<%@ Language=JavaScript %> سلام عبود الزمالات الحزبية والتربية الشيوعية: مذاق الشر!

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

الزمالات الحزبية والتربية الشيوعية:

 

مذاق الشر!  

 

 


سلام عبود


مقدمة: هذا العرض الوجيز لا يتطرق الى الجوانب الايجابية لموضوع الزمالات، وتأثير الزمالات الدراسية الثقافي والعلمي والتمديني الكبير على وعي وسلوك شرائح متعددة من أفراد المجتمع، ودور الزمالات في صيانة وحماية الأمن الشخصي للمطاردين السياسيين، ولمن عاشوا ظروفا قسرية قاهرة. تلك الحسنات أمور معروفة، لا يمكن لأحد التقليل من قيمتها. ولكن الجانب السلبي من تلك الظاهرة ظل لأزمان طويلة يعد ضربا من المحرمات، لا يستطيع أحد الاقتراب منه، لأنه عنصر لصيق بالقيادة وبمحميات هذه القيادة الخاصة. ولهذا السبب أضحى من المناسب الآن فتح هذا الباب على مصراعيه للنقد وإعادة النظر.
الزمالات وتكوين الوعي الثقافي
تعتبر البعثات الدراسية القصيرة (الدورات) والطويلة (الدراسات النظامية) عاملا أساسيا من عوامل صناعة الأزمة النفسية والسلوكية والأخلاقية، التي أمسكت بخناق القاعدة والقيادة الشيوعية. فشريحة أصحاب الزمالات يشكلون ثقلا عدديا كبيرا في جسم التنظيم. وفي الفترة اللاحقة لانتهاء العلاقة بين الشيوعيين والبعث أضحى هذا الفريق هو الجسم الأكبر المكون لأعضاء الحزب، وقاد مع تقدم الوقت وفراغ الأرض العراقية (الداخل) من وجود تنظيم شيوعي، الى تحول هذا الفريق الى قوة متسيدة تسيدا مطلقا. ومن هنا فإن تأثير هذه الظاهرة كان عظيما على القاعدة والقيادة على حد سواء، كما ان تأثيرها النفسي والتربوي والأخلاقي تجاوز حدود رسم طبيعة وتكوين السلوك الشخصي والحزبي، بل تعداه الى تحول شروط الزمالات وما يرتبط بها من منافع أو عقوبات الى مصدر جدي للصراع السياسي والقلق الفكري والنفسي، متجسدا في تكوين الشخصية الحزبية عقائديا وسلوكيا. وقد تعاظم هذا الأثر لاحقا، بعد الاحتلال، حينما وجد الشيوعيون أنفسهم عاجزين عن لعب دور مؤثر في الحياة السياسية الداخلية، التي انتجت قوى سياسية جديدة أخذت المقود منهم، وجعلتهم حلفاء صغارا ينتظرون إشارات الزعماء الجدد وهم يجلسون في الصفوف الخلفية من غرفة الاتنظار. ففي هذه الحقبة أضحت القوى القومية العربية المهزومة (بقايا البعث)، والقوى القومية المهمشة سابقا: الكردية والتركمانية، والاسلامية (سنية وشيعية) هي القوى الفاعلة. وكان لهذا الاصطفاف والنهوض القومي الطائفي أثر عميق ومباشر في تمزيق وحدة الشيوعيين، الذين كانوا طوال تاريخهم كيانا يقف فوق التقسيمات العرقية والدينية، على الرغم من تسلط القيادات الكردية على مقدراتهم ردحا طويلا، وعلى الرغم من أن شعاراتهم الأممية، الفضفاضة، أسهمت في إضعاف ملموسية علاقة الشيوعي الفرد بالوطن. كل ذلك جعل الأثر الذي تلعبه العلاقات الشخصية داخل وخارج الحزب، وتطمين المصالح الفردية، ومشاكل الوجود العائلي والاجتماعي، والوجود بمعناه الفلسفي: المصير، تشكل ضغطا سلوكيا وتربويا عنيفا، خرج في أحوال كثيرة، من حدود القلق السلوكي الشخصي ووصل حد الأزمات العامة.
إن هذه الشريحة من المجتمع تحتاج الى دراسات عميقة، مستقلة، ليست من اهتمامات بحثنا هذا، الذي يهدف الى أمر واحد، هو توضيح صلة التكوين الحزبي بالنشاط النفسي، وصلة الأخير بموضوع الوطن في التربية العملية الحزبية.
إن طول فترة الإقامة قي الخارج قاد الى نشوء وطنين: "وطن صدام" ووطن المقيمين في الخارج: بلدان الزمالات، أو بلدان اللجوء. ولما كانت بلدان اللجوء هي منفى آخر، فإن الوطن المستحيل، الواقع في قبضة السلطة الديكتاتورية، قد أبعد، ثم أزيح من منطقة الفعالية اليومية للنشاط الاجتماعي والسياسي، ثم جرى الاستغاء عنه كليا في منظومة التفكير والسلوك الشخصي أيضا، وأصبح يقبع في الذاكرة الخلفية حسب. وشيئا فشيئا أضحى مجرد بقعة ضبابية مثيرة، مهيجة للعواطف والذكريات وأخيلة الطفولة والصبا والشباب.
إن تضاؤل حجم الوطن في الذات، جراء انحسار رقعة الاتصال به، وتعاظم حجم ودور بلدان اللجوء ترافق مع مشكلات اللجوء المعروفة نفسها. وهي مشكلات عانى منها المعارضون الهاربون كافة. بيد أنها أضحت مشكلة مضاعفة ومصيرية لدى اللاجئ الشيوعي الحزبي، أي لدى اللاجئ لأسباب حزبية أو حزبية دراسية في بلدان اللجوء الاشتراكية. وترتبط هذه المشكلة ارتباطا مباشرا بموضوع الزمالة، باعتبارها وسيلة حياة ومعيشة، ووسيلة تقريب أو إبعاد (عقاب وثواب)، ووسيلة دراسية مشكوك في محتواها العلمي وقيمتها المهنية الوظيفية، ووسيلة مقارنه غير عادلة بأصحاب الزمالات الحكومية (المساعدات المالية ، فرص العودة الى الوطن وممارسة التخصص)، ووسيلة غير مقنعة علميا، نظرا لإدراك الدارس الحزبي زيف وبطلان القسم الأعظم من شهادات التخرج. فعلى سبيل المثال ألغت بعض الدول الإشتراكية السابقة جامعات بأكملها كانت مخصصة لهذا النوع من الزمالات، التي أضحت مصدر عار وظيفي وعلمي في بلدانها، وأعادت تأهيل حاملي شهاداتها، بينما أصبح خريجو تلك المؤسسات من الشيوعيين العراقيين، أساتذة ومفكرين (!)، توضع أكبر وأرفع الألقاب العلمية أمام أسمائهم. ومنهم من راح يمنح شهادات دكتواراه ورسائل ماجستير في ما يعرف بالجامعات الحرّة. وهو أمر يعكس شدة الضغط الذي تمارسه هذه الظاهرة سلبيا على بناء الوعي الثقافي الشيوعي الخاص، والوعي الإجتماعي عامة، وتعكس من جانب آخر درجة هشاشة وضحالة مفهوم العلم والثقافة في الوعي الاجتماعي للفرد والجماعة والمؤسسة الحزبية والحكومية.
تنطوي ظاهرة الزمالات على تناقض داخلي نفسي وآيديولوجي، يشبه المفارقة المأساوية، بصرف النظر عن ايجابية أو سلبية النظر الى هذا الموضوع. يكمن التناقض في جانب المشاعر والأفكار، التي يتعرض لها الحائز على الزمالة، وتحديدا الزمالات الدراسية غير الأمنية، التي لا تمنح من أجل الهروب من ملاحقة أمنية أو سياسية خطيرة على حياة وعمل صاحبها. يحمل هذا الضرب من الدارسين مشاعر الإحساس بالراحة، لما توفره الزمالة من فرصة للدراسة، وفرصة للخروج من أسر الوضع الاجتماعي الخانق في العراق، يضاف الى ذلك متعة اللقاء المباشر بالمثل الأعلى الفكري، متحققا على الأرض كواقع مثالي. كل تلك المعطيات الإيجابية تتحول فجأة، ومن دون إعداد نفسي كاف، الى نقيضها، حالما يجد المرء نفسه خارج العراق، في بيئة جديدة، لا تتم مقارنتها بوطنه، وإنما تجري مقارنتها ببلدان أخرى، تقع خارج حدود الوطن الأم. حرية التعبير والحرية الفردية، الحقوق المدنية، التطور العلمي والفني، مستوى المعيشة، طريقة ونمط العيش، تبدأ بتكوين سلسلة من الضغوط النفسية والاجتماعية، كلما اتسعت دائرة الوعي، ودائرة المقارنة بين بلدان اللجوء الاشتراكية و بلدان أوروبية غربية مجاورة. هذه المقارنة، غير المتكافئة، تخلق أول خلخلة في بناء العقيدة السياسية، وأول خلخلة في البناء النفسي الأيديولوجي، تدفع صاحبها الى انكار الواقع الخارجي كله، إخلاصا للمثل الأعلى، والتحول الى تبريري مفضوح، أو تدفعه الى الجهة المقابلة: إدراك حجم الخلل والتستر عليه صمتا، وتقية، بانتظار فرصة قدرية توصله الى شاطئ الخلاص. وكلا الأمرين يشكلان معاناة حادة، عاشها جميع من مروا بالتجرية، وأرغموا على البحث عن حلول فردية للتعايش مع المشكلة.
على مدى عقود عديدة، اجتهد القادة الحزبيون اجتهادا كبيرا في بناء نظام الزمالات، وجعله أداة لخلق أربعة طبقات إجتماعية معروفة الحدود والمواصفات: طبقة القادة وأبنائهم وأقاربهم، وطيقة المقربين والمحبوبين أوالمطيعين، وطبقة العضو العادي، وطبقة المنبوذين.
استخدم الفريق الرابع( المنبوذون)، أو ما يعرف حزبيا بـ "المطرودين" و"المشبوهين" مادة لتخويف من لم يطرد وبنبذ بعد، ووسيلة لتعليق الأخطاء عليها وتبرير الإخفاقات، ومادة لكبح وكبت النقد وقمع القائمين به. وقد استخدمت هذه الشريحة، في حالات عديدة، طعما في مساومات سرية حتى مع أجهزة الامن. وفي هذا الجانب سجلت حكومة اليمن الديمثقراطية عشرات الحالات، يمكن التحقق من أسمائها وأدوارها ومهماتها ومصيرها في كتابنا (ذئب وحيد في البراري). بعض هؤلاء لم يزل يواصل دوره القديم داخل التنظيم ، ولكن بطرق جديدة، مبتكرة، وبعضهم الآخر فقدت آثاره، من دون أن تسجل أو تعلن جرائمه، ومنهم من لا نعرف حتى هذه اللحظة اسمه الحقيقي، المحمي باسم حزبي وهمي ومستعار. أما الفريق الثاني"الطيبون"، فهم القاعدة العامة المشبعة بالخوف والانكسار والقلق الشخصي والعام، الذين كانوا يتأرجحون بين الطبقات، بحسب قوة وضعف التنظيم. ويتأرجحون بين الحزب وغيره من الأحزاب، البعث تحديدا، بحسب الظروف الشخصية والعامة أيضا. لكنهم في الأغلب كانوا يبحثون عن سبل شخصية للخلاص الفردي والجماعي، دفعت عددا غير قليل منهم الى ممارسة أعمال صغيرة، غير مقبولة من قبل الذات الممارسة، ومن قبل المبادئ النظرية للحزب، كالتهريب والعيش على فتات موائد الآخرين وغبرها من الأساليب الإجبارية، الاضطرارية، التي صنعها الواقع المتازم وفقدان الامل وضيق يد الحال. أما الطبقة الثالثة فهي طبقة "المقربون" و" المحظيون"، التي تتكون من أكثر العناصر وقاحة وفسادا أخلاقيا ونفسيا، وهم في الغالب حلقة وسيطة ثقافيا وحزبيا بين الأعضاء الاعتياديين والمنبوذين والأصدقاء وبين قيادة التنظيم. نتيجة للثقة الكبيرة والمنافع المتبادلة بين هذه الكتلة والقيادات العليا للحزب، استخدم عناصر هذه الكتلة في المشاريع الخاصة، التابعة أو المرتبطة بالنشاط الحزبي، سواء أكانت تجارية صرفة مثل "كازينو عدن"، أو في هيئة مؤسسات ثقافية ذات اهداف مزدوجة تجمع بين غسيل الأموال والدعاية والنشاطات الأمنية السرية: صحافة، نشر، أبحاث، وغيرها. ومن مفارقات القدر الكبيرة أن هذه الطبقة هي التي ظهرت فجأة إبان الاحتلال، واحتلت مركزا هاما في القيادة الإعلامية والحزبية: المقرات والجهاز الثقافي الدعائي، القيادات الثقافية والصحافية ومراكز الابحاث والنشر، ثم أضحت المعبر الخاص، الذي تمت من طريقه عملية تنظيف ضمائر شيوعيي الداخل المتبعثين، الذين يطلق عليهم حزبيا تسمية "الساقطين"، ومدعي الشيوعية من كتاب التعبئة الحربية الصدامية، وبشكل خاص الذين ارتموا في أحضان البعث، بشكل سافر، قبل الاحتلال. لقد تولى هذا الفريق مهمة تنظيف وإعادة تعبئة "كتاب التعبئة" الصدامية، من طريق الدفاع عنهم وتلميع أسمائهم وحشرهم في النشاطات الثقافية، ثم تسويقهم مجددا باعتبارهم جزءا من التيار الديموقراطي التابع للحزب الشيوعي. الأمثلة على ذلك كثيرة جدا ومعروفة للجميع. يضاف اليهم صنوف عديدة ممن عملوا في أجهزة مشبوهة استخبارية وتجسسية، تحت صفات عديدة. والجميع يعرف اسطورة رجل السوق السوداء في موسكو، الذي أشيع تندرا أنه الأمين العام الفعلي للحزب، لما تمتع به من مقدرة على تمشية القضايا الفردية، الحياتية والدراسية، للوافدين الحزبيين. وقد مارس هذا الفريق دورا محددا، قوامه إسناد القيادة نفسيا وحزبيا وعاطفيا وماليا واقتصاديا. كان بعض هذا الفريق يعمل مرافقا للقادة الحزبيين المحدودي المواهب، يسطر لهم بياناتهم، وينشر لهم مقالات بأسمائهم، حينما يقومون بزيارة البلدان ذات التوجه السياسي المماثل. وقد كشفت إحدى زيارات عزيز محمد الى عدن واحدة من هذه الفضائح الثقافية، حينما نشرت صحيفة الدولة الرسمية( 14 اكتوير)، مقالة باسم عزيز محمد عن "أخطار صواريخ كروزعلى السلم الأوروبي"، التي أثارت دهشة السياسيين، بسبب الصلة الواهية بين مضمون هذه المقالة والزيارة الودية، وبسبب الغياب التام للصلة التي تربط الشعبين العراقي واليمني بمعضلة "الصواريخ العابرة للقارات في أوروبا". كانت هذه المقالة جزءا من "بروتوكول" الزيارة الرسمية التقليدي، المتعارف عليه لدى الأمناء العامين للاحزاب الشيوعية، الذي يقتضي عادة أن يقدم كبار الضيوف محاضرة أو مقالة هامة أثناء الزيارة. وكان الجميع يعلم أن هذا الضرب من المقالات الملفقة من إعداد الفريق المرافق للقيادي المعني. أما مقالة الصواريخ فقد تعرف بعض الدارسين اليمنيين في الخارج، ممن قرأوا نسختها الأصلية بلغات غير العربية، أنها ترجمت بتصرف، وسجلت باسم القيادي المذكور استصغارا لعقول اليمنين، الذين كان لهم شرف كشفها وفضحها. لم يقتصر هذا الفريق على تلفيق الدعاية الحزبية السياسية، بل سار أبعد في المجال المالي والآخلاقي. فقد تولوا مهمام إدارة مؤسسات وهمية، هدفها الظاهر العمل الثقافي، وباطنها يهدف الى غسل الأموال غير المشروعة ثقافيا، وأخرى حقيقية ومشتركة لصالح جهات حزبية متنفذة، بما فيها بعض النشاطات التي تتنافى مع قيم الشيوعيين التقليدية، وتتنافى مع التربية الاجتماعية السوية، مثل البارات وقاعات لعب القمار وغيرها. كما تولوا مهام تزوير الشهادات الجامعية، ووثائق السفر، ووثائق الأحوال المدنية، والعقود، ومارسوا والتهريب والتجسس، والعمل المزدوج، وأمورا كثيرة يعرفها كل من عاش تلك التجرية الفاسدة والمريرة. كما كان هذا الفريق وسيلة هامة من وسائل توفير الأجواء النفسية الملائمة لإسعاد القادة المتعبين نفسيا "من شدة النضال الطبقي". وفي مذكرات هذا الفريق نكتشف العديد من هذه الممارسات، بدأت تظهر من دون خجل تحت تاثير فترة التحلل من الماضي السابق وضعف الانضباط الحزبي والأخلاقي، الذي خلقته فوضى الحرية. فقد تكرر، في مذكرات القادة، موضوع زيارات النقاهة، التي يقومون بها دوريا، الى بلدان معينة، حتى في أحلك فترات الحياة السياسية.
وإذا كان مصير الفئة الأولى التقلب الحاد في المواقف، ومصير الفئة الثالثة التشتت في بقاع الأرض كلها، ومصير الفئة الرابعة التدمير النفسي أو الاندفاع نحو التطرف السياسي، أو البحث عن حلول جذرية لمن ظل متماسكا منهم، فإن مصير الفئة الثانية " المحظيون" كان هو الأكثر إثارة وجاذبية. فقد ظل هذا الفريق، أينما ذهب، يمارس دوره المزدوج: خادم ذليل ورخيص للقادة، وعدو قاس وشرس ضد رفاقة من الفئتين الثالثة والرابعة. وكان هذا الفريق يمارس مغالاة عالية في إظهار القسوة ضد رفاقه، ليظهر بمظهر المدافع المتفاني عن محمية الحزب وخصوصيته، ويمارس أعلى درجات الطاعة لقيادته، ليثبت إخلاصه التام. وحينما انتقل الجزء الأكبر من هذا الفريق للسكنى في بلدان اللجوء الغربية أضطر الى التعامل مع إشكال عقائدي ونفسي أعظم: التظاهر الشكلي النفعي بتأييد الأحزاب الشيوعية واليسارية الأوروبية من جهة، والعمل فعليا ضدها من جهة أخرى، من طريق ترويج مشاريع الحرب والأمركة، التي يشكل النضال ضدها أوروربيا إحدى نقاط الارتكاز الأساسية لهذه القوى في مجرى السياسة الأوروبية اليومية، وفي مجرى تمايزهم الثقافي والفكري.
وضمن هذا الفريق "المحظيون"، وتحت تأثيره المباشر، نشط وتنامى دور مجموعة ما يسمى "كلاب الحراسة"، واحتل موقعا مهما وخطيرا سياسيا وأخلاقيا وثقافيا وإعلاميا. و"كلاب الحراسة" مجموعة خاصة جدا، ظهرت مبكرا في صفوف الحزب، وتعاظمت في مرحلة ما يعرف بالمدّ الشيوعي، وتطورت بشكل منظم في المنافي، حتى غدت أشبه ما تكون بالشبكة السريّة، المتساندة. وفي مرحلة الاحتلال والانترنيت أصبح الفضاء مفتوحا على مصراعيه لتنفيذ استباحاتها اللامحدودة الآثر. وهي، في الأعم، تجتذب الى صفوفها أعضاء متقلبين، مشكوكا في ولائهم، ذوي سوابق شائنة، ثابتة وموثـّقة حزبيا (تزوير، خيانة، ممارسة غير أخلاقية وقانونية، ضعف في الشخصية...)، تُسّهل على محركيهم مهمة لي أذرعهم وعصرهم واستحلابهم وقت الحاجة. لكنهم يتمتعون بمقدرات ومواهب أخلاقية وسلوكية ونفسية خاصة ومميزة، تؤهلهم لاجتراح أخطر وأصعب المحظورات العقلية والسلوكية في اللحظة المناسبة. تتولى هذه الفئة مهمة "سحق و تدمير الخصوم" على حد تعبير أدبيات الحزب وتوجيهاته. يتولى تحريكها من أعلى عادة أكثر القياديين ميلا الى العدوانية والجهل والضمور الأخلاقي. (يتبجح مسؤول تنظيم المثقفين في محلية بغداد للحزب الشيوعي، إبان فترة تموز، قائلا: إن بدر شاكر السياب أرسل له طلبا يرجوه فيه أن يلتقيه، لكي يشرح له ظروفه القاسية، لكنه أهمل هذا الطلب!) يتم إطلاق هذه المجموعة عند ظهور بوادر خطر محتملة أو موهومة، أو عند التوازنات والمنافسات الفردية والجماعية الصعبة، من طريق تزويدها ببعض الأكاذيب، وإطلاق حرية الفعل لها، وإسنادها قاعديا بواسطة حثّ الأعضاء البسطاء على متابعة أفعالها والإشتراك، ولو عاطفيا وشعوريا، في "حفلات" ذبح وتدمير الأعداء و "دق المسامير في نعوشهم". لقد تولت مجموعة "كلاب الحراسة" مهمة تدمير وتنغيص حياة رواد كبار في الثقافة العراقية، منهم: بدر شاكر السياب، عبدالوهاب البياتي، مظفر النواب، سعدي يوسف، يضاف اليهم عدد غير قليل من الكادر الحزبي غير الموالي، ومن المثقفين والأدباء والفنانين والمفكرين المستقلين اللامعين. إن هذا الفريق يشكل علامة تربوية مشينة وفارقة في تاريخ الحزب والتاريخ الوطني عامة. إن النضال من أجل وحدة الحركة اليسارية والديمقراطية العراقية يوجب على الجميع إيلاء هذا الفريق اهتماما خاصا، بإدراجه ضمن أولويات التطهير، من طريق تقصّي آثار أفعاله، ودراسة بواعثه النفسية والاجتماعية، وتحريم وتجريم ممارسته، وفضح من يقفون خلفه، وإصلاح وإعادة تربية من ينخرطون فيه طوعا أو جهلا أو إدمانا.
ولهذا السبب أضحت فئة " المحظيون" الصيغة النموذجية المثلى لما أسميناه بشخصية الازدواج الاجتماعي" العنف والخضوع"، الوريث الشرعي والأمثل لشخصية مرحلة التعبئة الصدامية. فهذا الفريق هو الأكثر تمرسا وتأهيلا لحمل هذا الازدواج، بحكم وظيفته الحزبية ودوره الاجتماعي في منظومة النشاط الحزبي الخاص والعام. ولا غرابة هنا أن نجد هذا النموذج يحتل المرتبطة القيادية في مرحلة الاحتلال، مجسدا تطابقا تاما بين فوضى الحرية الأميركية وبين عنف الاحتلال، ومجسدا انسجاما تاما بين الدعاية الحزبية للمشاريع الأجنبية والعرقية والطائفية وبين تهدم القيم العقلية والإجتماعية. إنه خيار صائب، في الوقت الصائب، والموقع الصائب، للنموذج النفسي والسلوكي والسياسي الصائب: الشخصية المزدوجة، شخصية النموذج الحزبي، المشبع بمشاعر"العنف والخضوع"، الذي يجمع بين الادعاء الثقافي اللفظي الزائف وبين التدني النفسي والعاطفي والسلوكي.
إنه حزبي مرحلة الاحتلال المدلل والمفصل: إنه أفضل السيئات!
تنويه: يرجو الكاتب القراء نقد الجوانب القلقة والخاطئة، وتطوير الأفكار المقبولة عير المعمقة، واستكمال ما هو ناقص، وإضافة أسئلة جديدة لم يتمكن الموضوع من طرحها

 


الحوار المتمدن-العدد: 4176 - 2013 / 8 / 6

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا