<%@ Language=JavaScript %> عبدالغفار شكر  البحر غضبان
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

البحر غضبان

 


عبدالغفار شكر 


يأتيني صوته من بعيد مليئا بالشجن الذي صنعته عذابات السنين الطوال التي تجرعها الشعب المصري من حكامه الظالمين‏,‏ صوت الشيخ إمام عيسى‏:‏

البحر غضبان ما بيضحكش, أصل الحكاية ماتضحكش
البحر جـرحه مابيـدبلـش, وجرحنا ولا عمره دبـل
وتتفاعل الكلمات الموحية مع مشاعر غامضة تنتابني في هذه اللحظة المليئة بالشكوك حول مستقبل مصر. هل هو يتحدث عن البحر أم يتحدث عن الشعب ؟ هل هو البحر الغضبان فتندفع أمواجه هادرة تضرب الشواطئ بكل عنف أم الشعب الغضبان بعد أن كادت موجة الثورة الأولي أن تتلاشي دون تغيير يذكر في الحياة اليومية للمصريين, ودون تغيير يذكر في أوضاع المجتمع:

 الفقر والبطالة والفوارق الطبقية الهائلة بين أغلبية كاسحة لاتجد ضرورات الحياة وأقلية مترفة لاتزال تقبض علي الثروة وتوشك أن تحكم قبضتها علي السلطة من خلال انتخابات تشريعية تأخذ بالنظام الفردي علي نصف مقاعد مجلس الشعب, تنتاب المصريين في هذه اللحظة العديد من مشاعر الشك والترقب الممزوجة بالغضب وعدم الرضي لما انتهت عليه الموجة الأولي من الثورة التي دفع الشعب ثمنا غاليا لها آلاف الشهداء والمصابين وغياب الأمن والأمان والتراجع الاقتصادي والصراعات العنيفة تؤججها جماعات جديدة علي الساحة السياسية تخيف الكثيرين بأطروحاتها الفجة وجهلها بأصول المنافسة السياسية الديمقراطية, وتصورها أن هذا الشعب يمكن أن يستكين مرة أخري لدكتاتورية جديدة تغلفها شعارات دينية تخدع المواطنين البسطاء.
صحيح أن الموجة الأولي من الثورة قد خلعت الطاغية وأدخلت أركان حكمه السجون وخلصت الشعب المصري من المجالس النيابية المزورة( مجلس الشعب, مجلس الشوري, المجالس المحلية) وحققت درجة من التطهير في جهاز الأمن والإدارة المحلية والجامعات, ولكن ذلك كله لايكفي لانتصار الثورة ولا يكفي لتحقيق شعارها الرئيسي' الشعب يريد إسقاط النظام' أو شعاراتها الأخري' عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية' وإذا كنا قد قدمنا للبشرية كلها نموذجا راقيا وغير مسبوق للثورة الشعبية دفع الكثيرين من زعماء العالم للقول بأن شعوبهم سوف تتعلم من الشعب المصري وهو ما حدث بالفعل في تحركات شعبية احتجاجية بالعديد من الدول المتقدمة في نموذج مماثل لميدان التحرير, فإنه علي رأي المثل الشعبي' الحلو ما يكملش' لأن هذه الثورة العظيمة لم تتمكن من تولي السلطة كما يحدث في كل الثورات الناجحة, وهناك الآن فجوة واضحة بين سلطة اتخاذ القرار وطموح قوي الثورة نحو تحقيق كل مطالبها.

وإذا كانت الجمع المليونية قد نجحت في الضغط من أجل الحصول علي العديد من المكاسب إلا أن الأمر لايمكن أن يستمر هكذا, فالثورة تحتاج إلي رؤية استراتيجية واضحة تتضمن أهدافا ومهام محددة وفق جدول زمني يتم تعبئة كل الطاقات الشعبية والإمكانيات المادية لتنفيذه بديلا عن سياسة المراوجة في المكان وإهدار الطاقات والزمن في ضغوط متبادلة ثم تكون النتيجة محدودة لا تلبي سقف الطموحات العالي الذي أطلقته لدي الجماهير ثورة25 يناير, ولا تلبي الإحتياجات الفعلية لجماهير حرمت طويلا من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويضاعف من صعوبة اللحظة الراهنة أنها تتم في ظل فراغ سياسي كامل, فالأحزاب القديمة لم تتمكن حتي الآن من تعويض ضعفها وفقدان المصداقية بسبب علاقتها بالنظام البائد, والأحزاب الجديدة لم تزل حتي الآن مجرد مشروعات لا يعرف عنها الشعب شيئا, ولا يعرف الشعب برامجها السياسية أو قياداتها. ومما يزيد الأمر سوءا أن هذه الأحزاب قد استقطبت في محورين أساسيين أحدهما يرفع رايات الدين ويستخدمه في السياسة بلا حياء, وثانيهما يحاول مجاراته في السباق دون أن يطرح علي الشعب نفسه بوضوح.
إذا كانت الموجة الأولي من الثورة توشك أن تتلاشي بعد أن فقدت قوة الدفع دون أن تحقق تطلعات الشعب, وإذا كان الفراغ السياسي يحول دون معرفة الشعب بحقيقة الأحزاب التي تتهيأ لخوض انتخابات مجلس الشعب القادمة حقيقة موقفها من قضية العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية, فإن هذه الإنتخابات سوف تكون حقل الإختمار الثوري لموجة ثورية جديدة, خاصة إذا أسفرت هذه الإنتخابات عن مجلس للشعب لا يعبر عن الشعب الكادح ولا يعبر عن الثورة, إذا فاز في هذه الانتخابات كما هو متوقع أبناء العائلات الغنية في الريف وكبار رجال الأعمال ونشأ تحالف سياسي جديد بين من يملكون الثروة ومن يستخدمون الدين في الصراع السياسي علي حساب ملايين المواطنين المحرومين من ضروريات الحياة الذين راودهم الأمل بعد الثورة في تحسين أحوالهم ودفعوا الثمن غاليا من أرواح أبنائهم ومستقبلهم.

سوف تعقد في هذه الإنتخابات آلاف المؤتمرات السياسية وتنظم آلاف المسيرات الإنتخابية وتبث برامج حوارية في التليفزيون والإذاعة من عشرات القنوات, وستشهد مصر حوارات سياسية ساخنة سيطرح فيها بقوة وكثافة مستقبل الثورة ومستقبل مصر ولن يضيع هذا كله هباء بل سيتراكم داخل النفوس ليطلق طاقة جديدة هائلة نحو التغيير الضروري الذي لم تنجح الموجة الثورية الأولي في تحقيقه وخاصة ما يتصل بحق الشعب في إدارة شئون البلاد من خلال ديمقراطية سياسية حقيقية يرسي أساسها دستور ديمقراطي بالإضافة إلي تنفيذ برامج محددة لتحقيق العدالة الإجتماعية إبتداء بهيكل عادل للأجور إلي توفير السكن الاجتماعي بتكلفة مناسبة إلي توفير التعليم الحقيقي المجاني والعلاج الحقيقي المجاني بزيادة الإنفاق علي التعليم والصحة وغير ذلك من إجراءات تكفل تحقيق العدالة في توزيع الدخل القومي, ما جري في إنتخابات سابقة لمجلس الشعب كان أساس إنتفاضات شعبية عنيفة كما حدث في إنتخابات مجلس الشعب سنة1976 التي أعقبتها الإنتفاضة الشعبية في18,17 يناير سنة1977, وإنتخابات مجلس الشعب في ديسمبر سنة2010 التي أعقبتها ثورة25 يناير2011 وفي كلتا الحالتين كانت الشعارات والمطالب التي رفعتها القوي الشعبية أثناء الإنتخابات هي نفس الشعارات والمطالب التي رددتها القوي الشعبية في الإنتفاضة والثورة.
الشعب غضبان لا تستهينوا بغضبه فهو يتهيأ لإطلاق موجته الثورية الثانية التي ستكون غالبا في الذكري الأولي لثورة25 يناير لا تستهينوا بهذا الشعب كما إستهان به من قبلكم فنالوا شر الجزاء
.

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا