<%@ Language=JavaScript %> قيس عبد الله في الموقف من الكويت والكويتيين
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

في الموقف من الكويت والكويتيين

 

 

قيس عبد الله

 

لا زال ميناء مبارك الكبير يثير الكثير من الجدل، لكنه يثير أيضاً الكثير من الضغائن في الوقت الذي يحتاج العراق والكويت أمس الحاجة إلى التهدئة ومعالجة الجروح الغائرة بحكمة وتبصر وصبر وروية. الواقع عكس ذلك تماماً، فالسائد هو لغة التهديد والإدانة وتحميل الآخر –كالعادة- جميع الذنوب والشرور وتبرئة الذات. ولو كان الأمر يتعلق بموقف سياسي أو ما شابه لهان الأمر، لكننا إزاء تاريخ طويل من العداء انتهى إلى احتلال البلدين وتدميرهما وإلغاءهما. ولقد استعاد الكويت عافيته السابقة بمعونة الغرب –الذي أغرى الرئيس العراقي بغزوه- فيما انحدر العراق إلى الهاوية وما زال يهوي.

لقد ظل الكويت طوال القرن الماضي يعامل على أنه جزء من العراق انتزع منه، دون أن يُسأل ذوو الشأن –الكويتيون قبل غيرهم- عن رأيهم أو رغبتهم، وقد حدثت مطالبات ذات طابع دعائي واستعراضي مرتين على الأقل قبل احتلال البلد؛ حيث اثارها المك غازي الذي يتجاهل التاريخ كونه رحمه الله كان غراً نزقاً استدرج حتفه بجعجعته المعادية للانكليز من إذاعته الخاصة في قصره الملكي، ثم حين طالب عبد الكريم قاسم بضمها باعتبارها قضاء تابعاً للواء البصرة حينها، وكانت جعجعة فارغة أيضاً أثارت أزمة ووترت العلاقات بين البلدين أكثر. ومن اللافت للنظر أن البعثيين حين تصالحوا مع الكويت وطبعوا العلاقات معها عام ثلاثة وستين اتهموا بأنهم باعوا القضية بخمسة عشر مليون دينار هي القرض الذي تلقوه حينها من الكويت، ليدان غزوها على يد صدام حسين من نفس تلك الجهات باعتباره جريمة تاريخية.

لسنا هنا بصدد ذكر التاريخ الذي يعرفه الجميع، لكننا نتطرق فقط لخطورة الدعوة لاسترداد الكويت باعتبارها جزء من العراق وما جرت على البلدين من كوارث. فكل من كان وقتها في العراق أو الكويت ولا يريد إنكار الحقائق الفاقعة يعلم كيف تعاملت حكومة العراق مع البلد الشقيق المحتل، حيث لم يفعل فعلها في استباحة للبلد وأمواله، وحتى الأموال الخاصة غير الصهيانة والنازيين ، وليس غائباً عن الذاكرة كثرة المثرين من نهب البلد الجار والشقيق الأصغر، وعلى مستويات منحطة من الدناءة. إن الغوغاء التي تنهب مؤسسات بلدها المغزو ذاته كما حصل في المدن العراقية عام الفين وثلاثة لاتتورع عن نهب البلد الجار بمؤسساته وأموال سكانه وبتشجيع من حكومته ذاتها. لقد كانت عملية غزو الكويت انتقامية أحرقت الأخضر واليابس.. انتقاماً من الشعب الشقيق الأصغر لإهانة وزير الخارجة الكويتي لنساء العراق على طريقة البدو في غابر العصور. وكل موظف في بغداد يعرف لجان الجرد التي كانت ترسل من الوزارات لتنظيم الإستحواذ على أموال الدولة الملغاة. ومعروف من الذي أصدر الأمر بالغزو ونفذه، وللتذكير نكرر أنه نفس الشخص الذي كان يسلب نساء ورجال العراق حتى خواتم زواجهم – جاء هذا بصيغة أمر في الجيش العراقي عام ثلاثة وثمانين- تبرعاً للمجهود الحربي في معركة البَوار التام مع إيران ليصنع منها قلادة لا تقدر بثمن يهديها لشاعرة كويتية مقتطعاً كل ذلك من أفواه أطفال العراق الغرثى، إذا تساهلنا بحقوق الراشدين.

نعلم علم اليقين أن جيوش الغرب غزتنا من الكويت ودمرت بلدنا، لكن جيشنا غزى الكويت ودمرها قبل ذلك، وليس واقعياً ولا إنسانياً معاتبة أشقائنا على ذلك وتجاهل حجم الشعور بالمرارة والاحباط والشقيق الأكبر الذي يعتبرونه حامياً لهم يخذلهم بهذا الشكل ويعاملهم كالأعداء. وما دام ما وقع قد وقع فلا بد من حل، وهذا لا يكون بتعميق الخلاف والثرثرة باستعادة الكويت وأرضنا نفسها سليبة، ولا بالمزايدة بتشكيل منظمة لتحرير الكويت من البصرة كما أعلن مؤخراً والعدو يجثم على صدر بلادنا وميليشياته تعيث بأرضنا. وقد آن أن يعلم الجميع أننا نفرق بين المقاومين الذين يحميهم شعبهم ويخفيهم وبين أمراء الحرب الذين يشكلون الميليشيات "المقاومة" بكل علانية وهم مشاركون في العملية السياسية ومستفيدون من فتات موائدها. إن الحل يأتي من المصالحة التاريخية وتحديد العلاقة بين الجارين الشقيقين وتسوية الخلافات بالحسنى ولمصلحة الطرفين.

تستند الدعوة لإلحاق الكويت إلى كونها كانت تابعة للعراق في القرن التاسع عشر؛ أي حين كان العراق تابعاً لتركيا، مما يعطي الحق لتركيا في المطالبة ببلدنا على نفس القاعدة القانونية. وإذا كان السند تاريخياً وليس قانونياً فللعراق المطالبة بما بين الهند والمحيط الأطلسي مما كان أرض الدولة العربية الإسلامية وعاصمتها بغداد. أي أن الدعوة بالعائدية ساقطة أساساً. ومن المهم ملاحظة أننا هنا لا نتصرف بالدول وكأنها أملاكنا الخاصة، بل نرد على مزاعم تدعي حق التصرف بأملاك الغير. وبقدر ما أن تعميق المشاكل بين البلدين يأتي في سياق تفتيت المنطقة وإثارة الحروب الأهلية فيها كما يراد لسوريا والبحرين واليمن وليبيا وغيرها، فإن الرد على هذه المؤامرة لا يكون بالانسياق الساذج والمغرض معها، بل بالتصدي الحازم لها ولمثيريها، والعراقيون والكويتيون هم أصحاب المصلحة المباشرون في وأد الفتنة، وهم الأدوات الصالحة لها.

من الناحية القانونية يعتبر الكويت دولة مستقلة يحميها المجتمع الدولي ويسكنها شعب لم يغتصبها لكي يكتسب احتلالها صفة التحرير، ومن واجب العراقيين احترام استقلالها والتعامل معها على هذا الأساس. وإذا كان سكانها شعباً شقيقاً فالتعامل مع الشقيق لا يكون بالغزو، أما إذا كانوا أغراباً فما حقنا عليهم؟ ثم هل نريد للكويت شقاءنا تحت حكم طغاة بلدنا منذ تاسيس الدولة أم نريد لهم رئيسها الطالباني؟ ولم الحرص على الكويت وثرواتها ونحن محرومون من ثروات قطرنا؟ ثم ما هي علاقة الكويت بالعراق أساساً لكي يمكن تلمس نقطة بدء لحل المشكلة؟ يمكن القول هنا إن الكويت جزء من العراق فعلاً، ولكن بقدر ما إن العراق جزء من الكويت فحسب، أي الشراكة التامة والمتساوية في مشروع وحدة الأمة الحضاري القائم على الاختيار الطوعي الذي يحمي الجميع ويعززهم بوجه أعدائهم دون تقرير مسبق فوقي لشكل الإطار السياسي للعلاقة الأخوية.

نذكر مرة أخرى بتهافت السند الأخلاقي والقانوني لغزو الكويت عام تسعين، حيث أن الرئيس العراقي مع تسنم منصبه عام تسعة وسبعين تقدم بإعلان دعي وقته الاعلان القومي، وفي إحدى فقراته عدم اللجوء للقوة في حل المشاكل بين الاقطار العربية، ليخرق هذا الإعلان قبل غيره ويقدم الذريعة للدول العربية كي تدفع بجيوشها في حملة إفناء جيشه.

لقد كان غزو الكويت غزواً في اقل اعتبار، ولا يعامل الشقيق بغزوه كما قلنا، وما حل بالبد الشقيق كان جريمة بكل المقاييس، وعلينا نحن العرقيين الاعتراف بذلك وتحمل تبعاته وتحمل قسطنا من جهد رأب الصدع ولأم الجراح. ومن نافلة القول أن لا حكومة العراق ولا الكويت الحاليتان هما من يعول عليه في حل الأزمة، فهما من أدوات دوامها، غير أن الأمر يتعلق بنا نحن مواطني البلد الذي غزا شقيقه الصغير ودمر بناه التحتية وألحقه قسراً، فنحن مسؤولون أخلاقياً عن الاعتراف بإجرام سلطة بلدنا بحق شعب الكويت وارضه. ولئن كان من غير الإنصاف مطالبتنا بالاعتذار عن ذنب ارتكبته سلطة بلدنا دون رضانا، فلا أقل من إدانة هذا الغزو وأي شكل من التعامل بالإلحاق القسري، ورجاء أخوتنا الكويتيين أن يحلّونا من ذنب ما فعله غيرنا ببلدهم، والتعهد لهم باحترام استقلالهم ومشاركتهم في الهم الملم بنا جميعاً، حتى يتحرر بلد أشقائهم العراقيين وينصب حكومة تمثله من الأحرار تنهض بشرف الاعتذار للكويت وشعبه. والتجربة الشخصية تؤكد بأن الفرد الكويتي غير الضالع في سياسات حكامه لا يزال يرى في العراق شقيقاً عزيزاً يتوق إلى التصالح معه وتجاوز جراح الماضي.

يود هذا النص المتواضع أن يشهد بأن صاحبه أدان غزو الكويت وقاطعه، وقاطع كل ما استورد من هذا البلد أثناء احتلاله، وهو يتقدم لأشقائه الكويتيين برجاء حله من جرائر سلطة بلده. وربما يكون من هو أكفأ منا قادراً على تحرير نص بهذا المعنى أو غيره في دعوة يتبناها الناشطون العراقيون الذين ما زالوا دائبين على دعم بلدهم في وجه محتليه في نفس الوقت الذي ظلوا فيه يدينون حتلال الكويت الشقيق. إن حملة يقوم بها ناشطون شهدت بنزاهتهم وصدقهم وصلابة مواقفهم كل هذه السنين العجاف منذ احتلال بغداد يمكن أن تؤسس لمصالحة حقيقية تاريخية بين الشعبين بعيداً عن حكامهما وأطماعهم ومؤامراتهم.

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا