<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر أمر غير قابل للتصديق!
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

أمر غير قابل للتصديق!

 

 

صباح علي الشاهر

 

عندما يأتي الملح من السعودية، وماء الشفة من الكويت، واللبن ( الشنينة) من إيران، وورق التواليت من الأردن، ودبس التمر من سوريا، نكون أمام كوميديا سوداء بنكهة عراقية خالصة، غير قابلة للتصديق إلا في عراق العملية السياسية!

هل هذه رؤية  ثانوية، وجزئية في المشهد العراقي، هذا المشهد المنسرح على شتى مناحي الحياة، والذي ينبغي رؤيته بشموليته، أم إن لهذه الأمور دلالاتها التي تغني عن الكثير، وتؤشر للمأزق العراقي، لا بجزئيته وإنما بكليته؟

قد نتفق مع من يقلل من أهمية ما ذكرنا، بإعتبار أن ثمة أشياء أهم وأخطر بما لا يقاس . نعم ثمة أشياء أهم، كالأمن والصحة، والتعليم، والعمل، والبنية التحتية، بدءاً من المجاري والكهرباء وصولاً إلى القطار والحافلة ورياض الأطفال، والنقل الجوي، والبحري، والبري ، مروراَ بالسكن والمتنزه، ودور الثقافة، في إطار الحرية والديمقراطية والشفافية، والنزاهة ، وتكأفؤ الفرص، والعدالة والمساواة، والمراعاة الصارمة لحقوق الإنسان، والرأفة بالحيوان، والإهتمام بالبيئة. نعم كل هذه الأمور بالغة الأهمية، ولا ندري حدود إهتمام حكوماتنا الرشيدة بها؟ وهل نجحت في أي منها، بحيث يكون هذا مبررا يدفعنا لغض الطرف عن إستيراد الملح من مدن الملح، وإستيراد مياه الشفة من بلاد العطش، وعسل التمر من بلد لا تمر فيه، واللبن من بلد ما هو بهولندا ولا الدانمارك، لا عرف ببقرته الضاحكة، ولا بمراعيه الخضراء؟

كيف يمكن لحكومتنا تشيد مجمعات صناعة البتروكيمياويات والصناعات التحويلية، وهي عاجزة عن إستثمار مملحة السماوة لإنتاج ملح الطعام ؟

مجمع صناعة البتروكيمياويات يحتاج إلى مليارات الدولارات، وآلاف الخبراء والمهندسين، وإمكانات إدارية ينبغي أن يكون مشهوداً لها، ومعمل ملح الطعام لا يحتاج إلا إلى أقل القليل من الجهد، والخبرات، والمال، والوقت، للوصول إلى وضع علبة أنيقة على موائدنا، مكتوب عليها ملح طعام عراقي.

الأول سيشغل آلاف من العاطلين عن العمل، ولكن الثاني أيضاً سيشغل عشرات من العاطلين عن العمل، وسيوفر أعمالا وسطية لمن ينقل ويخزن، ويوزع، يضاف إلى أن ثمار الثاني تظهر حالاً، وثمار الأول بعد حين، يطول هذا الحين كلما كان المشروع أكبر وأضخم وأكثر كلفة ؟

كيف يمكن لمن يعجز عن القيام باليسير والسهل والذي هو بالغ البساطة، إنجاز الكبير والمركب، والذي هو بالغ التعقيد؟ 

لماذا حكوماتنا، ومسؤلينا مهتمون بالمشاريع التي سوف لن ترى النور إلا بعد عقد من الزمن؟ لماذا هذا الوله بالمشاريع الستراتيجية، وإهمال المشاريع الصغرى، الأكثر ربحية، والأسرع مردودية، والتي ستراكم الثروة الوطنية وتداورها، وتحول دون هدر المال العام، بحيث تجعلنا نستورد، أي نشتري بالعملة الصعبة، ما لا نستطيع إنتاجه في هذه المرحلة فقط ، لضعف قاعدتنا الصناعية وخبراتنا التكنولوجيا، التي ستنمو وستتطور من خلال إحياء وتنشيط المشاريع الصغيرة، القليلة الكلفة، الكثيرة الربحية على مختلف الصعد، ووفق كل الحسابات والمعايير؟

نحن نحتاج الكهرباء الآن، وليس بعد سنين، وهذا ممكن جداً، وبإنفاق ليس بالكثير، عبر مولدات عملاقة، تتوزع على البلد كله، وسنسترد قيم هذه المولدات مع تكاليف النصب والتشغيل خلال سنة واحدة فقط، من دون التطرق إلى كوننا قد طردنا الظلام كلياً من ليل العراق، وواجهنا حر الصيف وبرد الشتاء، وأعدنا الحيوية والفاعلية لدوائرنا ومؤسساتنا، ومدارسنا، ومستشفياتنا، ومعاملنا، وورش كادحينا، وبأختصار أعدنا الحياة العصرية لبغدادنا ومدننا كافة، هذه الحياة التي عمادها الطاقة ( الكهرباء) في يومنا هذا، أما نسبة الأمن التي ستتوفر بوجود الكهرباء فنرجو أن يحدثنا اللواء قاسم عطا عن هذا، علماً بأن هذا الإجراء لا يتعارض مع السعي للخطط الستراتيجية في مجال الطاقة، بل يتكامل معها. الفرق أن الخطط الستراتيجية تحتاج إنتظاراً طويلاً ، والخطط الآنية تنفذ بأقصر الآجال.

يمكن أن ينتظر المواطن العراقي شراء سيارته العراقية، المصنعّة أو المجمعّة في العراق، والمكتوب عليها (صنعت بمعامل الإسكندرية في العراق)، وكذلك حاسوبه العراقي، ولكن من العار أن يظل يشرب قناني الماء الكويتي، ويستعمل ورق التواليت الأردني، ويستهلك الدبس السوري، ويشرب اللبن الإيراني.  

نحن نحتاج المتاجرة مع الإشقاء والجيران، ودول العالم كافة . فيما يتعلق بالإتجار لا خيار، ولكن نستورد منهم ما ليس عندنا، وما لانقدر على إنتاجه، وما يتفوقون فيه، وما نعجز عن مضاهاتهم بصناعته.

هل إعادة معامل الدبس العراقية الشهيرة أمر متعذر؟

وإذا أعدنا إنتاج الدبس المصنوع من تمرنا ذي المذاق الخاص، هل سنبقى نستورد الدبس ، ام إننا سنقوم بتصديره ؟

نفس الشيء يُقال فيما يتعلق بصناعة التمور، وكبسها وتعليبها. تُرى ما الذي يحول بين المُخططين والتنفيذين وبين الشروع بإحياء هذه الصناعة التي ستنعكس إيجاباً على المغارسين الذين تعهدوا النخلة منذ أو وجدت في أرض الخير والعطاء، إننا بهذا سنعيد الإعتبار لعمتنا النخلة، وسنخلق فرص عمل تبدأ من المغارس ولا تنتهي بذاك أوتلك التي تقف أمام ماكنه التعبئة أو التغليف ، أو النقل.

أما قضية اللبن الإيراني فتلكم ثالثة الأثافي .

شرّق أم غرّب، إذهب في مجاهل الدنيا، فأنك سوف لا ولن تجد طعم لحم الخروف العراقي، ذاك المُتباهي بأليته بين الأنعام كلها، ولن تجد أيضاً لبناً كاللبن العراقي، نتاج جاموس الهور المُتنعم بوفرة الماء والغذاء، الذي هو هبة الطبيعة منذ آلاف السنين، ومن لبن جاموس الهور تأتي مشتقات الألبان كلها، والتي عرفنا منها، وبوقت مبكر، ذاك المُطعّم بالخوخ والموز والآجاص والمشمش والكمثرى، هل ثمة حاجة للحديث عن القيمر العراقي، قيمر السماوة وسدة الهندية، أو الحديث عن الجبن العراقي بأصنافة وألوانه وأنواعه، وهل أتاك حديث لبن أربيل؟!

فما حدا مما بدا، هل نضب ضرع الجاموسة، أم عقمت الأبقار العراقية؟

هل هو أمر صعب أو مُتعذر أن يشرب العراقي ماءاً عراقياً، أو يرتوي بلبناً عراقياً، أو يستعمل ورق تواليت عراقي، أو يستهلك الدبس العراقي، أم أن هذا أصبح مستحيلاً في زمن نغل ، كل شيء فيه بالمقلوب .

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا