<%@ Language=JavaScript %> هيفاء زنكنة كفى استباحة لعقولنا وأعراضنا في العراق

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

كفى استباحة لعقولنا وأعراضنا في العراق

 

 


هيفاء زنكنة

2010-10-29


 
في خطابه الأخير، مساء يوم الخميس الماضي، تحدث السيد حسن نصر الله، الامين العام لحزب الله اللبناني، وبصوت بذل اقصى جهده للتحكم بغضبه، عن حادث دفعه الى فضح بعض ما كان مستورا. حين طالب فريق التحقيق الدولي بمقتل الرئيس رفيق الحريري، طبيبة في عيادة نسائية ابراز ملفات المريضات. وبذلك فان فريق التحقيق، بطلبه هذا، قد تخطى كل حدود التبرير ليمس الشرف والعرض والكرامة والتقاليد الاسلامية والمسيحية وليصل حد استباحة الأعراض. وهذا شيء مرفوض على كل المستويات وبكل المقاييس.
وقد دفعني خطاب السيد المؤثر وغضبه الذي يجب ان يكون غضب كل انسان ذي كرامة، الى استحضار مواقف ساسة الاحتلال في العراق، في السنوات السبع الاخيرة، ازاء جرائم المحتل بدءا من اغتصاب النساء والاطفال ورجال الدين على حد سواء، الى مساهمتهم، بدرجات مختلفة تتراوح ما بين الاشتراك الفعلي في الجرائم او الضمني كشهود معممين بالخرس. لاستحضر، بشكل خاص، ردود افعال من يحتلون مواقع المسؤولية، أيا كانت، تجاه تفاصيل وثائق ويكيليكس التي تبين بالادلة القاطعة الطبيعة الاجرامية للاستعمار الجديد ومن يتولى تنفيذ مهامه على الارض مهما كانت طائفته او عرقه او حجم مظلوميته السابقة.
هناك، اليوم، في الواقع العراقي المرير، تل على ارتفاع 391 ألف وثيقة علنية تغطي الفترة من الأول من كانون الثاني/يناير 2004 إلى 31 كانون الأول/ديسمبر 2009، بعد الغزو الأنكلو امريكي للعراق في آذار/مارس 2003. الوثائق، الموجودة الآن على موقع ويكيليكس الاخباري، هي تقارير يومية ميدانية كتبها ضباط ذوو رتب صغيرة بالجيش الامريكي، توثق بالزمان والمكان والاسماء، تفاصيل ما شهدته ونفذته دورياتهم طوال ست سنوات كاملة (عدا شهرين)، كما في السجل اليومي لدوريات الشرطة في مختلف البلدان، التي يعتمد عليها المحامون والمحاكم. تكشف التقارير، أحيانا، وتثبت في احيان أخرى، انتهاكات بشعة بحق مواطنين ومعتقلين وجرائم قتل ارتكبها الجنود او القوات العراقية أو مجهولون وتم التغاضي عنها ولم يتم التحقيق فيها. كما تظهر الوثائق التي تكشف عن 'أدلة دامغة لجرائم حرب'، حسب جهات قانونية، إشراف المالكي 'رئيس الوزراء' المنتهية ولايته، مباشرة على فرق اعتقال وتعذيب مما جعل ما كنا نعرفه دائما موثقا كتابيا من قبل بعض المشاركين فيه.
هناك طرفان يتحملان مسؤولية الجرائم، وبضمنها جرائم اغتصاب وانتهاك اعراضنا وشرفنا وكرامتنا. الطرف الاول هو المحتل الانكلو امريكي العازم على الهرب بعد ان أذاقته المقاومة العراقية طعم الهزيمة، بشرط ان يترك وراءه حكاما مسلوبي الارادة يلبون رغباته ويمثلون مصالحه. الطرف الثاني هو العراقي المنخرط في العملية السياسية بكل هياكلها ومسمياتها التي تتراوح ما بين الأحزاب الطائفية والعرقية والميليشيات وما يتفرع عنها، من كتل وائتلافات وكيانات بالاضافة الى المنظمات الملحقة به تحت مسميات المنظمات النسوية وحقوق الانسان. وهو طرف تعاون معظمه مع الادارة الامريكية ومخابراتها (الجلبي والبرزاني والطالباني نموذجا) والحكومة البريطانية ومخابراتها (اياد علاوي والخوئي) والمخابرات الايرانية (الحكيم وميليشيا بدر) للاعداد لغزو العراق. وانضمت اليهم، في محطات العملية السياسية، طبقة جديدة من المنتفعين ممن تجذرت مصلحتهم (مال. منصب. نفود) مع بقاء المستعمر. وباتت لعبة كراسي المناصب المتنافس عليها الى حد اسالة الدماء فيما بينهم، وتغليفها بـ'الشراكة والمصلحة الوطنية'، هي الاولوية لتحل محل القانون والشرع والاخلاق والشرف والتقاليد والعرض الذي يتحدث عنه السيد نصر الله بحرقة قلب موجعة. ويتعامل معه ساسة الاحتلال (يزور بعضهم السيد نصر الله بين الحين والآخر ويا ليته يحقنهم ببعض غضبه الوطني) كأنه من أكثر الامور طبيعية في العالم بل ولايخجلون من التصريح بانها ستكون مستقبل الأيام المقبلة كما فعل النائب حسن السنيد، القيادي في ائتلاف دولة القانون، حين أشار لوكالة فرانس برس بانه 'بعد ستة أشهر ستمر (الأزمة) ولن يتذكرها احد لاننا اعتدنا على ذلك فقد سبقتها أزمات أحداث في السجون وغيرها'. أو كما صرح وزير الداخلية جواد البولاني للوكالة ذاتها، مشيرا باستهانة أن بعض المواضيع التي وردت في الوثائق 'يبدو أنها قديمة'. وقال المشرف الثقافي في مكتب 'الممهدون' التابع للتيار الصدري الشيخ احمد البغدادي، في تصريح نموذجي للتيار المتأرجح في مواقفه، في برزخ الانتهازية، ان توقيت نشر الوثائق جاء 'بعدما صار المالكي مقبولاً اقليمياً وبعد تحالفه مع الصدريين وتطبيعه علاقة وثيقة مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية'.
ولاتختلف تصريحات بقية الساسة، المعمم منهم وحاسر الرأس، ذكرا كان ام أنثى، في جوهرها كثيرا عن تعليق السنيد ازاء كشف تفاصيل يوميات القتل والتعذيب والاعتداء على المواطنين العراقيين، مع اختلاف بسيط وهو درجة شطارتهم في التزويق اللفظي.
فبيان مكتب نوري المالكي (الامين العام لحزب الدعوة)، دفاعا عن نفسه تجاه التهم الواردة في الوثائق، يحث على وجوب تقسيم الوثائق الى قسمين. القسم الاول يجب أخذه بنظر الاعتبار لأنه 'يتحدث عن تصرفات الجيش الأمريكي وشركات الحماية التابعة له'. أما القسم الثاني الذي يصف دوره ومسؤوليته عن ممارسة الأجهزة الأمنية العراقية عمليات قتل مدنيين وتعذيبهم فانه يجب ان يهمل لانه 'ألاعيب وفقاعات إعلامية'. وأن وسائل الإعلام قامت بنشر بعض الوثائق 'بطبيعة انتقائية' وبتوقيت مشبوه. وأترك الرد هنا للدكتور كامل مهدي، الاقتصادي العراقي، الذي دحض ذريعة التوقيت المشبوه، في مقال نشر له أخيرا، مبينا بأن توقيت نشر الوثائق كان سيكون اسوأ اثناء الفترة الانتخابية، اذ كان سيؤثر على النتائج. فاي توقيت كان سيفضله المالكي لنشر الوثائق؟ ولعل من الاجدى للمالكي ومستشاريه ان يسرعوا، كما نوه بعضهم، برفع دعوى قضائية ضد الموقع الاخباري (كما فعلوا ضد صحافيين عراقيين وعرب) طلبا للتعويضات وتبرئة من التهمة ودفاعا ان لم يكن عن سمعته فعن سمعة القوات المسلحة باعتباره قائدا عاما لها.
وصدر التعليق الآخر على الوثائق من 'القائمة العراقية'، حيث أدلت الناطقة الرسمية ميسون الدملوجي بتصريحات أكدت فيها نزاهة 'العراقية' وكيف انها لا توظف نشر الوثائق 'كما يفعل الآخرون لتحقيق مكاسب خاصة بالقائمة'. وحذرت الدملوجي من 'ان وقوع انتهاكات على نطاق واسع تؤكد مخاطر تركيز السلطة في يدي رجل واحد'. وكشفت بانهم في القائمة العراقية يتحدثون: 'منذ سنوات عن وجود اجهزة امنية يشرف عليها القائد العام للقوات المسلحة ... واصبح واضحا للقاصي والداني وقوف المالكي وراء هذه الاعمال'.
هنا، نقف امام تصريحات أكثر ذكاء من تصريحات البقية كونها مغلفة بالتزويق اللفظي والضباب الاعلامي. فميسون الدملوجي، المنخرطة في العملية السياسية للاحتلال منذ ايامها الاولى ومستمرة حتى اليوم (وان غيرت المواقع)، تتحدث وكأنها هي والقائمة العراقية خارج العملية السياسية وبالتالي خارج حدود المسؤولية القانونية والاخلاقية، مما يمنحها صلاحية اطلاق الاحكام على الآخرين. وفي الوقت الذي تدين فيه المالكي (استخدمه هنا كنموذج وليس دفاعا عن المالكي)، تتعامى تماما عن الجرائم التي ارتكبت في ظل رئيسها وقائد كتلتها الذي تمت في ظل رئاسة وزارته مجزرة الفلوجة، المدينة التي مسح القصف الامريكي 70 بالمئة منها بمدارسها ومساجدها وتم قتل وتهجير سكانها وتركها ضحية ميراث مخيف من تشوهات الانجاب والسرطانات سيستمر على مدى عشرات السنين المقبلة نتيجة رميها بالنابالم والفسفور الابيض. كل ذلك تم بعلم اياد علاوي وحكومته. فمن الذي يتحمل مسؤولية مجزرة بهذه الابعاد، ومن الذي سيحاسب، اذا لم يكن رئيس الدولة ورئيس الوزراء؟ والمفارقة ان الدملوجي، حين سألت في مقابلة لها مع تلفزيون البي بي سي العربي، عن مسؤولية اياد علاوي اجابت مستغربة: وهل ذكر علاوي في الوثائق؟ وهو سؤال يشبه مطالبة المدافعين عن هتلر بابراز وثيقة او صورة تظهره وهو يقتل بيديه 20 مليون مواطن سوفييتي الواحد بعد الآخر.
ولعل السؤال الأهم هو: اذا كانوا في القائمة العراقية يعرفون منذ سنوات عن وجود اجهزة امنية تقوم بهذه الاعمال الاجرامية ويشرف عليها القائد العام للقوات المسلحة، ما الذي فعلوه لوضع حد لها؟ لماذا لم يتوجه وفد منهم الى مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة الذي خصصت جلساته الأخيرة لمناقشة انتهاكات حقوق الانسان العراقي، لتقديم طلب عاجل بالتحقيق الدولي؟ واذا كان هذا امرا صعبا، لماذا لم يعقد مؤتمر دولي تتم فيه تعرية النظام وجرائمه ومسؤولية الاحتلال؟ ولماذا تم التوقيع على المعاهدة الامنية، بعيدة المدى، مع من استباحوا كل ما هو عزيز علينا؟
في ذات الوقت الذي يواصل فيه ساسة النظام النيو كولونيالي ركل بوصلة المقاييس الاخلاقية، تقوم جهات عراقية مثل المؤتمر الوطني التأسيسي وهيئة علماء المسلمين ومنظمات انسانية ودولية كالأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وغيرها، بالدعوة الى اجراء تحقيق دولي عاجل في الجرائم والانتهاكات بحثا عن الحقيقة والعدالة وانصافا لاهالي الضحايا خاصة بعد ان تم تثبيت بعضها بشكل أدلة دامغة في الوثائق المكشوفة. وهم يترقبون وثائق أكثر، خصوصا عن الجوانب التي لم تشملها يوميات جيش الأحتلال كالفرق الخاصة والسي آي أي، المرتبطة أكثر من غيرها بفرق الموت وسياسة الفتنة الطائفية.





 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال