%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
الفقيد المناضل عبد الرزاق غصيبة
... سيرة ذاتية /1
خالد حسين سلطان
الفقيد عبد الرزاق محمد غصيبة العزاوي ( 1930 ـ 2003 ) احد مناضلي الحزب الشيوعي العراقي من العاملين في الخط العسكري لكونه ضابط في الجيش العراقي وكان برتبة ملازم أول / آمر كتيبة استطلاع صلاح الدين المدرعة عند تفجير ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة 1958 حيث كان من الضباط الأحرار وكلف بواجب ضمن المجموعة التي احتلت معسكر الوشاش، وبعد انتهاء المهمة توجه الى قصر الرحاب لاستطلاع الموقف وهو يقود دبابة مع زميله الملازم جبار خضير الحيدر، حيث اخبره آمر السرية المكلفة بمحاصرة القصر عن حاجته للعتاد الذي أوشك على النفاذ، فتوجه مسرعاً الى مدرسة الأسلحة في معسكر الوشاش، مقابل قصر الرحاب، حيث تمكن من جلب العتاد للسرية وأنقذ الموقف بتوزيع العتاد على الثوار واقتحام قصر الرحاب بدبابته. بعد انقلاب 8 شباط الأسود 1963 أعتقل عبد الرزاق مع من أعتقل من ضباط الجيش العراقي الشيوعيين أو الموالين للزعيم عبد الكريم قاسم ليرمى بهم في سجن رقم 1 في معسكر الرشيد، ولينقلوا بعد انتفاضة البطل حسن سريع بمعسكر الرشيد في 3 تموز 1963 في الرحلة الشهيرة والمرعبة المسمّات بقطار الموت الى مدينة السماوة ومنها الى سجن نقرة السلمان، حيث يذكر في احدى رسائله الى ولده سامر بأنه حُكم بالسجن لمدة (20) عاماً. عبد الرزاق غصيبة متزوج من الشاعرة العراقية المعروفة السيدة حياة النهر وأنجب منها ولدين وبنت ( سامر ونمير (متوفي) وسرور )، حياة ابنة رجل السلم العراقي حسن النهر وشقيقة الشهيدين الخالدين معين وظافر النهر وكذلك شقيقة السيدة آمنة النهر زوجة الشيوعي العراقي المعروف عزيز الحاج .
أرسل الفقيد عبد الرزاق غصيبة عدد من الرسائل من داخل السجن الى ولده سامر يوضح ويشرح فيها جزء من مسيرة حياته، زودني الصديق العزيز المهندس سامر عبد الرزاق غصيبة بنسخ من تلك الرسائل للاطلاع عليها، أنشر تلك الرسائل التي عمرها ما يقارب النصف قرن، ليطلع عليها القراء والمهتمين والمتابعين من طلاب وباحثين لكونها توثق لمرحلة ساخنة من تاريخ العراق وكذلك توثق لإرهاصات ومعاناة المناضلين وعوائلهم وهم يخوضون في مسالك النضال الوطني الوعرة، يوم كان النضال حقيقياً صادقاً نقياً ومخلصاً للوطن والشعب بعيداً عن اي مصالح شخصية، رغم كونها سيرة ذاتية للفقيد عبد الرزاق غصيبة، أنشرها بعد موافقة العزيز سامر .
* * *
سجن نقرة السلمان
24/12/1964
ولدي الحبيب سامر
دخلت السجن وأنت صغير ولم أترك لك شيئاً، ولربما سُئلتَ في يوم ما عني وقد لا تعرف عني إلا من البيت الذي تعيش فيه. وقد لا تكون الظروف لصالحك دائما مثلي فتكرر حياتي. أملي أن أقدم لك نبذة ولو يسيرة وأرجوا ان تكون ذكياً كي تتحاشى المزالق وأن لا تسلم قيادك لأي انسان وتأخذ من حياتي عبرة. أنت الآن ما زلت صغيراً، كان بودي أن أكون حاميك ومربيك الى أن تنهض ولكن شاءت الظروف أن أكون سجيناً وأن تكون أنت عالة على أناس آخرين، وقد لا تكون تربيتك مثلما أريد ولكن ما حيلتي !. يؤلمني اني جنيت عليك وما يثقل ضميري مما أعانيه بتجاهك يكفيني عقوبة صارمة لتلك الجناية. عندما تفهم ما اكتب لك فقد أصبحت تتساءل عني وربما لا يقنعك جواب. هذا ما جعلني أكتب لك بعضاً مما أراه ضرورياً لتعريفك على أبيك .
سجنت لكوني عضواً في الحزب الشيوعي العراقي وكانت العقوبة أقل مما كنت أتصور فقد حكم عليَّ أعداء الحزب الشيوعي قبل وصولهم الى السلطة حكموا عليَّ بالإعدام ولكن بعد تسلمهم السلطة اكتفوا بحكمي عشرين سنة. اما أهم الأسباب التي دفعتني أن أكون وطنياً ثم شيوعياً فهي :
1ـ ربيّت في أسرة متوسطة الثراء بالنسبة للأسر في محيطها وفي قرية صغيرة اسمها ( بروانة الصغيرة ) من قرى لواء ديالى، كانت هذه القرية في أجمل مكان رأته العين، تقع بين نهر ديالى وجدول خريسان ويحيطها بساتين من كل الجهات، واني أرجو منك أن تزورها، وستجد فيها من يحكي لك عني. برغم كل ما وهبتها الطبيعة من جمال وهدوء فأهلها بائسون، المعدمون فيها كثيرون، خاملون يصرع أكثرهم مرض السل، ويشلهم عن العمل والتفكير سوء التغذية، ويعميهم الجهل عن رؤية الحقائق الكثيرة، ثرثارون بشكل عجيب يتكلمون ـ على جهلهم ـ عن كل شيء، إلا الشيء المهم وهو، لماذا هم بهذه الحال؟ وان سألتهم عن ذلك، أجابوك بأن ( الخير والشر من الله تعالى ). كان بالقرية غنيُّ واحد أخلاقه أخلاق اللصوص يشتغل في بساتينه أكثر أهل القرية من الرجال، يحدثك الكثيرون عنه وكيف ورث عن أبيه البساتين الكثيرات وكيف عاونته أمه وهي من الطائفة البهائية بالليرات الذهبية التي ورثتها من أهلها الأغنياء، ويعرف أهل القرية أشياء كثيرة عنه ولكنهم يخافونه لا لقوته ولكن لحاجتهم الى العمل في بساتينه، كان القليل منهم يرونه انساناً طيباً لأنه يصلي ويزور الأماكن المقدسة في النجف وكربلاء ويقيم التعازي في بيته للعشرة أيام الأولى من شهر محرم حزناً على الحسين بن علي. وهو الذي يقرر الأجر اليومي لمن يعمل عنده، وقد يغرق الكثير من أهل القرية بالديون كي يفرض عليهم الأجرة التي يراها، وكان العمل في القرية لمدة شهرين هي كانون الثاني وشباط وما بقي من السنة فالجميع يتسكعون في مقهى القرية أو في ظل الجدران في الصيف أو في الشمس عند الشتاء. كنت قد تحسست أيّ ظلم صارخ يسلطه الأغنياء على الفقراء. كان غنيّ القرية يستورد قارئ في التعازي على الحسين من الكاظمية أو النجف أو كربلاء، وكان يأخذ التبرعات من أهل القرية ليضيف اليها شيئاً من عنده ثم يقدمها مع هدايا أخرى الى رجل الدين المستورد هذا.
كان رجل الدين هذا لا يكتفي بالنواح على الحسين وانما يحشو رؤوس البسطاء بمعلومات مختلقة ليفرق بين أبناء الطائفة الشيعية وأبناء الطائفة السنية ويحمّل أبناء السنة دم الحسين وأهله. وكثراً ما استفاد الاستعماريون من هذه التفرقة، إذْ ان الاستعمار يخاف التجمع أياً كان هدفه دينياً أو قومياً أو طبقياً، ولهذا كرهت رجال الدين وبشكل خاص هؤلاء المستوردين الى القرية وكرهت صنفاً آخراً يعيشون على الطائفة السنية وهم الدراويش أو السادة، لا يقدمون عملاً سوى التعاويذ والرقى والافّاقيات .
* * *
8/3/1965
تركت الكتابة هذه الفترة الطويلة لحالة نفسية اليمة شلت تفكيري، والآن أعود لأواصل ما أراه قد أثر في حياتي بشكل جدّي وأوصلني الى السجن .
2ـ كنت وأطفال القرية نلعب كما يلعب جميع الأطفال في الطريق أو البيت أو البساتين أو على ضفاف الجداول وتمرُّ في سماء قريتنا أحدى الطائرات، وعندما نراها نصيح كلنا وبصوت واحد وذي نغمة خاصة مشيرين بأصابعنا الصغيرة الملوثة دائماً بتراب الطريق، نصيح ( أنعل أبوج لأبو الأنكريزي ) أي نصبُّ اللعنة على الطيارة وعلى الإنكليز، ولا بد لي عند ذلك أن أخبر والدي الشيخ عند عودتي للبيت عن الطيارة وعن شتيمتنا لها وللإنكليز فيضحك. وذات شتاء سألت والدي وهو يلفني بعباءته وأنا أجلس على ركبتيه عن الإنكليز فحدثني طويلاً بصوته الأجش الذي أميزه من بين كل الأصوات، ويده تلعب بأذني وكانت هذه عادته معي، وتوسع حديثه وتشعب رداً على أسئلتي الكثيرة، حدثني بأن الإنكليز أتو الينا من لندن البعيدة ليدمّروا دين الاسلام، دين محمد العظيم وعليّ الرجل الشجاع وعمر العادل، ويعدد لي الخلفاء المسلمين وقادة جيوشهم الشجعان الذين احتلّوا بلاد الفرس والافرنج ليحققوا عدالة الاسلام، وكنت استمع دائما لحديث احببته لتربيتي في بيت تتردد فيه الاحاديث الدينية دوماً. كان والدي يحدثني عن علي بن ابي طالب وخالد بن الوليد وعمرو بن معد يكرب الزبيدي الذي يسهب الحديث عنه باعتباره الجد الأكبر للعشيرة العربية التي ننتمي اليها، ثم أخبار الثورة العراقية وهي ثورة 1920 وكان والدي يسميها الجهاد في سبيل الله من أجل دينه، والجهاد ضد الانكليز من أجل الشرف والثأر له، وكمْ حدثني بألم بأن الإنكليز اعتدوا على عفاف طفلة صغيرة من الخالص ( دلتاوة ) وثارت نخوتهم لهذا الاعتداء. كانت أحاديثه كل يوم تقريباً في الليل ونحن جلوس أمام الموقد، الأحاديث متنوعة، عن الإنكليز أو عن الإسلام أو عن العشائر أو الزراعة أو وظيفته خلال الحكم التركي أو الحكم الوطني الذي أقامه الإنكليز في العراق بعد الحرب العالمية الأولى، كان لا يذكر الأتراك بخير كما يتحدث الشيوخ أبناء جيله عن عدلهم وتمسكهم بالإسلام، انما كان يحدثني عن جباية الضرائب والظلم والرشوة واحتقارهم وكرههم للعرب، كان يضرب الأمثلة العديدة على مظالم الأتراك للعرب منها ان الأتراك يحكمون على الشخص بالإعدام لأتفه الأسباب وينفذون الحكم فيه فوراً وبعد تنفيذ الحكم بأشهر طويلة يصدر ( فرمان السلطان ) أي الإدارة الملكية بإعفائه ويقوم خدم الحكم التركي من خونة العراقيين يمدحون السلطان التركي ويتحدثون عن عدالته ويلقون بعض اللوم على الشرطة لاستعجالها بتنفيذ الحكم ثم يبررون كل ذلك بأنه أمرٌ من الله ومنْ دنتْ منيته لا تتأخر ولا تتقدم، وهكذا جاء في القرآن، كان هذا الحديث من ضمن التأسفات الكثيرات التي يبديها والدي لأن يحكم العراق مثل هؤلاء الظالمين، وكان يقول لي دائماً ان جد عائلتنا ( غصيبة ) قد أعدمه الأتراك هو وبعض رؤساء العشائر المعارضين للحكم التركي وكان اعدامهم يمثل خسة ودناءة الأتراك أذْ أولمَ لهم الوالي في مدينة الحلة ورماهم بالرصاص وهم يأكلون ، كنتُ أتأثر لأحاديث والدي الذي كان يكرر دائماً ان العراق لا يفيده غير حكم العرب حتى كبرت وأنا أتصور ان أي انسان غير عربي يمثل الخسة والغدر حتى كنت أستهين بغير العرب، وكنت والكثير من الأطفال في القرية إذا أردنا أن نعير أحداً نقول له ( أنت كردي أو عجمي ). كانت أحاديث والدي المتفرقة عن الخير الذي يغدقه الله على عباده والشر الذي يسلطه ابناء البشر بعضهم على بعض دون مرضاة الله، وعن رجولة قادة الاسلام وشجاعتهم وعدلهم وإيثارهم وعن الإنكليز والظلم والظالمين تنمي فيَّ حب الخير والرجولة والتضحية، كما تنمي فيَّ كره الإنكليز والأتراك بقدر ما سلطوا ظلماَ على العراق، كبرت معي هذه المشاعر. كان الشيخ الحبيب على القلب يقصُّ لي قصصاً حلوة عن شبابه وارتياده كل ما يبهج الأنسان غير الخمر فكان يقول لم أذقها، كان فارساً ماهراً، كان عداءً سريع العدو، وصياداً وسبّاحاً، كان يقول لي ان العرب كانت تقول عن الرجل ( كامل ) إذا تعلم الفروسية والسباحة والرمي بالسهم والرمح والقراءة والكتابة. كان والدي دنيا كاملة بالنسبة لي، كان كريماً وشجاعاً وما رأيت أكثر من ضيوفه، كان لا يقسم يميناً ويقول ان من يكذب هو الذي يقسم اليمين لأثبات كذبه، لقد أثر في سلوكي كثيراً ولو انه فارقني وأنا صغير ولكني ما زلت حتى اللحظة أتصوره وأسمع صوته .
يتبع
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
|
---|