<%@ Language=JavaScript %> د. ثائر دوري هل هناك شعب آري في جنوب العراق ؟

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

هل هناك شعب آري في جنوب العراق ؟

 

 

د. ثائر دوري

الكارثة الحقيقية التي تتعرض لها أمة ليست احتلال أراضيها بل احتلال عقول نخبها، لأن النخب هي عقل الأمة، فهي التي تُنتج المشروع المجتمعي العام الذي يهتدي به عامة الناس. و قد احتل الغرب عقول نخب أمتنا منذ بدء اتصالها به قبل قرن و نيف ، فأغلب نخبها مستلبة و بعضها تحول إلى مجرد ببغاوات تردد ما تقوله المركزية الغربية التي تحاول الغاء أمتنا من التاريخ و الحاضر و المستقبل .

تفترض المركزية الغربية أنه لا يوجد في المنطقة الممتدة من عمان إلى الأطلسي أمة واحدة ، بل مجموعة شعوب و قبائل و اثنيات وطوائف متحاربة متصارعة و بالتالي فهي بحاجة دائمة لقوة خارجية لضبط صراعاتها و كي تحول دون وصول الاقتتال إلى مرحلة الإفناء المتبادل، و كي تجد المركزية الغربية الأساس التاريخي للتفتيت الذي صنعته بهذا الحوض الحضاري الواحد المتكامل الممتد من عمان إلى الأطلسي ، تقوم بعملين متكاملين فهي تعمد من جهة إلى تجاهل الوحدة السياسية و الحضارية التي عاشها هذا الحوض يوم حكم العالم في عهد الدولة العربية – الاسلامية ، تتجاهل هذه المرحلة لأنها غنية بوثائقها التاريخية و الكتابية التي لا يمكن العبث بها بأي شكل . و بعد أن تتجاهل هذه المرحلة بالقفز من فوقها كالبهلوان إلى عصور ما قبل التاريخ و هناك يبدأ التزوير و القص و اللصق ، تزوير المعطيات الأركولوجية أو تفسيرها بطريقة لا تمت لروحها بصلة ، مع تجاهل كل و ثيقة لا تفيد في تفتيت المنطقة ، و كل ذلك سعياً لإثبات أن هذه المنطقة لم تكن يوماً وحدة حضارية أو سياسية متكاملة بل هي مجموعة من الحضارات المتصارعة ، كما أن الشعب الذي يقطن هذا الفضاء الجغرافي ليس له أصل سلالي و ثقافي واحد ، و بذلك يمتد التقسيم الراهن إلى شيع و طوائف و قبائل و دول قطرية إلى فجر التاريخ و يصبح حالة طبيعية و يمكن أن يبني الغرب عليه مشاريع تقسيمية و تفتيتية جديدة ، و سرعان ما يتبنى هذه الأفكار أكاديميون و مثقفون لديهم الجاهزية الفورية لتبني كل ما يأتي من الغرب من تجاهل و تزوير : تجاهل المرحلة العربية الإسلامية ، و تزوير ما سبقها .

لنتأمل ماذا فعل الأمريكان بالعراق منذ لحظة احتلاله ، فقد قسموا البلد إلى : سنة ، شيعة ، و أكراد  رغم أن التقسيم الطائفي لا يستقيم مع التقسيم القومي ، كما أن بين الأكراد سنة و شيعة . إلا أن المحتل الأمريكي لا يعنيه المنطق . و هذه السياسة ليست جديدة بل هي استمرار لسياسة سايكس بيكو ، فمنذ انهيار الدولة العثمانية لم يعترف الغرب بالعرب كقومية  بل نظر إليهم كطوائف وقبائل و عشائر. في حين اعترف بالأكراد ، و الأتراك ، و الفرس كقوميات . و تفسير ذلك يكمن أن العرب يشكلون قلب الحضارة العربية – الاسلامية و لا يمكن أن تنهض أمم هذه الحضارة بدون نهوضهم فهم الأكثر خطورة ، لذلك صنفهم الغرب أعداء من الدرجة الأولى ، و البقية من الدرجة الثانية .

لقد اتخذ الغرب قراره بمنع وحدة العرب حاضراً ، و حاول و يحاول جهده كي يضرب وحدتهم التاريخية الممتدة إلى آلاف السنين . و قد بذل جهوداً  كبيرة و صرف أموالاً هائلة فافتتح جامعات و معاهد بحث علمي ، و روج نظريات في سبيل ضرب الوحدة التاريخية ،كما استطاع تجنيد عدد كبير من الأكاديميين الناطقين بالعربية يتبنون نظرياته و يرطنون بلسانه فلا يرون في تاريخ أمتهم إلا كل رذيلة ، و يفتتون كما أراد الغرب و يزيدون .

و نبقى في العراق فبعد حكاية السنة و الشيعة ، التي يبدو أنها لم تشبع غريزة التفتيت عند الغربيين لأن هذا التقسيم رغم خطورته يبقى ضمن اطار العروبة و الإسلام ، و بالتالي يمكن لهذا الجرح أن يلتئم بسهولة في لحظة تاريخية مناسبة ، فكان لا بد من تفتيت أعمق . يتوجب على السكين أن تنزل في الجسد العراقي أعمق من الصفاق و العضلات لتصل إلى العظام كي تزحنها . هنا بدأت حكاية اختراع أصل تاريخي موهوم للعرب العراقيين الذين يسكنون في الجنوب ، فعلى بعض مواقع النت بدأت بعض المقالات تتحدث عن أن شعب الجنوب هو من سلالة السومريين ، و بالتالي فهم من أصل آري و لا يجمعهم شيء مع السنة العرب الساميين على اعتبار أن الأكراد تم انتحال أصل آري لهم قبل عشرات السنين . و علت أصوات تطالب بإقليم سومر الفيدرالي .

يمكنك على النت أن تجد كل أنواع الكتابات من السخيفة الرديئة الغريبة إلى الرصينة الجادة لأن هذه هي طبيعته المفتوحة التي تتيح لكل إنسان أن يقول ما يريد و لو كان لغواً لا طائل من ورائه . لكن الصدمة الحقيقية عندما ترى أن هذا الهراء و اللغو المتعلق  بما أطلقوا عليه "شعب جنوب العراق" يتسرب إلى كتابات تبدو في ظاهرها رصينة و مكتوبة من قبل أشخاص يفترض أن يكونوا بنفس الرصانة . و مثال ذلك الفصل الرابع من الكتاب المعنون " التطهير الثقافي في العراق " و الصادر عن مكتبة الشروق الدولية ،الذي كتبه عباس الحسيني بعنوان " الوضع الحالي للتراث الأركيولوجي في العراق " ، فإذا تغاضينا عن حقد الكاتب على النظام السابق الذي جعله ينسى أنه يكتب فصلاً في كتاب يفضح جرائم المحتل الأمريكي الثقافية في العراق ليتفرغ لفضح ما يسمى بجرائم النظام السابق و إدانة كل ما قام به من ترميم للآثار بحجة انعدام المهنية. إذا تغاضينا عن كل ذلك نجد أن الأفكار السابقة عن وجود شعب منفصل في جنوب العراق يرجع أصله إلى السومريين ( الآريين حسب ما تقول المركزية الغربية ) و الأكاديين قد تسربت إلى عقل الباحث و الأكاديمي و الأركولوجي مدير المتحف العراقي السابق السيد الحسيني ، فهو يتحدث عن شعب منفصل  يطلق عليه " شعب جنوب العراق "أو "العراقيين الجنوبيين" ، و يتحدث عن تاريخ "العراقيين الجنوبيين" المغرق في القدم باعتبارهم شعب منفصل متميز . يقول الحسيني أن صدام حسين قاد " حملة رسمية للإرهاب و الانتقام ضد الجنوب ، لم تكن تهدف إلى شيء أقل من تدميره – و يشمل ذلك الشعب و تراثه و بيئته . و لما كان العراقيون الجنوبيون يتمتعون بأطول تاريخ للتراث و المجتمع المدني ، فقد شرع النظام في محو كافة آثار تلك العلاقات الثقافية ..................مدعياً ان شعب الجنوب ليس من العراقيين ، إنما من الأجانب – أي الفرس – الذين تحركوا مؤخراً إلى المنطقة . و تتناقض هذه الادعاءات بشكل واضح مع المخلفات الثقافية للسومريين و الأكاديين في الإقليم "

و يتابع الحسيني القول :

(( و يقرر المتخصصون في سكان الجنوب أنه بالرغم من الصعود الحديث للتشيع ، فإن سكان الجنوب يتمسكون بشكل كبير بالتقاليد و المقتنيات القديمة لأسلافهم . و تقوم أدلة لغوية على انحدارهم من السومريين و الأكاديين القدماء ، كما توضح العديد من الكلمات و أسماء الأماكن من هاتين اللغتين . و التي ما زالت باقية في اللهجات المحلية ))

ألا يذكركم هذا الكلام بحديث سعيد عقل و شارل مالك عن الأمة اللبنانية المنحدرة مباشرة دون وساطة من الفينيفيين ، و ألا يذكركم هذا بالحديث الصهيوني عن انحدار المتهودين الخزيين  من سلالة العبرانيين ! و يكمل الدكتور عباس الوصفة الغربية المعروفة  فيقفز فوق الحضارة العربية – الاسلامية رغم أنه مختص بالتاريخ الإسلامي، و من يقفز فوق كل منطق و يعيد ما يطلق عليه "شعب الجنوب "إلى جذر انقرض منذ ستة آلاف سنة متجاهلاً الحركات السكانية و تعاقب الحضارات و تزاوج الأمم و الشعوب و القبائل . و من يقفز هذا القفز لن يضيره أن يقفز فوق الحضارة العربية – الاسلامية التي كانت بغداد صانعة الصفحة الأكثر نصاعة فيها . ففي نهاية فصله يقدم رؤية شاملة لوضع للتراث الثقافي في العراق، فيُقسم الثقافة العراقية إلى حقبتين رئيسيتين ، القديمة و الإسلامية . يستفيض بالحديث عن الحقبة القديمة و تقسيماتها بثلاث صفحات تقريباً ( 96 – 97 – 98 ) من صفحات الكتاب . و لا تستحق الحقبة الإسلامية من عباس الحسيني سوى أربعة أسطر فقط ، و لا يرد اسم العرب قط . فهذه الحقبة بدأت حسب الحسيني " بتوسع الإسلام عقب معركة القادسية بين الساسانيين و القوات الإسلامية " . مع أن المنطق السليم يقول إن صفحة الحضارة العربية – الاسلامية هي الأكثر نصوعاً في تاريخ العراق قديمه و حديثه فقد كانت بغداد و لقرون طويلة عاصمة العالم المعروف في ذلك الوقت ، و سكان العراق بعربهم و كردهم و تركمانهم ، بمسلميهم و مسيحييهم ، بسنتهم و شيعتهم . ينحدرون ثقافياً من حضارة هذه المرحلة !

نعود لنكرر أن هزيمة الأمم لا تكون عسكرية بل ثقافية و حضارية حين تتبنى نظرة المنتصر و عاداته و تقاليده ، و حين ينشأ من بين أبنائها من يروج لأفكار محتليه و هذه حال أمتنا و حال الأستاذ الحسيني .

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال