<%@ Language=JavaScript %> د. بهيج سكاكيني دلالات زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسعودية

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

دلالات زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى السعودية

د. بهيج سكاكيني

 

تكتسب زيارة الرئيس المصري السيسي للسعودية والاجتماع بالملك عبدالله في هذه الفترة الزمنية أهمية كبيرة لما لها من دلالات وما قد يترتب عليها بالنسبة للأوضاع الإقليمية، حيث من المفترض أن تؤسس هذه الزيارة الاولى الرسمية للسيسي للسعودية، الآفاق السياسية لرسم التوجهات العامة لكثير من القضايا الملتهبة في المنطقة.

ولا بد لنا في البداية أن نذكر بأن السعودية كانت من أوائل الدول التي أيدت الخطوة التي قام بها الجيش المصري بالإطاحة بالرئيس السابق الدكتور مرسي، والتي استتبعت باللقاء القبض على قيادات تنظيم الاخوان المسلمين وتقديمهم للمحاكمة، الى جانب اعتبار التنظيم تنظيما إرهابيا. ولقد قامت السعودية بتقديم عشرات المليارات لدعم الخزينة المصرية والاقتصاد المصري وانقذت مصر من حالة الإفلاس، وخاصة مع رفض صندوق البنك الدولي لإقراض الدولة المصرية، وذلك لعدم استجابة الحكومة المصرية للشروط المجحفة والتقشفية التي كان على الحكومة ان تعمل بها للحصول على القروض من الصندوق. بالإضافة الى هذا الدعم قامت السعودية بدفع ما يقارب من ثلاثة مليارات للجيش المصري وهي المعونة التي كانت تقدمها الولايات المتحدة للجيش المصري سنويا منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، وذلك عندما قامت الإدارة الامريكية بحجز هذا المبلغ باعتبار أن ما قام به الجيش المصري من الإطاحة بالدكتور مرسي لم يكن دستوريا ( وكأن الولايات المتحدة تحترم الدساتير والقوانين الدولية أو تقيم أي وزنا لها، ويكفي أن نذكر هنا بالتقرير الوارد من منظمة العفو الدولية الذي صدر مؤخرا والذي يذكر بأن الولايات المتحدة قامت بقتل الالاف من الافغانيين بدون محاكمات ودون تقديم اية تعويضات لعائلاتهم) . ولقد وعدت كل من السعودية ودولة الامارات بتقديم كل الدعم المالي اللازم لمصر. ولم تكتفي السعودية بالدعم المالي، بل تعدى دعمها الى الدعم الاعلامي والسياسي في المحافل الدولية، وخاصة لدى الإدارة الامريكية والاتحاد الأوروبي وكلاهما أبدى امتعاضا شديدا لما قام به الجيش المصري واعتبر البعض منهم أن الجيش قام بانقلاب على الشرعية بالرغم من ان الجيش لم يتحرك الا بعد حراك شعبي كبير ضد الرئيس مرسي والاستئثار بالسلطة من قبل الاخوان المسلمين.

تأتي هذه الزيارة ومصر والرئيس السيسي ربما بالتحديد يجابه تحديات داخلية جمة وخاصة في مجال التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل لأعداد كبيرة ضمن واقع تفشي البطالة وخاصة بين أوساط الشباب الذين شكلوا العصب الأساسي للتحركات الشعبية التي أحدثت التغيرات في مصر. بالإضافة الى حل مشكلة الفقر وخاصة وان 27% من الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر. وكان الرئيس السيسي قد أعلن قبل أيام البدء في مشروع طموح بحفر قناة السويس الجديدة الموازية للقناة الحالية بتكلفة قدرها 4 مليارات دولار. ومن المفترض أن يتم هذا بإشراف الجيش المصري على عمليات الحفر وأن يكون التمويل للمشروع مصريا خالصا، ربما استدراكا لما قد يجلبه الاستثمار الأجنبي في مثل هكذا مشروع اخطارا على الامن القومي المصري. ومن المفترض أن هذا المشروع حال اتمامه سيدر على مصر ما يقارب من 13 مليار دولار بدلا من 5 مليارات وهو الدخل الحالي من قناة السويس.  ولا شك أن النهوض بالوضع الاقتصادي المصري على كافة الأصعدة الصناعية والزراعية والسياحية والخدماتية سيتطلب تشجيع الاستثمارات لرأس المال المحلي بالإضافة الى الاستثمارات الأجنبية وخاصة الخليجية منها. ومن هنا نستطيع أن ندرك ان التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمار سيكون على طاولة البحث في هذه الزيارة.

كما وتأتي هذه الزيارة ضمن وضع عربي يتميز بحالة من التشرذم والانقسامات والاستقطاب السياسي الحاد بين الدول العربية بشكل غير معهود، وبروز محاور واضحة متصارعة فيما بينها، الى جانب بروز تنظيمات قاعدية تكفيرية تحت العديد من التسميات وفي العديد من الأقطار مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وتونس ومصر، والتي انقلب بعضها كداعش على مصنعيها من الوهابيين والمخابرات المركزية الامريكية والممولة خليجيا. ولقد أصبحت داعش تشكل خطرا على المنطقة ككل، خطرا قد يطال مصنعيها ومموليها الخليجيين وعلى رأسهم السعودية. وهو ما استدعى نشر ما يقرب من 30000 جندي سعودي على الحدود العراقية مع السعودية، والتي يبلغ طولها حوالي 800 كيلومتر. والذي يبدو ان هذا لم يكفي ولهذا سارعت السعودية بطلب المعونة من الجيش المصري بالإضافة الى الاستعانة بالحليف والحامي القديم الجيش الباكستاني ومستشارين عسكريين أردنيين كما أوردت نشرة "إنتيليجنس أونلاين" الأسبوعية الاستخبارية الفرنسية (عدد 716)، وخاصة وأن جحافل داعش أصبحت على بعد 100 كيلومتر من الاراضي السعودية المحاذية للأراضي العراقية في الشمال، بالإضافة الى التهديد الاتي من تنظيم القاعدة في اليمن من الجنوب. وكان هناك تصريحات سابقة لوزير الخارجية المصري وللمشير السيسي قبل انتخابه من ان أمن الخليج العربي هو جزء من الامن القومي المصري، وذلك أثناء اجراء المناورات العسكرية المشتركة هذا العام مع دولة الامارات العربية التي قدمت الدعم المالي الى جانب السعودية لمصر، والتي نادت بإبقاء جزء من القوات المصرية على أراضيها. كما أن البعض اعتبر مصر دولة خليجية، واعتبر أن مصر تمتلك أكبر حدود مشتركة مع السعودية العربي وهو البحر الأحمر.  كان هذا قبل أن يظهر خطر داعش على السعودية وربما على غيرها من الدول الخليجية التي توعد أبو بكر البغدادي "الخليفة" بالوصول اليها ان لم تبايع خلافته. من الواضح ان الزيارة تأتي ضمن هذا الواقع الجديد ربما لوضع الهيكلية الرسمية على الحلف الإقليمي الاخذ بالتبلور بين السعودية والامارات العربية ومصر مع إمكانية انضمام دول أخرى لاحقا لهذا الحلف. ولا شك ان الدور المتوخى من هذا الحلف هو الوقوف ضد التمدد الداعشي الى الدول الخليجية بعد أن خرجت داعش من العباءة السعودية وفشلت محاولات اعادتها الى بيت الطاعة لغاية الان، هذا الى جانب الحفاظ على الامن الداخلي للدول الخليجية، وخاصة السعودية والبحرين. وفي الغالب ان ذلك سيكون منوطا بوحدات خاصة من الجيش المصري، التي لا نستبعد وجودها حاليا لهذا الغرض. أما عن انضمام دول أخرى لهذا الحلف نشير هنا الى أن الرئيس السيسي قد دعى الى تكوين جبهة عربية لمجابهة الإرهاب في المنطقة، وربما كان هذا أحد الأسباب للزيارة التي قام بها مؤخرا الى الجزائر وذلك للتنسيق الأمني في مجال مجابهة الإرهاب في منطقة المغرب العربي الذي يجد طريقا الى مصر.

وهنا لا بد لنا من أن نؤكد، نعم ان التصدي للإرهاب في منطقتنا بحاجة ماسة الى بناء جبهة عربية لمحاربته وتجفيف منابع تمويله ومحاصرته فكريا وثقافيا واجتماعيا، وليس فقط عسكريا. ولكننا في هذا التصدي لا يمكننا ان نميز بين إرهاب وإرهاب، وان نقف ضده في بلد ونمده بكل مقومات بقاءه وحيويته في بلد آخر، أو ان نصمت عليه دون تحديد موقف واضح منه من اجل حفنة من الدولارات. ان الإرهاب ضرب وما زال يضرب في لبنان وسوريا والعراق هو نفس الإرهاب الذي يضرب في مصر وليبيا واليمن والذي يهدد الجزائر وتونس وبقية الدول العربية، وهو موحد المنشأ والهوية الفكرية التكفيرية والاهداف. والى جانب هذا الإرهاب المتنقل العابر للحدود، هناك إرهاب دولة صهيوني منظم ومؤسساتي يمارس على الشعب الفلسطيني على الأرض الفلسطينية، لا يقل بشاعة وخطرا عن الخطر الداعشي واخواته في الممارسة والاهداف. ومن لا يرى هذه الحقائق الواضحة والترابط العضوي بين كل مكونات الإرهاب، فانه اما أن يكون ساذج سياسيا، أو انه بشكل او بآخر متآمر أو شريك أو متفرج وصامت على ما يدور. ولا نستطيع أن نفهم قضية الإرهاب والتعامل معه خارج هذا الإطار. معركتنا ضد الإرهاب لا يمكن تجزئتها، والامن القومي العربي لا يمكن تجزئته، ومن يعتقد انه غير مستهدف من منظومة الإرهاب بمجموعها سيرى أنه على خطأ وسيندم عندما لا ينفع الندم.

أما الغرض الثاني الذي يكتسب أهمية على المدى الطويل هو بناء حلف ليقف في مجابهة محور المقاومة المتمثل بإيران وسوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، وخاصة مع وجود القناعة الان عند كل المعاديين لهذا الحلف واللذين عملوا جاهدين وقاموا بدفع المليارات وتجنيد عشرات الالاف من الإرهابيين من كل بقاع العالم لأسقاط الدولة السورية عبر أكثر من ثلاث سنوات، انهم فشلوا في مشروعهم، كما فشلوا في التآمر على المقاومة الفلسطينية في غزة التي أبدت صمودا اسطوريا في مجابهة العدو الصهيوني. ولا بد أن نشير هنا الى بعض التصريحات التي تدلل على هذا التوجه ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. فلقد صرح السيسي سابقا أن علاقات مصر مع إيران تمر عبر الخليج، ولا نظن ان هذا بحاجة الى تفسير. ومؤخرا ذكر أمير قطر تميم لدى مقابلته الملك عبدلله في زيارته الى السعودية، والتي طلب فيها من الملك بالتدخل لوقف إطلاق النار في غزة " يجب أن لا نغمض اعيننا عن وجود ايران وسوريا وحزب الله في غزة"، وهذا أيضا ليس بحاجة الى مزيد من التفسير. وهو أيضا يدلل بشكل واضح ان محور تركيا وقطر وان اختلف شكليا مع السعودية، فان أهدافهم واستراتيجيتهم واحدة وبالتالي فان التقائهم وانخراطهم في المشروع ما هو الا مسألة وقت ليس الا، وخاصة وان كلاهما منخرطين ومنغمسين في التآمر والعدوان على سوريا على كافة الأصعدة والمستويات منذ بداية الازمة. والسعي السعودي لإنشاء التحالف نابع من الشعور بأن الولايات المتحدة لم تعد الحليف الذي يعتمد عليه وقت الازمات، وعلى انها لم تعد مهتمة بالدرجة الكافية في المنطقة وبحلفائها، وخاصة بعد التقارب الأمريكي الإيراني والمباحثات بشأن الملف النووي الإيراني، مما يعطي إيران دورا إقليميا قد يوازي الدور السعودي ان لم يكن أكبر منه. لقد شعرت السعودية بالخيبة من الإدارة الامريكية، وخاصة عندما علمت بوجود مباحثات سرية بين الطرفين ولفترة طويلة على الأراضي العمانية دون علم السعودية.

في النهاية نود ان نؤكد على أن انخراط مصر إذا ما تم فعلا ضمن هذا المحور سيفقد مصر دورها الريادي الإقليمي وربما الدولي الذي يليق بها، ولإرثها العربي القومي الذي لعبته في تأريخها، والتي قدمت من أجله التضحيات الجسام للحفاظ على الهوية القومية العربية المناهضة للاستعمار بكل اشكاله.  ان مصر لديها من الإمكانيات التي تؤهلها للعب دورا أكثر أهمية وفعالية وخاصة في القضية المحورية الا وهي القضية الفلسطينية، التي تمكنها من الولوج بقوة على الساحة الإقليمية والدولية. ويعتقد الكثيرون أن مصر لم تلعب هذا الدور بعد حيث انها ما زالت تراوح مكانها، ولم تستثمر إمكاناتها وقدراتها بعد في هذا المضمار لأسباب لم تعد خافية على أحد. ويبقى السؤال المطروح الان الى أين ستذهب مصر في هذا الجو العاصف والملتهب في المنطقة وهل حسمت القيادة المصرية الجديدة خياراتها نهائيا لتدخل ضمن المحور الخليجي الذي تتزعمه السعودية؟ هذا ما ستجيب عليه ربما الفترة القريبة القادمة بشكل واضح وقاطع.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا