكوين الشركة، وكما أوضحنا سابقاً.
3- الغاز الطبيعي العراقي
لقد بينا في كتابنا السابق عن اتفاقية شيل، أن الاحتياطيات الثابتة للغاز في العراق تبلغ حوالي (112) تريليون قدم مكعب، (أي حوالي 3.2 تريليون متر مكعب)، وبهذا يأتي العراق في المرتبة العاشرة ما بين الدول التي يتوفر فيها الغاز الطبيعي، أي بعد روسيا، وإيران، وقطر، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، ونيجيريا، وفنزويلا، والجزائر. فهو يحوي حوالي 1,8% من الاحتياطي العالمي الثابت للغاز الطبيعي، ويحوي 4,4% من احتياطي الغاز في منطقة الشرق الأوسط (خامس دولة). إن الاحتياطيات الغازية الثابتة proven حالياً هي في غالبيتها العظمى غازات مصاحبة لإنتاج النفط، حيث تصل ما يقارب من 70% من الاحتياطي الثابت، أما الغاز الطبيعي الحر في الحقول الغازية المكتشفة فيصل إلى حوالي 20% من الاحتياطي الثابت، والاحتياطي الباقي البالغ 10% فهو موجود في غاز القبة (أو القبعة) gas cap والذي يغطي طبقة النفط في بعض الحقول. علماً أن نسبة الغاز المصاحب للنفط في الحقول الجنوبية هي أعلى منها في حقل كركوك والحقول النفطية الشمالية الأخرى، ولهذا يقع 83% من احتياطي الغاز المصاحب في الحقول النفطية الجنوبية.
لقد تمت إحالة ثلاثة من الحقول الغازية، بعقود خدمية فنية، في دورة التراخيص الثالثة، مثل حقل عكاس وحقل المنصورية وحقل السيبة، وهي حقول غازية صغيرة نسبياً. كما أعلن عن دورة التراخيص الرابعة في بداية العام القادم والتي تتضمن تحديد احتياطياتنا النفطية والغازية في الصحراء الغربية ومنها (7) رقع يتوقع فيها الغاز الطبيعي، وقد نتمكن من الحصول على حقول غازية كبيرة. إن الخطة الموضوعة هي تطوير الحقول الغازية - إن وجدت-، أما الحقول النفطية التي قد يعثر عليها فسوف لن تطور وإنما يحتفظ بها كاحتياطي. علماً أن لدي تحفظ على تطوير أي حقل غازي قبل إكمال إنهاء حرق الغاز المصاحب بصورة كاملة، إذ ان من غير المنطقي أن نطور حقل غازي ولدينا غاز مصاحب يحرق هدراً. إضافة لذلك فإنني أرتأي المحافظة على ثروتنا الغازية إلى المستقبل، فأسعار الغاز في الوقت الحاضر لا تزال متدنية، وتصل إلى نصف قيمتها، مقارنة بالأسعار والقيمة الحرارية للنفط، رغم سهولة استخدامه وتأثيره الأقل في البيئة. إذ انه وقود المستقبل.
وأود أن أوضح أن هذه الكميات الهائلة التي تحرق هدراً، هي في الواقع جزء من احتياطي الغاز العراقي، وسنرى في سياق هذه الدراسة أن جميع القوانين والتعليمات العراقية، (وبضمنها مسودتي قانون النفط والغاز المقدمتين من مجلس الوزراء ومن لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب)، لم تعر هذا الأمر الاهتمام اللازم، الأمر الذي يتطلب تثبيت "عدم السماح بحرق الغاز بتاتاً" في نصوص القانون الجديد - إن تم إقراره-. ونضيف إن في رأينا - وحسب المادة (111) من الدستور-، لا يمكننا إحالة أي مشروع يستثمر الغاز المحروق باستلام حصة منه إلى شركة أجنبية أو قطاع خاص، وكذلك لا يمكن السماح بحرق الغاز وبالاعتماد على نفس المادة الدستورية المذكورة.
هذا وأود توضيح الأمور التالية حول موضوع الغاز الطبيعي العراقي:
أ‌- نقلاً عن مذكرة صادرة من وزارة النفط (أعتقد في عام 2010)، أنقل أدناه موجزاً بالطاقات التصميمية والفعلية في الوقت الحاضر لمنشآت استثمار الغاز في الجنوب، والكميات محسوبة بـ مقمق/اليوم (مليون قدم مكعب قياسي يومياً):

الموقع الطاقة التصميمية
الغاز المعالج/الغاز الجاف الطاقة الحالية
الغاز المعالج/الغاز الجاف
غاز الجنوب (خور الزبير) 700/520 140/120
غاز الجنوب الرميلة الشمالي 680/550 140/120
وكما يظهر أن الطاقات التصميمية لمشروع غاز الجنوب تبلغ حوالي(1380) مقمق يومياً، لإنتاج ما يعادل من (1070) مقمق يومياً من الغاز الجاف (مع 15 ألف طن/اليوم) من الغاز السائل، و(1050 متر مكعب) من الكازولين يومياً. وهذا يعني عندما تتحدث شركة غاز البصرة عن إنتاج الذروة (الطاقة التصيميمة) بحدود (2000) مقمق في اليوم، فإنها ستقوم بتحسينات على التصميم الأصلي وذلك بعد ما يقارب من ستة أعوام من توقيع العقد.
كذلك نعرض أدناه موجزاً لجدول حول الغاز المنتج والمستعمل والمحروق في الظروف الحالية، ومحسوب أيضاً بـ مقمق يومياً:

الغاز المنتج الغاز المستعمل الغاز المحروق
- غرب القرنة 177 ـــ 177
- شمال الرميلة 250 100 150
- الزبير 140 50 90
- جنوب الرميلة 346 260 86
- ميسان/ بن عمر/ لحين/ مجنون 321 16 215
1144 426 718
ومن المحتمل وعلى ضوء الزيادات التي حصلت بالإنتاج النفطي في عام 2011، فإن الغاز المحروق يتجاوز (750) مقمق يومياً.
ب‌- في عرض مقدم في عام 2010 من قبل البنك الدولي إلى وزارة النفط، لدراسة تسعير الغاز للأغراض المحلية تحت عنوان: Domestics Gas Pricing Study/ Ministry of Oil, Iraq، نلاحظ المعلومات التالية والمتعلقة بحرق الغاز والأسعار المقترحة لغاز الاستهلاك المحلي:
• يقدر البنك الدولي كميات الغاز المحروقة هدراً (flared) في العالم بحدود (150) مليار متر مكعب في السنة (والتي تعادل 14,52 مليار قدم مكعب/اليوم). وهذا الرقم - أي (150) مليار متر مكعب- يعادل 5% من الغاز الطبيعي المنتج في العالم سنوياً. وفي حال احتساب سعر المليون وحدة حرارية بريطانية (5) دولار، (وهو السعر السائد في الولايات المتحدة الأميركية في وقت إعداد العرض)، تكون قيمة الغاز المحروق هدراً على النطاق العالمي (25) مليار دولار سنوياً.
• يذكر البنك الدولي في عرضه أنه ساهم في تأسيس مؤسسة عالمية في آب/2002، ومقرها جوهانسبرك/جنوب إفريقيا تحت اسم "Global Gas Flaring Reduction GGFR تقليل حرق الغاز على النطاق العالمي"، وتعمل على تقليل هذا الهدر على مستوى العالم كله. وانتمى العراق إلى هذه المنظمة في عام 2008، واتفق الجانبان على وضع آلية للتسعير للاستهلاك الداخلي. وأوضح البنك الدولي، وكعادته، فإنه لا ينصح على دعم أسعار الغاز المجهز إلى الكهرباء والصناعة في العراق!!. وأوصى أن يكون التركيز في استخدام الغاز في الفترة القريبة والمتوسطة على السوق المحلي، مع ما يتطلب ذلك من تشييد بنية تحتية لمواكبة تطور توزيع واستعمال الغاز، وهو محق في موضوع البنية التحتية إذ أن هناك تأخير كبير في البنية التحتية لأنابيب الغاز والنفط أو مشروع حقن الماء لمشاريع نفط الجنوب وغيرها من المسائل.
على الرغم من وجوب إكمال دراسة البنك الدولي حول الأسعار للاستهلاك المحلي في حزيران 2001، (والتي لم أطلع على نتائجها)، ولكن باعتقادي أن السعر المقترح في (3,22) للمليون وحدة حرارية بريطانية كسعر تبيعه شركة نفط البصرة إلى شركة نفط الجنوب، ثم تبيعه الأخيرة للمستهلك بالأسعار المقررة من الدولة، هو اقتراح ليس بجديد، إذ تم تداوله بين وزارتي النفط والصناعة والمعادن للغاز المجهز للصناعات البتروكيمياوية والأسمدة والمحطات الكهربائية الجديدة حيث اقترح سعر بين (3-3,5) دولار للمليون وحدة حرارية، وإبقاء سعر (50) دينار لكل متر مكعب (أي 1,15 دولار لكل مليون وحدة حرارية) للمشاريع القديمة. ولكن هذا السعر، أي (3-3,5) دولار تم إهماله إذ لا يمكن أن تقوم صناعة في العراق بمثل هذه الأسعار للغاز. وسنجد أنفسنا عند تطبيق هذا السعر بأننا لسنا فقط لن نتمكن من المنافسة بهذه المنتجات في الخارج، وإنما سوف نجد المنتجات الأجنبية تنافس المنتجات العراقية داخل العراق نفسه. إذ كما أوضحنا سابقاً فإن جميع جيراننا من المنتجين للمواد البتروكيمياوية والأسمدة، يشترون الغاز داخلياً بأسعار تقل عن السعر المحلي الحالي، أي عن 1,15 دولار، بنسب تقل عن40%. وسنرى في الفقرة (ج) أدناه ما يؤكد ذلك ومن جهة استشارية اختصاصية أميركية معروفة. على أية حال فإن كل المطلعين يعرفون دور البنك الدولي وصندوق النقد في تخريب اقتصاديات الدول النامية في آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا، ولم تتمكن هذه الدول من تحسين اقتصادياتها إلاّ في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، بعد أن وصلت حد الإفلاس ورفضت نصائح هاتين المنظمتين. وسوف أحاول أن أكتب عنها في كتاب خاص عن الاقتصاد العالمي والاقتصاد العراقي والصناعة في العراق.
لنستمر بما قاله البنك الدولي في عرضه هذا.
يقول البنك الدولي، ومنظمة GGFR التي يشرف عليها البنك نفسه وفيما يتعلق بالغاز المحروق هدراً في العراق، بأن كميات الغاز المحروقة في العراق تراوحت في العقد الماضي بين (7-8) مليار متر مكعب/السنة (أي حوالي 680-780 مليون قدم3/اليوم) وذلك بسبب سوء إدارة الغاز في العراق.
وقد لاحظت هذه المنظمة من خلال برنامجها NOAA، الذي يدار بواسطة الأقمار الصناعية، بأن كمية الغاز المحروق في العراق قد ازدادت في الأعوام 2009 و2010. فبعد أن كانت الكمية المحروقة في عام 1999 تعادل (7) مليار متر مكعب سنوياً، ازدادت في عام 2004 إلى أكثر من (8) مليار متر مكعب بقليل، ثم انخفضت إلى (7) مليار. ثم ازدادت بعد ذلك لتقارب (10) متر مكعب (أي حوالي معدل 996 مليون قدم مكعب/اليوم) في عام 2010.
تراوحت نسبة الغاز المحروق إلى النفط المنتج مقاساً بـ (م3/البرميل للنفط المنتج)، بين (7-8) في عام 2007 (أي حوالي 250-280 قدم مكعب لكل برميل منتج). وبدأت بالانخفاض في عام 2008 وما بعده إلى (6,5 متر مكعب/برميل منتج)، أو ما يعادل (230 قدم مكعب لكل برميل منتج)، والذي يعني تقليل صغير في حرق الغاز.
ج- دراسات شركة بوز وشركائها Booz & Company:
في أثناء تحضيري لكتاب حول تطور الصناعة في العراق، كنت محظوظاً في الاطلاع على أحد أهم الدراسات التي اطلعت عليها في حياتي العملية، وهي الدراسة المعنونة: "الإستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة في العراق Iraq Integrated National Energy Strategy"، والتي أعدتها ولا تزال تكملها الشركة الاستشارية الأميركية المعروفة "بوز وشركائها Booz & Company". إن هذه الدراسة المتكاملة تعد لرئاسة الوزراء بالتنسيق مع جميع الوزارات المعنية، حيث أعدت تقريرها الأولي preliminary report في 27/2/2011، ثم وبعد مناقشته من قبل الوزارات المختصة في الإضافة والتعديل، صدر تقريرها الثاني First Interim Report في 13/3/2011، ثم Second Interim Report في 31/7/2011، والمفروض أن هناك تقرير رابع ثم خامس وهو الأخير الذي يشمل كل المواضيع سوف يصدر في نهاية هذا العام.
الأمر الممتاز في هذه الدراسة هي ما تتحدث فيه عن الطاقة إذ أنها لا تتحدث عن النفط والغاز والكهرباء فقط، وإنما تشمل الصناعات الأساسية التي تحتاج إلى المواد الهيدروكربونية والأسمدة النتروجينية والإسمنت والألمنيوم والحديد والطابوق. وهو يفتح باباً واسعاً وبدراسة معمقة لضرورة التوسع في هذه الصناعات في العراق. وبرأيي إن هذا التقرير وحده يمكن أن يكون خطة عمل خمسية وعشرية وحتى عام 1930، وفي كل ما يتعلق بالطاقة ومن يستهلكها. ومن المفروض أن يتم تبنيه من قبل مجلس الوزراء والسير وفقه عند إكماله ليكون جزءاً من العمل الأساسي لوزارات النفط والكهرباء والصناعة والتخطيط والمالية. علما أن جميع أوليات المواضيع مدققة من قبل الجهات المختصة في الوزارات المعنية، وتعدل في التقارير اللاحقة. كما وإن الشركة تبدي وجهة نظرها واستشاراتها كلما رأت ذلك.
ما يهمني في التقرير في الوقت الحاضر هي الأمور المتعلقة بالغاز، وسنترك الأمور المتعلقة بالصناعة حتى وقت آخر، خصوصاً وحسب المعلومات المتوفرة لدي أن شركة "تكنيب" الفرنسية تقوم في الوقت الحاضر بدراسة، لحساب وزارة الصناعة والمعادن، عن صناعة الأسمدة الكيمياوية ومستقبلها في العراق.
يقول تقرير "بوز" فيما يتعلق بالغاز ما يلي:
• إن إنتاج الغاز المصاحب أمر يعتمد على انتاج النفط. ولما كان إنتاج النفط غير معروف بدقة من الآن وحتى عام 2030. لذا يضع التقرير ثلاث توقعات لإنتاج النفط. الواطئ والمتوسط والعالي. وإن أرقام الغاز المنتج المؤشرة تحت السنوات المختلفة، هي مليار قدم مكعب/اليوم (أي 1000 مليون قدم مكعب يومياً).


حالات إنتاج النفط 2011 2015 2020 2025 2030
- واطئ 2 2,6 3,2 4,2 4,2
- متوسط 2 3,5 6,4 6,4 6,4
- عالي 2 6 8,2 7,5 6,8


إن السبب في هبوط كميات الغاز في احتمال الإنتاج "العالي" للنفط، هو توقع زيادة الإنتاج تدريجياًَ بحيث يصل الذروة في عام 2017 ليستمر حتى عام 2023 ليصل إلى إنتاج النفط (14) مليون برميل/اليوم، ينخفض بعدها ليصل إلى أقل من (10,5) مليون برميل يومياً في عام 2030.
بينما الإنتاج "المتوسط" للنفط، فإن الإنتاج يرتفع ليصل الذروة التي تقارب (10) مليون برميل/اليوم في عام 2020 ويستمر بتلك الذروة إلى ما بعد 2030.
وفيما يتعلق بالإنتاج "الواطئ"، فإن إنتاج النفط يرتفع تدريجياً ليصل الذروة البالغة (6) مليون برميل/اليوم في عام 2024، لتستمر هذه الذروة إلى ما بعد 2030.
من مفهوم التقرير فإنه يعتقد بأن الإنتاج "المتوسط" هو الأقرب إلى الواقع والعملي والمفيد.
ويؤكد أن جميع هذه التوقعات تعتمد على مدى تنفيذ البنى التحتية اللازمة لإنتاج النفط والغاز وإمكانيات التصدير.
• ترينا الدراسة أن الطلب على الغاز الجاف (وهنا يتحدث عن C1 الميثان) دائماً يتجاوز الإنتاج للغاز الجاف في كل الأعوام من 2011 إلى 2030 وذلك في حالة احتمال الإنتاج الواطئ للنفط. لذا لا يوجد فائض من الغاز الجاف في كل الأحوال.
كذلك ترينا الدراسة في حالات الإنتاج "العالي والمتوسط" للنفط، فستكون هناك حاجة لجميع الغاز الجاف وإلى نهاية عام 2015، وتستمر كامل الحاجة إلى الغاز الجاف في إنتاج النفط المتوسط إلى عام 2016، حيث ستكون هناك حاجة للغاز الجاف (3,1) مليار قدم مكعب يومياً.
سيكون هناك فائض في إنتاج الغاز الجاف، في حالة الإنتاج النفطي المتوسط، جاهز للتصدير، ويقارب من (1,6) مليار قدم مكعب/اليوم في عام 2017 ويرتفع هذا الفائض إلى (2,3) مليار في عام 2020، يبدأ بعدها الفائض بالانخفاض ليصل إلى حوالي (600) مليون قدم مكعب يومياً في عام 2030. وفي الواقع فإن الفائض من الغاز الجاف الجاهز للتصدير يحافظ على معدلاته بين (600-900) مليون قدم مكعب يومياً بين الأعوام 2023 إلى 2030.
أما في حالة الإنتاج النفطي العالي، فسيكون هناك فائضاً جيداً يبدأ نهاية عام 2015 ليصل إلى (4,3) مليار قدم مكعب يومياً في عام 2017، وهو أعلى رقم لفائض إنتاج الغاز الجاف، ينخفض بعد ذلك ليصل في عام 2023 إلى (2,8) مليار، ثم ينخفض أكثر ليصل إلى أقل من (0,5) مليار قدم مكعب يومياً في عام 2030. يجب أن يلاحظ القارئ بأن الدراسة تتحدث عن الغاز المصاحب، كما أنها تعتقد بمعقولية حالة الإنتاج النفطي المتوسط، لاستمرارية الفائض بالغاز ولو بكميات ليست بمستوى الإنتاج النفطي العالي والذي لا يستمر طويلاً.
كذلك اوضحت الدراسة اهمية الاسعار المحلية المنخفضة للغاز الجاف في التوسع الكبير اللذي حدث للصناعة البتروكيماوية في السعودية وغيرها وأيّد ما ذكرناه حول الاسعار في الاقطار المجاورة
كذلك قد قارنت الدراسة بين نقل الغاز بالأنابيب أو تسييله لأغراض التصدير، ووجدت وبسبب وجود أسواق واضحة للغاز في البلدان المجاورة وفي أوربا، فإنه يرى أن النقل بالأنابيب أكثر معقولية من تسييل الغاز، ويحدد الأقطار المجاورة التي تحتاج إلى الغاز ويتم النقل إليها بالأنابيب.
• من أعلاه، نرى عدم توفر الغاز لغرض التصدير وإلى عام 2016 حيث ستتوفر مركبات محدودة، كما نرى عدم الحاجة بالمرة إلى تسييل الغاز الجاف فأسواقنا قريبة ويتم النقل إليها بالأنابيب.
ولكي نؤكد هذا الأمر الأخير الذي يتعلق بوحدة تسييل الغاز الجاف، والتي تبلغ كلفتها (4,4) مليار دولار، وننهي أمرها، أرى إطلاع القارئ على بعض التصريحات والتعهدات من بعض المسؤولين في تجهيز الغاز، والتي تؤدي بالنتيجة إلى النقل بالأنابيب وليس من خلال تسييل الغاز في حالة وجود نية وإمكانية لتصدير الغاز الجاف.
تحت عنوان: "العراق يتطلع لتصدير الغاز إلى أوربا عبر خط الأنابيب العربي"، نقلت صحيفة الحياة في عددها الصادر في 21/5/2009، تصريحات عن السيد وزير النفط الدكتور حسين الشهرستاني بعد توقيعه مع نظيره المصري في بغداد اتفاق تعاون في مجال النفط، حيث قال: "إن العراق يبحث في ربط فائض الغاز العراقي بخط الأنابيب العربي الذي يبدأ من مصر من أجل تصدير الغاز إلى دول عربية ثم إلى أوربا".
كما كان الاتحاد الأوربي قد نشر ما يسمى "إعلان مشترك Joint Declaration" الموقع في 26/5/2011 عند زيارة الدكتور الشهرستاني الى بروكسل. وهو يركز على التعاون في مجال الطاقة ويؤكد إمكانية تجهيز أوربا بالغاز العراقي الفائض، وذلك عن طريق خط الغاز الاستراتيجي الذي تعمل أوربا على تنفيذه لكي تعتمد على مصادر أخرى غير الغاز الروسي. إذ أن في نيتها بناء خط يسمى "ممر الغاز الجنوبي South Gas Corrider". ولكن لا تستطيع أوربا أن تبني هذا الخط ما لم تلتزم الدول بتجهيز كمية محددة من الغاز. فالمعلومات تقول أن أذربيجان قد تلتزم بكمية تصل إلى (16) مليار متر مكعب من الغاز سنوياً (أي بمعدل 1550 مليون قد مكعب يومياً)، وأكدت تركمانستان أنها قد تلتزم بكمية لم تحدد، تنقل مع الغاز الأذربيجاني إلى "ممر الغاز الجنوبي" عن طريق خط غاز عبر قزوين Trans-Caspain. والمعلومات تقول أن الاتحاد الأوربي يريد من العراق الالتزام بكمية من الغاز تعادل (10) مليار متر مكعب سنوياً (أي حوالي 970 مليون متر مكعب يومياً) وهو أمر لا يمكن أن يلتزم به العراق، ما لم يتم اكتشاف حقول غازية كبيرة في الصحراء الغربية.
اضافة لذلك فان ايران تعمل على انشاء خط غاز يرتبط بخط الغاز العربي (ثم الى اوربا) مرورا بالعراق . وان المقاطعة الاقتصادية لايران تؤخر في تنفيذ الخط, ولكن سيتم اكماله نظرا للحاجة الاوربية الاكيدة للغاز الايراني.
من هنا نرى أن لا حاجة إلى وحدة تسييل الغاز بالمرة.
4- القوانين العراقية المتعلقة بحماية الثروة الغازية
لغرض إنهاء هذه الدراسة نرى أنه من المهم اطلاع القارئ على التشريعات القانونية المتعلقة بالمحافظة على الغاز وعدم حرقه هباءاً.
أ- صدر في 24/12/1970 قانون صيانة الثروة والمواد الهيدروكربونية المرقم (229) لسنة 1970، في وقت كان فيه النفط العراقي بيد الشركات الأجنبية.
لقد كانت هناك ضغوطا كبيرة من العراقيين العاملين في وزارة النفط وغيرهم لمنع حرق الغاز الطبيعي هدراً من قبل الشركات الأجنبية، وكتبت عدة تقارير مهمة في حينه بهذا الخصوص، منها دراسة موسعة قد أعددتها في سنة 1969، عندما كنت في وزارة النفط، لتغريم الشركات النفطية لهذا الهدر، وإصدار قانون يشابه القوانين الفنزويلية التي كانت قد صدرت في الأربعينينات من القرن الماضي لمنع حرق الغاز المصاحب وإعادة حقنه إلى المكامن ليحفظ هناك في حال عدم الاستفادة منه.
ولكن جاء القانون أعلاه مخيباً للآمال ودون الطموح بكثير، رغم أنه خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح، إذ أدخل فكرة إعادة حقن الغاز المصاحب في مواده (16) و(33) و(38)، ولكن جميعها جاءت بصورة غير ملزمة.
ب‌- ثم صدر قانون الحفاظ على الثروة الهيدروكربونية المرقم (84) لسنة 1985، والصادر في 21/10/1985، وذلك بعد ما يقارب (12) عاماً من تأميم النفط العراقي.
وجاء هذا القانون بالنسبة للمتابعين لهدر الثروة الوطنية مخيباُ للآمال بصورة أكثر من قبل، إذ رغم أن اسم القانون هو "الحفاظ على الثروة الهيدروكربونية"، والمفروض أنه صدر من حكومة تهتم بمصادرها الطبيعية، وليس من قبل شركات أجنبية أو بتأثير منها.
لقد ألغت المادة (65) من هذا القانون، (229) لسنة 1970 المذكور أعلاه، وبدلت فقراته لتنسجم مع حالة النفط مؤمماً. ولكن كما يظهر لم "يرد" القانون أن "يلزم" الحكومة بالحفاظ فعلاً على الغاز، وجاءت مواده بشكل مطاطي وغير ملزمه. ولم يستطع الدفاع عنه في حينه حتى بالادعاء بأن صدوره كان في أوج الحرب العراقية - الإيرانية، حيث الظروف المالية الصعبة ولهذا لا يمكن تنفيذ مقترحاتها في حينه بإعادة حقن الغاز المصاحب بدلاً من حرقه. وظهر الامر كان حرق الحكومة العراقية للغاز امر مسموح به !!.
كنت أحد الرافضين لهذا القانون ولا أزال أرفضه، وفي هذه الأثناء أضعنا عشرات بل مئات المليارات من الدولارات بسبب حرق الغاز هباءاً، نتيجة عدم وجود نصوص واضحة في القانون تمنع حرق الغاز، وهو أمر قامت به فنزويلا (وغيرها) قبل أكثر من نصف قرن. علماً أن الكلف اللازمة لإعادة حقن الغاز المصاحب لا تقارن بقيم الغاز المحروق وتمثل نسبة ضئيلة جداً منه.
ج- قانونا "النفط والغاز" المقترحة من لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي، ووزارة النفط.
إن كلا المسودتين أعلاه، تتضمنان فصلاً خاصاً، هو الفصل الرابع بعنوان: "استغلال الغاز". إنهما لا يضعان مادة خاصة توجب عدم حرق الغاز بالمرة. إن هذا الأمر مسألة أساسية سواء كان العمل يدار من قبل "حملة التراخيص" أو من قبل الحكومة مباشرة. وفي كل الأحوال تتحمل ميزانيات الحكومة كلفة معدات وتشغيل إعادة الحقن للغاز المحروق.
إن الصيغة الموجودة في المادة (27) الفقرة الثالثة (في كلا المسودتين)، تقول "يسلم الغاز المصاحب الذي يتم إنتاجه من المكمن والذي لا يتم استخدامه في العمليات البترولية أو يعاد حقنه في الحقل إلى الوزارة - النفط - دون مقابل".
والسؤال الذي يطرح نفسه ما الفائدة من تسليم هذا الغاز إلى الوزارة، إذا كانت لا تتوفر منشآت في الوزارة تعين على استغلال هذا الغاز. إن هذه الصيغة قد حولت "وزر الحرق" من الشركات إلى الوزارة!!.
في رأيي أن من الواجب وضع صيغة واضحة تمنع الحرق منعاً باتاً، ويمكن أن يضاف لها عكس ما مذكور أعلاه، أي: "يتم إعادة حقن الغاز المصاحب إلى الحقل، إلاّ إذا ارتأت الوزارة استلامه لغرض استخدامه أو معالجته أو تصديره". لقد آن الأوان لكي يحمي مجلس النواب هذه الثروة الهائلة المهدورة حرقاً.
5- ما هو مطلوب الآن:
أ- على ضوء جميع ما جاء أعلاه في هذه الدراسة نرى رفض الاتفاقية مع شركة شيل بما يتعلق بموضوع "شركة غاز البصرة"، لأنها غير قانونية ولا يسمح بها الدستور الحالي. كما أنها غير ذي فائدة اقتصادية للعراق، وإنما يستفيد منها الشريك الأجنبي. كذلك أن العمل المطلوب بإعادة تأهيل مشروع غاز الجنوب ليس معقداً فنياً، ويمكن تمويله من الميزانية الاعتيادية، وهو ذو مردود اقتصادي عال في حال قيام الجانب العراقي بتنفيذه.
في الوقت نفسه وبنفس قرار الرفض نرى أن يوعز مجلس الوزراء إلى وزارة النفط بالبدء بتنفيذ المشروع حالاً، تلافياً لاستمرار الهدر في الغاز المحروق، وتوفير المبالغ اللازمة للتأهيل، وذلك من خلال عقود خدمة اعتيادية تقوم وزارة النفط وبالتعاون مع الشركات الهندسية الأجنبية المختصة.
ب- نرى أن يضمن "قانون النفط والغاز" نصاً صريحاً يحرم فيه حرق الغاز، ويطلب إعادة حقنه إلى المكمن في حال عدم الاستفادة منه. مع إعطاء مهلة زمنية محددة لتنفيذ مشروع إعادة الحقن، على ان ينفذ في اقصر وقت ممكن. ويمكن لوزارة النفط أن تستلمه فقط لأغراض استخدامه والانتفاع منه، إذ أن تحريم الحرق ينطبق على الحكومة أيضاً. وعلى " حاملي التراخيص" !!, اللذين هم اصلا- وكما يفترض- جزء من الحكومة في " عقود الخدمة الفنية".

فؤاد قاسم الأمير
7/9/2011
 

 

مرفق رقم 1 الملامح الأساسية لإتفاقية غاز البصرة
http://yanabeealiraq.com/pdf_files/m01.pdf

مرفق رقم 2 مشروع غاز البصرة
http://yanabeealiraq.com/pdf_files/m02.pdf

مرفق رقم 3 رسالة مكتب مستشار رئيس الوزراء للشؤون القانونية حول تأسيس شركة غاز البصرة 

http://yanabeealiraq.com/pdf_files/m03.pdf

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا