%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
الفقيد المناضل عبد الرزاق غصيبة ...
سيرة ذاتية /2
خالد حسين سلطان
الفقيد عبد الرزاق غصيبة مع زوجته الشاعرة حياة النهر وولدهما سامر في 24 / 9/ 1960
أرسل الفقيد عبد الرزاق غصيبة عدد من الرسائل من داخل السجن الى ولده سامر يوضح ويشرح فيها جزء من مسيرة حياته، زودني الصديق العزيز المهندس سامر عبد الرزاق غصيبة بنسخ من تلك الرسائل للاطلاع عليها، أنشر تلك الرسائل التي عمرها ما يقارب النصف قرن، ليطلع عليها القراء والمهتمين والمتابعين من طلاب وباحثين لكونها توثق لمرحلة ساخنة من تاريخ العراق وكذلك توثق لإرهاصات ومعاناة المناضلين وعوائلهم وهم يخوضون في مسالك النضال الوطني الوعرة، يوم كان النضال حقيقياً صادقاً نقياً ومخلصاً للوطن والشعب بعيداً عن اي مصالح شخصية، رغم كونها سيرة ذاتية للفقيد عبد الرزاق غصيبة، أنشرها بعد موافقة العزيز سامر .
* * *
. . . حدثني عن آبائه وأقاربه, عن صفاتهم وأسمائهم وكان يمتدح جدّه واسمه عبد العالي وكان لقبه ( شط العسل ) لأنه يقدم لضيوفه السمن والعسل عند الفطور، كان قد ذهب هو وماله وبقي اسمه عنواناً لإعزاز الضيف والحدب على الفقراء. وقد رأيت من والدي انه يطبق بنفسه هذه الصفات التي يتحدث بها عن اجداده .
3ـ كنت أرافق أمي في زيارات متقطعة لأخوالي في قرية ( الزندان ) ورأيت هنالك عائلة من أقارب أمي فيها أربع بنات وأمهن، كانت عندهن عباءة واحدة تلبسها أي واحدة منهن تخرج لجلب الماء من الترعة أو لزيارة جارة لها. وأقارن بين هذه العائلة وبين اخواتي وامي. كنت اشعر بالألم ولكن تمر الحوادث سريعة وانا طفل، وما علق بذاكرتي ما زلت أتألم منه .
4ـ وكنت أزور مع أبي أقاربه في قرى قرب ناحية المنصورية وأرى أفظع حالة، أناسٌ ينامون مع حيواناتهم في ( خرابة ) واحدة مع الروث والبول والروائح الكريهة، يفتك بأكثرهم السل وهم يسمونه ( الدق ) أو ( تنك النفس ) ويرددون دائماً ( المشافي الله ) و ( الحي ما يكتلة جاتل ) أي ان من قُدّر له أن يعيش فلا شيء يقتله. كلهم فقراء وبسطاء ولا يتصور الأنسان ما يعاني الطفل حافي القدمين في أيام الشتاء الباردة الممطرة، كان كل الفقراء الذين رأيتهم في حياتي ولحد الآن يقولون ان الله أراد أن نكون هكذا .
5ـ أمي غير عربية فهي من ( الججان ) قوم يسكنون قفقاسيا، مسلمون كانوا يعيشون بأمارات مستقلة الى القرن الثامن عشر إذْ احتلهم الجيش الروسي الغجري ونزح أكثرهم الى تركيا لعلاقتهم الدينية بالأتراك، وقد أعانتهم الدولة العثمانية فأسكنت قسما منهم في تركيا والقسم الاخر في العراق بمنطقتين في ( الحويجة ) قرب كركوك وفي ( الزندان ) قرب المقدادية والزندان هذا بناء فارسي قديم جداً منذ زمن الأكاسرة عندما كانوا يحكمون العراق، عراقنا الحبيب، قبل الاسلام وكان هذا البناء سجنا للعراقيين الذين يزنون بنظر الفرس، وعندما يذهب الانسان الى تلك المنطقة تُقصُ عليه قصصٌ كثيرة حول سبي الفرس لبعض النساء العراقيات الجميلات ومظالم كثيرة أخرى، كانت والدتي من هذه القرية. أما الباقون من الججان النازحين فقد أسكنتهم الحكومة العثمانية مدينة ( جرش ) في الاردن وبعض القرى السورية، كانت هذه الام قد تزوجت وهي صغيرة من احد اقاربها وقد مات وترك لها طفلا وطفلة، ثم تزوجت والدي وعندما كبرت بنتها زوجتها لأخي من أبي، عبد المجيد، فهو من أمرأه أخرى قريبة لابي انجبت له هذا الابن وثلاث بنات فاطمة وخديجة وأمينة، كان والدي قد تزوج قبل أمي من أربع نساء مات ثلاث منهن مع اطفالهن. كانت هذه الأم التي تشارك أبي في حب الخير بكل صورة، ظالمة مع أخواتي لأبي خديجة وأمينة، أما أختي الكبرى فاطمة فقد تزوجت من قريب لها قبل أن أتي الى الدنيا، تزورنا بفترات متباعدة تأتينا وتذهب عنا وهي معززة. اما خديجة وامينة فلم يتزوجا لحد الآن بسبب عناد أخي عبد المجيد كان يمانع بزواجهما كي لا يشاركنا احد بمال ابينا على حد تعبيره فهو جلف بخيل، هاتان الاختان عزيزتان عليّ فهما اللتان ربّياني كانتا مثالاً للإخلاص، تشتغلان في البيت بحرص وتفاني ومع كل ذلك كانت امي تظلمهما وكنت اقف الى جانبهما دائما حتى اثر هذا السلوك على علاقتي بأمي ، كنت انتصر لهما حتى كرهت أمي في احيان كثيرة .
6ـ دخلت المدرسة الابتدائية عام 1937، في قرية مجاورة لقريتنا اسمها ( بروانة الكبيرة ) واسم المدرسة ( مدرسة المقداد الابتدائية ) وسميت المدرسة بهذا الاسم اعتزازا بقائد عربي جليل اسمه المقداد الاسود الكندي ومن صحابة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وكان مقاتلا باسلا قتل في موقعة ( جلولاء ) التي خاضها الجيش العربي الاسلامي ضد الخوارج بقيادة الامام علي عليه السلام .
كنت أكثر التلاميذ رفاهاً، ملابس جيدة وافرة الدفيء وحذاء جديد وجوارب ومشمع يقي ملابسي المطر، بينما أكثر التلاميذ حفاة وملابسهم رثة، وكنت أول تلميذ يلبس الحذاء المطري المطاطي الطويل ( الجزمة ) أثناء هطول الأمطار، وقسم كبير من هؤلاء التلاميذ تنزف أقدامهم دماً جراء فعل البرد والرطوبة. كانت الحياة بين التلاميذ جنّة، وكل ما يدخله المعلمون في حياتنا من توجيه وتنظيم نشعر به لأول مرة ونعجب من هؤلاء المعلمين ونقارن بين آبائنا وبينهم، كنت أرى في المعلم شيئاً مخيفاً ولكن المدرسة كانت حبيبة الى قلبي. وطبيعة الأطفال السؤال عن كل شيء يرونه، كانوا يسألون دائماً مثلاً (( بكم اشترى لك أبوك هذا ؟ )) الحذاء أو المشمع، كنت أقول لوالدي لماذا لا تشتري للتلاميذ مثل ملابسي؟ وكان ذلك الشيخ الطيب يجيب في أحيان كثيرة بأنه ( البيت ما يقي عرب ولكن العرب تقي البيت ) ومعناه ان الفرد لا يمكن ان يكون سبباً في غنى كل القرية أو ( الكثرة ) ولكن أهل القرية أو ( الكثرة ) تستطيع أن تكون سبباً في غنى فرد أو عائلة .
7ـ سكان قريتنا كلهم من الطائفة الشيعية، الطائفة التي تشايع الأمام عليّاً وأولاده، ودائماً يتردد ذكره واولاده بينهم، وكان والدي يقص لي عن الخلفاء المسلمين الأربعة الأوائل، أبي بكر وعمر وعثمان وعل وما أحببت من بينهم إلا الامام علي لكثرة ما تتردد الأحاديث عن شجاعته ومروءته، واحترمت عمراً، وما زلت أذكر أحاديث والدي عن علي، كيف كان ينام على التراب ويوزع الأموال على فقراء المسلمين، ويتأسف ان يتيما رباه علي ثم قتله هذا اليتيم غيلة وغدرا، وما زلت أذكر الكثير من الكثير من أقوال هذا الرجل العظيم مثل (( ما شبعَ غني الا إلا بما جاع به فقير
)) و (( ما جمع من مال إلا من بخل أو حرام أو وراءه حق مغتصب )) وقد درست الكثير عن هذا الرجل عندما كبرت، فقد شخص أسباب الفقر ولكنه لم يضع القوانين لاستئصال هذه الأسباب. ومن يدرس حياة الأمة العربية العظيمة يجد ما لفضل الدين الاسلامي ولرجاله الافذاذ امثال النبي محمد وعلي وعمر على الفكر العربي والفكر العالمي ايضا .
8ـ في عام 1939 أعلنت ألمانيا الحرب على العالم كله تقريباً وكانت أهم الدول التي تناهض ألمانيا هي انكلترا وأمريكا وروسيا ، وقد اتفقت اليابان وايطاليا مع ألمانيا وتناصرها اسبانيا والبرتغال، وكنا ونحن أطفال نسمع الأخبار من الراديو الوحيد في المقهى الوحيدة أيضاً في قريتنا وكان هذا الراديو يشتغل على بطارية السيارات، كنا ممنوعين من ارتياد المقهى لكوننا أطفال، إلا اننا نتلصص لنسمع الأغاني أو الأخبار وكان أهل القرية يسمون هتلر زعيم ألمانيا ( هترو )، كانت اذاعة برلين عاصمة ألمانيا تذيع برنامجاً عربياً يتكلم عن الأمة العربية كلاماً طيباً ويحرض شعوب العرب على القيام بثورات ضد الانكليز والفرنسيين الذين يستعمرون أكثر بلاد العرب. كانت هذه الأحاديث تثير الكراهية عند أهل القرية ضد الانكليز وضد العائلة المالكة التي تروى الاحاديث الكثار عن ارتباطها بالإنكليزي، ان أهل القرية لا يذكرون الانكليز بخير فهم يحدثوننا عن ثورة العشرين وعن رصاص الانكليز الذي يأتيهم الى القرية وكانوا يسمونه ( مطر اللوز ) وهو عتاد رشاشة متوسطة على الأكثر، ويحدثوننا عن كيفية حرق جثث موتى الانكليز، مما يثير اشمئزازنا لأننا مسلمون والمسلم يقدس الميت ويدفنه في الأرض مع تقاليد تحترم هذا الموقف، وأهل قريتي كذلك لا يتحدثون عن الأتراك بخير لأنهم ساقوا كثيراً من شباب الشعب العراقي الى جبهة القتال في القفقاس ضد الجيش الروسي ويذكرون اسماء شباب ذهبوا للحرب ولم يعودوا أو عادوا وهم مشوّهون أو هربوا أو اختفوا الى حين جلاء الأتراك عن بلادنا، يذكرون ما انتهك الانكليز من أعراض العراقيين في الحرب العالمية الأولى عندما احتلوا العراق وطردوا الأتراك منه. كان أهل القرية يفرحون عندما يسمعون بانتصارات المانيا في حربها ضد الانكليز ويشمتون بالإنكليز .
يتبع
07.11.2014
الفقيد المناضل عبد الرزاق غصيبة
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
|
---|