<%@ Language=JavaScript %> الدكتور عبدالله تركماني الثقوب السوداء التي تعطل التقدم العربي
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

الثقوب السوداء التي تعطل التقدم العربي (*)

 

 الدكتور عبدالله تركماني

 

خلال العقود الأربعة الماضية حققت الدول العربية إنجازات هامة في مجالات الإنماء والاقتصاد والتطور الاجتماعي، لكنّ المجتمعات العربية ما زالت تواجه مشكلات عميقة تهدد حاضر العرب ومستقبل أجيالهم القادمة. فمعدلات الأمية والفقر وتدنّي مستويات التعليم والبحث العلمي والتطور التقني في تزايد مقلق جداً، وعلى امتداد العالم العربي. كما أنّ هياكل الإدارات، خاصة الرسمية منها، شبه مترهلة تحتاج إلى إصلاحات عميقة وسريعة لتطوير مستوى الخدمات، التي تطال جميع المواطنين في مختلف جوانب حياتهم اليومية. يضاف إلى ذلك أنّ قضايا الحريات الشخصية والعامة، والخدمات الاجتماعية، وتوزيع الثروة، والعدالة في توزيع الضرائب وحسن جبايتها، والإنماء المتوازن، والمشاركة الديمقراطية، والتخفيف من حدة الانقسامات الطبقية والعرقية والقبلية والطائفية والجهوية وغيرها، تثير قلقاً شديداً.

وثمة العديد من الثقوب السوداء التي تبتلع جهود الشعوب العربية، وتقوّض وظائف الدولة، ومن أهمها:

(1) - الدولة الفاشلة، فإذا استندنا إلى السمات العامة التي يقوم عليها تعبير الدولة الفاشلة، وقارناها بواقع الحال في البلدان العربية، لأُمكن القول: إنّ الكثير منها يندرج في سياق الدول الفاشلة. ففي غالبية الدول العربية، تنتشر حالة فقر شديد في أوساط شعبية واسعة تكاد تصل إلى نصف السكان وربما تتجاوزها.

إنّ الأسباب الأساسية، في وصول عدة بلدان عربية إلى مستوى الدولة الفاشلة، إنما تكمن في طبيعة الأنظمة القائمة وسياساتها. ولعل الطبيعة الاستبدادية الاستئثارية والأقلوية للنظام السياسي في أغلب البلدان العربية، تمثل الأساس في ظهور الدولة الفاشلة. ذلك أنّ الاستبداد يفرض أنماطاً في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة من شأنها خلق  أزمات في الحياة العامة، ثم تأتي سياسات النظام لتضيف تفاصيل في تردّي الحياة العامة، فتدفع إلى بلورة بعض سمات الدولة الفاشلة أو أكثرها، وقد تأتي التدخلات الخارجية لتكرس سمات الدولة الفاشلة.

(2) - الدولة الأمنية التسلطية، إذ هناك ثلاثة أركان تقوم عليها الدولة الأمنية التسلطية، وتمكنها من إنتاج مجتمعها الجماهيري، هي: الإرهاب والأيديولوجية والإعلام الموجه. وعدة مبادئ تضمن هذه الأركان وتعززها، هي: مبدأ الاحتكار الفعال للسلطة والثروة والقوة، واحتكار الحقيقة، واحتكار الوطنية، ومبدأ الغلبة والقهر، ومبدأ شخصنة السلطة، وعبادة القوة، أي تماهي الشخص والمنصب الذي يشغله، وانتقال قوة المنصب المادية والمعنوية إلى الشخص الذي يغدو مثال القوة والعظمة. وفي هذه الحال تحل الأوامر محل القوانين، والامتيازات محل الحقوق، والولاء والمحسوبية محل الكفاءة والجدارة والاستحقاق.

لقد حولت أجهزة الدولة الأمنية المجتمع إلى مجتمع الخوف المتبادل والريبة المتبادلة، وأخضعت النسيج الاجتماعي لمقاييس عملائها ومعاييرهم الأخلاقية التي هي معاييرها وقيمها. ولعل وظيفتها الأساسية كانت ولا تزال محاولة السيطرة على تعددية مكوّنات المجتمع، وهذا غير ممكن إلا بتقليص جميع المواطنين إلى هوية واحدة ثابتة وخاوية قوامها ردود الفعل الغريزية، وتقليص حريتهم إلى مجرد الحفاظ على النوع.

ومن أهم ملامح الدولة التسلطية العربية يمكن أن نذكر:

- رفض التداول السلمي للسلطة وجمع الصلاحيات في شخص فرد أو حزب واحد.

- اعتماد أيديولوجية تفسر بواسطتها أفكارها وسياساتها التي تظهرها على أنها تسير وفق خدمة المصلحة العامة، وأنها المنقذ والمخلص من أي تهديد.

- احتكار وتسخير وسائل الإعلام والاتصال في جميع الأنشطة وجعلها مسخرة لأبواق السلطة وناطقه باسمها، فيُسمع الناس ما يشتهي الحاكم ويمنع عنهم ما يريد.

- إخضاع المؤسسة العسكرية ومفاصل القوة ومؤسسات المجتمع المدني وربطها المباشر بشخصية الحاكم وترجمة سياساته، عن طريق استخدام البطش والقسوة والتنكيل, ووضع قيادات مرتبطة بشخصيته مباشرة, تتملق للوصول إلى مرضاته بكل وسيلة.

- الاقتصاد الموجه الذي يسيطر الحاكم به على مقدرات الشعب، ويتحكم بقوت الناس وأرزاقهم ليكون له اليد الطولى بزيادة العطاء لمن يواليه وتقليص متطلبات المعيشة لمن يغايره التفكير والتوجه.

- ديكور للسلطتين القضائية والتشريعية وتغوّل السلطة التنفيذية التي تحظى برعاية خاصة من النظام الحاكم ورعاية مميزة على حساب باقي السلطات الأخرى.

وكان من نتيجة ذلك، في العديد من البلدان العربية، تقلّص دور المجتمع المدني طردياً مع اتساع الأجهزة الأمنية ومع ازدياد مركزية الدولة وعسكرتها، مما جعل المجتمعات العربية تجد في المجتمع المدني تعويضاً عن غيابها السياسي الكامل وعدم حضورها الاجتماعي بحكم سنوات الاستبداد الطويلة، وجرى طرح المجتمع المدني على أنه الخلاص القادر على تدارك سنوات الجمر التي خلّفها الحكم الاستبدادي في العديد من الأقطار العربية.

 (3) - الفساد الذي لا يلتهم فقط عوائد التنمية، ولا ينتزع اللقمة من أفواه معظم المواطنين، بل يقوّض كذلك ما قد يبذل من جهود للخروج من التأخر، ويُغرق العرب في تأخر يتفاقم دون هوادة. فقد أُهدرت موارد عربية كبيرة طوال العقود الماضية دون أن تحقق خطط التنمية العربية الأهداف التي رسمت لها، ولم توفر العدالة في توزيع الثروة ولا تكافؤ الفرص أمام المواطنين، بل قادت إلى تدهور نظام القيم والسلوك الفردي والجماعي.

وللتدليل على خطر وباء الفساد، يُشار إلى أنّ ثلث الدخل القومي العربي، منذ سبعينيات القرن الماضي، ذهب ضحية الأشكال المختلفة للفساد من رشاوى ومحسوبيات وشراء الذمم واستغلال المناصب وغيرها.

أما بخصوص حملات مكافحة الفساد، التي يطلقها قادة عرب وحكوماتهم بين الفينة  والأخرى، فهي تأتي دائماً متأخرة ناهيك عن أنّ مفعولها قصير الأجل. فهذه الحملات تبدأ بالكشف عن فاسدين وإعفائهم من مناصبهم، أما محاكماتهم فتُجرى بعيداً عن الشفافية وأعين الإعلام والرأي العام، ويندر ألا تنتهي بعقوبات طفيفة لا تتناسب وحجم الإساءة إلى المال العام. ومع غياب نظام فاعل للمحاسبة يتشجع مسؤولون جدد على سلوك طريق من سبقهم ذاتها، وهكذا ما أن تتخلص إدارة من فاسديها حتى تفرّخ مجموعة جديدة من الفاسدين الذين يتصرفون بأموال الدولة والثروات الطبيعية للبلد وكأنها ملك خاص لهم.

ولعل الربيع الديمقراطي العربي، الذي دشنته ثورة الحرية والكرامة في تونس وشكلت رافعته الثورة المصرية وروته دماء شعوب اليمن وليبيا وسورية، سيضع حداً لهذه الثقوب السوداء التي عطلت التقدم العربي.  

 

تونس في 11/4/2011                  

الدكتور عبدالله تركماني

كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

 

(*) – نُشرت في صحيفة " القدس العربي " – لندن 15/4/2011.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا