<%@ Language=JavaScript %> عارف معروف ميكافيللي ..المسكين!
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

ميكافيللي ..المسكين!

 

 

عارف معروف

 

شاع في اوساط الكثير من المتعلمين و انصاف المتعلمين ، في السبعينات ، القول بأن صدام حسين ينهل، خططه وسلوكياته ، التي تتصف بالمكروالدهاء  ، من معين ميكافيللي ، وانه يتوسد كتاب " الامير " بعد ان يقرأ منه ما تيسر كل ليلة ولم يقال ذلك عن المرحوم عبد الكريم قاسم ، فقد كان الرجل " دريع " كما يصف العراقيون الرجل البسيط ،  الواضح ، سليم الطوية ، ولم يعرف له من دهاء الاّ في لعبة التوازنات التي لم تؤت اكلها وكانت من جملة ما اودى به من اسباب ! اما عبد السلام فسماه العراقيون في حينه ، المشير الفطير رغم  اتصافه ببعض المكرولكن لغلبة التسرع وعدم الحصافة على سلوكه ، وبالنسبة لعبد الرحمن عارف والبكر،  فيبدو ان العراقيين استكثروا عليهما القراءة، ناهيك عن قراءة كتاب مثل" الامير" ينطوي، ربما ، على شيء من العمق!

والحقيقة ، ان هذه التهمة ، استلهام ميكافيللي وتوسد كناب الامير، شملت قبل صدام ، اكثر من حاكم عربي، وغير عربي  فقيل عن عبد الناصر ذات الشيء وكذلك هتلر وربما ستالين  .  لكن الامر ثابت على وجه اليقين بالنسبة لموسوليني فقط ، اذ ان  الاخير لم يخف اعجابه قط بميكافيللي، بل اطراه كثيرا وكان موضوع رسالته لنيل شهادة الدكتواره ووصفه ب" الامين العظيم "وسمى كتابه الامير ب" ملازم رجل الحكم ". حيث كان موسوليني يرى في ميكافيللي ، انه  نظر الى الوقائع والناس كما يتعين على السياسي الواقعي ، الجاد ، ان ينظر. وجوهرالحكم ، بحسب موسوليني ، انه صراع ابدي بين المصالح والغايات والانانيات بالنسبة للافراد والمصلحة العليا والغاية الكبرى بالنسبة للدولة او النظام ، ولذلك فان وظيفة الحاكم والدولة ، النظام ، هي "تربية ميول واهواء وانانيات الناس والافراد وتطويعها وفقا لغايات نظام عام "، معنيّ بمستقبل الهيئة الاجتماعية ، اذن فقد كان موسوليني مهتما بميكافيللي كرجل دولة او مستشار تعامل مع الوقائع كما هي والبشر كما هم .

والواقع ان ما اوحى لميكافيللي بمضمون كتابه ذاك ، وهو ما اشار اليه، هو اطلاعه على التاريخ واعمال القياصرة والملوك والقادة وسيّرهم ، ثم اخيرا عيشه في كنف قيصر بورجيا وما رآه واطلع عليه في بلاطه وخلف الكواليس من فتن ومؤامرات وتصرفات في سبيل السيطرة والحكم والقوة لا تتصف بالنزاهة والشرف ، وبعيدة كل البعد عن المثالية والاخلاقية ، وهذا ما جعل ميكافيللي ، يصب جام غضبه على افلاطون وسقراط وكتاباتهم ونصائحهم المثالية التي لا ياخذ بها احد، ويصرح بعبارته الشهيرة من انه يريد ان يكتب شيئا مفيدا ولذلك تعّين عليه ان يذهب الى الوقائع كما كانت ويقدمها كما هي !

لقد تعود الناس، والمهتمين بالسياسة على وجه الخصوص ، واختزنوا في مخيالهم ، صورة نمطية عن ميكافيللي ، تصوره في هيئة ثعلب او شيطان ذو نظرات ثاقبة ، براقة ، وذقن دقيقة ، وآذان طويلة ومدببة. وساعدت الرسوم والتخطيطات التي وضعها رسامون اوربيون على اغلفة كتبه منذ زمن لم يكن فيه التصوير الفوتوغرافي قد ظهربعد،على ذلك . لكن ما هي حقيقة ان يكون صدام او غيره من الحكام العرب قد استلهم او قرأ ميكافيللي ؟ ان من،  يقرأ ميكافيللي ، ونصائحه واقتراحاته ، سواءا في كتابه "الامير" او في مطارحاته ،ويقارنها مع ما عرف ويعرف وعايش ويعايش من اساليب وصيغ للحكم والادارة والقيادة، في عالمنا العربي العظيم ، لا تتصف بالمكر والدهاءفحسب ولا الشيطنه فقط وانما هي ممارسات جهنمية يرتعد منها ابليس نفسه،ظلت تتطور وترتقي وتتعقد صعدا طوال تاريخنا المجيد وماضينا التليد، حتى انها اصبحت نوعا من الفانتازيا والخيال الذي لا يخطر على بال ، يعرف ان حيل ميكافيللي لم تكن سوى " لعب جهال " وان ابسط واحد من حكام الامس واليوم، يمكنه ان يأخذ ميكافيللي ، المسكين ، الى الشط ويرجعه " ميّت من العطش " كما يقول مثلنا العراقي المعبر .

رويّ ، في بعض المصادر التاريخية ، ان احد افراد حاشية والي مصر الكبير محمد علي باشا او من المستشرقين الذين زاروا بلاطه ومكثوا عنده فترة من الزمن ، اقترح على الوالي ، رجاء الحضّوة عنده ، ان يقرأ له كتاب " الامير " لرجل داهية من حكماء السياسة والسلطان لم يجود الزمان بمثله ابدا ، قاصدا ميكافيللي ، فلقي اقتراحه قبولا من محمد علي باشا وطلب اليه ان يقرأ ويترجم له ، كل ليلة عدد من صفحاته .

 يقول المصدر ان محمد علي اعيا الرجل ، فكلما قرأ له حيلة من حيل السلطان في موقف معين ابتسم محمد علي وقال له " ايعرف صاحبك حيلة واحدة في هذا الباب ؟...اعرف عشرة" وكلما ترجم له تخريج معين في امر من الامور ،  قهقه محمد علي " ايوصي صاحبك بثلاثة وصايا في هذا الامر ؟... اعرف ثلاثين اشد وادهى " وهكذا حتى دب الملل في نفس محمد علي وطلب الى الرجل الكف عن القراءة قائلا بشأن كتاب ميكافيللي " ليس فيه جديد "!

والحقيقة ان الامر لم يكن محض تبجح من الوالي الكبير انما كان يصيب كبد الحقيقة ، كما يقال ،فالسلطة والقوة والمال والنفوذ، المأخوذ غصبا واقتدارا ، او مكرا وحيلة، او صدفة واعتباطا (!) ، يستدعي معه الياته ويستنفر غرائز وقوى صاحبه او اصحابه بل ويحفز لديهم شرور ماكانوا يتصورونها بين جوانحهم للحفاظ عليه وادامته وتوسيعه اذ ينطوي كل انسان على جانب من الدهاء والمكر ينبع عن ذكائه وفطرته وتعززه وتشحذه انانياته ومصالحه، ان الامهات ومربيات رياض الاطفال والمختصين  في شؤون التربيه يعرفون اية حيلة وقدر من المكر والخبث يمكن ان يتصف بها تصرف طفل في سنواته الاولى اتجاه اقرانه بل واخوته في امر مغنم او حاجة ، فما بالك برجل او مجموعة من الرجال او حزب اوفئة يحوزون السلطة بين ايديهم ، سلطة مطلقه تمكنهم من القول للشيء كن فيكون ، وتجري ثروات الشعوب بين ايديهم انهارا من الذهب، يتمرغون فيه ظهرا لبطن ، على حد تعبير معاوية  ، دون حسيب اورقيب ، فيخفظون من يخفظون ويرفعون من يرفعون ، يعيشون بين قطوف دانية واحضان حانية ويخر لهم الرجال متملقين ، كيف لهؤلاء ان لاتتفتق عقولهم عن الف حيلة وحيلة في اللف والدورا ن والتسويف والمماطلة ، كيف لا ينبت لهم  الف ذراع وذراع للتهديد والوعيد والقتل والتعذيب والرشوة وشراء الذمة ، وكيف تريد منهم ان يصدقوك في تعبير او يوفون معك بعهد او يلتزمون بكلمة !

لم يكن صدام حسين او علي عبد الله صالح او زين العابدين، او القذافي او غيرهم بحاجة الى ميكافللي ليعلمهم ، بل هم من سيكو نون معلميه لو شاءت الاقدار وحضر بين ايديهم . لقد كانت لهؤلاء، على الاقل ، سنوات طويلة من الحكم ، وتجارب مريرة معه وفي سبيله عركتهم وعركوها فلا يستغرب منهم دهاء او سعة حيلة او شرور او استذئاب وتوحش ، لكن ما بال من كانوا حتى الامس القريب مستضعفين بلا حول ولا طول ، مغمورين بلا جاه او مكنة، عرفوا الفقر والتشرد والحاجة والمعاناة ، وقاسوا من الظلم والعنت والطغيان ، تتفتق في جنباتهم شرور غير مسبوقة وتعبث بهم شهوات لا تعرف اكتفاءا فيفوقون الاولين والاخرين مكرا وكذبا واستهتارا وفسادا واستباحة حتى جعلوا اشد القلوب صلابة ترتعد من هول ما تسمع وترى ... انها القوة والمال والنفوذ والسلطة والجاه ... اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم متضرعا اليه ان يشمل برحمته الواسعة ، ميكافيللي المسكين ، ويغفر له خطاياه ، ان وجدت ، ويسكنه فسيح جناته ، انه نعم المولى ونعم النصير .

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا