<%@ Language=JavaScript %>
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

«الربيع العربي» : حالة المغرب 2/2

 

أحمد الحارثي

 - باحث مغربي -

 رئيس تحرير فصلية «نوافذ» المغربية

 

جودة الوعي وحداثة الفكر لدى الشباب...

 

كشفت الحركة الاحتجاجية عن رقي وجودة الوعي لدى الشباب وتوفرهم على تكوين فكري وسياسي نوعي وعالي مقارنة مع ما هو سائد في الساحة العمومية. تبين ذلك بشكل جلي من خلال الجدل السياسي الذي فرضته الظرفية، التي أتاحت الفرصة لتألق طاقات ووجوه جديدة، ظلت مغمورة طيلة سنوات. يرجع السبب في استكنان هذه الفئة من الشباب أساسا إلى تعفن المشهد السياسي وانغماس الأحزاب في الانتظارية القاتلة والانهزامية المقرفة، وفقدان الأمل في عزيمتها على رفع لواء الكرامة والحرية وخوض معركة حقيقية ضد الفساد والاستبداد. هكذا تبددت بسرعة مقولات العزوف السياسي وتدني الوعي وأفول الإيديولوجيا وموت السياسة ونجاعة الواقعية؛ مثلما هجرت مفاهيم العهد الجديد للسلطة والعدالة الانتقالية والجهوية الموسعة والتنمية البشرية والتناوب التوافقي والتعاقد الضمني. في غفلة عن الأحزاب الذيلية -التي وضعت كل رهاناتها في سلة الاستحقاقات الانتخابية، المهملة في الوضع المستحدث، والتي لم تكن تقوى حتى على المطالبة بتعديل الدستور-، بادرت الدولة إلى فتح ورش الإصلاح الدستوري، معترفة عمليا بوجود اختلال في اشتغال النسق السياسي وتقادم القانون الأسمى للأمة وعدم التوازن في توزيع السلط. قبل أن يضطر الجميع إلى الإقرار بها رسميا، استمرت الأزمة السياسية كامنة تحجز التطور الاجتماعي في البلاد على امتداد سنوات عديدة، دون أن تتجرأ النخبة الحزبية والفكرية على الكشف عنها وتقديم مقترحات لتجاوزها.

خلافا للاعتقاد الذي ظل سائدا، لم تكن الشبيبة المتعلمة تقتل وقتها في المقاهي أو تستهلك الإيديولوجيا الدينية في المساجد، أو تجري وراء سراب نجومية وهمية، بل كانت في معظمها تسبح في فضاءات الشبكة العنكبوتية بحثا عن الذات والمعرفية ومعنى الحياة والتواصل مع الغير، وأحيانا مع الآخر البعيد جغرافيا وتاريخيا، والقريب إنسانيا وقيميا.

أصبح الكون في متناولها افتراضيا، بقيمه الحضارية وفكره التحرري وقوانينه الوضعية وخيراته الرمزية وتألقه العلمي وتقنياته الهائلة؛ وأصبح في الإمكان قياس المسافة التي تفصل الواقع المحلي عن العالم. أضحت عملية الحصول على المعلومة أو التحصيل العلمي في غاية السهولة والسرعة، رغم كثافة المعطيات المتوفرة وتشعبها وتشابك خيوطها؛ خاصة إذا كانت مقرونة بإمكانية فتح الحوار المباشر مع المنتجين والمؤلفين والمستهلكين لها، ما يعمق المعرفة ويرفع من جودتها.

تراجعت نجاعة التراكم الكمي في التلقين إلى الخلف فاتحة المجال أمام القدرة على التركيب وتملك المعارف النوعية.

هذا ما لم تستوعبه جحافل النخبة الثقافية والسياسية والإدارية. فقد جعلها الكسل وضائقة الفكر تفزع وترتبك بشدة من هول الصدمة التي تلقتها في مواجهة توغل الوجوه الشبابية المغوارة ـ «الوافد الجديد»ـ في الفضاء العمومي، وبخاصة في البرامج الحوارية المتلفزة التي تألق فيها الشباب. مقابل حيوية الفكر والجرأة في التحليل و«نارية» الخطاب وطلاقة اللسان، فضلا عن بشاشة الوجه أمام الكاميرا ـ الذي يسعفه التعود على الويب كاميراـ لدى المخاطبين الجدد، يبدو الفاعل الحزبي والمدني التقليدي متخلفا وشائخا، يغرق خطابه في المزيد من التفاهة جراء الاستخفاف بالعقول والتمادي في الاختباء وراء اللغة الخشبية الركيكة. فهو لم يع بعد أن سلطة الخطاب، والسياسي منه على وجه الخصوص، تستند من الآن فصاعدا ليس على الخطابة الفضفاضة والنظريات الجامدة، أو المكر الحزبي والإداري، وخبايا الكواليس السياسية، بل على وضوح الرؤيا والانسجام المذهبي واستقامة الخط السياسي وفاعلية البرنامج والالتزام بالوعود. يقتفي الشباب المغربي آثار مسالك ومتاهات الشبيبة العالمية. وإذ تستوقفه أكثر السجالات السياسية الساخنة الدائرة هنا وهناك، فإنه لا يمكن له عدم الانتباه إلى العقلانية التي تحكمها؛ ويتسلح بها في نظرته إلى ما يروج محليا.

الاستثناء وقوانين التطور الاجتماعي

ما فتئت الموجة الثورية في أقطار العالم العربي تكشف عن تصلب وبلادة الحاكم المستبد، تعنته وعناده، غروره المفرط بنفسه، تشبثه بنظامه إلى آخر رمق، عدم قدرته على التقاط دلالة وحدة اللحظة التاريخية. تتكثف مظاهر الاستثناء هنا، في هذا التحجر السلطوي الذي يجعل أولياء الأمر والمتنفذين المحيطين بهم غرباء في عالم اليوم، لا مثيل لهم في باقي المجتمعات المعاصرة. سواء في حالة انتدابهم على خلفية القانون الوضعي، النص الدستوري، أو عبر مأسسة أنفسهم إما بالقوة وإما باستعمال الأعراف والتقاليد، لا يتزحزحون عن كراسي المسؤولية كيفما كانت الكوارث التي يتسببون فيها، ولا يضعون أبدا نصب أعينهم التخلي عن الحكم. لا يخطر ببال أحدهم الاستقالة من المنصب. بل يكرهون أكثر من أي شيء آخر التنازل على شبر واحد من ضيعات «مملكتهم الخاصة»، من نفوذهم.

وعندما يدوي صوت الاحتجاج والرفض في الشارع، يكتفون بصم آذانهم مطلقا، ورفض الإنصات حتى لصدى الغواش والنيران التي تلتهب البلاد والعباد وتضع ما تبقى من سلطانهم على شفير الهاوية. في البدء، كان ربما في وسع الحاكم تلافي الأردأ واقتصاد الانهيار السريع، بتقديم تنازلات حقيقية وفي الوقت المناسب، لكن جبروته وصولته حالا دون ذلك. ولم تنفعه في شيء جحافل المفسدين التي كانت تحتمي به، وبين عشية وضحاها أصبح محيطه القريب يتبرأ منه، تاركا إياه في عزلة قاتلة، يواجه المصير الذي ينتظره.

نعثر على بعض النماذج الاستثنائية القريبة من أنظمة الحكم هذه، في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مثلا، أو في الشرق الأدنى، بل حتى في رومانيا سابقا، لكنها تبقى هامشية وضعيفة مقارنة مع ما يحدث في الأقطار العربية.

وكلما اقتربنا في المنطقة العربية من القبلية والعشيرة والمذهب الديني المنغلق والتسييج العسكري للساكنة، كلما تبدو الأنظمة أكثر تشددا واستعدادا لمعانقة خيار إشعال فتيل الحرب الحقيقية، حرب نظامية انفرادية، في مواجهة المدنيين العزل.

خارج هذه الفروقات الدقيقة، ليس هناك استثناء داخل الاستثناء، نفي للقاعدة المشتركة، المتمثلة في أنظمة حكم تسلطية تمتد بجذورها إلى العهود الغابرة، وتحتفظ بملامح «الاستبداد الشرقي». مكنتها الحقبة الاستعمارية من استيراد التكنولوجيا السياسية والمؤسساتية بدون روحها؛ وفرضت عليها الاندماج في الاقتصاد العالمي وما يسمح به من عملية تحديث اقتصادي وعلمنة (Sécularisation) غيرت أسلوب العيش والكسب لدى الساكنة، عبر توسيع السوق وإدخال أنظمة تعليم وصحة ومواصلات ومرافق اجتماعية وبنيات تحتية عصرية، بما في ذلك وسائل المراقبة الترابية. يتجسد الوازع المشترك فيما بينها وبين باقي الأنظمة السياسية الحديثة في طبيعتها اللاديمقراطية ونوعية فسادها؛ في التقليدانية السياسية، واللاهوتية الفكرية والإيديولوجية المتحكمة في إعادة إنتاجها.

ثمة بالطبع خصوصية الساكنة الأصلية المحلية، التي اقتحمت في سابق العهود الحكم السلطاني في بلاد الإسلام، من فرس وصقالبة وأمازيغ وزنوج، دون نسيان الصراع الطائفي والمذهبي نتاج تسييس الدين وتديين السياسة في البلاد العربية، وحالة الأكراد والأقباط واليهود، إلخ. لكن قوة الامتزاج البشري وغلبة المنظومة الفكرية والإيديولوجية العربية الإسلامية في أقطار المحيط العربي، وكذا التاريخ الحديث لهذه المنطقة الجغرافية، كلها عوامل تؤكد «الاستثناء العربي» ولا تلغيه.

من هذه الزاوية، ليس من الغريب في شيء أن تحتمي الأنظمة العربية بمقولة الخصوصية وتشد نفسها قبل الغير إلى وهم الاستثناء. بمجرد انطلاق الثورة التونسية، حاول كل من النظام المصري السابق، وبعده الليبي، ثم اليمني، والسوري، إلخ، الاختباء وراء طلاء الانفراد بمقومات المناعة التي يستمدها من شرعيته التاريخية والديمقراطية وإنجازاته العظيمة والتفاف الشعب حوله.

لم يسلم الخطاب السياسي الرائج في المغرب من هذه النزعة التي تلاحقه كلما حل بالعالم حدث مقلق: الإسلام السياسي، التطرف الديني، الإرهاب الدولي، الأزمة المالية العالمية، حقوق الإنسان ووضع الأقليات، إلخ.

ما الذي يمكن أن يجعل المغرب استثناء؟ بالمعنى الذي نتحدث عنه في هذا السياق، لا شيء؛ ما عدا خصوصية الواقع المحلي التي هي سمة مشتركة بين جميع المجتمعات والدول المعاصرة، التي تبقى مع ذلك خاضعة لدينامية التاريخ البشري الشامل في عالم اليوم.

إذا وضعنا جانبا خريطة العالم الإسلامي ـ «السياسية» ـ، وإرث الأندلس المشترك، ينتمي المغرب جغرافيا وتاريخيا إلى الفضاء العربي وإلى المنطقة المغاربية؛ فهو جزء تجزأ من هذه ومن ذاك. ثمة التاريخ ماقبل الإسلامي، لكنه لا يغير جذريا المعادلة التي نحن بصدد الحديث عنها، خاصة إذا وضعنا نصب أعيننا ثقل ودلالة ميراث الإمبراطورية في عصر المرابطين والموحدين، وغيرهم من الأمازيغ الذين حكموا المغرب باسم العروبة والإسلام.

لم يطله بالفعل التوغل العثماني في المنطقة، لكن عزلته كانت نسبية، لا تعفيه من تأثير الخلافة الإسلامية.
تميز سقوطه تحت وطأة الاستعمار الغربي المباشر بتعدد الغزاة، وتقسيم أطرافه بين مستعمر مجهز بأسلحة الثورتين الصناعية والبورجوازية، وآخر ميركنتيلي وشبه إقطاعي؛ زيادة على الوضع الدولي الخاص لمدينة طنجة. تم الاحتفاظ بمظاهر سلطة المخزن الذي فرط في السيادة وفضل التوقيع على معاهدة الحماية لضمان بقائه، وقبل احتلال البلاد من طرف الأجنبي وإخضاعها له. ثم تأسست حركة وطنية سلفية في ارتباط وثيق بالمشرق العربي. في حين نجح المستعمر في القضاء نهائيا على نظام ونفوذ القبيلة كوحدة سياسية وعسكرية ومؤسسة قضائية، وفي تهدئة البلاد وجعل الدولة المنظم الوحيد للمجتمع. وفرض القانون الوضعي على سائر مناحي الحياة الاجتماعية، باستثناء العائلة.

نجحت بالفعل الكولونيالية في غرس الرأسمالية التي أصبحت تحدد طبيعة العلاقة الاجتماعية؛ وبفضل دهاء المقيم العام اليوطي، في تنظيم الدولة وإخضاعها لإرادة الحماية دون الاضطرار إلى تصفية النظام المخزني القديم بالكامل.

بعد جلاء عهد الحماية، ورثت دولة الاستقلال ـ الجديدة ـ الركيزة (Armature) السياسية والمؤسساتية والقانونية التي خلفها الغزاة الفرنسيون. وعملت على تطويعها في الموعد لإعادة بناء الحكم السلطاني التقليدي، في زي عصري؛ بدءا من إرساء دعائمه في الأرياف، قبل حصوله على قبول النخب الحضرية. كأن المخزن يأخذ بثأره، إذ بمجرد استعادته لعافيته بفضل الحركة الوطنية السلفية ذاتها، سوف يعمل جاهدا على وضع السلطة الحقيقية كاملة في يده، باسم الأصالة، ويحتفظ بالمظاهر الخارجية للمعاصرة، مقتفيا آثار الطريق التي نهجها المستعمر.

تتبلور الخصوصية المغربية في هذا المعطى المركزي، تقعيد العلاقة السياسية على التقليد ولفظ مأسستها. يشترك فيها، بتفاوتات طفيفة لا تمس الجوهر، مع باقي أنظمة الجامعة العربية؛ حيث تضاهي الجمهوريات الملكية الملكيات الرئاسية في احتكار السلطة المركزية.

يتقاسم أيضا المغرب ميزة أساسية أخرى مع بلدان المنطقة العربية تتمثل في كونه لم يشهد في تاريخه الحديث ثورة اجتماعية بالمعنى الدقيق للعبارة. في شرق وغرب المنطقة، اكتفت حركات التحرر الوطني بطرد المستعمر دون اجتثاث منابعه المحلية وبنيات الاستقبال الداخلية التي دعمته؛ لم تكن مصحوبة بثورة ضد القوى الرجعية والإقطاع. حتى في حالة الجزائر التي شهدت حرب تحرير طويلة وشرسة. ثم توالت الانقلابات العسكرية هنا وهناك لتعيد إنتاج التسلط السياسي والتخلف، دون الحسم مع الماضي، مع التقليد. يرجع السبب في ذلك جوهريا إلى تذبذب الفئة الاجتماعية المؤهلة للنهوض بهذه المهمة التحررية المزدوجة، إن لم يكن غيابها: عادة الطبقة الوسطى أو البورجوازية وطنية؛ وإلى افتقاد المرجعية الفكرية والإيديولوجية الملائمة للعصر: طغيان السلفية الوطنية والقومية، هامشية القيم الحداثية.

عناصر للتفكير

شهد المغرب خلال العقدين الأخيرين تطورات كثيفة، غيرت ملامحه العمرانية والبشرية، وانعكست آثارها بشكل ملحوظ على صعيد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أفرزت ظواهر سوسيولوجية غير مسبوقة. بغض النظر عن تردي الأخلاق وتفشي الفساد، ما يسترعي الاهتمام هو انتشار العدوانية في السلوك الاجتماعي لدى المغاربة. تكتسح موجة العنف والاحتقان الداخلي كل أماكن الاحتكاك الاجتماعي بين الأفراد والجماعات، في المصالح العمومية والإدارة وفضاءات الاستهلاك الجمعي والأحياء السكنية والأسواق التجارية، أو حتى في الوسط العائلي الحميمي، إلخ. ويلقى ذلك ترجمة وفية له في «حرب الطرق» مثلا.

يعيش المغاربة على إيقاع ما يشبه الحرب الأهلية، يتناحرون فيما بينهم، يفرغون مكبوتاتهم الفردية والجماعية في العلاقة الاجتماعية المبسطة، المشخصة، المباشرة؛ غير السياسية. قد تطال عجرفتهم أحيانا رجل الأمن -باسم حقوق الإنسان-، لكنهم يهابون أكثر من أي شيء السلطة ورموزها. ما يدل على أن المشكل الأمني غير مطروح بالحدة التي يروج لها البعض بين الفينة والأخرى. فكل مغربي هو ملك وسلطان في حد ذاته، هو فعلا أسد. لا يعترف بحرية الآخر وحقوقه، هو كائن بطبعه المكتسب لا ديمقراطي. يبدو كأنه لا يفهم معنى سلطة القانون المجردة سوى في مادية الإكراه، في العنف الدولتي المشروع. حتى حين يصطدم بجزئيات عنف الآخر، العنف الفردي، فإنه لا يمكن له أن يستسيغ بأن القانون هو في الأصل اتفاق، عقد؛ لأن الكيان الفوري للدولة ذاته يرفض الامتثال لعقد اجتماعي يحد ويضبط تدخله في المجتمع.

لا تنحصر الظاهرة في الجمهور، بل تشمل مجموع النخب، الإدارية والحزبية والفكرية والثقافية والإعلامية. يعتمد الجميع نفس النمط الشخصاني في تسيير الممالك الصغيرة التي توضع تحت نصرفه، بضيعاتها وخدامها ووسائل (إعادة) إنتاجها؛ يشن الحرب على بعضه البعض؛ يستئسد ويعتدي هذا على ذاك؛ يتعالى المحظي على من يبدو له أقل حظوة؛ وتتراكم الأحقاد والضغائن... في حين، عوض الاحتكام إلى السوق والتنافسية لتحسين الجودة والمردودية وتخفيض الأثمنة، يستبد بالنخبة الاقتصادية الحسد إلى حد تخريب المنافس وتنحيته نهائيا بوسائل غير مشروعة.

تخترق ثقافة الدولة هذه مغاربة المهجر، الذين بمجرد ولوجهم التراب الوطني يغيرون تصرفهم. إنهم، بتحويلاتهم للعملة الصعبة، يساهمون فعلا بشكل كبير في تحسين ميزان الأداءات؛ ويعانون مع ذلك من سوء المعاملة والابتزاز، في نقط العبور الحدودية، في الطرق، في المصالح الإدارية، في ميدان الاستثمار، إلخ. إلا أنهم يكتفون بنقل رؤوس الأموال والبضائع إلى الداخل دون القيم والثقافة والمهارات والخبرات، ما يقلص من دورهم في تحديث البلاد.

مثلهم مثل مغاربة الداخل، لا يوازون بين الحقوق والواجبات، يطالبون بالمشاركة في المؤسسات واستهلاك خدمات الدولة دون الالتزام بالمسؤولية المترتبة عن ذلك، الاجتماعية منها على وجه الخصوص. فقد بلغت الانتهازية والانتفاعية ببعض نخب المهجر إلى حد اللجوء إلى نوع شاذ من الهجرة المضادة، حيث تجنح إلى الحصول على وظائف إدارية والاستفادة من أجواء الفساد واقتصاد الريع في المغرب ـ البيت الخلوي ـ، مع الاحتفاظ بالإقامة الأساسية والوضع المهني والمكاسب المحققة في بلد الاستقبال.

تحت ضغط القهر وسياسة التدجين: الغرفة الخلفية المتحكمة في اللاشعور الجماعي، انتشرت بشكل مهول هذه الثقافة الأنانية العدوانية، المعادية للحق والقانون؛ وأضحت تشكل قنابل موقوتة وتربة خصبة لتغذية الفتنة في أية لحظة مواتية، أو إشعال فتيل حرب أهلية مدمرة في حالة حدوث فلتان أمني. إذ هي تبدو طاقيا أقوى من النعرات القبلية والعشائرية أو التعصب الديني، خاصة ـ وهنا تكمن ربما المفارقة ـ أن المغرب لم يشهد في تاريخه الحديث ما يشبه «الفوضى الخلاقة»: أحداث فتاكة تجعله يهاب السقوط في مستنقع الاقتتال ويعي جماعيا معنى التعاضد والالتحام في شدة المحن...

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا