%@ Language=JavaScript %>
المنظور الصهيوني "لحل الدولتين" و "الدولة اليهودية"
(2)
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
في الجزء الأول من هذا المقال استخلصنا وبناء على الكثير من المعطيات بان المحرك والدافع الأساسي لتقبل فكرة حل الدولتين للعديد من الطبقة السياسية في دولة الكيان الصهيوني، هو ما أطلق عليه "القنبلة الزمنية الديموغرافية" وليس الاعتراف باي شكل من الاشكال ولو ببعض حقوق الشعب الفلسطيني. واستكمالا لعنوان المقال سنتناول هنا قضية يهودية دولة إسرائيل، مفهوم وتداعيات هذا الطرح.
المتتبع لما يسمى بالمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية يدرك أن طرح قضية الاعتراف بيهودية دولة الكيان الصهيوني أصبحت قضية جوهرية ومحورية بالنسبة للجانب الإسرائيلي المفاوض عل مدى السنوات الأخيرة حيث وضعت كشرط رئيسي لاستئناف المفاوضات أو القبول بفكرة "حل الدولتين". طبعا دون الإشارة الى ماهية هذا الحل، هذا إذا ما وجدت الامكانية لتطبيقه أو القبول به وبتبعاته وما سيترتب عليه من نتائج على الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، لماذا أصبح هذا المطلب على قدر كبير من الأهمية على الاجندة الإسرائيلية في المفاوضات مع بعض الأطراف الفلسطينية؟ وإذا ما عدنا قليلا الى الوراء فأننا نرى أن القيادة السياسية للكيان الصهيوني لم تطلب مثل هذا الاعتراف من أي طرف سواء من الأصدقاء أو الأعداء. فلم يشار مثلا الى يهودية الدولة في اتفاقيات كامب ديفيد المشؤومة التي وقعت بين مصر وإسرائيل عام 1979، وأيضا لم يأتي على ذكرها في معاهدة السلام مع الأردن (إتفاقية وادي عربة) التي وقعت عام 1994. ولقد تم ذكر هذا المطلب لأول مرة بشكل علني في نوفمبر من عام 2007 من قبل يهود أولمرت عندما كان رئيسا للوزراء في دولة الكيان الصهيوني وذلك في عشية مؤتمر انابوليس للسلام في الشرق الاوسط الذي عقد في ولاية ميرلاند الامريكية. ولقد سبق وان صرح في نفس العام " اننا لن ندخل في مفاوضات على وجودنا كدولة يهودية....والذي لا يتقبل ذلك لا يستطيع أن يدخل في مفاوضات معي". وكان أولمرت يتزعم في ذلك الوقت حزب كاديما، وهذا يبين بأن طرح يهودية الدولة ليست اختراعا من حزب الليكود، والذي غالبا ما ينعت بالتطرف وبسياسات متشددة تجاه الفلسطينيين، وهو بالفعل كذلك. ولكن الامر لا يقتصر على السياسيين الصهاينة حيث انضم الى الجوقة سيد البيت الأبيض أوباما في زيارته الى الكيان الصهيوني بعد فوزه بالدورة الثانية للرئاسة حيث ورد في خطابه الذي القاه في القدس " على الفلسطينيين الاعتراف بان إسرائيل ستكون دولة يهودية".
وبينما يرى بعض المحللين والمعلقين السياسيين بأن الامر لا يعدو أكثر من كونه مناورة إسرائيلية للتهرب من التعاطي مع الملفات الجوهرية على طاولة المفاوضات وخاصة فيما يتعلق بالحدود والقدس، فان الأسباب الكامنة وراء هذا الإصرار الإسرائيلي مرتبطة عضويا بالأزمة الديموغرافية أو "القنبلة الزمنية الديموغرافية " كما أوردنا في الجزء الأول. وهي التي أجبرت العديد من الصهاينة بالتفكير الجدي "بحل الدولتين"، كمخرج من هذه الازمة الضاغطة والتي بدأت تؤرق الصهاينة على المستوى العالمي. ولقد عقد اجتماع عام 2013 في لندن تناول موضوع الدولة الفلسطينية حضره العديد من المعلقين والدبلوماسيين الإسرائيليين كان من ابرزهم ربما ديفيد لانداو المراسل الإسرائيلي لمجلة الايكونومست والمحرر السابق في جريدة هآرتس، والون بكاس القنصل العام السابق لإسرائيل في الولايات المتحدة وران جيدور مستشار الشئون السياسية في السفارة الإسرائيلية، ولقد اجمع المجتمعون على أن العامل الديموغرافي قد جعل من حل الدولتين أمرا ضروريا لإنقاذ إسرائيل كدولة يهودية. ولا شك ان الاعتراف أو الإقرار بأن إسرائيل دولة يهودية لليهود، يحمل في طياته مشاكل منطقية واخلاقية وذلك بسبب تداعياته القانونية والدينية والتاريخية والاجتماعية.
ان كل محقق محايد ونزيه لتاريخ فلسطين يدرك بشكل لا ريب فيه أن دولة الكيان الصهيوني قامت بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بالقوة العسكرية وارتكاب المجازر الدموية البشعة والتطهير العرقي والتهجير القسري على يد القوات الصهيونية الإرهابية. وهذا ما اعترف فيه حتى بعض المؤرخين الصهاينة الذين تمكنوا من الاطلاع على أرشيف الحرب عام 1948 واعادوا كتابة تاريخهم معترفين بان الكثير من المجازر قد ارتكبت، وان الفلسطينيين لم يتركوا ديارهم واراضيهم لان الجيوش أو الدول أو الاذاعات العربية طلبت منهم مغادرة أراضيهم، وانما ترك مئات الالاف يعود كنتيجة لزرع الرعب والخوف في نفس السكان العرب المدنيين بشكل مبرمج وممنهج. وعليه فان الاعتراف بيهودية الدولة يعني ببساطة الاعتراف بالشرعية الأخلاقية لهذا التاريخ الأسود الاجرامي. بمعنى رفع المسؤولية التاريخية والأخلاقية والسياسية والإنسانية عن النكبة الفلسطينية. هذا في المقام الأول.
ولا شك أن الدلالة الدينية والعرقية للدولة اليهودية سيؤدي الى تداعيات خطيرة على أوضاع الفلسطينيين العرب من المسلمين والمسيحيين والدروز والبهائيين، الذين يعيشون داخل إسرائيل. ويبلغ عددهم حوالي 1.4 مليون أي ما يقرب من 20% من تعداد السكان بحسب الاحصائيات الرسمية. فالاعتراف بيهودية الدولة سيؤدي الى تحويلهم الى غرباء في أرضهم وأرض أباءهم واجدادهم، ويفتح الباب على مصراعيه لتحويلهم الى مواطنين من الدرجة الثانية واخضاعهم لمزيد من سياسات التمييز العنصري ضدهم باستخدام القانون. ولن يكون من المستبعد أن تستخدم إسرائيل سياسة الترانسفير ضد السكان العرب للحفاظ على يهودية الدولة والنقاء العرقي والديني. وقد يؤخذ هذا المفهوم لإبعاد النشطاء السياسيين من الفلسطينيين العرب أو تجريدهم من الجنسية أو المواطنة. وقد أثار القانون الذي مرر في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في أكتوبر من عام 2010 والذي ينص على إلزام كل المواطنين الغير يهود الاعتراف بيهودية الدولة، الكثير من الجدل لما له من تداعيات خطيرة. ولقد قدم هذا القانون من قبل وزير الخارجية ليبرمان وهو المعروف بعنصريته المفضوحة تجاه الفلسطينيين. ومؤخرا جرت محاولات لتمرير إعلان الولاء لدولة إسرائيل من قبل كل مواطنيها وأن أي فرد يخرج عن هذا الولاء بتصرفاته يمكن نزع حق المواطنة عنه.
وقد تم مضايقة عدد من أعضاء الكنيست العرب على خلفية نشاطاتهم السياسية ضد سياسة التمييز العنصري الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين، وصلت الى حد رفع الحصانة عن فلسطينيين عرب أعضاء في الكنيست والتهديد بسحب الجنسية منهم أو حتى طردهم من البلاد. ويستدعينا في هذا المضمار السيدة حنين الزعبي عضو الكنيست الإسرائيلي والتي شاركت في حملة كسر الحصار على قطاع غزة حيث كانت احدى الذين ذهبوا على متن سفينة مرمرة التركية والتي تعرضت الى عملية قرصنة من قبل قوات الجيش الصهيوني وتم القتل المتعمد لبعض ركاب السفينة. وقد حاول بعض أعضاء الكنيست الصاق تهمة الخيانة العظمى لها. وبالرغم من فشل هذه المحاولات نتيجة ضغوط الدولية التي تعرضت لها الحكومة الاسرائيلية الا انه تم انتزاع العديد من الامتيازات البرلمانية التي كانت تتمتع بها حنيين. والقصص الي تعرض ويتعرض لها الدكتور الطيبي ليس بأفضل حال.
كما انه إذا ما تم الاعتراف بيهودية الدولة فأن ذلك سيجر وبالا على الشعب الفلسطيني وخاصة ممن يعيشون في مخيمات الشتات والذين ينتظرون العودة بفارغ الصبر، حيث أن هذا الاعتراف سيحرم ما يقارب من سبعة ملايين فلسطيني من حق العودة او حق التعويض عن أراضيهم وممتلكاتهم الذي أخذت عنوة أو تحت ما يسمى بأملاك الغائبين. أن شطب حق العودة كان ولا يزال على رأس أولويات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والدول الأوروبية وكذلك العديد من الدول العربية التي تبنت "المبادرة العربية" التي أكل الزمان عليها وشرب والذي يحاول آل سعود إزالة الغبار عنها وطرحها مرة أخرى الان. أن التآمر على حق العودة ومحاولة شطبه حاليا يشمل ما يتعرض له شعبنا الذي يعيش في مخيمات الشتات وخاصة في سوريا. وما أحداث مخيم اليرموك والجهات المشبوهة التي تعمل على تهجير الفلسطينيين من داخل المخيمات بتقديم عروض مغرية لهم لترك المخيمات الى الدول الأوروبية والغربية بشكل عام للعيش هناك الا جزء من هذا المسلسل. وهنالك دول عربية متورطة في هذا المخطط وعلى رأسها السعودية وقطر. ومؤخرا سمعنا عن جهات مشبوهة تقوم بشراء بطاقات من اللاجئين قاطني المخيم وبالتالي شطبه من قائمة اللاجئين المسجلة ضمن لوائح الاونروا. وللأسف فان هنالك أيضا البعض من الطبقة السياسية الفلسطينية المنضويين تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية والمتحدثين الرسميين بها قد أبدوا استعدادهم لإسقاط هذا الحق تحت ذرائع وتبريرات مختلفة. ومن هنا نود أن نؤكد أنه لا أحد من الفلسطينيين مهما علا مركزه يحق له تحت أي ظرف من الظروف أن يعبث بهذا الحق.
بالإضافة الى كل ما سبق فان الاعتراف بيهودية الدولة يعني أن إسرائيل ستصبح دولة ثيوقراطية (دولة خاضعة لحكم رجال الدين) وذلك اذا ما ارتبط مفهوم اليهودية بالديانة اليهودية أو أن تصبح دولة نظام عنصري (اباراتهياد) اذا ما إرتيط التعريف بالعرق. وفي كلا الحالتين يري البعض أن في هذا تهديدا للوجه "الديمقراطي" لإسرائيل التي حاولت كل وسائل الاعلام الصهيونية ترويجه بالدعاية الكاذبة بكونها "واحة الديمقراطية" في المنطقة. والأخطر من ذلك هو وجود بعض المدارس الدينية داخل الكيان الصهيوني تحلل قتل الفلسطينيين ومصادرة املاكهم وذلك بناء على تفسير بعض النصوص توراتية وهم لا يجدون حرجا في التعبير عن ذلك في الدولة "الديموقراطية" فماذا سيكون الحال في الدولة الدينية؟
وربما جدير ان نذكر هنا برجل الدين (الحاخام) اليهودي موردخاي الياهو والذي شغل منصب كبير حاخامات اليهود السفارديم (اليهود الشرقيين) الذي عرف بعنصريته تجاه العرب والذي كتب عنه الصحفي الإسرائيلي المتخصص بالشئون الدينية أنشل بيفيفر في صحيفة هآرتس بتاريخ 10 يونيو 2010 عند موت الياهو، مقالا بعنوان الحاخام موردخاي الياهو-العنصري الفصيح-. ويذكر صاحب المقال عن أن الياهو قد حلل للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية أن يسرقوا محاصيل الأراضي الفلسطينية لان هذه الأراضي تعود لليهود. وفي معرض مقاله يقول الكاتب أن الياهو كان يحاضر في المدارس الدينية وينبه الطلاب بالقول " وحينما نقصد للانتقام، فانه من الضروري أن نتذكر بان 1000 عربي لا يساوى واحد من طلاب هذه المدرسة". ويسترسل الكاتب في مقاله ويقول كيف أن الياهو اتصل بأولمرت عند العدوان على غزة ليقول له ليس من الخطأ ان يقوم الجيش الإسرائيلي بالقصف العشوائي للقطاع ويقوم بقتل الفلسطينيين المدنيين إذا ما كان ذلك يودي الى الحفاظ على حياة الجنود الإسرائيليين. ويذكر الكاتب بان الحاخام الياهو عمل على تربية جيل من الحاخامات على هذا الطريق والأفكار، والذين يؤمنون بأن هذا النوع من العنصرية اليهودية هي مسألة فطرية.
في الخلاصة نقول هذه بعض التداعيات التي ستترتب على الاعتراف بيهودية دولة الكيان الصهيوني والتي بمجملها تنضح بالعنصرية والاستعلاء على الغير وتحمل في طياتها الافكار العرقية البغيضة التي تحلل وتستبيح الانسان فكيف إذا كان فلسطينيا عربيا! إنها الأفكار والممارسات التي اعتقدت البشرية أنها طمستها وقضت عليها منذ ما يقرب من السبعون عاما.
الدكتور بهيج سكاكيني
تاريخ النشر
26.05.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
26.05.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |