هناك من يحاول خلق مسألة مسيحية شرقية
د. ثائر دوري
سال مداد كثير منذ مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد .
لا سيما و أنها وقعت في وقت كان مصير مسيحي الشرق ، بعد تناقص أعدادهم
بشكل كبير ، بسبب الهجرة بشكل أساسي ، قد صار موضوع بحث مطول سواء من
الكتاب أم عبر السينودوس الذي عقده الفاتيكان خصيصاً لهذه الغاية .
ناقشت الكتابات التي استطعت الاطلاع عليها سواء من رجال
دين مسيحيين أو من كتاب صحف و أعمدة . ناقشت هذه المسألة من كافة
جوانبها الديموغرافية و السياسية مع تركيز خاص على وضع مسيحيي العراق
الذين أشرفوا على الانقراض . لكن كلما كنت أقرأ مقالة عن هذا الأمر
أشعر أن هناك تفصيل هام غائب عن الصورة هو : الاحتلال .
الاحتلال هو الغائب الأكبر عن المقالات و النقاشات التي
اطلعت عليها . و في الحالة العراقية لم تكن هناك أية اشارة إلى
المسؤولية السياسية و القانونية و العسكرية و الأخلاقية لقوات الاحتلال
الأمريكية التي ما زالت تسيطر على أرض و سماء العراق رغم ما يقال عن
اتفاقيات انسحاب موقعة مع حكومة الدمى في بغداد . ، و أول مسؤولية
لقوات الاحتلال هي حماية المدنيين حسب الأعراف و القوانين الدولية .
أما إذا أرجعنا الأمور إلى المربع الأول فإن مسؤولية الاحتلال عن كل ما
يجري تتعاظم ، فماذا تتوقع عند احتلالك بلداً بعد قصفه و تجويعه لثلاثة
عشر عاماً متتالية ، ثم قيامك بتدمير دولته و جيشه و صناعته و زراعته ،
ستنطلق الفوضى في كل اتجاه و سيخرج الرعاع و المجرمين ليتسيدوا الشوارع
.
في عام 1982 م و في اعقاب الغزو الصهيوني للبنان و
مجزرة صبرا و شاتيلا وجدت لجنة كاهانا التي شكلها الكيان الصهيوني
للتحقيق في هذه المجزرة المروعة ، أن الجيش الصهيوني و وزير دفاعه
آنذاك أرئيل شارون مذنباً و يتحمل مسؤولية المجزرة رغم أن الجيش
الصهيوني لم يطلق رصاصة واحدة على المخيمات ليلة المجزرة . كل ما فعله
أنه أدخل مليشيات القوات اللبنانية إلى المخيم الأعزل الذي سبق و جُرد
من السلاح ، و عندما بدأت المجزرة لم يتحرك لوقفها رغم علمه بحدوثها .
لا يمكنك أن تدخل الذئب إلى بيت الغنم ثم تدعي أنك لم تتوقع أن يفتك
بها !
إضافة لذلك يتم تغييب حقيقة أن المسيحيين المشرقيين
بأغلبيتهم الساحقة عرب عرقياً و ثقافياً و حضارياً ، لكن من يرغب بخلق
مسالة مسيحية في المشرق يتصرف على أنهم كيان متميز ، و هذا مغزى
الرسالة الفرنسية بمسارعتها لمنح اللجوء السياسي للناجين من المجزرة ،
و هي التي لم يهتز ضميرها و لا ضمير الأخوات الغربيات الأخريات اللواتي
سارعن لإدانة مجزرة كنيسة سيدة النجاة ( و هي فعل مدان ) تجاه مقتل
أكثر من مليون عراقي و تهجير أربعة ملايين من كل الطوائف و الأعراق .
إن ما يتعرض له مسيحيو العراق هو جزء مما يتعرض له
العراق منذ بدء الغزو الأمريكي عام 2003 م ، و أي مناقشة لمصيرهم بمعزل
عن مصير العراق هي مناقشة غير بريئة تهدف إلى خلق مسألة مسيحية .
الأمر الثالث أن هناك دائماً من يقوم بالتلاعب بالصورة
بما يشبه تقنية المونتاج فيقص من مكان أو يحجب الإضاءة عن
مكان. و في هذا السياق يتم السكوت عن وضع فلسطين التي
تكاد تخلو من المسيحيين رغم أن فيها قدس المسيحية و في ناصرتها ولد
المسيح عليه السلام . في فلسطين تظهر مسؤولية الاستعمار الاستيطاني
الغربي الأشكنازي الصهيوني عن تهجير المسيحيين واضحة لا لبس فيها ، ففي
فلسطين ليس هناك كيان هلامي اسمه " دولة العراق الاسلامية " يسارع
لتبني كل الشرور عبر بيان مجهول المصدر يتم وضعه على منتدى للنت مفتوح
للصادي و للغادي ، ثم تسارع الفضائيات لنقله على أنه موضع ثقة دون أن
تشير لمصدر البيان . كما أن فلسطين ليست تحت سيطرة حاكم عربي او مؤسسات
عربية ، حتى تتهم بالتخلف و التعصب و الانغلاق و تطالب بأن تقوم بعملية
نقد ذاتي تشمل تجردها من ملابسها كاملة . بل هناك الكيان الصهيوني
الأشكنازي الغربي هو الذي يسيطر على كل الأمور . لذلك يتم السكوت عن
الأمر .
المسيحيون جزء من النسيج التاريخي للأمة العربية و
للحضارة الاسلامية ، و هو ليس جزء ملحق أو جانبي بل هو يوشي صورة
الحضارة بالكامل التي يمكن تشبيهها بلوحة الموزاييك التي يكفي إزالة
مكون صغير منها حتى يصيبها عطب . و مصير المسيحيين بالمنطقة مرتبط
بمصير المنطقة ، فالإزدهار و الأمن و الرخاء و السلام يعم على الجميع
أو يخسره الجميع . فهل يرفل مسلمو العرق و عربه و أكراده و تركمانه و
صابئته بالأمن و السلام ووحدهم المسيحيون من يتعرض للقتل و التهجير .
أليس من يطالب بحل خاص لهم هو من يعمل على خلق مسألة مسيحية شرقية ؟ و
السؤال هو لصالح من يعمل ؟