<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر زمن الإذعان والإمتهان
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

زمن الإذعان والإمتهان

 

 

صباح علي الشاهر

 

 

رن هاتفه المحمول : ماذا تقول ، خمسة أشخاص قتلوا ، لا .. لا تكتب هذا ، أكتب خمسين .

همهم ثم قاطع من كان يحدثه : أقول لك أكتب خمسين لأنهم سيكونون خمسين .

أنهى المكالمة ، لكن الهاتف رنَّ من جديد .

تقطب جبينه ، وردد منفعلاً : هذا..... و اطلق سيلاً من السباب والفشار من العيار الثقيل . 

إلتفت إلى سائق التكسي : هذا النذل الـ..... التافه كان وزيراً ، هذا الجاسوس عميل مخابرات سوريا ، يريد أن يعطي النصائح للشعب السوري ، إبن الشـ..... يدعم النظام الديكتاتوري .

كان يتحدث والرذاذ يتطاير من فمه، والإنفعال يشد عضلا ت وجهه.

كان السائق سورياً .. لم يعقب .. أما المتحدث فشخصية كانت غير معروفة إلى ما قبل شهر ، وهو اليوم نجم شاشات التلفزيون .

إلتفت لي ثم قال : أتدري ؟

قلت: ماذا؟

قال: أحرق النظام نصف بيوت درعا، وأغتصب رجال الأسد مئات الحرائر، وقبل أن آتي علمت بأنهم نحروا عشرات الأطفال بينهم رضع إنتقاماً من آبائهم .

قلت له : لم اسمع بهذا .

قال : أنا صحافي ، وأستلم الأخبار أولاً بأول .

سألته : الأخبار من هذا النمط ، أم الأخبار الأخبار ؟

قال:  مذا تعني ؟

قلت : يعني !

قبل أن تقطع بنا السيارة منتصف الطريق، طلبت من السائق التوقف، نزلت ثم أخبرته بأن يعتذر لي من إدارة المحطة التلفزيونية التي كانت ستستضيفني مع هذا المخلوق .

 

كانت هذه الحادثة واحدة من الأسباب التي جعلتني أتخلى عن حيادي، أما متابعة ما تبثه الجزيزة والعربية ، وتوالي الفبركات والأكاذيب حتى من دونما أدنى حرفية ، فقد قضت تماماً على ما تبقى لدي من منها.

أتساءل أحياناً أي رجل منصف لا يمكن أن تستوقفه هذه الحملة اللا أخلاقية، التي تتخطى كل المحاذير، وتستبيح كل شيء .

الجزيرة مباشر تتقيأ  على مدار الأربع وعشرين ساعة ، وكذلك الجزيرة التي لم يعد لها من شغل ومشغلة سوى سوريا، وياليتها كانت بهذه الحمية إزاء إسرائيل مثلاً ، أما العربية ففضيحتها هي الأخرى مدوية ، هذه المسماة عربية تريد أن تقنعنا بأنها داعية الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ولماذا لا أليست هي من تلك البلاد التي يضرب بها المثل في الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتعددية ، والشفافية ، والإنتقال السلمي للسلطة بين أبناء الشعب ، الذي لا فرق بين شرقيه وغربيه ، شماله وجنوبة ، من آل سعود كان أم من أي قبيلة .  صحيح كما يقول أخوتنا المصريون ( من أختشوا ماتوا!)

كنت وما زلت ممن يرى أن أنظمة الإستبداد عار علينا جميعاً، وأن النضال ضدها واجباً ، لكنني ممن علمته الأحداث الجسام التي مرت بأمتنا ضرورة الإنتباه إلى أن لا يكون هذا الهدف النبيل أحد الوسائل لتدمير البلد ووقوعه في براثن الإحتراب والتمزق والهيمنة الأجنبية .

لم يكن الداعون للإصلاح والتغيير بحاجة إلى الكذب، فالواقع المعاش يثبت بألف دليل ودليل  أن لا دمقراطية في سوريا، وأن النظام نظام شمولي ، يعتمد حكم الحزب الواحد ، وسلطة العائلة، وأن الفساد قد تفشى في كل مفاصل الحياة ، وأن الزمن قد تجاوز مثل هكذا أنظمة .

هل ثمة من لا يرى أو يدرك حجم  ونتائج هكذا كوارث ، ليس على سوريا ومستقبلها ، وإنما على الأمة كلها ؟ 

ما ضر معارضو الداخل ، وما يُسمى بمعارضي الخارج لو أنهم جعلوا  هذه القضايا التي تمس حياة ومصالح السوريين، وإنسجاماً مع الحراك الذي أحدثه ما سمي بالربيع العربي ، في صلب نشاطهم الذي سيكون عادلاً تماماً، محقاً تماما، لا يملك كل صاحب ضمير حي إلا الوقوف إلى جانبه، لأنه سيقف إلى جانب الحق بلا مواربة ، وبوجه الإستبداد بكل وضوح، الحكم الشمولي بإجلى صوره ، الإستئثار بالسلطة من دونما حاجة للكذب  والفبركة وإنتهاج طريق يؤدي حتماً إلى رسم معادلة سينبغي للجميع الوقوف في أحد طرفيها، أما الدولة المستبدة الشمولية، أو الحرية المرتهنة بقوى الخارج ، والمدعومة منه ؟

يساريون، تقدميون، حزبيون متقاعدون، ليبراليون ناموا دهراً في حضن الإمبريالية الغربية ونسوا الشرق المتخلف، قوميون أضاعوا البوصلة، مهرجون، سلفيون يحلمون بإعادة حكم الشريعة عبر جز رؤوس نست الله فحلت عليها اللعنة، وطنيون بحق، وأجراء وعملاء على رؤوس الأشهاد، راقصين على كل الحبال، وهتافون عند الطلب . خليط  لا مثيل له لم يعد يجمعه شيء سوى إسقاط بشار !

تًرى هل كان بشار هو الهدف؟

وهل يستحق إسقاط رئيس، مهما كان هذا الرئيس، خل عنك شخص كبشار كان الجميع إلى ما قبل بضعة أشهر لا يراه مشكلة، والبعض لا يراه ىسوى واجهة لا تهش ولا تنش، هذا ما قالوه في إدبياتهم ، وما عكسه نشاطهم العلني في الأقل . هل يستحق إسقاط شخص كهذا ، وحتى إسقاط نظام مهما كان  كل هذا الذي رأيناه ، والذي سنراه لا حقاً لا قدر الله من أهوال ،  أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟

أليس المطلوب إنهاء النظام الشمولي ، وحكم الحزب الواحد؟

أليس المطلوب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ؟

أليس المطلوب دستور جديد يضمن حقوق المواطن، مثلما يضمن حق الوطن . يتوافق مع العصر والعدالة، دون إهمال الجانب المغيّب منها، إلا وهو العدالة الإجتماعية . إذ جوهر الحراك الآن إقليمياُ وعالمياً يتمحور حول هذا الهدف الذي يسعى المهددون بالزوال أو النزول عن عروشهم إلى طمسه وإخفائه .

لمصلحة من يحرّف النضال عن بوصلته الحقيقية، وبصبح المستهدف أما علي أو عمر ، وإما محمد أو جوزيف؟ ثم منذ متى كانت دويلات النفط داعية وحامية للديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة ؟

هل ثمة سلطة يمكن أن تتداول سلمياً في هذه البقعة الغارقة بالقطران، والمخنوقة بالمال الذي بفيض على الغير تآمراً وتخريباً، إن كان مخفياً سابقاً، فهو واضح للعيان في زمننا هذا الذي اسماه البعض زمن العربان، وياليته كان كذلك، فالعربان حتى لو كان المقصود بهم البدو والرعيان فهم أصحاب قيم وأعراف وتقاليد، سمتها الأساسية الشمم والإباء . وحاشا أن يكون زمننا  الأغبر هذا ( زمن العربان) ، وحاشا أيضاً أن يكون زمن ( الحريم والنسوان)، فللحريم والنسوان في تأريخنا سطوة وسلطان، كنا بظلها حيناً بعز وأمان، ورفعة وشان .

هذا الزمن الأغبر ليس زمن العربان ، بدو ورعيان ، ولا هو زمن الحريم والنسوان ، هو بالجوهر زمن الإمتهان والإذعان، زمن فريدمان وفيلتمان .

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا