<%@ Language=JavaScript %> فؤاد قاسم الأمير كما في آب 2011: جديد قانون النفط والغاز
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

كما في آب 2011: جديد قانون النفط والغاز

 

 

فؤاد قاسم الأمير

 

المقدمة:

أرجو أن يعذرني القارئ لكتابة هذه المقدمة الطويلة، وهي قد كتبت لتذكيره فقط بأوليات "قانون النفط والغاز"، قبل الدخول  فيما استجد بالموضوع حتى آب 2011. ولم تكتب لأغراض "الدعاية" لكتبي!!!.

لا يعتبر هذا الموضوع جديداً، وإن ما يحدث اليوم ما هو إلاّ استمرار لما حدث. وسيعرف القارئ في نهاية هذه المقدمة لماذا قدمت المسودة الجديدة لقانون النفط والغاز بهذا الفحوى وفي هذا الوقت بالذات.

كنت قد حصلت على المسودة الأولى لقانون النفط والغاز، والمؤرخة في 15/1/2011 وذلك بعد أيام من صدورها، وكانت تعتبر آنذاك سرية جداً، وكأنها ليست مشروع قانون مهم جداً فحسب، بل وأهم قانون يصدر على النطاق المحلي العراقي وعلى النطاق العالمي أيضاً، ويجب نشره ومناقشته في كل المستويات قبل إقراره. وفي جميع الأعراف البرلمانية العالمية، فإن مسودات القوانين وبالأخص المهمة منها تعرض على الرأي العام لمناقشتها، ولا تعتبر سرية. وكأن القائمين على إعداد مسودة قانون النفط والغاز وتشريعها كانوا يريدون تمريرها بسرية وتحت جنح الظلام وبمعزل عن صاحب الرأي الأول والأخير، وهو الشعب العراقي، الذي كان ولا يزال، تحت الاحتلال الأميركي ويعاني الويلات ويجري وراء حماية نفسه وتوفير قوت عائلته.

نشرتُ المسودة في 31/1/2007 مع دراسة تحت عنوان: "ملاحظات حول مسودة قانون النفط والغاز". وكانت هذه هي المرة الأولى في العالم التي تنشر فيها هذه المسودة المهمة. قامت إحدى المواقع الأميركية المؤيدة للشعب العراقي بترجمة القانون والدراسة إلى اللغة الإنكليزية، وعلقت بعض وسائل الإعلام الأميركية في حينه بأن مسودة القانون هُربت "smuggled" من قبلي وكأنها منشور سري تم إعلانه أمام العالم!!. كانت الدراسة ضد هذه المسودة بالكامل، وفضحت ضررها البالغ على الشعب العراقي، وطلبت رفضها جملة وتفصيلاً.

ولاستمرار الزخم ضد مشروع قانون النفط والغاز، نشرت دراستي الثانية في 15/3/2007 تحت عنوان: "مرة ثانية: ملاحظات حول مسودة قانون النفط والغاز"، وذلك بعد أن اطلعت على مسودة القانون المعدلة المؤرخة في 15/2/2007 (مع ملاحقها الأربعة)، وعلى مذكرة تفاهم موقعة في 26/2/2007 بين الحكومة الاتحادية (المركزية)، وبين حكومة إقليم كردستان. وكانت هذه المسودة مع ملاحقها قد "هُربت أو سُربت" إلى نفس الموقع الذي نشر المسودة الأولى المبينة أعلاه، ولم يكن "التسريب" هذه المرة من قبلي، علماً أنني كنت قد حصلت عليها مع مذكرة التفاهم قبل يوم من نشر هذه الوثيقة "السرية" أيضاً. تضمنت هذه الملاحق المرفقة بالمسودة قوائم للحقول، منها عدد كبير أعطي إلى شركة النفط الوطنية، علماً أنه كان لا يزال بإمكان شركة النفط الوطنية (وحسب مسودة القانون) التعاقد بعقود المشاركة بالإنتاج المرفوضة من قبل الكثير، ومنهم كاتب هذه السطور. أما مذكرة التفاهم فكانت تنص على ضرورة عرض هذه المسودة (مع الملاحق الأربعة) على مجلس النواب قبل 31/3/2007، واستكمال تنفيذ القانون (أي مصادقة مجلس النواب عليه) قبل 31/5/2007، وإذا ما تم تجاوز هذا التاريخ "يجتمع رئيس وزراء العراق ورئيس إقليم كردستان لبحث سبل إنجاز ذلك وإيجاد حل على أساس بديلين".

لم يتم تحقيق أي من الأمور أعلاه، إذ لم يصادق مجلس النواب على القانون، ولم يجتمع الرئيسان، واستمرت حكومة إقليم كردستان لوحدها بتوقيع ما شاءت من عقود. في هذه الأثناء زادت المعارضة الشعبية للقانون، وكذلك قام المؤيدون له بحملة لتبييضه وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة "فوائد وضرورة" عقود المشاركة بالإنتاج.

ولتصعيد الزخم ضد القانون أكثر، ولسد الطريق على تمريره، نشرتُ في 9/5/2007 دراستي: "مرة ثالثة: ملاحظات حول مسودة قانون النفط والغاز"، وهي الأهم من بين الدراسات السابقة، والتي تضمنت فصلاً عن ماهية عقود المشاركة بالإنتاج، وعدم وجود حاجة إليها في العراق، بالإضافة على عدم إمكانية تطبيقها أصلاً وفق نصوص الدستور العراقي. ومن الجدير ذكره أن هذا الشكل من العقود كان العمود الفقري للسياسة النفطية الأميركية التي خططت للعراق قبيل الاحتلال وأثنائه، وبمشاركة "خبراء" عراقيين. كما تضمنت هذه الدراسة الأمور القانونية والدستورية، والتي تمنع المضي بمثل هذا القانون وهذه العقود، رغم المشاكل الكبيرة والمرفوضة التي يحتويها الدستور، والتي كانت السبب بتصويتي "كلا" يوم تم التصويت عليه. أشرت في الدراسة أيضاً إلى التبدل في سياسة حكومة إقليم كردستان، والتي ظهرت جلية  في اجتماع عقده مجلس النواب العراقي في دبي بتاريخ 18/4/2007 وبحضور عدد من الخبراء، وذلك عندما رفض وزير الموارد الطبيعية (ومن ضمنها النفط) لحكومة الإقليم القانون واعتبره مخالفاً للدستور ودعا إلى رمي المسودة الجديدة في سلة المهملات، متهماً إياها بأنها "بعثية وقومية"!!. وهنا نتحدث عن نفس المسودة والملاحق التي اتفق عليها رئيس الوزراء العراقي ورئيس حكومة إقليم كردستان على رفعها للبرلمان للمصادقة عليها كما سبق ذكره. لم يقف الأمر عند هذا الحد فلقد أصدر وزير إقليم كردستان بياناً باللغة الإنكليزية في 27/4/2007، بين فيه أسباب الاعتراض، وخصوصاً على الملاحق الأربع، ووضع أربعة ملاحق بديلة. وأضاف أن القانون المعروض بشكله الحالي سوف لا يكون دستورياً أو شرعياً، وإنما باطلاً حتى لو صادق عليه مجلس النواب الاتحادي، كما وأن "حكومة إقليم كردستان سوف تستمر في ممارسة سلطتها الكاملة المعطاة لها من قبل دستور العراق، بضمنها مفاوضات تؤدي إلى عقود مشاركة في الإنتاج مع المستثمرين الأجانب، والقطاع الخاص"!!.

ولكن لماذا هذا التحول في موقف حكومة إقليم كردستان؟. هذا الأمر قد يفسر بعدة أشكال، منها اعتماد حكومة الإقليم على مستشارين أجانب ومنهم "السفير" كالبرث، الذي كان مستشاراً لها سواء بالنسبة للدستور أو لعقود النفط، والذي تم فضحه لاحقاً لحصوله على مبالغ طائلة عن عقد حكومة الإقليم مع الشركة النرويجية، وذلك لقاء "الاستشارات التي قدمها"!!. في كل الأحوال كنت قد بينت في دراستي الثالثة تلك أن موقف وزير الإقليم يضر بالكورد قبل العرب.

لقد زاد موقف حكومة الإقليم هذا من استحالة تمرير قانون النفط والغاز، ولكن لأسباب تعاكس كلياً عن أسباب المعارضة لهذا القانون والتي تركزت في وسط العراق وجنوبه. إذ أن هذه المعارضة التي كانت قد بدأت بالخبراء النفطيين والنقابات وأفراداً وقوى وطنية، وانضم إليها التيار الصدري بقوة، وكذلك بعض قوى القائمة العراقية الحالية (غير حركة الوفاق)، وثم التحق بها بعض قواعد وقيادات التيارات السياسية والدينية في الشارع والبرلمان. وسبب رفض هؤلاء للقانون هو عدم وضوح ودقة مركزية السياسات والقرارات النفطية، رغم شمولها في كل مفاصل الأمور الحصرية للحكومة الاتحادية في الدستور. كما أنها ترفض عقود المشاركة بالإنتاج غير الدستورية رفضاً قاطعاً. وفي نفس الوقت مارس الجانب الأميركي ضغوطاً هائلة، وأرسل كبار وزرائه وموظفيه، لإقناع الحكومة العراقية ومختلف القوى العراقية المؤتلفة فيها لتمرير القانون، ولكن لم تنجح جميع مساعيه.

جَمَعَتُ الدراسات الثلاث، ووضعت مقدمة لها، ثم أصدرتها في كتاب تحت عنوان: "ثلاثية النفط العراقي"، صدر في حزيران 2007.

في هذا الإثناء استمرت حكومة إقليم كردستان، بتوقيع عقود النفط مع شركات عالمية صغيرة في معظمها، ومع شركة أميركية "متوسطة الحجم"، اعتمدت فيها عقود المشاركة بالإنتاج، وأضافت إليها المشاركة بحصص تبلغ ما بين (15-25%) لطرف ثالث، سمتها: "جهات عراقية ذات كفاءة أو شركات أجنبية"!!. كما تجاوزت منطقة إقليم كردستان إلى المناطق "المتنازع عليها"، والتي هي حسب الدستور العراقي باقية تحت سلطة الحكومة الاتحادية لحين البت في موضوعها، ولم يبت بأمرها حتى الآن، وتجاهلت حكومة الإقليم الحكومة الاتحادية تماماً. وهناك احتمال كبير في أن يكون جزء كبير من ترخيص شركة (هنت) الأميركية يدخل حتى ضمن محافظة نينوى!!. واستمرت حكومة الإقليم بالقول بدستورية وقانونية ما تقوم به وحسب نصوص الدستور العراقي الحالي.

دفعني هذا الأمر إلى إصدار كتابي "حكومة إقليم كردستان وقانون النفط والغاز"، والذي صدر في أوائل كانون الثاني 2008، وعرض واقع العقود النفطية التي وقعتها حكومة الإقليم حتى نهاية 2007. وتضمن أيضاً فصلاً عن المسائل الدستورية والقانونية المتعلقة بقانون الإقليم للنفط والغاز، وبالعقود التي تم توقيعها، وحاولت أن أبين فيه عدم مشروعية العقود والقانون على ضوء الدستور الحالي (على علاّته). كذلك بينت موقف الجهات المختلفة مما يجري في الإقليم بما يتعلق بالنفط، بضمنها الجهات الأميركية الرسمية التي حاولت أن تتنصل مما تقوم به حكومة الإقليم، والتي أدت بالنتيجة إلى تأكيد عدم إمكانية إمرار قانون النفط والغاز والذي تعتبره الحكومة الأميركية أمراً إستراتيجياً، خصوصاً قبل أن تتم إحالة دورتي التراخيص الأولى والثانية في السنتين الماضيتين.

لقد عارضت الحكومة الاتحادية، وبالأخص وزير النفط الاتحادي الدكتور حسين الشهرستاني، ما قامت وتقوم به حكومة الإقليم لاقتناعه بعدم مشروعية دستورية العقود والقانون، وأصبح الأمر مسألة خلافية كبيرة بين الحكومتين الاتحادية والإقليمية. ومما يجب النظر إليه في هذا الأمر أن القوى المعارضة للقانون منذ نشره وقفت إلى جانب الحكومة المركزية في هذا الشأن، مما بيّن بجلاء أن معارضي القانون (والكثير منهم معارضاً للحكومة الاتحادية وللدكتور الشهرستاني) لم يكونوا على خلاف شخصي معهما، ولم يكن لديهم طموحات أو طروحات شخصية لمعارضة القانون، وإنما كان الأمر لأسباب مبدأية.

نشرتُ بعد ذلك اتفاقية الغاز مع شركة شيل، وذلك ضمن كتابي: "الاتفاقية الأولية بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب- آراء وملاحظات"، والذي صدر في كانون الثاني 2009، وحسب علمي أن هذه الاتفاقية لم تكن قد نشرت سابقاً، لأنها "سرية" أيضاً!!. وتوصلت إلى ضرورة ترك العمل مع شركة شيل، والتنفيذ المباشر لاستكمال ما موجود حالاً، ومن ثم التوسع بالمشروع، وذلك تلافياً لحرق الغاز المهدور، وتقليل الكلف الاستثمارية المطلوبة.

قررت بعد ذلك ترك الكتابة عن النفط، والاكتفاء بما كتبته عنه، والاهتمام بالكتابة عن الهموم العراقية الثقيلة الأخرى، رغم أن جميع كتبي السابقة قد ضمنتها فصولاً كاملة عن النفط، سواء في كتابي: "العراق بين مطرقة صدام وسندان الولايات المتحدة الأميركية" والصادر في حزيران 2004، أو في كتابي: "مقالات سياسية اقتصادية في عراق ما بعد الاحتلال" الصادر في حزيران 2005، أو في كتابي: "الطاقة: التحدي الأكبر لهذا القرن" والصادر في أيلول 2005. إذ أن مسألة النفط تدخل في صميم حياتي السياسية والمهنية، وهي لب المسألة العراقية ككل منذ نشأة الدولة العراقية وحتى هذه اللحظة.

صدر كتابي: "آراء وملاحظات حول الاتفاقية الأمنية المقترحة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية"، في تشرين الأول 2008، وكنت فيه ضد أية اتفاقية توقع مع الدولة التي دمرت العراق ولا تزال تدمره. كما وضعت ضمنه فصلاً عن "البند السابع" الذي كان ولا يزال "الفزاعة" التي يخوفون بها العراق والعراقيين. ثم صدر كتابي "الموازنة المائية في العراق وأزمة المياه في العالم" في كانون الثاني 2010، تحدثت فيه بالأساس عن كيفية حل مشكلة أزمة المياه في العراق. و أعمل الآن - وحسب توفر الوقت والجهد- على تهيئة المعلومات لإعداد كتاب عن الصناعة في العراق وعلاقتها بالاقتصاد العالمي والعراقي.

وبنفس الوقت فأنا متابع لما يجري في المسألة النفطية في العراق، ولكن لا أكتب عنها، فهناك الكثير من الكتاب الجيدين ممن يتابعون هذا الشأن، حتى جاءت المفاجأة - على الأقل بالنسبة لي- عند قراءتي لقانون النفط والغاز (والملحق في هذا الكتاب)، والذي استفزني جداً، وأرسلته في حينه رأساً إلى عدد من الأصدقاء مع ملاحظات بسيطة أولية وآنية. فطلب مني بعض الأصدقاء العودة إلى الكتابة عن النفط، سيما وأن هناك من يحاول أن يمرر قانوناً مضراً بالعراق والعراقيين أبعد الضرر، كنت من أشد معارضيه، وهو برأيي أتعس من أية مسودة للقانون طرحت سابقاً وعارضتها بشدة.

مسودة قانون النفط والغاز المعد من لجنة الطاقة في مجلس النواب

إن النص المرفق لمقترح قانون النفط والغاز، هو ما نشرته السومرية نيوز في 17/8/2011. أما قصة هذا القانون الذي ظهر فجأة، فهو كان قد صدر عن لجنة النفط والطاقة والثروات الطبيعية في مجلس النواب، حيث أعدته واستحصلت على موافقة (60) نائباً عليه بقائمتين، كل منها (30) نائب، وذلك في أواسط تموز 2011. ومن الملاحظ أن القائمة الثانية تتضمن عدداً كبيراً من التحالف الكردستاني، والقائمة الأولى تتضمن أسماء نواب من مختلف القوائم. قررت لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب بتاريخ 31/7/2011 وبإجماع الحاضرين بالسير التشريعي لمقترح القانون، وطلبت من السيد رئيس مجلس النواب العراقي إدراجه على جدول الأعمال لقراءته القراءة الأولى.

لم يسمع أحد بهذا النص حتى أوائل آب، وحسب علمي لم يستدع أي شخص أو خبير لمناقشته قبل إقراره من قبل هذه اللجنة، كما لم تعقد ندوة للخبراء داخل لجنة الطاقة لمناقشته كما كان الحال عندما أرادت مناقشة مسودة قانون شركة النفط الوطنية. هذا ولقد تم إرساله من قبل لجنة النفط والطاقة إلى عدد من الخبراء بعد أن قمت بنشره، لغرض أخذ ملاحظاتهم حوله، ولكن بعد فوات الأوان!!.

على أية حال تمت الدعوة إلى القراءة الأولى في 17/8/2011، وأصرّ أعضاء من قائمة التحالف الكردستاني والقائمة العراقية على تقديم مقترح القانون للقراءة الأولى ورفض أعضاء التحالف الوطني هذا المقترح ولم يتفقوا على تقديمه لمجلس النواب، وانسحبوا من الجلسة، ولم يكتمل النصاب القانوني، وأجل الأمر.

ما يثير استغرابي، (أو على العكس لا يثير استغرابي بالمرة تبعاً لتقييمي لمعدي القانون!!)، هو محاولة تمشية هذا القانون في هذا الوقت بالذات. ويعتبر هذا القانون بكل المقاييس أهم قانون يمرر في العراق، ولقد تطلب أمر إمكانية تمريره أربعة أعوام دون نجاح رغم الضغوط الأميركية الهائلة. وهو قانون لا يثير ضجة في العراق وحسب بل سوف يكون صداه في جميع أرجاء العالم. ولكن - كما يظهر- فإن لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب اعتبرته أمراً عادياً، ولم تعلنه للمناقشة وحاولت أن تمرره "بهدوء"، ولا أريد أن أقول "بليل". وما يجلب النظر فإن قائمة التحالف الكردستاني كانت على رأس الداعين لتمرير هذا القانون، بعدما عارضت كل الصيغ الماضية وللأسباب التي ذكرتها في المقدمة. إن مثل هكذا تأييد من قبل هذه القائمة يجلب الشك والريبة بحد ذاته بنوايا القانون. كما شارك قسم من القائمة العراقية بهذا الاندفاع للتمرير وعلى رأسهم رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب، نحن نعرف آراء وسياسة السيد إياد علاوي النفطية منذ أن كان رئيساً للوزراء وذلك من خلال تصريحاته للميدل إيست إيكونومكس سيرفي في 13/9/2004، والتي نشرت في صحيفة الغد كاملة في عددها الصادر في 22/11/2004، وردنا عليه في نفس الصحيفة في عددها الصادر في 9/5/2005، والمقالتان موجودتان في كتابي: "مقالات سياسية اقتصادية في عراق ما بعد الاحتلال". ويمكن إيجاز سياسته النفطية تأييده لعقود المشاركة، والخصخصة الجزئية بشكل أو بآخر، أو بالأحرى "الحقول الحالية لشركة النفط الوطنية والحقول الكبرى المستقبلية بيد الشركات العالمية الكبرى بعقود مشاركة الإنتاج". ولقد كرر السيد علاوي التزامه بهذه السياسة مرات عديدة بعد ذلك. ولكن ما جلب نظري حقاً هو ورود توقيع السيد النائب بهاء الأعرجي الصدري البارز في القوائم المشار إليها أعلاه لتأييد هذا القانون، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تنازل الصدريون عن موقفهم في معارضة القانون، أو لم يطلع السيد الأعرجي على مسودة القانون بإمعان ويرى ما وراء بنودها. كما أن هناك أسماءاً أخرى وقعّت على طلب إدراج القانون، من القائمة العراقية والقوائم الأخرى كانت من المعارضين للقانون في شكله السابق، فكيف توافق الآن على شكله الحاضر الذي يعد - بنظري- أسوأ صيغة طرحت له حتى الآن ومنذ بداية طرحه في كانون الثاني 2007.

هل يمكن لأحد أن يفكر فعلاً بمصلحة العراق، ويريد أن يمرر "الآن" قانوناً أقل ما يقال عنه أنه مُختلف عليه، وأن العراقيين منقسمون بشأنه. ليفكر القارئ بمعنى "الآن"، إذ أن "الآن" هي فترة من أحلك أيام العراق، والكل محتار في أمان عائلاته وفي تجنب تعرضه للأعمال الإرهابية، كما أن أعمال التخريب والتفجير والتفخيخ والقتل الجماعي والفردي (بواسطة المسدسات الكاتمة للصوت)، هي أعمال يومية في جميع المحافظات (عدا منطقة إقليم كردستان). "الآن"، هو الوقت الذي فيه العراقيين مبتلين بمشكلة الكهرباء والماء والاحتياجات المعيشية اليومية. "الآن" هي الفترة التي تضغط فيها الحكومة الأميركية لإدامة واستمرار احتلالها المقيت للعراق. "الآن" هو الزمان الذي يعيش فيه الفساد في كل مرافق الدولة وعلى كل المستويات، وبلا قوانين أو إجراءات تنفيذية صارمة لإنهائه أو على الأقل للحد منه. هل أنهينا جميع مشاكلنا ولم تبق لدينا إلاّ مشكلة قانون النفط، وهل أن قانون النفط يجب أن يقرّ في مثل هكذا ظروف أو في ظروف استقرار وهدوء، وإمكانية لحل الأمور بطريقة معقولة. إن مجلس النواب لم يتمكن حتى الآن من إكمال تشكيل حكومة مستقرة قوية قادرة، فكيف يعرض عليه "الآن" قانوناً للنفط والغاز يخص حياتنا الحاضرة وحياة الأجيال القادمة؟ هل المقصود هو انتهاز فرصة الفوضى الحالية وتمريره في هذه الظروف وبهذه السرية. إن الجهة الوحيدة التي تحتاجه الآن، حيث أن لديها مشاكل نفطية مع الحكومة المركزية، ومع أبناء شعبها، ومع الشركات الأجنبية، هي حكومة إقليم كردستان، أما بالنسبة للجهات الأخرى فيمكن تأجيل الأمر إلى ظرف أفضل.

إن ما يثير الاستغراب أكثر هو قيام لجنة الطاقة في مجلس النواب بتقديم مسودة عقد للغاز والنفط، في الوقت الذي توجد لدى مجلس النواب من الدورة السابقة مشروع قانون يختلف. إذا افترضنا أن ما موجود أمام مجلس النواب من قانون نفطي يعود للدورة السابقة لا يؤخذ به، فعند ذاك يقوم مجلس الوزراء بتقديم مشاريع القوانين لمجلس النواب ومنها قانون النفط والغاز. وفي حالات نادرة يقوم عدد كافٍ من النواب، أو من لجان مجلس النواب بتقديم مشاريع القوانين، وهذا الأمر يكون في حالة رفض مجلس الوزراء تقديم مشروع قانون. هل الأمر كذلك؟.

ولكن لدى مجلس الوزراء مسودة قانون نفط وغاز جديد قامت وزارة النفط بإعداده، وتمت مناقشته في لجنة الطاقة في مجلس الوزراء. علماً أن لجنة الطاقة هذه تضم خمسة وزراء ورئيس هيئة المستشارين وممثل عن رئاسة الجمهورية. وعدلت مسودة القانون هذا من قبل وزارة النفط على ضوء المناقشات التي تمت في لجنة الطاقة التابعة لمجلس الوزراء، ورفعت المسودة رسمياً في 24/7/2011 إلى السيد نائب رئيس الوزراء لاتخاذ ما يلزم لرفعها إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليها ورفعها إلى مجلس النواب. ليس لدي اطلاع لحد الآن على هذه المسودة، ولكن السؤال المطروح هو لماذا تسابقت لجنة الطاقة في مجلس النواب لرفع مسودتها، وهي تعلم بما يجري في أروقة وزارة النفط ومجلس الوزراء بهذا الشأن بكل تأكيد. أما إذا لم تكن تعلم فالمصيبة أعظم. هل كان الإجراء الاستباقي هذا هو لأن الجهة التي تريد أن ترفع هذه المسودة تعرف أن هناك "مسودة الوزارة"، والتي لا تتلائم مع "متطلبات" لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب، أو بالأحرى لا تلائم متطلبات حكومة إقليم كردستان وكتلة التحالف الكردستاني، وذلك لحذرهم الشديد من كل ما يقوم به السيد الشهرستاني، (علماً أنه لحد كتابة هذه السطور لا أعرف فحوى مسودة الوزارة لكي أبين رأيي بها). في كل الأحوال فإن هناك مسودة أخرى لقانون النفط والغاز، أعدت من قبل الجهة المختصة والمعنية ذات الخبرة - وهي وزارة النفط الاتحادية-، تمت مناقشتها داخلياً وستقدم قريباً إلى مجلس النواب، ولا أعرف ماذا سيكون موقف مجلس النواب حينذاك.

ملاحظات حول مسودة قانون  النفط والغاز المعد من لجنة الطاقة في مجلس النواب

أبدي ملاحظاتي هنا  حول مسودة قانون النفط والغاز (مرفق رقم 1) والمقدمة من قبل لجنة النفط والطاقة والثروات الطبيعية في مجلس النواب الاتحادي، وما سنتوصل إليه ينطبق أيضاُ على أية مسودة أخرى تقدم إلى المجلس لاحقاً.

ولكن لكي أكون واضحاً، فإنني سوف لا أناقش هذه المسودة (بالذات) مادة مادة لغرض إضافة أو طرح أو تعديل أية فقرة منها. فمسودة القانون هذه - وعلى الأقل بالنسبة لي- مرفوضة بالكامل، إذ أنها كتبت بروحية و(عقلية) غير تلك التي تريد للعراق وضع سياسة نفطية وطنية متطورة. سياسة تدعو وتثبت ملكية الدولة وسيطرتها الكاملة على الثروة الهيدروكربونية العراقية، وإدارة هذه الثروة بطريقة صحيحة هدفها الاستغلال الأمثل للمكامن الغازية والنفطية، واستثمارها والإنتاج منها بما يكفي الاحتياجات الفعلية لتغطية تطوير جميع مرافق الحياة في العراق، آخذين بنظر الاعتبار الجيل الحالي والأجيال القادمة، مع بناء صناعة نفطية وطنية تدار من قبل العراقيين بالكامل وفق أحدث الأساليب الفنية الحديثة. وأن تؤدي هذه السياسة (التي يجب أن يؤكد عليها القانون) إلى أن يكون بإمكان العراقيين في المستقبل القريب ليس من إدارة ما موجود بكفاءة فحسب، ولكن إكمال جميع التطويرات المستقبلية النفطية بالاعتماد في الحد الأدنى جداً على الشركات الأجنبية. مع الأخذ بعين الاعتبار إعطاء ميزات تغري الشركات الأجنبية - إن كانت هناك حاجة لها- بالاستثمار ونقل التكنولوجيا، وصولاً إلى مرحلة قريبة في عدم الاعتماد على الاستثمار الأجنبي الذي يعتبر في كل الأحوال ديوناً على العراق. ويتم هذا كله في قانون يعتمد الدستور الحالي (رغم علاّته الكثيرة وضبابيته).

ولكن مع الأسف فإن المسودة المرفقة لا تتوافق مع ما جاء أعلاه. ليس هذا فحسب، وإنما عملت وفي كثير من فقراتها بالضد من هذه المفاهيم سواء أكان ذلك ببنود مباشرة، أو في صيغ "ما بين السطور"، أو ما يمكن أن يفسر بعدة تأويلات. ولنكن صرحاء أكثر، فكأن مسودة القانون هذا كانت قد صيغت بالطريقة التي تفهم بها حكومة إقليم كردستان، (على الأقل ما تقوله في العلن)، لمسألة النفط في الدستور ولصلاحيتها وفق هذا الفهم، وهو الأمر الذي حاولت حكومة الإقليم إقناعه بل فرضه على الحكومة الاتحادية. ولكن وفق هذه المسودة فإن عقودها وقانونها للنفط والغاز ستكون "شرعية"، ويمكن تمريرها رغم أنها حتى الآن لم تستطع أن تحقق ذلك وتحصل على اعتراف بشرعيتها حتى من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي.

هذا ولو صادق مجلس النواب على هذا القانون الذي لا ينسجم مع الدستور - كما سنوضح ذلك بعد قليل - فإن العراق عند ذاك سيبقى بلداً معتمداً بصورة أبدية على الشركات الأجنبية، وسيكون غير قادر على تطوير صناعة إمكانيات بشرية قادرة على أن تعمل على تطوير الصناعة النفطية بالاعتماد على الذات بصورة رئيسية. إضافة لذلك فإننا نرى كأن القانون يريد حل مشكلة آتية، بطريقة خاطئة وخطرة، ناسياً بذلك مصلحة العراقيين والأجيال المقبلة.

لهذا فإن الملاحظات أدناه هي لتوضيح المواقف العامة التي يجب أن يبنى عليها القانون - حسب فهمي-، والذي يجب أن تثبت في بنوده بصورة واضحة لا لبس فيها، وتجنب احتمال وجود أكثر من تفسير لها.

إن جميع الملاحظات أدناه، هي أمور كنت قد كتبتها سابقاً في كتبي بشكل أو بآخر، وهي ملاحظات مختصرة، ومن يرغب بتفاصيل أكثر، فعليه الاطلاع على المرفق (2) والمتعلق بماهية عقود المشاركة بالإنتاج، والمرفق (3) المتعلق بالأمور الدستورية والقانونية النفطية.

1-  إن الدستور العراقي، وخصوصاً فيما يتعلق بالبنود النفطية أو الصلاحيات - فإنه يعامل الإقليم والمحافظة على مستوى واحد، ولهذا يذكر الدستور دائماً مصطلح: "الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم"، أو: "حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة - للنفط والغاز-". لهذا فإن كل من يريد أن يعطي للإقليم صلاحيات تتجاوز صلاحيات المحافظات، فإنه يخالف الدستور. وإضافة لذلك، فإن تأكيد مفهوم أن للإقليم صلاحيات أكثر من المحافظات، سيخالف الدستور في المسألة النفطية، وسيعمل على تشجيع تشكيل أقاليم في العراق، وهو أمر مضر جداً به ويعمل بالنتيجة على تفكيكه رغم أن هذا الأمر مسموح به في الدستور وفق شروط محددة.

على ضوء ما سبق فإنني عندما أتحدث عن الإقليم في الملاحظات أدناه، فإن حديثي لا يعني الإقليم فقط وإنما يتعداه إلى المحافظات النفطية، وكذلك يتعداه إلى جميع المحافظات الأخرى غير المنتجة (أو التي تنتج أقل من 150 ألف برميل في اليوم حسب تعريف مسودة القانون هذه)، والتي تريد أن تستكشف عن إمكانية وجود المواد الهيدروكربونية لديها وتطويرها. وهو أمر يزيد السياسة النفطية تعقيداً ويخلق فوضى في هذه الصناعة، كما كنت قد شرحت ذلك في كتاباتي السابقة.

2-  إن المادة المحورية في الدستور، والتي تبنى عليها كل المواد الدستورية الأخرى المتعلقة بالنفط، هي المادة (111)، والتي تقول:" النفط والغاز هما ملك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات". لهذا ولغرض رفع أي التباس نرى أن يوضع نص ذلك في "الأهداف". إذ أن أحد أهداف القانون، بل أهم هدف فيه هو أن يكون النفط والغاز ملك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات. إن هذا النص يعني أمران مهمان وهما:

2-1- إن ما موجود من مواد هيدروكربونية في المحافظات الجنوبية تشترك في امتلاكها جميع محافظات العراق وإقليم كردستان، وكذلك الحال مع النفط والغاز الموجودان في الإقليم أو والمحافظات الأخرى فهي ملك لجميع الشعب العراقي. وهنا يطرح السؤال نفسه: من المسؤول عن إدارة هذه الثروة ووضع سياستها وإستراتيجيتها؟، والجواب لا يمكن أن نقول أن كل محافظة أو (إقليم) تهتم بما لديها، فهنا ستحدث فوضى وعدم ثقة. إن الجهة الوحيدة التي يمكن الاتفاق عليها هي البرلمان الاتحادي والحكومة الاتحادية والوزارة المعنية الاتحادية، وشركة النفط الوطنية (أي الاتحادية).
هناك فهم خاطئ عند البعض عن معنى "الاتحادية"، وكأن الاتحادية أمر منعزل عن بقية المحافظات وإقليم كردستان. وأحياناً يصل الأمر كأن هناك تناقضاً في المصالح بين السلطات الاتحادية وسلطات الإقليم والمحافظات. ولكن البرلمان والحكومة والوزارة الاتحادية هي مكونة أصلاً من الجميع، فمثلاً في الوقت الحاضر نرى السيد رئيس الجمهورية والعديد من الوزراء ونوابهم والمدراء العامون وكتلة قوية في البرلمان الاتحادي، كلهم من إقليم كردستان ومن كتلة التحالف الكردستاني. إن الأجهزة الاتحادية تمثل الوطن والمواطن العراقي، بغض النظر فيما إذا كنا مؤيدين أو معارضين للنظام الحاكم.

2-2- إن المادة الدستورية (111) أعلاه تؤكد أن ليس للأجنبي حق أو حصة، مهما صغرت هذه الحصة، في هذه الثروة. وهذا يعني أن أي قانون يسمح بإعطاء حصة من هذه الثروة إلى الأجنبي يعتبر قانوناً باطلاً.

3-  لهذا وعلى ضوء الفقرة (2-2) أعلاه، فإن أي تثبيت لقانون يسمح بعقود المشاركة بالإنتاج هو قانون باطل. لذا ولغرض تثبيت الأمر بصورة واضحة لا لبس فيها، وإزالة أي تفسير مقبل لهذا الأمر الذي طال النقاش فيه في السنوات الأربع الماضية، يفترض وضع مادة صريحة بالقانون تقول: "يمنع توقيع عقود المشاركة بالإنتاج و ما يمثلها".

إن إضافة مثل هذه المادة هو أمر دستوري. وهنا علي أن أوضح أن تعريف عقود المشاركة بالإنتاج: هو أن الشركة الأجنبية المتعاقد معها لا تملك حصة في النفط طالما هو في المكمن. ولكنها تملك حصة فيه وبنسبة محددة في العقود الموقعة عندما يتم استخراج النفط أو الغاز من فوهة البئر سواء أكان ذلك معد للتصدير أو للاستهلاك الداخلي أو للاستعمالات داخل الشركة نفسها. ولذا نرى أن هذا التعريف هو تلاعب بالألفاظ ومحاولة للالتفاف على معنى ملكية الدولة للنفط والغاز. لقد وضع هذا التعريف منذ بدايات توقيع مثل هذه العقود في دول العالم للالتفاف حول المطالب الشعبية بسيادة الدولة على مواردها.

من المفروض وحسب التعريف أعلاه أن لا قيمة للنفط من الناحية الاقتصادية طالما هو في الممكن، وقيمته تكون فقط عند استخراجه وبيعه. ولكن من الناحية العملية علينا عقدياً استخراج النفط، وفي هذه الحالة سيكون للشركة حصة فيه حال خروجه من فوهة البئر، وهو أمر يمنعه الدستور الحالي. ونضيف أكثر لتوضيح وجهة نظرنا، فإن جميع الشركات التي وقعت مثل هذه العقود، أضافت حصتها من كمية النفط الموجودة في المكمن إلى موجوداتها (ولم تعتبره غير موجود)، وبذلك ترتفع أسعار أسهمها تبعاً لحصتها من الاحتياطي الموجود في المكمن. وهي تحاول بين مدة وأخرى أن تزيد من هذا الاحتياطي لترتفع أسعار أسهمها، وهذا ما حدث فعلاً قبل فترة وجيزة مع الشركة النرويجية التي لها عقد مشاركة بالإنتاج مع حكومة إقليم كردستان.

إضافة لذلك فعندما تحاول بعض الدول تأميم الشركات النفطية التي تعمل بمثل هذه العقود، فإن الشركات لا تقبل بالتعويض الاعتيادي، وإنما تطالب دائماً بتعويض عن قيمة حصتها في النفط الموجود في المكمن.

على ضوء ما مر أعلاه، فإن التعابير التي وردت في المادة (16) ثانياً وهي "ملكية العراق للمصادر البترولية"، أو ما جاء في الأسباب الموجبة والتي تبدأ بجملة: "بالنظر لدخول جمهورية العراق مرحلة جديدة بعد نفاذ الدستور في عام 2006 الذي أرسى مبدأ أن النفط والغاز ملك كل الشعب العراقي"، هي جمل إنشائية لا معنى لها ما لم تثبّت كمواد قانونية تمنع عقود المشاركة بالإنتاج.

من الأمور الممكنة والطبيعية في التعاملات التجارية إعطاء خصم بسيط على السعر، تبعاً للعلاقة التجارية والخدمات التي يقدمها الطرف الآخر، وهذا الأمر لا يعتبر إخلالاً بالدستور، فهو من الأمور التجارية الاعتيادية. كذلك من الممكن إعطاء حوافز (وهي محدودة عموماً) لأسباب عديدة، منها زيادة الإنتاج أو تحسين النوعية أو تحسين البيئة وغيرها من الأمور.

إضافة لما ذكرته أعلاه، فإن الحالة في العراق لا تخضع لمثل هذه العقود، ليس للسبب الدستوري الذي ذكرناه فحسب ولكن لطبيعة هذه العقود. إن عقود المشاركة بالإنتاج هي بالأصل عقود مجازفة "risk contracts"، وهي تعرف بهذا الاسم حتى اليوم، حيث يجازف المستثمر بوضع قسم من الاستثمارات لعمليات البحث عن النفط (أو عن أي معدن آخر)، لقاء احتمال وجود النفط، فإن لم يجده يخسر استثماره في البحث وإن وجده يعطى حصة في النفط تحدد بالعقد. ولكن ما موجود في العراق هي مكامن وحقول ثابتة محددة، تم إجراء التنقيبات فيها وتم تحديدها وتقييمها، وعليه لا توجد أية مجازفة في عدم وجود النفط، لذا لا تنطبق عليها عقود المشاركة. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على التراكيب الجيولوجية التي لم يحفر فيها آبار استكشافية، إذ أن احتمال النجاح في إيجاد النفط لهذه التراكيب في العراق عالية وتعتبر الأعلى في العالم، وتصل إلى نجاح (9) آبار من كل (10) آبار استكشافية. وقد يقول قائل أن هناك أراض ورقعاً جغرافية لم يتم فيها استكشافات أو تحريات زلزالية. هذا صحيح، ولكن لماذا علينا الذهاب الآن إلى استثمار أراض غير مستكشفة، (وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الحالة السابقة المتعلقة بالتراكيب الجيولوجية)، في حين أن لدينا، على نطاق العراق، احتياطات هائلة من المكامن وحقول مضمونة النجاح، إذ حفرت فيها آبار استكشافية وقدرت احتياطاتها ولم يبدأ استثمارها (على الأقل قبل توقيع مثل هذه الحقول بعقود المشاركة بالإنتاج في كردستان، وتوقيع عقود دورتي التراخيص الأولى والثانية في خارج إقليم كردستان). إن السياسة السليمة هي عدم توقيع عقود تنقيب وتطوير لمثل هذه الحالات، وإجراء عمليات التنقيب والتقييم بصورة مباشرة من قبل الأجهزة النفطية أو من خلال عقود خدمة، كما تم في العراق في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وعند وجود النفط يمكن تطويره في عقود خدمة اعتيادية إن كانت هناك حاجة لذلك، أو اعتباره احتياطي ليعوض الكميات التي يتم استخراجها فعلاً. وهذا الأمر ينطبق على مواقع المياه البحرية العراقية.

الخوف كل الخوف هو أن تحاول كل محافظة أو (إقليم) أن ترى النفط يتدفق منها، أو تعتقد أنها تريد أن تزيد مواردها، فتبدأ باستدعاء ومفاوضة الشركات الأجنبية وتكون مستعدة للتوقيع معها على عقود مشاركة للتنقيب والتطوير، وهي بهذا تضر بمصلحة العراق ككل لاعتقادها أنها تحقق مصالح المحافظة. علماً أن كل من الإقليم والمحافظة يأخذ حصته من الموارد المالية المتأتية من النفط، حسب نصوص الدستور، سواء تم استخراج النفط من منطقته أم لم يتم.

4-  إن مسودة القانون المقترح تعمل بصور واضحة "ومقصودة" على إضعاف (وعملياً على تسقيط) دور جميع الأجهزة التنفيذية الاتحادية المسؤولة عن المسألة النفطية. وبالواقع تأخذ المسودة جانب الموقف المعلن الخاطئ لحكومة إقليم كردستان حول المسألة النفطية.

تبعاً للمادة (115) من الدستور الني نقول: ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية، يكون من صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية الأقاليم، تكون الأولوية لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما". كما أن السياسة النفطية لم تذكر نصاً في المادة (110) من الدستور، والتي تحدد الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية. وبهذا وبحسب هذا التفسير الخاطئ لحكومة إقليم كردستان الذي يعتمد على مواد دستورية مستقطعة ومجتزأة من الدستور، تكون السياسة النفطية بيد الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

لقد قمت في كتابي: "إقليم كردستان وقانون النفط"، وفي فصل خاص منه، يجده القارئ في المرفق (3) من هذه الدراسة، بدراسة جميع الفقرات الدستورية والمتعلقة بالمسألة النفطية، وتوصلت إلى موقف معاكس بالتمام لما تقوله حكومة إقليم كردستان. وبالرغم من التعليقات الكثيرة جداً التي ظهرت على الكتاب بعد نشره في كانون الثاني 2008، ومنهم أشخاص وجهات مختصة بالدستور، لم أجد أي تعليق يفند ما توصلت إليه، وأن جميع تلك التعليقات كانت مؤيدة لاستنتاجي هذا. لا أريد أن أطيل على القارئ بإعادة ما كتبت (فهو موجود في الملحق)، ولكن أود أن أؤكد أن غالبية الصلاحيات الحصرية الموجودة في المادة (110) من الدستور لا يمكن تنفيذها بالمرة ما لم تكن السياسة النفطية حصرياً من مسؤولية السلطة الاتحادية. فالسلطة الاتحادية حسب هذه المادة لها الصلاحية الحصرية في "رسم السياسة المالية، ووضع الميزانية العامة للدولة وإنشاء المصرف المركزي وإدارته، ووضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسة الاقتراض عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارة الخارجية السيادية". وجميع هذه الأمور لا يمكن أن تنفذ إلاّ إذا كانت السياسة النفطية بيد السلطات الاتحادية حصرياً، فالنفط وعوائده هما ما يسيّر جميع الصلاحيات أعلاه. وإذا كانت السياسة النفطية بيد الإقليم والمحافظات فستكون هناك فوضى ما بعدها من فوضى في جميع المرافق الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية، إذ أن النفط هو ما يحرك جميع هذه المرافق. ومن المفيد أن أذكر أن حتى قانون بايدن "سيئ الصيت" لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات كان قد وضع السياسة النفطية بيد الحكومة الاتحادية، إذ أنه "أدرك" أن بدون هذا الموقف والتفسير للدستور، سيكون العراق في فوضى تامة، تعيق إنتاج وتطوير النفط.

إن الفقرات أدناه ترينا وبإيجاز بعض ما ذكرته مسودة القانون، فيما يتعلق بمركزية قرار السياسة النفطية المشار إليها أعلاه:

4-1- لنبدأ بصلاحية رئيس الوزراء الاتحادي.

من الواضح أن "المجلس الاتحادي للنفط" المشار إليه في مسودة القانون، هو جهة تنفيذية، وليس جهة تشريعية، ولا علاقة له بمجلس النواب إلاّ من خلال رئيس الوزراء. إن صلاحيات مجلس النواب هي إصدار القوانين والمصادقة على الميزانيات والمنهاج الاستثماري. ولا علاقة له بالأمور التنفيذية للأمور النفطية.

إن "المجلس الاتحادي للنفط" هو الجهة الأعلى بالنسبة لهرم السياسة النفطية، ومن المفترض أن يرأسه رئيس الوزراء نفسه، ويكون أعضاؤه من الوزارات المعنية مثل وزارات النفط والتخطيط والمالية ومحافظ البنك المركزي، إضافة إلى وزير النفط في إقليم كردستان، وممثل ذو مستوى إداري عال جداً عن كل محافظة منتجة، وكذلك رئيس شركة تسويق النفط (سومو)، بالإضافة إلى عدد من الخبراء يختارهم هذا المجلس (بفضل أن لا يكون لهم حق التصويت). ولكن ما أثار استغرابي أن مسودة القانون الحالي في المادة (5) ثانياً منه، تطلب أن يكون ترشيح رئيس هذا المجلس ونائبه والخبراء المستقلون الثلاثة من قبل هيئة رئاسة مجلس النواب، ويصادق عليهم المجلس (النواب) بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاءه. وهذا الأمر يعطي الانطباع بأن في نية مجلس النواب إدارة شؤون أعلى هيئة نفطية، وكما ويظهر أيضاً وكأن هناك تجاوز للسلطة التشريعية على السلطة التنفيذية.

إن ترشيح نائب رئيس هذا المجلس والخبراء المستقلون يجب أن يتم من قبل رئيس الوزراء (بصفة رئيس المجلس)، فهو جزء من السلطة التنفيذية وترشيحه كترشيح أي وزير.

4- 2- عاملت مسودة هذا القانون وزارة النفط الاتحادية بنفس مستوى وزارة النفط في الإقليم (وهذا يشمل أيضاً المسؤول عن النفط في المحافظات المنتجة)، ولها نفس الصلاحيات المعطاة لما يسميها القانون "الهيئات المختصة"ن والتي عرّفها القانون بأنها "وزارة النفط والجهات المختصة في الأقاليم والمحافظات المنتجة". فوزارة النفط الاتحادية "تقترح"، و"تنسق"، و"تتشاور" مع الهيئات الأخرى، وليس لديها صلاحيات تنفيذية تعلو هذه الجهات. ولو أردنا أن نتبصر أكثر وأخذنا المادة (115) المشار إليها أعلاه، سيكون مركز الوزارة الاتحادية أدنى من "الجهات المختصة في الأقاليم والمحافظات"، لأن تفسير هذا القانون للدستور مطابق لتفسير حكومة لإقليم كردستان، وذلك بأن المسألة النفطية تعود للصلاحيات المشتركة، ومعنا ذلك أن الكلمة النهائية في أي جدل أو خلاف بين الوزير الاتحادي والجهات المختصة في الأقاليم والمحافظات ستكون للأخيرة. وصيغة المواد القانونية في هذه المسودة قد تفسر كذلك، إذ لم تشر من له الكلمة النهائية بعد "الاقتراح والتنسيق والتشاور" مع الهيئات المختصة.

4-3- أما فيما يتعلق بشركة النفط العراقية الوطنية العتيدة، فلقد بدل في مسودة القانون اسمها هذا إلى "شركة النفط العراقية"، علماً أن شركة النفط العراقية الوطنية (إينوك INOC) كان اسماً معروفاً في زمان فائت، ولقد تم حلها في العهد السابق مع امتعاض من قبل جميع الجهات الوطنية العراقية. ولا أعرف فيما إذا كان رفع كلمة "الوطنية" من اسم الشركة له دلالة سياسية أم سقط سهواً!!. كلنا كان يأمل ويتوقع أن تعود أمجاد هذه الشركة (إينوك)، بأن تكون أكبر وأهم شركة نفطية مستقبلية في العالم.

فبدلاً من أن تكون هذه الشركة مسؤولة ومفوضة من قبل الحكومة العراقية عن جميع الحقول النفطية والغازية الحالية وكذلك الحقول تحت التنفيذ والحقول والأراضي والتراخيص المستقبلية، نرى في هذا القانون أن "شركة النفط العراقية" ستكون مسؤولة عن تشغيل وتطوير الحقول الحالية التي يحددها المجلس من خلال الشركات التابعة لها". وكذلك عن تطوير وإنتاج وتشغيل الحقول المكتشفة وغير المطورة "المناطة بها من قبل المجلس". وكذلك المشاركة في عمليات التنقيب والتطوير والإنتاج داخل العراق وعلى "أسس تنافسية" في دورات التراخيص.

وهنا يتبين بوضوح أن القانون قام "بتقزيم" هذه الشركة التي كنا نأمل لها أن تكون الجهة التي ستدير وتطور الصناعة النفطية العراقية الى شركة تدير "قسم من الحقول الحالية". وقسم من الحقول تحت التطوير الحالي وأن "تتنافس" في المستقبل مع الشركات العالمية لكي تحصل على  "تراخيص" جديدة.

بالواقع إنني مستغرب، هل ستكون هناك شركات نفط عراقية أخرى مستقلة عن شركة النفط الوطنية مثل شركات نفط الشمال والوسط والجنوب وشركة النفط الوطنية الكردستانية. إن القانون لا يمنع ذلك، ولكن المنطق يقول أن من الصواب أن يكون للعراق شركة نفط عراقية وطنية واحدة، وبقية الشركات قد تكون فروعاً لها. والأغرب من ذلك أن على هذه الشركة الوطنية (سواء أكانت كبيرة أم قزم)، أن تتنافس مع الشركات العالمية الأخرى لتحصل على "ترخيص". لم أسمع في عمري أن للشركات الوطنية لها نفس ميزات الشركات العالمية وبدون زيادة، وبنفس الوقت نحن نريد أن نتطور فنياً وتكنولوجياً وكفاءة وقدرة وبأيدي عراقية. من يستطيع أن ينافس الشركات العالمية، ونحن لا نزال في بداية الطريق وليست لدينا الخبرة الكافية؟. يجب دائماً أن نعطي ميزة وأولوية للشركات العراقية للنهوض بها، على الأقل لفترة (5-10) سنوات مقبلة، مع مراقبة أدائها.

إضافة لذلك، هل يعقل ونحن قد أحلنا ما يقارب من 70% من احتياطاتنا في عقود مختلفة مع شركات أجنبية، ولا نزال نريد إحالة الباقي (رغم عدم حاجتنا إلى زيادة النفط المصدر بعد أن يستكمل تنفيذ هذه العقود) إلى الشركات الأجنبية. إذ من المفروض إعطاء جميع ما هو متبقي من نفط إلى شرطة النفط الوطنية، ويقرر "المجلس الاتحادي للنفط والغاز"، متى تبدأ هذه الشركة بتطور الحقول المستقبلية.

إن ما مخطط لهذه الشركة في مسودة القانون أن تكون شركة قابضة صغيرة (مقارنة بالشركات النفطية) غيرقادرة على تطوير الصناعة النفطية لاحقاً، إذ ستعتمد دائماً على الشركات الأجنبية. 

4-4- كما يظهر من هذه المسودة فإن جميع عقود العراق النفطية ستكون عقود تراخيص مع الشركات الأجنبية لمدد قد تصل إلى (20-30) سنة. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار إمكانية توقيع عقود المشاركة بالإنتاج - حسب هذا القانون-، سترى العراق في المستقبل متفرجاً على إنتاج النفط من قبل الشركات الأجنبية، ويستلم العوائد المالية فقط.

لقد تحدثنا عن عقود المشاركة بالإنتاج، وكنت أعتقد أننا على معرفة بمعنى عقود الخدمة (واسميها احيانا التنفيذ المباشر) ولكن المفاهيم الهندسية والتعاقدية قد ارتبكت في العراق ، إذ لم أسمع بعقود خدمة تطول لمدة (20) عاماً، وتدار من قبل الشركات الأجنبية. إن هذا الأمر قد نجربه ونعمل به بحدود دنيا وبظروف خاصة ولعدد محدود من الحقول. لذا - بالنسبة لي على الأقل- فإن ما جرى في دورة التراخيص الأولى كان مقبولاً، إذ أعطى ثقة للعراقيين بأن العالم بحاجة للنفط العراقي وعلى استعداد لتقديم القروض والتكنولوجيا والإمكانيات الهائلة للحصول على جزء منه. ولكني لا أفهم العقود العديدة التي وقعت في دورة التراخيص الثانية وبنفس أسلوب دورة التراخيص الأولى، ولكن هذا أمر سنناقشه في دراسة لاحقة، إذ أن دورات التراخيص هي عقود خدمة بشكل خاص، وليست عقود مشاركة.

ما أود أن أؤكد عليه هنا أن علينا وضع مادة في القانون، وفيما يتعلق بالتراخيص التي تمنع العقود التي تتضمن "استكشاف وتنقيب وتطوير وإنتاج وتسويق". ويمكن توقيع عقود "استكشاف وتنقيب" فقط، ونحن نقوم بتمويل هكذا عقود. وإذا كانت لا تتوفر لدينا مبالغ التمويل الآن يؤجل هذا الأمر لحين توفر الأموال، وهو أمر مؤكد (اي توفير التمويل) على ضوء العقود التي تم توقيعها. نحن لسنا بحاجة الآن إلى الشركات الأجنبية لتطوير حقول مستقبلية، فما وقعناه يكفي وأكثر.

4-5- لم أجد في المسودة ما هو موقع شركة التسويق (سومو). هل هناك نية -حسب هذا القانون- أن تكون هناك أكثر من جهة واحدة تسوق النفط العراقي، وهو أمر لم يعارضه القانون!!. لهذا يجب أن يحدد بشكل واضح أن هناك جهة واحدة فقط مخولة بتسويق النفط تعود للسلطة التنفيذية الاتحادية، ويُعيّن رئيسها من قبل رئيس وزراء الحكومة الاتحادية.

5-    الموارد المالية وإنتاج النفط

إن من الأمور التي رأيت أن من الواجب أن أثيرها الآن هو موضوع "الموارد المالية وإنتاج النفط". فإن الفقرة (رابعاً) من المادة (2) المتعلقة بأهداف هذا القانون تقول: "الوصول إلى أعلى مستوى من النمو في الاحتياطات وفي الإنتاج". وفي الفقرة (ح) من أولاً من المادة (9) المتعلقة بمهام المجلس الاتحادي للنفط والغاز ومنها "تحديد المستوى الوطني لإنتاج البترول حسب مقتضى السياسة الوطنية...". نود تبيان ما يلي:

5-1- بما يتعلق بأهداف هذا القانون للوصول إلى "أعلى مستوى من النمو في الاحتياطات". هو أمر صحيح إذا كان المقصود من هذا الهدف ليس آنياً، إذ أن الاحتياطات النفطية لا تعود لهذا الجيل فحسب وإنما للأجيال القادمة أيضاً. إن زيادة الاحتياطات الآن يفيد في زيادة حصتنا في الإنتاج من أوبك، حيث تعتمد الحصص على الاحتياطات الموجودة. علماً أن لنا الحق في زيادة حصة إنتاجنا بغض النظر عن زيادة الاحتياطي (وهو كبير حد ذاته)، وذلك لأننا وبسبب الأوضاع السيئة في العراق، ومنذ بداية الثمانينات، لم نستطع أن نحقق إنتاج حصتنا، ولذا أستثنت أوبك العراق من الحصص باعتبار أن ليس بإمكانه الإنتاج حتى لحصته وبسبب ظروف الحرب والحصار.

كذلك أن من المفيد جداً أن نعرف احتياطياتنا لنستطيع على ضوء ذلك وضع الخطط لما يمكن عمله لتطوير العراق، كما وأن زيادة الاحتياطي يجب - على الأقل- أن تحل محل النقصان في الاحتياطي نتيجة الإنتاج. ولأكن صريحاً، إنني لست متحمساً لزيادة الاحتياطي في ضوء عدم عقلانية الوضع السياسي والاقتصادي للعراق، وتكالب الدول الكبرى -وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية علينا- وكلما زاد الاحتياطي زاد التكالب وصدرت أصوات تقول لنحيل حقول أخرى للإنتاج!!. إضافة إلى أن الاحتياطي الموجود لدينا جيد ويمكن زيادة الاحتياطيات في المستقبل عند تحسن الأوضاع.

5-2- أما فيما يتعلق بزيادة الإنتاج للوصول إلى "أعلى مستوى من النمو في الإنتاج"، فهي بالنسبة لي مسألة مرفوضة وخطرة وتعرض ثروة بلادنا إلى الهدر. باعتقادي أن الوصول إلى إنتاج (6) مليون برميل/اليوم خلال الخمسة أعوام القادمة هو أمر مقبول. أما الزيادة عن ذلك، فسيعرضنا إلى مشاكل مع أوبك، وسيؤدي إلى تقليل الأسعار، والأهم من ذلك ستعمل الولايات المتحدة المستحيل للضغط على العراق بزيادة إنتاجه وتبديد أمواله على شراء سلاح منها لا يفيد إلاّ في ضرب الدول المجاورة أو الشعب العراقي نفسه. وأفضل مثال ما حدث قبل أيام وفق ما نقل عن السيد رئيس الوزراء قوله أن العائدات النفطية لهذا العام قد زادت بسبب زيادة أسعار النفط وأصبح لدينا فائض مالي، ولهذا أزاد شراء عدد طائرات F16 الى (36) طائرة (ونحن لسنا بحاجة لها بنظري)، وكان الأفضل إعطاء هذا الفائض المالي إلى الكهرباء لشراء مولدات كهربائية نقداً بدلاً من الضجة الأخيرة حول العقود الوهمية لشراء المولدات قرضاً. كذلك ستعمل الولايات المتحدة المستحيل لزيادة الإنتاج وذلك لغرض تقليل أسعار النفط عالميا. إن ما نريده هو زيادة الموارد المالية من خلال زيادة أسعار النفط، وتحويل النفط إلى مواد أكثر قيمة مثل الأسمدة والبتروكيمياويات، وليس من خلال زيادة الإنتاج. أما القول بأننا نعمل على الوصول إلى قابلية إنتاج (12) مليون برميل/اليوم - ويحتمل أكثر عند ادخال دورات تراخيص أخرى- وليس إلى إنتاج هذه الكمية  فعلا فهو قول يمكن الرد عليه بسهولة، إذ وحسب المادة (12) من عقود التراخيص الموقعة، فإننا سنتعرض إلى خسائر كبيرة في حال محاولتنا تقليل إنتاج الشركات. وعلى أية حال هذه مسألة سنعود اليها في دراسة مقبلة.

لهذا نرى عدم ذكر أن من أهداف  القانون الوصول إلى أعلى مستوى من الإنتاج، وإنما الوصول إلى أعلى مستوى من المردودات المالية، من خلال التعاون مع أوبك وغيرها لزيادة الأسعار، والعمل على تصنيع النفط لزيادة قيمة مردوداته.

6-  بالرغم من وجود تحفظات أخرى عديدة، ولكن أريد أن أنهي ملاحظاتي هذه، لأنني كما ذكرت سابقاً، أرفض هذه المسودة جملة وتفصيلاً.

ولكي أضيف بعض المرح على دراستي هذه، أريد أن أتعرض إلى المادة (46) من هذه المسودة، إذ تقول الفقرة أولاً منها: "يطبق هذا القانون على العقود المبرمة من قبل الهيئات المختصة قبل صدور هذا القانون من قبل لجنة مكونة من وزير النفط والوزير المختص في إقليم كردستان ورئيس لجنة النفط والطاقة والثروات الطبيعية في مجلس النواب"، والشخص الأخير في هذه الفقرة هو المسؤول عن هذه المسودة من القانون والتي نوقشت بعض فقراتها في هذه الدراسة.

الآن ليتصور القارئ حال وزير النفط الاتحادي وهو جالس بين الوزير المختص في حكومة إقليم كردستان ورئيس اللجنة المشار إليها، الذي أثبتت هذه المسودة أنه "ملكي أكثر من الملك". إنني سأشعر بالأسى على هذا الوزير الاتحادي لأن كل ما يقوله سيرفض من قبل الإثنين الآخرين، وتكون النتيجة (2) ضد (1) لصالح ما يريده الإقليم!!.

وأضيف على ذلك فقرة أغرب بكثير!!، إذ تقول الفقرة رابعاً من هذه المادة: "على اللجنة في عملها التوصل إلى حلول رضائية مع الأطراف المعنية وفي حال بقاء أية أمور عالقة يتم البت فيها من قبل قادة الكتل السياسية الرئيسية الثلاث"!!. الذي اعتقده أن المقصود بالكتل السياسية الثلاث هم التحالف الكردستاني، والقائمة العراقية، والتحالف الوطني، وسيكون القادة الثلاث هم السادة البارزاني وعلاوي والمالكي. وهنا ستكون النتيجة بالتأكيد (2) ضد (1) ويخسر المالكي. وأنا إذ أستنتج هذه النتيجة هنا وهو استنتاج مبني وذلك على ضوء ما بينت من ملاحظات حول مسودة الفانون هذه، وبما يتعلق بالأمور النفطية الخلافية، ولا أتحدث عن الأمور السياسية!!.

ان اكثر ما يرعبني - أو يضحكني-هو أن يطلب (في هذه المناقشات) من وزارة النفط الاتحادية التي وقعت دورات التراخيص الأولى والثانية واحتمال توقيع الدورات اللاحقة (وما أكثرها)، تبديل العقود المسماة "عقود الخدمة الفنية" إلى "عقود المشاركة بالإنتاج" لكي تنسجم تماماً مع هذا القانون (عند الموافقة عليه)!!!.

ما ذكرته في السطور الأخيرة أعلاه هو من باب "الهزل الأسود". ولكن إذ أردت التحدث من باب "الجد"، فكل ما أقوله "أقبروا مسودة القانون هذه، فهي نهاية الأمل في العراق... إن كانت هناك بقية أمل".

 

فؤاد قاسم الأمير

23/8/2011

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا