<%@ Language=JavaScript %> آمال عوّاد رضوان حفلُ تكريم الشاعر نزيه حسّون في شفاعمرو الجليليّة!
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

حفلُ تكريم

 الشاعر نزيه حسّون في شفاعمرو الجليليّة!

 

 

آمال عوّاد رضوان

 

وسطَ حفلٍ مهيبٍ مِن شعراءَ وأدباءَ ورجالِ دين وأصدقاء من حيفا وعكّا والناصرة وسائرِ الجليل، وتقديرا لدوْرِ المبدعين، أقامت جمعيّة جذور- لتقويةِ وتثبيتِ الجذورِ الحضاريّةِ للعرب الدّروز- حفلاً تكريميًّا للشاعر نزيه حسون في شفاعمرو بتاريخ 6-7-2011.

تولّى عرافة الحفل الممثلُ والمخرجُ والكاتبُ المسرحي عفيف شليوط، افتتحَهُ بالكلمات:

في هذا المساء، ليلة مِن أبهى ليالي شفاعمرو، حيث تلتقي مجموعةٌ كبيرة مِن الشعراءِ والأدباءِ والأصدقاءِ في هذا المكان، شيبًا وشبّانًا، رجالَ دين ومُمثّلي جمهور، فتيات ونساء، كلّهم اجتمعوا مِن أجل هدفِ واحد، محبّةَ الشّعر والأدب، وتقديرًا واحترامًا للشّخص المحتفى به الشاعر والأديب ابن مدينة شفاعمرو، ومن عشّاق هذه المدينة التي أحبّها بشغفٍ وأخلص لها، وهي بادلتهُ الحبّ بالحبّ، فأصبحت قصائدُهُ تتردّدُ على لسانِ كلّ شفاعمريّ، وأحبّ وطنَهُ فلسطين، فمَن منّا لا يذكرُ هذه الأبياتَ للشّاعر المحتفى به:

دعي الأحزانَ يا أمّي وغذّيني/ بعشقِ الأرضِ يُزهر في شراييني/ ولا تبكي على ماضٍ يُعذّبُنا/ فما العبَراتُ بعدَ اليوم تُجديني/ دعيني أنسجُ الثّكناتِ مِن لحمي/ إذا هبّت رياحُ الغزو تَغزوني/ ضعي صدري على الطّرقاتِ متراسًا/ يَصدُّ النّارَ مهما النّار تكويني/ لتبقى خضرةُ الزّيتونِ في وطني/ ويبقى الصّوتُ في أرضي فلسطيني.

نحن نجتمعُ هذا المساءَ لنُكرّمَ الشاعرَ والأديب الأصيل نزيه حسّون، مؤلّف "ميلادٌ في رحم المأساة"، "أبحثُ عن جسدٍ يلدُ النّصر"، "سيمفونيّة الحزن المسافر"، "تأخذُ القصيدةُ ملامحَها"، "أبحثُ عن وطني في وطني"، و"عشقٌ على سفر". 

نستهلّ أمسيتَنا الثقافيّةَ هذه الليلة بكلمة رئيس بلدية شفاعمرو السيد ناهض خازم، ليُلقي كلمةَ ترحيبٍ بالضّيوفِ الكرام، الّذين جاؤوا مِن قرانا ومدننا العربيّة، ليشاركونا هذا العرسَ الثّقافيّ في تكريم شاعرٍ معطاء متجدّد، خلّاقٍ مبدع، جريءٍ وملتزم، وقد جاءَ في كلمةِ السّيّد ناهض خازم رئيس بلديّة شفاعمرو:

الجمهور الكريم.. يسرّني أن أحيّيكم وأرحّبَ بكم في بلدكم شفاعمرو، عاصمة الثقافةِ والذّاكرةِ والتاريخ والقلم التي تُبادلُكم السّعادة والرّضا لحرارةِ هذا اللّقاء.

الإخوة والأخوات.. للشّعرِ موسيقاهُ الموصولة بروح الكلمةِ وعبقريّتِها، ولشفاعمرو تاريخٌ وأصالةٌ وروحٌ تُغري بالشّعرِ، وتُفجّرُ الشعورَ بروحٍ تُحوّلُ الوجدانَ إلى ذاكرةٍ عظيمة، وها هي بلدُنا تمدُّنا بأسماء ثقافيّة تضيءُ سماءَنا، وتُعلّمُنا القصائدَ والصّبرَ والحبرَ والأمل. يسعدُني أن أشاركَ اليومَ في هذا الحفلِ التّكريميّ المُبارك، والذي تُقيمُهُ مؤسّسةُ الجذور اعترافًا صادقًا منها، بمكانةِ شاعرٍ كرّسَ جُلّ حياتِهِ ووقتِهِ في إعمارِ الحركةِ الأدبيّةِ في شفاعمرو وخارجها، فوهبَها للشّعرِ والكتابةِ والكلمة، حتى نقشَ اسمَهُ في سجلِّ الشّعراء. إنّه الشّاعر المثقفُ والمبدعُ نزيه حسون الذي يسيلُ قلمُهُ غزيرًا ليُدفئَ صقيعَ الورق، نزيه حسون ابنٌ لعائلةٍ كريمةٍ يمتازُ أبناؤُها بحُسنِ الخُلقِ وَجودِ العطاء، وفي هذه المناسبةِ أشكرُ جمعيّة الجذور التي تعملُ على تجديدِ العهدِ بالأصالةِ والجذور، سيّما وأنّها اختارت شفاعمرو مركزًا لإقامةِ مثلِ هذه النّشاطاتِ التي تعبقُ بعشقِ اللّغةِ والثّقافةِ والفنّ. إنّ هذه الأمسيةَ امتدادًا لأمسياتٍ ثقافيّةٍ سابقةٍ تفوحُ إبداعًا وتراثًا وفنّا، أمسياتٍ أكّدت دوْرَ شفاعمرو وبلديّةِ شفاعمرو في رسْمِ المشهدِ الثّقافيّ المَحلّيّ والعربيّ، ونحن في بلديّةِ شفاعمرو نفرحُ بإقامةِ مثلِ هذهِ النّشاطاتِ ويَسرُّنا دعْمَها وبمحبّة. وأخيرًا.. أسألُ اللهَ أن يُطيلَ في عُمرِ المُحتفى بهِ الشّاعر نزيه حسّون، وأن يكونَ مشوارُهُ الإبداعيُّ زادًا ومَعينًا لا ينضب، وللجميعِ أتمنّى الفائدةَ والمتعة في هذه الأمسية، ونلتقي دائمًا بالمودّةِ في بلدِ المحبّةِ والسّلام.. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 العريف عفيف شليوط:

بلغ عددُ الدّروز في فلسطين عام 1948 حوالي 14 ألف نسمة، وحاليًّا يُقاربُ المائة ألف نسمة. يتوزّعون على 18 قريةٍ، اثنتان في جبل الكرمل (عسفيا ودالية)، و16 قرية في الجليل وهي: شفاعمرو، المكر، جولس، أبو سنان، جتّ، يركا، يانوح، كفر سميع، كسرى، البقيعة، حرفيش، بيت جن، عين الأسد، الرامة، ساجور، المغار، وكانَ الدّروزُ جزءًا مِن ثورةِ عزّ الدّين القسّام، وشاركوا بها بزعامةِ نجيب صعب؛ وهو من منطقةِ راشيا اللّبنانية، وخلال حرب 1948 شارك الدّروز في جيش الإنقاذِ بفوج مِن جبلِ الدّروز وسرّيّةٍ مِن هضبةِ الجولان، علاوةً على اشتراكِ الكثيرِ مِن دروزِ فلسطين في تلك الحرب، وتمركزت مجموعاتُهم في الجليل، فتركّزَ فوج ٌبقيادةِ شكيب وهاب في شفاعمرو، وسرّيّة بقيادةِ الملازم مفيد غصن في يركا. سقطَ للدّروزِ عددٌ مِن القتلى في مواقع مهمّةٍ مثل اللّيّات وحرفيش ويانوح وجدّين. فيما سقط للدّروز 16 شهيدًا في معركتي هواشي والكساير. هذا هو الوجهُ النّاصعُ لبني معروف الذي نعتزّ ونفخرُ به، وجمعيّة الجذور التي تسعى لتقويةِ وتثبيتِ الجذورِ الحضاريّةِ للعربِ الدّروز تأتي في هذا السّياق، ورأت هذهِ الجمعيّة أنّهُ مِن واجبِها تكريمُ المبدعين ورفعُ شأنِهم في مجتمعِنا، وعندما وقعَ الاختيارُ على شاعرِنا نزيه حسّون ليكونَ أوّلَ المُكرّمينَ مِن قِبلِ جمعيّةِ جذور أصابتِ الهدف، وأصبحَ لهذا التّكريم في ظلِّ سلسلةِ حفلاتِ التّكريمِ الّتي تجتاحُ حركتَنا الثّقافيّة في البلادِ وقعٌ خاصّ، فيلقي مديرُ جمعيّة الجذور المبادرة والمنظمة

د. غازي خير كلمة الجمعيّة:

المشايخ الأجلاء.. الأدباء والمثقفون المحترمون..الحضور الكريم.. نحن اليومَ في القرن الحادي والعشرين، والعِقد السّابع لمرحلةٍ حرجةٍ في حياةِ جزءٍ مِن شعبٍ كانَ يومًا حرًّا بعضَ الشّيء، يعيشُ حياةً كريمة بعضَ الشّيء، يُنتجُ ويَفخرُ بإنتاجه، كانت لهُ قيادات ذات شأن كبير، يعتزّ الإنسان بالتّجنّدِ وراءَها.

وقعَ الاحتلالُ وأقيمت دولة (إسرائيل)، ونُشلنا مِن ظلمٍ بعدَ ظلم إلى ظلمٍ آخرَ أغربَ وأذكى، وعلى ما يبدو طويلَ المدى. تبدّلت الأطوارُ وتحوّلَ سكّانُ هذه البلادِ الأصليّون الناطقون بالضّاد، مِن أصحابِ الوطن إلى أقلّيّةٍ في وطنٍ حكمَهُ الغرباءَ وغيّروا اسمَه، وبدؤوا بعملٍ مُبرمَجٍ خُطّطَ له قبلَ سنين، يهدفُ إلى إحباطِ هؤلاء السّكّانِ الأصليّين، مجموعةُ أقلّيّاتٍ تصبحُ هي الغريبة في بلادِها وموطنِها، وتكونُ محرومةً مِن حقوقٍ أساسيّةٍ حتى للأقلّيّات ونجحوا بذلك.

أحدُ المُخطّطاتِ كان الفصلُ بينَ أبناءِ هذه الأمّةِ الواحدةِ لتضعيفها بعدّةِ طُرق، أهمُّها الفصلُ القوميّ، فقُسّمَ العربُ إلى عربيْن؛عربٌ عرب، وعربٌ ليسوا عربا. وأمّا العربُ العربُ فقُسّموا إلى مَن هم عرب مع إلصاقِ صفاتٍ سيّئةٍ لهم، وإلى عربٍ مفضّلين، وذلك ليسَ صدفة، بل ربّما مُرغمين بسبب وعي هذه المجموعةِ أكثر، وغيرتها على بعضِها أكثر، أو بسبب انتمائِها دينيًّا للأغلبيّةِ الّتي سيطرت على العالم في تلكَ الأثناءِ ولا زالت، أو جميع الأسباب مجتمعة.

وأمّا العربُ غير العرب فهم مَن لُبّسوا القوميّةَ الجديدة وهي القوميّة الدّرزيّة! الأنكى مِن ذلك، أنّ أقلّيّة الأقلّيّة هذه لم تلقَ العوْنَ مِن أبناءِ شعبها لعدم قدرة بداية، ولاحقا لقلّةِ إدراكٍ مِن القيادات، فقاموا بنبْذِ الدّروزِ واعتبارِهم خونة، خاصّةً بعدَ أن أُجبِروا على الخدمةِ العسكريّةِ، والتي كلّنا نعرفُ كيفَ أُجبِرَ الدّروزُ على هذه الخدمةِ التي كانت ولا تزالُ تابوتَ الثّقافةِ والتّطوّرِ عندَ هذه الطائفة.

سيطرَ الحُكمُ على الأقلّيّة العربيّة وبضمنِها الدّروز، واستمرّ بمخطّطاتِهِ التي كانت بمجالاتٍ عدّةٍ تهدف إلى تحويلِ العربِ في إسرائيل إلى محتاجين، ومُلبّي حاجاتِهم هو السُّلطة، فصودرت الأراضي، وصعُبت شروطُ التّعليم وظروفُ العمل، وهذا شكّلَ ضغطًا خارجيًّا على أمّتِنا لتخضعَ وتستسلمَ وتطلبَ العوْنَ مِن المُتسلّط، وفي الوقتِ ذاتِهِ زرعَ المنتفعونَ مِن رجالاتِ السّلطةِ بينَ صفوفِنا، لتوفيرِ الضّربةِ مِن الدّاخل.

هذهِ العواملُ كلّها بإضافةِ العاملِ الأكبرِ والأهمّ وهو التّجنيد الإلزاميّ طُبّقت على الطّائفةِ العربيّةِ الدّرزيّة، وأدّت إلى الإحباطِ الثقافيّ والحضاريّ والاقتصاديّ، وإلى انحدارِ الطّائفةِ إلى أسفل السّلمّ، لتكونَ الأكثرَ حاجةً للعونِ في جميع المجالات، فالخدمة الإلزاميّة لم تُعطِ العربَ الدّروزَ حقوقًا وُعِدوا بها ليتساوَوْا مع اليهود، بل أحبطتهم  أكثر، وأدّت إلى تدهورِ أوضاعِهم حتى أكثر مِن باقي العرب في البلاد، وهذا واقعٌ نعيشُهُ حتى هذا اليوم.

على مدى السّنين ارتفعت الأصواتُ الوطنيّةُ عندَ أبناءِ هذه الطائفة، الذين عانَوْا سنينَ طويلةً مِن تصدٍّ وتهديدٍ وتخويفٍ مِن قِبلِ رجالاتِ السُّلطة، لكن هذا لم يصدّهم، فقامت لجنةُ المبادرةِ الدّرزيّةِ كجسمٍ يُحاولُ أن يقودَ المعركة، ومع مرورِ السّنين حدثت خلافاتٌ وانشقاقاتٌ بين الصّفوفِ الوطنيّة، ليست بالضرورةِ سلبيّة، بل برأيي كان لها جانبٌ إيجابيٌّ وبنّاء، وكان لا بدّ مِن خلقِ جسمٍ آخرَ يقودُ المعركة بقوّةٍ وعزمٍ، وبدون أن يُقلّلَ مِن شأنِ لجنةِ المبادرةِ ومواقفِها وعملِها.

مع مطلع سنة 2001 تأسّسَ ميثاقُ المعروفيّين الأحرار، مُنطلِقًا برؤيا مختلفة، في صُلبِها الحفاظُ على ترسيخ الانتماء، وهذا تطلّبَ أدوات، وكانت "الجذور" إحدى هذه الأدواتِ، انطلاقًا مِن أنّ الحفاظَ على الهُويّةِ الحضاريّةِ هو ناصية الطريقِ لمحاربةِ التغريب، وطِبقًا للبيان التّأسيسيّ للمُؤسِّس، وهنا أودُّ أن أذكرَ ما جاء في البيان التأسيسيّ للميثاق:

"إنّ الحفاظَ على جذورِنا الحضاريّة عروبيًّا وتثبيتِها وترسيخِها هو المصلحة العليا الوجوديّةُ التاريخيّة للعرب الدّروز عامّة، وفي بلادنا خاصّة، فـ "عروبتُنا ضمانة بقائنا". وهذا هو تراثنا الحقيقيّ الذي جذّرَهُ رجالاتُنا بالدّم ِوالقلم عبْرَ شكيب أرسلان وسلطان الأطرش وكمال جنبلاط ، والخيارُ هو بينَ أن يكون هؤلاء مناراتُ طريقِنا وأعلامِنا سائرينَ على طريقِهم ورافعين فِكرهم، أو أن نسيرَ في رَكْبِ المُقدّمين إيّانا قرابينَ لأسيادِهم على مذابح مصالحِهم الذاتيّة."

العقباتُ في طريقِ الحفاظِ على جذورِنا الحضاريّةِ قوميًّا، وتثبيتها وترسيخِها كثيرة:

1 -  انتقاصُ المواطنة: بموجبِ تعريفِ دولةِ (إسرائيل) كدولةِ الشّعبِ اليهوديّ ليسَ دولةَ كلّ مواطنيها، التي تضمنُ الحقوقَ المدنيّة، الأرضَ والمسكنَ والعملَ والتّعليمَ وغير ذلك، ورغمَ تأديةِ الواجباتِ المفروضةِ كاملةً كالخدمة العسكريّة، لم يُحسّن الوضع، على العكس، يكفي التّجوّلُ في البلداتِ اليهوديّةِ والعربيّةِ للتقصّي مِن قريبٍ على الفوارقِ الشّاسعةِ بينَ الجانبيْن، ولمن يربطُ الحقوقَ بالواجبات، حقوقَ المواطن مِن الدّولةِ التي يعيشُ فيها مطلقة أمّا واجباتُه فنسبيّة، وإن لم يكن كذلك، فالمُتديّنُ يهوديًّا أو درزيًّا لا يستأهلُ الحقوق لأنّه لا يُعطي كاملَ "الواجبات"، وهكذا القاصرُ والعاجزُ والمُعوّق، ومِن النّاحيةِ العمليّةِ الحياتيّةِ اليوميّة، هل يستطيعُ أيٌّ كانَ أن يدّعي أنّ فرْضَ الخدمةِ على الدّروزِ في الجيشِ جاءَ لهم بالحقوق؟!

2 - التّجنيدُ الإجباريّ: سنة 1949 سنّ الكنيست الإسرائيلي قانونَ الخدمةِ العسكريّةِ الإلزاميّة، وعدّلَهُ سنة 1951، وهذا  القانونُ يسري مفعولُهُ على كلِّ مَن اعتُبرَ مواطنًا في إسرائيل، ولكنّه خوّلَ الحكومة صلاحيّةَ استثناءِ مجموعاتٍ وأفرادٍ مِن الخدمةِ مِن منطلقاتٍ جماعيّةٍ أو فردية، فاستثنت الحكومةُ كلَّ العربِ وبضمنِهم العربِ الدّروز حتى سنة 1956، حيثُ أُبطِلَ استثناءُ الدّروز وأُجبِروا عل الخدمةِ الإلزاميّة. "الميثاق" يرى أنّ التّجنيدَ الإجباريَّ هو مسٌّ في حقوقِنا القوميّةِ والإنسانيّةِ المُتعارفِ عليها في كلِّ الدّولِ المُتحضّرةِ في العالم، فأبناءُ الأقلّيّاتِ القوميّةِ في الدّولِ الدّيمقراطيّة الحقّة معفيّونَ مِن الخدمةِ الإلزاميّة، فكم بالحري إذا كانت "دولُهم" في حالةِ حربٍ مع أبناءِ شعبِهم وأمّتِهم؟

 3 – المناهجُ الدّراسيّة: المناهجُ الدّراسيّةُ المفروضة على أبنائِنا مناهجُ تجهيليّةٌ تاريخيًّا وتراثيًّا وتعليميًّا، كلُّ أهدافِها مسْحُ الأدمغةِ وترتيبِها مِن جديدٍ لتخدمَ أهواءَ المُتسلّط، ومستوياتُ التّحصيلِ وتدريجُ الدّروزِ المتأخّرِ بينَ فئاتِ وشرائحِ المجتمعِ الإسرائيليّ هي الدّليل، ولا حاجةَ لإثباتٍ أكبرَ مِن هذا، فأطفالُنا ليسوا أقلَّ ذكاءً مِن غيرِهم، فلماذا هم في أدنى سُلّمِ التّحصيلِ العلميّ؟

لأنّ لا أمجادَ تاريخيّةً وراءَهم حسبَ هذهِ المناهجِ يَصْبونَ ليكونوا لها استمرارًا، فإذا كان ابنُ سيناء وابن رشد وحيّان ابن جابر وابن خلدون والفارابي والفرزدق والمتنبّي وأبو العلاء ليسوا منّا ولسنا منهم، ليسوا لنا ولسنا لهم، فأيُّ أمجادٍ حضاريّةٍ ثقافيّةٍ لنا نريدُ أن نُديمَها؟ وإذا كانَ مستقبلُ أجيالِنا الجيشَ وحرَسَ الحدودِ وشرطة السّجون، فأيُّ تحصيلٍ ثقافيٍّ حضاريٍّ هم بحاجة إليه؟

أيّها الأخوة والأخوات.. هذا الواقعُ الذي نعيشُهُ وهذه هي الخلفيّة لاحتفائِنا اليوم. نحن "الجذور" نحتفي بالكلمةِ الحضاريّةِ التي مثلّها الشّاعرُ نزيه حسّون وغيرُهُ مِن الوطنيّين قبلَ أن نحتفيَ بنزيه حسّون الشّاعر، نحتفي بفرعٍ حضاريٍّ نبتَ على الجذرِ الحضاريّ الحقيقيّ. واحتفاؤُنا بنزيه هو باكورةٌ وليست الباكورة في عملِ الجذور، باكورةٌ لإعلاءِ فروعِ حضارتِنا الحقّة فلسطينيًّا وعربيّا،  ستتبعُها سلسلةُ احتفاءاتٍ بكثيرٍ مِن حمَلةِ الأقلام العرب، الذين سخرّوا أقلامّهم خدمةً لحضارتِنا، حامينَ إيّاها مِن التّشويه، والسّندُ الأساسُ للبقاءِ لكلّ شهبٍ هو الظّهرُ الحضاريُّ أدبًا نثرًا وشعرًا وبحثًا ودراسة وفنّا و...، فشعبٌ دونَ هذا السّندِ ريشةٌ في مهبّ الرّيح، ونحن لا نريدُ أن نكونَ هذهِ الرّيشة، وشكرا على حضورِكم وإصغائِكم، ولنعملْ معًا على نشْلِ شعبِنا مِن ظُلمٍ وظلامٍ إلى نورٍ وسلام!

العريف عفيف شليوط: شاعرُنا مِن فلسطين الحبيبة، سورةُ العشق ومزاميرُها العشرة، يتلوّنُ لكَ ترنيمةَ حبّ، ونذوبُ في الكلماتِ بانتظارِ إبداعِكَ، وآخرُ قالَ: لقدومِكَ فرشنا بساطًا مِن عطر ونثرْنا أوراقَ الورد، أضأنا الشّموعَ وعزفنا الموسيقا، لكي نشاهدَ هطولَ حروفِكَ الدّافئة، ونستمتعَ بقراءةِ أسلوبِكَ الجميل، ولكن ماذا سيقول لنا النّاقدُ والأديبُ د. بطرس دلّة:

أخي نزيه.. أيّها الشّابّ البلديّ الطّالع مِن رحم الأرضِ إلى لهفةِ القلوب وإلى توثّبِ الغزلان، يا وعدَ الفقراءِ ويا خميرةَ العرائس، يا انبثاقَ الحياةِ على الأرضِ أيّها الهَرَمُ القمحيُّ النّاهضُ مِن سواعدِ الرّجالِ ومِن أرومةِ آل حسّون الماجدة، كلُّ الأنهارِ الكبيرةِ تجري في مساراتِها إلى أن تُعانقَ البحرَ الكبير، أمّا الجداولُ الصّغيرة فليسَ لها إلاّ أن ترضى بالجفاف في آخِرِ المشوار قبلَ الوصولِ إلى البحر، وأنتَ أيّها العزيزُ وصلتَ قبلَ كلّ الجداول. لقد تعلّمنا في مدارسِ الوجَعِ أنّ أسوأ علاجٍ لجرحٍ نازفٍ هو أن نطأطئَ رؤوسَنا إزاءَ هذا الجرح النازف، وتعلّمنا أنّ إرادةَ الإنسان أقوى مِن قوّة ذراعِهِ كما يقال، وأنّ الحرّيّة صناعةٌ يدويّةٌ لا يُتقنُها إلاّ مِن صَنعَها بيديْه، ولمّا كنّا شعبًا متفائلاً بطبيعتِهِ ونحبّ الحياة والحرّيّة، لذلك لا بدّ مِن أن نصنعَ هذهِ الحرّيّة إن لم يكن اليوم فغدًا القريب. أنتَ أيّها الصّديقُ إنسانٌ مرهفُ الحِسّ حتّى الثّمالة، وكلماتُكَ في مختلفِ دواوينِكَ تأتي حبلى بالمشاعرِ الجيّاشةِ تجاه الحبيب، فهل يبدأ اللّيلُ فيكَ عتمةَ تماهٍ بيضاءَ كي ينتهيَ نورُهُ فيها؟ وكيفَ إذن تُقدّمُ للحبيبةِ باقةً مِن ثلاثِ ورداتٍ، إحداها بلونِ الحنين وأنت بلونِ الشّوقِ، وأنتما معًا بلون المسرّة؟ لقد علّمتْنا ذاكرةَ الرّيح أنّ الجبالَ قد تسقطُ وتنهارُ ذاتَ يوم، فهل نستطيعُ إقناعَ ديكٍ فصيحٍ بعدمِ الصّياحِ صباحًا؟ أنتَ أيّها الشّاعرُ ذلك الدّيك، فتابِعْ صياحَكَ وصحِّ النّيامَ عن حقوقِهم وعن ثوابتِهم؟

في معظمِ قصائدِكَ إنّما تُعبّرُ عن مأساةِ الإنسان الفلسطينيّ الّذي حُرمَ حرّيّتَهُ وعاشَ ولا يزالُ في ملاحقاتِ القبيلة مِن جهة، وملاحقات السّلطةِ الغاشمةِ مِن الجهةِ الأخرى. الزّمانُ أيّها الصّديقُ يغفو بينَ يديْكَ قليلاً ويصمتُ أكثر مِن اتّساعِ الحلمِ في جدارةِ الرّوح في مشهدِ الخلود، وأنتَ ولا أحدٌ غيرُك، فتحتَ بابَ الخلودِ على مصراعيْهِ بدواوينِكَ الرّائعة، فطوبى لكَ ماحقّقتَ وما أنجزتَ أيّها الشّاعرُ المفاجئُ كتابةً وإلقاء.

لكَ ميراثٌ عظيمٌ ومميّزٌ في الشّعرِ ولكَ ميراثٌ أكبرُ بكثيرٍ في مواقفِكَ الوطنيّة، لذلك فإنّنا نرى فيكَ نجمًا سابحًا مُعبّأ بالتباشير النّديّةِ نحو الأجمل والأروع، آتيًا مِن بعيدٍ تدغدغُهُ أحلامُكَ الذهبيّة الكبيرة، وعندما تنضحُ كلماتُكَ وكتاباتُكَ وإبداعاتُكَ على الأوراقِ البيضاءِ، ترتسمُ البسماتُ على الشّفاه، وتصحو الذّاكرةُ العربيّةُ، لأنّ ما تقولُهُ هو خبزُ الحياة. أراكَ أيّها الصّديقُ كالغابةِ غِنًى وعُمقًا، وكالزّيتون أصالةً وخضرةً دائمة. شِعرُكَ كالشّرفةِ البيضاءِ على المدى الأزرق، كغمراتِ النّجوم الولهى للنّيازكِ العاشقة كرائحةِ العرقِ على شفاهِ العذارى، وكالصّوتِ الأخضرِ مِن ضلوعِ العاشقينَ المراهقين، وكلثغةِ النّارِ في جمراتِ المواقد، كأغنيةِ نقاطِ المطر على أطرافِ أوراقِ الشّجر، وكالرّنينِ الأبحِّ على وترٍ مشدود. بلونِ القمرِ موجُ البحرِ، والأغاني تتراقصُ على نغماتِ الضّوءِ المتواصلِ في جوفِ اللّيل. ليسَ عبثًا أنّ الشّمسَ السّاطعة تُجبرُ ظلماتِ اللّيلِ على التّراجع، وأهلُنا أيّها الإخوة كقِمم الجبالِ المليئةِ بالأزهار، فإذا سقطتْ زهرةٌ أنبتَ الوادي مائةَ زهرةٍ وزهرةٍ تضربُ جذورَها عميقًا في باطنِ الأرض، بحيث يُصبحُ الفارقُ بينَ قمّةِ الجبلِ وقاعِ الوادي قابَ قوسيْن أو أدنى. فلنذكر أنّه عندما يكونُ الصّدقُ معَ الحياةِ منهجًا حياتيًّا، تظلُّ الدّنيا بألفِ خير، وعندما تكونُ الأمانة معَ الآخرين سبيلاً، يصبحُ الخيرُ أسلوبَ حياة. لو أنّ البحرَ يُغسَلُ مِن داخلِهِ لغسلتُ البحر، ولو أنّ الشّمسَ تحرقُ سطورَ تاريخِنا البغيضِ لعشقتُ الشّمس، ولو أنّ الدّموعَ تُنبتُ زهرةً لعشقتُ الدّمع، فمعًا وبكلِّ الحبِّ ستشرقُ شمسُ الحرّيّة على العالمين، وسيُرنّمُ الرّاعي نغماتٍ على نايهِ المبحوحِ، وتغنجُ الحملانُ مع نفحاتِ موسيقاهُ، وتُنطنطُ فوقَ الصّخورِ والوهادِ، فتنطلقُ البهجةُ والفرحُ معًا لتغمرَ قلوبَنا غبطةً وتنتشي سعادة، فطوبى لمَن سيعيشُ ليرى ذلك اليوم وينعمَ بالحبّ. طيّبَ اللهُ أنفاسَكم بكلّ عطرٍ، وأبقاكم أبدًا سالمين معافين، ولتبتهجْ قلوبُنا لأنّ المحبّة أقوى مِن كلّ الأسلاكِ الشّائكةِ. وأخيرًا أقول: لقد لمسنا فيكَ شعرًا ونثرًا، ونضحتْ سطورُكَ وطنيّةً وعشقًا، فكنتَ العاشقَ العاشقَ أبدًا لكلِّ جَمال وبتَّ فارسَ فلسطين الموعود، فأصبحتَ فلسطينيًّا حتى الثّمالة. باركَ الله لكَ هذا الانتماءَ الذي نعتزُّ بهِ، فأنت تستحقّ كلّ التّكريم.

العريف عفيف شليوط:

ناجَــيْـتُ روحَــكِ بِـكرةً وأصـيـلا/ وأتيتُ أذرفُ مُـهـجتي تَقـبيلا/ وَوَردتُ أسكبُ عندَ نيلِكِ أضلعي/ عَلـِّي أُروَّي مِن هـواكِ غلـيلا/ أهفو تـُسابقـُني تباريحُ الـهـوى/ ويكادُ يَصدَحُ خافقي تَهـليلا/ أهفو لأحيا في هواكِ مُـتَـيَّـمًا/ وأموتُ وحدي في هواكِ قَتيلا/ فأقرُّ جهْـرًا أنَّ مِـصرَ هُـوِيَّـتي/ مذْ كنتُ في هذا الوجودُ نزيلا.
الشّاعرُ نزيه حسّون أحبّ العالمَ العربيَّ بمُدنِهِ وناسِه، وشعرَ بالانتماءِ إلى هذهِ الأمّة، وهذا المقطعُ مِن قصيدتِه "لكِ مِصرَ ذوَّبتُ الفؤادَ هديلا"، لهو خيرُ دليلٍ على هذا الحبّ وهذا الانتماء، فتكشفُ لنا جوانبَ أخرى عن شاعرنا نزيه حسّون الكاتبة والناقدة د. راوية بربارة:

نزيه أيّها الحسّون القائدُ لسِرب العشّاق، المُغرّدُ بوحَ قلبِكَ "سيمفونيةَ حزنٍ مسافرٍ"، المرتّلُ "مزاميرَ مِن سورة العشقِ" المرتحلُ أبدًا مِن قلبِ حسناءَ إلى أخرى، مِن بحورِ عيني امرأة تُغرقانِكَ، إلى شواطئَ  ومرافئَ تنتشلك من موجِ عُباب عشقكَ الذي لا يُقيم إلاّ على سفرٍ، ليتجدّدَ ويُبدّدَ صورَهُ الشّعريّةَ خالقًا كلّ مرّةٍ صورةً جديدةً تبعثها فيه محبوبة مغايرة.

أيّها العامريّ الذي يَدقٌّ عصا الترحال باحثًا عن ليلى في صحارى المجتمع.. نزيه أيّها الشّاعرُ المراوحُ بين عذريّة قيس وإباحيّةِ عمرو بنِ أبي ربيعة، كيف تبتلي بداءِ العشق وتسلّم حبركَ لقلبكَ الضعيف، "وما في الظلم مثل تحكّم الضعفاء".. كيف تركبُ سفينةَ نوح لتنجوَ من الجَمالِ المحاصرِ مركبَ حياتكَ، فتغرقَ في طوفان العشق بكلّ ألوانه ومزاميره وحيثياته وقصصهِ.

نراكَ توزّع عشقك بين حبيبتيْن؛ المرأة والأرض، هذه تحبّ مفاتنها، وتلك تحبّ ترابَها. المرأة تُشعل فتيلَ الحبّ لتوقِدَ جمر المشاعر التي ألهبتِ الأحشاءَ، وأصبحتْ رمادَ ذكرياتٍ خلّدْتَهَا في كلماتٍ وصورٍ شعريّة تذرُّ الحروفَ في عيون المجتمع، وتترك لنا شِعرًا سلسًا منسابًا، يتدفّق فوحُ الغزل الرقيق مِن جنباته ليعطّرَ، بقصائدَ تركتْ بصماتها، أوراقَ شِعرنا المحليّ الفلسطينيّ.

والأرض التي يُشعلُ الغازي فتيل الحرب والأحقاد والاحتلال فيها.. هذه الأرض التي تشغل بال برتقالِ يافا والزيتون الصامد.. هذه الأرضُ، الحزنُ المتراكم المرهقُ التي لا يستغني عنها الشّاعر فيقول:

"إنّي سأطلبُ أنْ أعودَ لموطني/ إنْ فزتُ عند الله في يوم الحسابْ/ لكنّما الأحزانُ تُرهق خاطري/ وأذوبُ من فرط التمزّق والعذاب" (عشق على سفر ص. 36)

هذه الأرضُ تكبرُ مساحتُها لتتعدّى القدسَ وبغدادَ والشّام ومصرَ التي يعشقُ الشّاعرُ نيلها، فيقول لمحبوبتِه:

"لا تعجبي لو جئتُ ألثم ماءه/ فلقد لمحتُ بمائِهِ جبريلا" (عشق على سفر. ص. 29)

هذهِ الأرضُ التي تتحوّل بشَرًا، وأُمّةً يخاطبُها الشّاعرُ حانقًا على تمرّدها السّلبيّ:

"يا أمّةً أمرَ الإله أنِ اقرئي/ أتمزّقينَ جهالةً حتى الكتاب" (عشق على سفر. ص. 36)

ويتّكئُ نزيه على التّناص ليُشبّهَ وضعَ الأمّةِ العربيّة: "كالنّوقِ في الصّحراء يقتلُها الظّما، والماءُ فوقَ ظهورِها محمول/ فيقول نزيه:            

"فنتيهُ في الصّحراء يقتلنا الظما/ هل يرتوي الإنسانُ مِن لمْع السّراب" (عشق على سفر. ص. 36)

نزيه أيّها الشّاعر المرهفُ، أراكَ تُراوحُ بين التناصِ وبينَ الابتكار، فتعلو صُورُكَ الشّعريّة أنفاسَ المتنبّي، فتشبّه جمالَ عبد الناصر بورد المتنبّي: "علَمٌ إذا صعدَ المنابرَ خاطبًا/ ملأ الفراتَ بطولةً والنيلا"

ونسمعُ صدى حضاراتٍ وثقافاتٍ ودياناتٍ فنسافرُ على وقع الحزن مع سقراط (سيمفونية الحزن المسافر. ص. 98)، ونلمحُ فلسفة الشّاعر بسرّ الحياة:

"منذُ ابتداء الكونِ حتى يومنا أعمارنا جسرُ الولوج إلى الممات" (عشق على سفر. ص. 44)

ونلحظُ الانزياحاتِ اللّغويّةَ ترتاحُ بينَ أبياتِكَ الشّعريّة دون مغالاةٍ، فتقول لها:

" تؤجّجين أمواجَ صمتِك" (مزامير ص. 61)، تاركًا انفجارَ حرفِ الجيم يُدوّي ليوصلَ لنا صوتَ الصّمت.

وبينما تحتلّ الأنثى معظمَ أبياتِ شِعرِك، نجدُ الرّجالَ أبطالَ مراثيكَ، بين عرفات وتوفيق زيّاد وزيدان سلامة وماجد عليّان، ونجدُ جلالَ الدّين الرّوميّ والحلاّج ترتقي بصوفيّتِهما، لتعذّبَ قلمَكَ بسكرةٍ إلهيّةٍ توصلُكَ للقاء الحبيب. الشّعرُ يا نزيه هو ارتشافُ خمرةِ العشقِ المعتّقةِ بدنانِ الحبرِ، وأنتَ السّاقي ونحن ندماءُ بوْحِكَ..

فألا هبَّ، لشعِرِكَ نستكينا/ ولا تخفي شعور المغرمينا/ فالشّعر ترتيلةٌ لمعبودٍ ومزمورٍ مقدّس، لذا يكون "ارتشافُ الشّعرِ كالصلواتِ" (مزامير من سورة العشق. ص. 59)، ويكون كما قلتَ:

"للشّعر نورُ الأنبياءِ/ وللقصيدةِ طهرهم/ زلها بمحرابِ القلوبِ رنينُ/ أجراسِ الصلاة"

والشّعرُ لا يمكن أن يكونَ صنعةً مقيّدةً.. بل وحيًا وموهبةً أنت تملك ناصيتَها.. لذا تترك له الحبل على الغارب، ليجولَ ويصولَ ويكرّ ويفرّ ويُسكِتَ جوعَنا، لأنّ "الشّعرَ هو خبز الروح" (ديوان أبحث عن وطني. ص. 11)، "وليس بالخبز وحدَهُ يحيا الإنسان بل بكلّ كلمةٍ تخرج من فمِ الله"، "ولله كنوزٌ تحت العرش، مفاتيحها ألسنةُ الشّعراء" (مقدّمات دواوين نزيه حسّون).

فافتح أبوابَ قلوبِنا دونَ استئذانٍ بنقراتِ شِعرِكَ، واقرَعْ أذنَ نشوتِنا طربًا بجنون بوحِك، لأنّه ما الشعرُ إنْ لم يقرعُ بموسيقاهُ ومعانيهِ أجراسَ صلاةٍ ومآذن تبشير؟ أيّها النزاريّ الذي يزيد شعرَهُ وسامةً بوحُ عاشقةٍ له. أيّها النزيه ..لا تُنزّهْ شعرَكَ مِن خبايا القلوب. أيّها الحسّون.. دمتَ مغرّدًا، مُرهفًا، عاشقًا وشاعرًا.

العريف عفيف شليوط:

نزيه حسون شاعرٌ وعاشقٌ أبديٌّ للشّعرِ والأدبِ واللّغةِ العربيّة، بدأ كتابةَ الشّعرِ في سنٍّ مُبكّرةٍ وأصدرَ ديوانَهُ الأوّلَ "ميلادٌ في رحم المأساة" عندما كانَ في العشرين مِن عمره، شاركَ في الكثيرِ مِن النّدواتِ الشّعريّةِ والمهرجاناتِ السّياسيّةِ داخلَ البلادِ وخارجها، وتُرجمَ ديوانُهُ الثاني "أبحثُ عن جسدٍ يلدُ النصر" إلى اللغةِ الرّوسيّة، وتُرجمت الكثيرُ مِن قصائدِهِ إلى الإنجليزيّةِ والفرنسيّةِ والعبريّة، وحصلَ في العام 2007 على جائزةِ الإبداع، واليومَ يحصلُ على جائزةٍ هامّةٍ جدًّا، جائزة لا يمنحُها الأمراءُ ولا البلاط، جائزة لا تُمنحُ إلا للشّرفاءِ والصّادقين، إنّها جائزةُ الشّعبِ ومحبّةُ الناس له، ونحن في خضمّ تتويجِ شاعرِنا والاحتفاءِ به بكلمة المحامي د. سمير الحاج: نزيه حسّون.. صوفيّ العشق والحزن المسافر 

"يموتُ ربُّ الأرباب جوبيتر ويبقى نشيدُ الشّاعر"، هكذا يقولون حينَ يكون الشّعرُ صادقًا ومغموسًا بمحابرِ دموعِ الناس وأفراحِهم المصادَرة. ألست بالقائل: "ربّة العشق اعذريني/ لم يزلْ حزني مقيمًا..لم يغادرْ/ ولهذا كلّما ألّفتُ شعرًا/ رسمت جرحي المحابر/ كلّما ألّفتُ شعرًا.. ترتديني/ غربةُ الكلماتِ.. أحزان الدفاتر".

أيّها المحتفى بكَ، حسّونا يُهدهدُ مباسمَ الأطفال، ويداعبُ أوتارَ عودٍ منحوتٍ مِن أغصانِ الزّيتونِ واللّوزِ والتّين الفلسطينيّ، المزهرة في حديقةِ أشعارك. لم تكتبْ مِن نظريّاتِ ومدارس شعرٍ وعلم عروض، بل كتبت شعرًا تفصَّدَ عن أوزانٍ خليليّة، وتفعيلاتٍ وموسيقى وصورٍ جميلة.. لأنّه اعتمدَ بتجربةٍ غنيّةٍ وصادقة، وتكحّلَ بالألمِ والحزنِ المُقيمِ والمسافر.

بدأتَ رحلتَكَ معَ الشّعرِ بارتيادِ القصيدةِ الخطابيّة، ذاتِ النّبرةِ المهرجانيّةِ والتظاهريّة، أسوةً بزملائِكَ المسكونين بالهمِّ الفلسطينيّ، ثمّ ارتفعتَ بالقصيدةِ إيقاعًا ومعنًى، فروّضتَها على السّيمفونيّاتِ الحزينة والقافيةِ المقيّدة والكلماتِ المهموسة، حتّى استقرّتْ مزاميرَ وزفراتِ عشقٍ صوفيٍّ تذوبُ وتُذيب، وهي تهدلُ: النّاسُ تسكرُ بالخمورِ وبالهوى/ أمّا أنا فأذوبُ في الكلمات!

في قصائدِكَ تماهٍ معَ الفِكرِ الصّوفيّ، خمرًا وعشقًا ونشوًى وحكمة: إنّها بنتُ كروم/ قد براها الله يومًا/ مثل أصناف الشجر/ وقليلُ الخمر يُحْيي. (عشقٌ على  سفر)

وتكبرُ النّزعة الصّوفيّة في قصيدةِ "نورُ الحكمة" المهداةِ إلى روحِ جلالِ الدّينِ الرّوميّ والحلاّج، التي يتلمّسُ فيها الشّاعرُ العشقَ والنّور وسطَ الدّيجور، كي  يصلَ الكمالَ والمعرفة: "أمسينا في هذا الزّمنِ الدّامس/ عطشى  للنّور/ والكونُ تدثّرَ بالظلمةِ/ مولاي أغِثني/ مَن ينقذ قلبي/ في هذا العصر المفعمِ بالدّيجور؟"

وتُشكّلُ قصائدُ العشق- مواضيعَ وعناوينَ- حيّزًا كبيرًا في دفترِهِ الشّعريّ، منها: "عشقٌ على سفر"، "عاشقةٌ في شيخوختِها"، "نور الحكمة"، "العشقُ مزمورُ الحياة"، "المزاميرُ العشرةُ لسورةِ العشق"، "أدمنتُ عشقَك"، "أمّا أنا فأذوبُ في الكلمات". وقاموسُ الشّاعرِ عابقٌ بالمفرداتِ الكلاسيكيّةِ المستقاةِ مِن شِعرِ الغزلِ العذريّ مثل: لواعج، لحاظ، عيون ناعسات، قتل العيون، محراب. (مِن قصيدة أدمنتُ عشقَك). والقصيدةُ عندَ نزيه حسّون هي أنثى مغناجٌ حينًا، وهي أنثى حزينة مرّة أخرى، مثل الأمّ التي تبحثُ عن طفلتِها تحتَ الرّدم في  قصيدة "الفجرُ يعودُ إلى بيروت"، وهذهِ الأنثى المزهرة في  قصائدِ الشاعر يتلمّسُها: "وجهُ أنثى مثلَ زهرِ العشق/ بل أحلى  قليلا/ شعرُها حقلُ سنابل.

ويلجأُ الشّاعرُ إلى استخدامِ التّرميزِ الدّينيِّ في أشعارِهِ، ممتطيًا مركبَ الحداثةِ الشّعريّة الّتي تأثّرت بكتابِ الغصنِ الذّهبيّ لـ جيمس فريزر، والموسيقا في قصائدِهِ، حاضرة قيثارة وسيمفونيّة ولحنا، وهي خالدةٌ لا تموتُ كما أشارتْ مُطوّلة المواكب لجبران: أين قيثاري لأتلو/ لحنَ عشقٍ لا يبور/ إنّ لحنَ العشق/ يبقى خالدًا عبْرَ الدّهور. تُكوّنُ الموسيقا والعشقُ والصّلاة ثالثة الأثافي في أشعارِ نزيه حسّون، ويبوحُ فيها حينًا ويُواريها أحيانًا، عملا بالمقولةِ النّقديّةِ الأوروبيّة: لماذا أنتم أيّها الشّعراء تغنّون الوردة، دعوها تزهر في قصائدِكم.

العريف عفيف شليوط:

دعا الكاتبة نهى قعوار ود. بطرس دلة، ليقدّما درعًا باسمِ "صالون نهى قعوار" للشّاعر نزيه حسّون، والذي هو أحدُ أعضائِه. ومن ثمّ تابعَ العريفُ:

عَفوكِ عفوكِ عاشقتي/ فالدَمْعَةُ تَـتـَفَجَّرُ قسرًا/ حينَ يُعامَلُ طفل/ في وَطني كالحيوانْ/ والدَمْعَةُ تتساقطُ لَهَـبًا/ حينَ تُداسُ كرامَةُ شَيخٍ/ صاحَ بصَرْخَةِ حَقٍّ/ في وَجْه السّلطانْ/ ماذا يبقى مِنْ شَرَفِ الحاكمِ/ إنْ باتَ يَخافُ قصيدةَ شِعرٍ/ تُكتَبُ في الحُرِّيةِ/ في الثورةِ في الإنسان!/ ماذا يعني أنْ يَحكُمَنا الحاكِمُ/ حتَّى الموتَ وَيُوَرِّثُ إبـنًا/ حينَ تُكَفنُهُ الأكفانْ؟/ أقطيعُ نَحْنُ أيا وَطَني/ وخصايا العصر هُمُ الرّعيان؟
سَيَّدتي/ كَيْفَ يَعيشُ الإنسانُ الصادقُ/ في عَصرٍ يبطشُ فيهِ الخصيان؟/ وطني أنبئني وَطَني/ أنَعيمٌ أنتَ لأسكُـنَهُ/ أم أنتَ جَحيمٌ يَسكُنُني/ يُشْعلُ في روحي النيرانْ؟/ ماذا يعني أن يَحكمَ فينا/ هذا اللاّبسُ مِنْ عار النفط عباءة ذُلٍّ/ يعرفُ حَرْقَ الدّولاراتِ/ على أفخاذ النّسوةِ/ لكنَّهُ لا يعرفُ أينَ الأقصى/ أينَ القدسُ وأينَ الجولانْ/ لا يَعرفُ أبدًا لا يَعرفُ/ عنْ طفلٍ يُحرقُ يُقتَلُ/ يولَدُ في غَزَةَ جوعان/ يا هذا الممعنُ في القُبح ِالأرعنِ/ هل تَعرفُ أينَها بيسان؟
هذه القصيدة كتبَها شاعرُنا قبلَ سلسلةِ الثورات التي يشهدُها العالمُ العربيُّ في هذهِ المرحلةِ التاريخيّةِ الهامّة، إنّهُ شَعَرَ بالقمع والإذلال السّلطويّ للشّعب، أحسّ برداءةِ هذهِ الأنظمةِ وعَفنِها، فبحث عن وطنِهِ في وطنِهِ من خلال هذه القصيدة، فهل يمكن أن أعيشَ في وطني، وأشعرَ بأنّهُ وطني وأنا مقموعٌ مذلول؟

على هذا السؤال يجيبُ السّيّد عبد عنبتاوي؛ سكرتيرُ لجنةِ المتابعةِ العربيّةِ العليا:

اِسمحوا لي أن أتحدّثَ إليكم هنا وفي هذه المناسبةِ مِن الموقفِ لا مِنَ الموقع، ومِنَ الخاصِّ لا مِنَ العام، مِن الذّاتيِّ الذي لا يحملُ بالضّرورةِ كلَّ الموضوعيّ، ودَعوني أمنح النصَّ المكتوبَ مَداهُ وبإيجاز، فنحنُ حين نحتفي ونحتفلُ بالشّاعر نزيه حسون تكريمًا وتقديرًا، إِنّما نحتفي بِشعرِهِ تقييمًا وتحفيزًا، ففي شعرِهِ ما يستحقّ التأَمُّل،َ ومنه ما يستحقُّ البقاءَ والنّموّ وتجاوُزَ جغرافيا الزّمن، ورغم أنّنا اليومَ لسنا بصددِ وقفةٍ تقييميّةٍ ونقديّةٍ لشِعرِهِ ولا تفكيكًا لأدبِه، إلاَّ أنّني أسمحُ لنفسي، ومن باب الصّداقةِ وقراءَةِ اللاّمقروء ومعرفةِ بواطنِ الأشياءِ ومكامِنها، أنْ أَكشفَ لكم ما قد لا يبدو جديدًا لبعضِكم، حين أدّعي أنَّ شِعْرَ نزيه يحملُ ملامِحَ صاحبِهِ؛ الشّخص والإنسان، كما تحملُ حياتُهُ وشخصيّتُهُ ملامِحَ شِعرِه وجذورَ أغصانِهِ، فشِعرُهُ مِرآةٌ لذاتِهِ وانعكاسٌ لها، فلا انفصامَ بينه وبين شعرِهِ إلاَّ ما نَدَر! وهو يتحرّكُ في مواضيع شِعرِه بينَ الوطنِ والمرأةِ والحُبّ والحرّيّةِ واللّيلِ والبحرِ والإنسان، برشاقةٍ شعريّةٍ فنّيّةٍ سَليقيّة، لا تخلو مِن إيقاعِ الحياةِ وموسيقاها..

كما أدّعي أنّهُ شاعرٌ طبيعيٌّ حقيقيّ، يسمو حين لا يتهذَّبُ، ويخبو إذا ما حاولَ التهذُّب، وهو دافقُ الحركةِ والجَمال، في بحثِهِ عن المعنى والكَمال، فيجدْهُما أحيانًا، ويجِدَانِهِ حينًا، ولكن، في كلّ الأحوالِ تبقى المواصَلةُ والمُحاوَلةُ يقينَ الاتّجاهاتِ الافتراضيّة.. ومُنذ مُقتَبَلِ العمرِ الباكرِ جدًّا، وبُعَيْد حُضورِ النُطفَةِ مُباشَرَةً، وحين كانَ الكلامُ في بدايات تكوينِهِ الأوّليّ، كُنا نَتَّكِئُ على الليلِ، في عَتمةِ البحث عن سبيلٍ نحوَ الحياةِ ومِن أجلِها، ونقرعُ الأمْكِنة بحثًا عن معانٍ جديدة، يتوارى خلفَها نورٌ ونارُ..

وكنَّا حين نَلِجُ الليلَ بالنهارِ، والنّهارَ بالليلِ، تلتبسُ لدينا الحدودُ الفاصِلةُ بينَ الزّمان والمكان، فيتمنطَقُ التِّيهُ ويتجلَّى العَدَم، في سراديبِ الواقع المُتخَيَّل.. كُنَّا نستخرجُ مِن ثَنايا الموتِ شظايا حياة، في المَكْتَبات والمُظاهرات والمعتقلات والحانات.. فلمْ نعبثْ وإن بدا لك.. وفي لياليهِ ومعَهُ، كنديمٍ لا تَنْضُب خَمرتُه، تتبدّدُ الحدودُ بين الجِّديّةِ والسّخرية، فتتوارى الأفكارُ خلفَ السُّخريةِ مُحَلِّقَةً، وتتأتىَّ السُّخريةُ من ثِقَلِ الأفكارِ مُقَهْقِهَةً.. ولأن الحقيقةَ لا نهائيّة، فلا مَلامِح نهائيّة للحقيقة، فعندما كُنا نتّفقُ في أمرٍ ما، كانت الأشياءُ تركُدُ، وعندما نختلفُ كانت تزدادُ حيويةً وألَقًا..

كان "اللهُ" يُفرِّقُنا، وكانت وما زالت الحياةُ تجمعنا.. فمِنَ الجميلِ أن تتفق مع نزيه، لكن ما أجملَ أن تختلفَ معه بعيدًا عن التّسوياتِ والوَسطيةِ وأنصافِ المواقفِ التي ترزحُ تحت وَطْأة الموت، وبمَنْأَى عن إفساد الوِدِّ، فلا تَرفٌ ولا حياد، فيمكنُ للنّقائض والأضدادِ أن تسيرَ معًا في وحِدةٍ تتغلّبُ فيها إرداةُ البقاءِ واحتمالُ الحياة على قِيَم الموتِ والأفول، وليس بالضّرورةِ ما تعتبرُهُ عقولُنا سيّئًا أو شرًّا هو كذلك، بالنّسبة لطبيعةِ الأشياء وطبائِعِها، وهكذا يُمكن أن يُؤسَّسَ على العلاقاتِ التي تخلو مِن مصالحَ ورِياءٍ ومُوَارَبة.. وحين يكون الإبداعُ سيّدَ الحضور.. ومن؛ "ميلادٌ في رحم المأْساة"، و"أبحثُ عن جَسدٍ يلدُ النّصر"، مرورًا بـ "سيمفونيّة الحزن المسافر" و"مزاميرُ مِن سورة العشق"، و"تأُخذُ القصيدةُ ملامِحَكِ" حتى "أبحثُ عن وطني في وَطني" و"عِشْقٌ على سَفر"، أنتَ تسيرُ بين نَسماتٍ وعواصفَ في تِرحالٍ بين السّهول والجبال. إنّها مسيرةُ "سيرةٍ غير ذاتيّة"!

نزيه.. "حين تأُخذ القصيدةُ ملامَحَكَ/ تغدو الأشياءُ باسِمَةً وباسِقةً"، فَواصِل وتقدَّم نحوَ المستحيلِ الممكِن.

العريف عفيف شليوط:

الزَّجلُ فنٌّ مِن فنون الشّعرِ العامِّيّ، نشأ وازدهرَ في الأندلس، ثمّ انتقلَ إلى المشرقِ العربيّ على خلافٍ في ذلك بين مؤرّخي الأدب، وغدت كلمةُ "زجل" في الدّوائرِ الأدبيّةِ والغنائيّةِ مُصطلحًا يدلُّ على شكلٍ مِن أشكالِ النَّظْمِ العربيّ، أداتُهُ اللّغويّة هي إحدى اللّهجاتِ العربيّةِ الدّارجة، وأوزانُهُ مشتقَّةٌ أساسًا مِن أوزان العَروضِ العربيّ، وإن تعرّضتْ لتعديلاتٍ وتنويعاتٍ تتواءمُ بها مع الأداءِ الصّوتيّ للهجاتِ منظوماتِه، ويُتيحُ هذا الشّكلُ مِن النّظمِ تباينَ الأوزانِ وتنويعَ القوافي، وتَعدُّدَ الأجزاءِ التي تتكوّنُ منها المنظومةُ الزَّجليّة، غيرَ أنّهُ يُلزمُ باتّباعِ نسَقٍ واحدٍ ينتظمُ فيهِ كلٌّ مِن الوزنِ والقافيةِ وعددِ الشّطراتِ التي تتكوّنُ منها الأجزاء، في إطار المنظومةِ الزَّجليّةِ الواحدة، وللزّجلِ كلمتُهُ في هذا المساء مع الشّاعرِ والزّجّالِ نجيب سجيم، أتحفنا بها الزجال وأبدع فأطرب.

العريف عفيف شليوط:

اِعتادَ العربُ أن يطلقوا أسماءَ أبنائِهم بالصّفاتِ التي كانوا يتمنّونَ أن يتحَلّوْا بها، على سبيلِ المثال إذا أطلقوا اسمَ "أسد" أو "نمر" على أحدِهم، كانوا يتمنّوْنَ أن يصبحَ هذا المولودُ أسدًا أو نمرًا بالفعل، يُضرَبُ به المثلُ بالشّجاعةِ والقوّة، ولكن غالبًا ما كانت تكونُ النتيجة عكسيّة، فالنّمُر يُصبحُ هِرًّا والأسدُ فأرًا. أمّا الأمرُ لدى شاعرِنا نزيه فمختلفٌ كلّيًّا، أطلقوا عليه اسمَ "نزيه" وهو نزيه، فكلُّ مَن عرفَهُ يَعلَمُ بأنّ النّزاهة هي نبراسُه وصفةٌ مِن صفاتِه، وشِعرُهُ كمواقفِهِ في الحياةِ لا يختلفان. فهل يوافقُني الرّأيَ الشّاعرُ تركي عامر:

نُزِّهْتَ صَوْتًا كَمَا الأَطْيَارُ "حسُّون"/ وَأَنْزَهُ الطَّيْرِ فِي الأَصْوَاتِ حَسُّونُ/ أَحْسَنْتُمُ الْقَوْلَ وَزْنًا ذَابَ قَافِيَةً/ كَأَنَّمَا فِي يَدَيْكَ الْحَرْفُ مَعْجُونُ/ نَزَلْتُمُ الْقَلْبَ فِي ذَا الْقَلْبِ مَنْزِلُكُمْ/ وَالْبَيْتُ فِيكُمْ بـِبَيْتِ الشِّعْرِ مَسْكُونُ/ الشِّعْرُ "لَيْلَى"، وَقَيْسٌ قَامَ يُطْرِبُنَا/ وَمَنْ يُغَنِّي عَلَى لَيْلاَهُ مَجْنُونُ/ أنْتَ الَّذِي تَعْرِفُ الأَحْلاَمُ يَقْظَتَهُ/ فَالْعَيْنُ تَضْحَكُ أَمَّا الْقَلْبُ مَحْزُون.

بعدَ صدورِ إحدى مجموعاتِهِ قلتُ لنزيه حسّون: لن أقرأ مجموعتكَ القادمة إن لم تُضمّنها مرثيّتَكَ الحارقة في رحيلِ الوالد، لأنّها مِن أجملِ ما كتبتَ مِن قصيداتٍ وأوجع ما قرأتُ مِن مرثيّات ومنها:
"
تعزّيني الجموعُ وأنتَ حيٌّ/ علامَ النّاسُ يا أبتي تعزّيني؟/ وكانَ البيتُ يا أبتاهُ يبهجُني/ فباتَ البيتُ حينَ رحلْتَ يبكيني/ زهورُ البيتِ والنّعناعُ والأشجارُ تسألُني/ بصوتِ الدّمعِ أينَ الشّيخُ يرعاني ويرويني؟/ فهل أرثيكَ بالأشعارِ باكيةً/ أنا المحتاجُ للأشعارِ ترثيني/ أيا أبتاهُ عُدْ للأهلِ، إنَّ الأهلَ في هَلَعٍ/ ولو بالحلمِ من حينٍ إلى حينِ!" (ن. ح)
أفتحُ قوسًا: إنّ هذا الشّعرَ الواضحَ الأنيقَ البسيط العميق، هو ما سيبقى ممّا يكتبُ الكاتبون، فالشّعر قطعًا ليسَ كلماتٍ متقاطعةً أو فوازيرَ رمضانيّة. الواضحُ الأنيق البسيط العميق لا يأتي بهِ إلاّ مَن كانت "زوّادتهم" الفنّيّة والفكريّة "ماكنة"، وهؤلاء سيدخلونَ الجنّة بغيرِ حساب. وحسْبُ نزيه حسّون أن يكونَ مِن النّاجين مِن العقاب. مجموعة "سيمفونيّة الحزن المسافر" يُهديها: "إليها، وقد تنفّسْتُ أوجاعي على صدرِها، فأورقَتْ قصائدَ ونوارس!" (ن. ح).

تُعلّمُنا القراءةُ الأولى أنّ الشّاعرَ يُلقي برأسِهِ المثقلِ بأنواعِ الهمومِ على صدرِ امرأةٍ/ حبيبة، وما أرقاهُ مِن مطرحٍ وأرقّه، وقد تكون الحبيبة أرضًا أو بلادًا، والتّنفّسُ إصرارٌ على ارتكابِ جريمةٍ هي الحياة، وبفعل التّنفّس، وإن كان أوجاعًا، تورقُ الحبيبةُ قصائدَ ونوارس. ولا يستطيع التّداعي إلاّ أن يأخذنا على متنِ القصائدِ إلى حيثُ الحبّ والحياة، وعلى أجنحةِ النّوارس إلى حيث الفرح والحرّيّة. وهو القائل: "يا بلادي قد سئِمْنا اللّغوَ في كلِّ مقامٍ/ جرحُكُ المملوءُ ملحًا لا تداويهِ المنابرْ/ فاعذريني يا بلادي واعذري حزني ودمعي وعتابي/ إنّها أشجانُ شاعرْ" (ن. ح).
يُصدّرُ نزيه حسّون مجموعاتِهِ الشّعريّةَ قبل الإهداءات بمانترا ثابتة تقولُ: "للهِ كنوزٌ تحتَ العرش، مفاتيحُها ألسنةُ الشّعراء!" (ن. ح). هكذا إذن، وبحسب أبي العلاء الشّفاعمريّ، إنّ الشّعراء لكائناتٌ عُلْوِيَّةٌ أو سوبرمانيّة، يتمنّوْنَ لو وُهبوا كراماتٍ صوفيّةً وتمتّعوا بنعمةِ المشاهدة. ثمّة كنوز أو رموز شيفراتها ومفاتيحها على ألسنةِ الشّعراء. وهؤلاء لا نحتاجُ إلى قهرِهم أو نهرِهم كي يسلّموا ما لديهم. أعطِهم هامشًا بين السّطور يهرّوا ما بجعبتهم دون ضربة كفّ. أمّا لو تحصّلوا على قبّعة إخفاء، لخرّبوا الدّنيا وقرّبوا الآخرة. وعلى سيرة التّخريب والتّجريب: بخطابٍ لا يُجارَى/ عمّرِ الدّنيا وخرّبْ/ عِثْ جنونًا في الصّحارى/ وليسمّوكَ مخرّبْ.
بعد التّصدير والإهداء تُطالعُكَ القصائد. يقولُ في إحداها: "أجملُ أنثى في الدّنيا/ تبقى عاريةً إِنْ لم/ تلبَسْ من شِعري/ أجملَ فستانْ" (ن. ح). هل تحتاج هذه القصيدة الباذخة فستانًا نثريًّا يفسّرُها أو يُسفّرُها، ولو كان مِن مطرّزاتِ إلهِ الحبرِ والورقِ بلحمِهِ وحلمِهِ والبيداء تعرفُهُ والسّماء؟!
وعلى سيرةِ الفستان وما وراءَهُ أو تحتَهُ سيّان، أو أنّ نزيه حسّون كان في قميصٍ سابقٍ مصمّمَ أزياء، أو أنّه مصمّمٌ على أن يكونَ مصمّمَ أزياءٍ في قميصٍ قادم، والعلمُ عند بيار كاردان وكوكو شانيل وآل فيرساتشي. لكنّه (نزيه حسّون)، في الحاليْن أو القميصيْن مصمّمٌ جميل، والدّليلُ الفستان؛ مِن أجمل مشغولاتِهِ الشّعريّة. ويجب فعلاً أن تلبَسَهُ "أجمل أنثى في الدّنيا" كيلا تظلّ عارية، وإن كانَ ثمّة مَن لا يطيقونَها إلاّ عارية في جميع الفصول والمفاصل المفصّلة لدى أمهر المصمّمين.
وأخيرًا، شكرًا لجمعيّة "جذور" لهذا العرس الثّقافيّ الفاغم، أمّا أنت يا نزيه حسّون، فدمتَ لنا صديقًا شاعرًا وشاعرًا صادقًا، ومبروك هذا التّكريم الّذي يستأهلك. وعلى سيرة الصّدق والصّداقة: بغيرِ الصّدقِ ينعدمُ الصّديقُ/ وعيشُ المرءِ يا ولدي يضيقُ/ صديقٌ أنتَ تعرفُهُ لخيرٌ/ مِن العشراتِ لا شجرٌ يُطيقُ.
العريف عفيف شليوط:

الكلمةُ الأخيرةُ لعريسِ هذهِ الأمسية شاعر شفاعمرو الشّاعر النّزيه، الذي انطلقَ صوتُهُ ثوريًّا مُدوّيًا في السّبعينيّات مِن القرن الماضي، ليحدثَ بعدَها التّحوّلُ الكبيرُ في شعرِهِ، مِن حيث أسلوبه الشّاعريّ الرّقيق الذي لا ينفكُّ منذ ذلك الوقتِ عن تناولِ مشاعرِهِ الإنسانيّةِ وعشقهِ الأبديّ، إنّهُ الشّاعرُ الذي يُحاكي الحياةَ بمضمونٍ عاطفيٍّ غزليٍّ، وإن كانتْ رياحُ النّزعةِ الوطنيّةِ لا تُفارقُهُ في بعضِ قصائدِهِ كما في كلّ دواوينِهِ السّابق ذِكرها، فهو وإن كانَ الحُبُّ يملأ جوارحَهُ ويُوجّه الحداثة في شعرِه، لا يتحرّرُ ولا يمكنُهُ أن يتحرّرَ مِن إنسانيّتِهِ وارتباطِهِ بقضايا شعبِهِ، بل وبقضايا أمّتِهِ العربيّةِ كلّها. فماذا تقول كلمة المحتفى به نزيه حسون:

حضرة رئيس بلدية شفاعمر السّيّد ناهض حازم المحترم. حضرة أعضاء وموظّفي بلديّة شفاعمرو المحترمين. عضو الكنيست السّيّد سعيد نفّاع المحترم. حضرة الشّيخ يوسف أبو عبيد المحترم. رجال الدّين الأجلاّء. أصدقائي الشّعراء والكُتّاب مع حفظ الألقاب للجميع. أيّها الإخوة والأخوات.

مع خالص تقديري واحترامي للجميع، قد لا تتّسعُ الكلماتُ والمعاني للتّعبيرِ عمّا يجيشُ في شغافي وما يعتلجُ في وجداني مِن مشاعرَ إنسانيّةٍ نبيلة، وتقديرٍ بلا ضفافٍ لكم جميعًا على التكريم الحضاريّ الجميل، ولكن اسمحوا لي بادئ ذي بدء أن أشكرَ وبشكلٍ خاصٍّ جمعيّة الجذور التي بادرت إلى هذا التكريم، وهي بذلك تثبت أنّها لا تُعمّقُ الجذورَ الحضاريّة العربيّة لنا، وإنّما تهتمُّ أيضًا بثقافتِنا ومبدعينا، الأمر الذي يمنحُنا ذلك البعدَ الثّقافيّ الإنسانيّ الذي نعتزُّ بهِ على مدارِ السّاعة، كما واسمحوا لي أن أشكرَ كلّ مَن أسهمَ مِن قريب ومِن بعيدٍ على تجسيدِ هذه اللّيلةِ التّكريميّةِ الثّقافيّة الجميلة، وأخصُّ بالذّكرِ كلَّ الأخوةِ الخطباء الذين عبّروا مِن خلال كلماتِهم عن كريم خلالِهم، وعن خصالِهم النبيلة بما خصّوني بهِ في حديثِهم، وإذا كنتُ أعتزُّ وأفتخرُ بهذا التكريم، فإنّني أعتزُّ بهِ لأنّني أرى فيهِ تكريمًا للأدب والفِكر، تكريمًا للإبداع والشّعر، وأرى أنّ الشّعوبَ التي تُكرّمُ مُبدعيها إنّما تُكرّمُ مجتمعَها وتُكرّمُ ذاتَها، ذلك أنّ الشّعوبَ التي تُكرّمُ مُبدعيها إنّما تغزلُ وبخيوطٍ مِن نورٍ ذلكَ المستقبلَ المتألّقَ والغدَ البرّاق، الذي نرنو إليه بعقولِنا قبلَ أن نتطلّعَ إليهِ بآمالِنا وعيونِنا،

 واسمحوا لي في هذه الأمسيةِ أن أختصرَ كلمتي في ثلاثِ رسائل قصيرة، أجدُها مِن الأهمّيّةِ بمكان، ورسالتي الأولى  إلى  أبناء بلدتي شفاعمرو التي تحضننا جميعًا، ونتنسّمُ عبقَ التّاريخ وأريجِ المحبّةِ مِن ترابِها، شفاعمرو التي نسكنها وتسكنُ شغافَ قلوبنا، علينا أن نحافظَ عليها كبوبؤ العين، علينا أن نحافظَ على وحدتِها وتكاتفِها، نحافظ على مستقبلِها ومستقبل أبنائِها جميعًا، فلا مكانَ للطّائفيّةِ في شفاعمرو ولا مكانَ للتّعصّب والشّجاراتِ، ولن تكونَ شفاعمرو بعدَ اليوم إلاّ مبعثًا للمحبّةِ والتّطوّرِ والازدهار..

عندما ذهبتُ إلى رئيسِ البلديّةِ لأدعوَهُ إلى هذه المناسبةِ قلت لهُ مازحًا: الشّعبُ يُريدُ إسقاطَ الرّئيس فماذا تقول؟ أجابني بالحرفِ الواحد:ط الشّعبُ يُريدُ وحدةَ شفاعمرو.

نعم؛ الشّعبُ يريدُ وحدة شفاعمرو ولا شيءَ يعلو على وحدةِ شفاعمرو، وهي باقيةٌ ما بقيتْ وحدتُها ووحدةُ أهاليها جميعًا، وما نقولُهُ عن شفاعمرو إنّما ينسحبُ بالتّالي على جميع قرانا ومدنِنا العربيّة. لقد سئمنا ومللنا وهرمنا كما قال التونسيّ، ونحن نقرأ في الصّحفِ ونسمعُ في الأخبارِ عن الشّجاراتِ التي تحدثُ في قرانا، عن حوادثِ القتلِ والعنفِ والاحتراب. لقد آن الأوانُ أن تفعمَ صحفُنا وأخبارُنا بعناوينَ تكريمٍ لمبدعينَ، وبناءِ روضاتٍ تعليميّةٍ وإقامةِ مؤسّساتٍ ثقافيّة، هذه هي الهُويّة التي يجبُ أن تُميّزَ مجتمعَنا العربيّ.

أمّا الرّسالة الثانية؛ فإنّنا نرى كشعراء أنّنا مطالبون جميعًا كمؤسّساتٍ وقياداتٍ ومعلمين وآباء وأمّهات، بغرْسِ روحِ الثّقافةِ والإبداع والقراءةِ في نفوس أجيالِنا القادمة، علينا أن نُعيدَ أجيالَنا إلى الكتاب، فما أروعَهُ شاعر العربيّة العظيم حين قال بيتَهُ الخالد: أعزُّ مكانٍ في الدّنا سَرْجٌ سابحٌ/ وخيرُ جليسٍ في الزّمانِ كتابُ. وما أعظمَهُ مِن تنزيلٍ مُحكَمٍ حينَ شاءَ الباري جلّتْ قدرتُهُ أن تكونَ الكلمةُ الأولى منه اقرأ، علينا أن نقرأ لأنّ شعبًا يقرأ هو شعبٌ يرتقي، هو شعبٌ يتطوّرُ، وهو شعبٌ لا بدّ أن ينتصر.

وأمّا رسالتُنا الثالثة فهي تتعلّقُ بما تمرُّ بهِ شعوبُنا العربيّة مِن ظروفٍ قاسيةٍ وأحداثٍ مُقلقة، فإنّنا نشعرُ بألمٍ حادٍّ وغصّةٍ قاسيةٍ، ونحن نرى العواصمَ العربيّة تتّشحُ شوارعُها وأرصفتُها بدماءِ أبناِئها الذين يسقطونَ برصاصِ السُّلطة، وبشكلٍ لا يمتُّ إلى الحضارةِ بصِلةٍ. إنّ مسؤوليّةَ مُثقّفي وقياداتِ وعلماءِ الأمّةِ إيقافُ هذا النّزيفِ المؤلم للدّماء، وبعيدًا عن كلّ النّقاشاتِ التي قد تُطرَحُ، فإنّنا نرى أنّ لشعوبِنا العربيّةِ حقُّها الشّرعيُّ والمُقدّسُ في الحرّيّةِ والكرامةِ والدّيمقراطيّة والعيش النبيل. لقد انتهى عصرُ الدّكتاتوريّاتِ والتّوريث، وآن للشّعوبِ أن تمسكَ زمامَ أمورِها بنفسِها، وتُحقّقَ طموحاتِها وأمانيها بعيدًا كلّ البُعدِ عن القيودِ والتعسّفِ والقهرِ، وإنّنا نرى أنّ الشّعوبَ وقضاياها العادلة هي المنتصرة أوّلاً وأخيرًا، هذا هو منطق التاريخ، وتلك هي حتميّة الحياة. أيُّها الحضورُ الكريم.. مرّة أخرى أشكرُكم بعددِ سنابلِ الكون وأُقدّرُ حضورَكم الكريم، وأختمُ كلمتي بما يلي، أذكرُ أنّه جرى قبلَ عدّةِ سنواتٍ في العاصمةِ السّوريّةِ دمشق تكريمًا للأديب العربيّ الكبير محمّد الماغوط، وقد حضرَ ذلكَ التّكريمَ كوكبةٌ مِن فرسانِ الكلمةِ في عالمِنا العربيّ، ومِن بينهم شاعرُنا الفلسطينيّ محمود درويش، وقد أفاضَ المتكلّمونَ في الحديثِ عن المُكرّم، وعندما جاءَ دورُهُ في الكلام، صعدَ إلى المنصّة مُتّكئًا على عكّازه وكان قد تجاوزَ السّبعين مِن عمرِهِ وقال: لم آتِ إليكم على متنِ طائره، ولا جئتُكم في سيّارةِ فارهة، لقد جئت إليكم على أقدامي مُتكئًا على عكّازي، جئتُ لأقولَ لكم جملةً واحدةً، إنّي أحبُّكم والسّلامُ عليكم. وأنا أقولُ لكم إنّي أحبّكم والسّلامُ عليكم.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا