<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر خروجهم من العراق ليس إختيارهم
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

خروجهم من العراق ليس إختيارهم

 

صباح علي الشاهر

 

بعد ساعات من أسقاط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ، ظهر مواطن عراقي من عامة الناس كما يُقال على شاشة الجزيرة ليصرخ بوجه الأمريكان: (صدام وأسقطتوه، خلصتونا منه، فلماذا أنتم باقون، إرحلوا !)

حينها لم يكن الجندي الآمريكي قد خرج من دبابته بعد، ولا ركن رشاشته لأخذ قسط من الراحة .

كان لموقف المواطن العراقي من عامة الناس، مغزى، وإشارة ذات دلالة، لمن يستنبط المعنى .

بعد أيام قليله كانت نعوش الجنود الأمريكان الملفوفة بالعلم الأمريكي، تُنقل سراً من العراق إلى أمريكا، إيذاناً بإنطلاق أسرع مقاومة إحتلال في التأريخ.

لم يكن قتلى الجنود الأمريكان بسبب مواجهتهم للجيش العراقي أو فلوله، فالجيش العراقي، بكل صنوفه ترك سلاحه في أرض المعركة، وغادر الميدان، ليس الجيش فقط، بل حتى الشرطة، والموظفون كافة .

فجأة أصبحت البلد ليس بلا حكومة فقط، وإنما بلا سلطة من أي نوع. وهذه واحده من الأسرار التي لم تُفك لغاية الآن.

لماذا تلاشى الجيش من دونما مقاومة، ومن دونما مفاوضات، ومن دونما إستسلام حتى ؟ سؤال يبقى مُعلقاً، يبحث عن جواب، ربما لأمد بعيد.. كيف يمكن لقائد الجيش، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان، وقادة الصنوف، وقادة الفيالق ترك أتباعهم، المكلفين بقيادتهم، هكذا بدون توجيه وبلا أوامر، يواجهون مصيرهم لوحدهم، حتى أنهم كانوا لا يعرفون ماذا يفعلون بما في عهدتهم من أسلحة ومعدات؟

في كل جيوش العالم، وفي كل دوله، لوحدث هذا الذي حدث في العراق، لتم إقتياد قادة الجيش من الصف الأول إلى المحاكم، وإنزال العقاب العادل بهم، لكن قادة الجيش ووزير الدفاع، ذهبوا بأرجلهم إلى قوات الإحتلال وسلموا أنفسهم، والأغرب أننا نسمع من يصف هؤلاء بالأبطال، ولا أدري أين تكمن البطولة، هل في عدم المقاومة مع المقاومين البواسل، وهم وحدهم من يستحق صفة البطولة، أم في التلسيم الذليل للعدو والمحتل وطلب حمايته؟ 

هل سيتخلى الشعب عن محاسبة هؤلاء، وإن تخلى بسبب ما يعيشه البلد من فوضى هي في حقيتها النتاج الطبيعي، للفوضى الخلاقة التي أرادها الأمريكان، والتي من المطلوب فيها مراعاة كل شيء، إلا مصلحة الشعب،  فهل سيسلمون من حكم التأريخ ؟

سقطت بغداد بأقل من ساعتين، ومن دونما مقاومة. لا أهمية لتبجح البعض، وإدعائه بأن بغداد لم تسقط ولن تسقط، فإذا كان دخول الأمريكان لبغداد وإحتلالهم لها لا يعني سقوط المدينة المدهشة العزيزة على كل قلب، فماذ يمكن أن يُسمى هذا إذن؟

تشكلت المقاومة من عامة الناس، أشباه ذاك الذي صرخ من على شاشة الجزيزة طالباً برحيل الأمريكان، ومن جنود ومراتب وضباط الجيش العراقي الذين أبت عليهم شيمتهم أن يرضوا بأن تدوس بساطيل الأمريكي أرضهم  التي أقسموا على الدفاع عنها.

من يعود بذاكرته إلى أيام المواجهة بين الجيش العراقي، وقوات الغزو، ينتابه إحساس عميق بأن الجيش العراقي لم تتح له فرصة المواجهة الحقيقية ولا المقاومة، ليس في بغداد فقط، التي كان من المُتعذر، وفق أكثر المحللين تفاؤلاً سقوطها بأقل من ستة أشهر، وإنما في كامل التراب العراقي، ومن يقارن بين مقاومة مدينة بالغة الصغر في جنوب العراق لقوات الإحتلال، والتي إمتدت لعدة أسابيع،  وبين سقوط المدن الكبرى حتى من دون مقاومة، بدءاَ من البصرة وحتى بغداد، وما بعد بغداد وصولا إلى الموصل، يُصاب بالدهشة المصحوبة بالشك بأن ثمة ما هو مجهول، وغير معروف تسبب في هذا الإنهيار الدراماتيكي .

ربما كان هذا الإنجاز الأمريكي السهل، هو أحد الأسباب التي دفعت أمريكا فيما بعد الطلب من مجلس الأمن، إعتبار العراق ( بلد واقع تحت الإحتلال) . . تخيّلت أنه طالما إحتلته بسهوله فإن بإمكانها أيضاً حكمه بسهوله، عبر حاكم تعينه هي، لا مجلس الأمن، وهذا ما حدث بالفعل.

لم يدم عرس الأمريكان طويلاً، فهم وإن مهدوا للإحتلال بالشكل الصحيح، وجاؤوا في التوقيت الصحيح، إلا أنهم دخلوا المكان الخطأ .

كانت أمريكا تأمل بتحويل العراق الأمريكي إلى بؤرة جذب للمنطقة، ولكن السحر إنقلب على الساحر، إذ أصبحت التجربة العراقية في ظل الإحتلال الأمريكي كابوساً، وأسوء مثال يمكن أن يُقدم  لدول المنطقة.

عندما تخطى عدد القتلى الأمريكان الألف، بدأت أمريكا تُفكر عملياً في الإنسحاب من محرقة العراق، التي لم تقتصر فقط على عدد القتلى الذين تجاوزوا الأربعة آلاف من المواطنين الأمريكان الخُلص، وآلاف غيرهم من حملة( الكرين كارت)، والمجندين المرتزقة، الذين لم تجري لهم مراسيم التشييع والدفن المعهودة، بل كانوا يرمون جثامينهم في البحر، والجرحى الذين هم بعشرات الآلاف، والمصابين عقلياً وهم بعشرات الآلاف أيضاً، بل تعدته إلى الخسائر المادية ( المالية) الفلكية التي تجاوزت خانة مئات المليارات، إضافة إلى فقدان أمريكا لهيبتها، وإنكشاف ضعفها، بحيث أقر ستراتيجيوها بأنها غير قادرة على شن حربين في موقعين، وفي آن واحد، وكانت بالفعل تشن هذين الحربين، في العراق، وفي إفغانستان، وتُمنى هنا وهناك بهزائم مذلة، أزالت كلياً الهالة التي كانت تتمتع بها، ولعل هذه هي أسوء خسارة مُنيت بها أمريكا التي لا تُقهر، وليس بالإمكان إبعاد تأثير حرب أمريكا في إفغانستان والعراق، وحجم الخسائر التي مُنيت بها في البلدين، عن الأزمة الأمريكية الحالية، التي سوف لن تنتهي إلا وتكون أمريكا قد تغيّرت، هذا إذا بقيت أمريكا واحدة فعلاً،  ولعل القادم من الأيام سيحمل لنا الكثير من المدهشات، فيما يتعلق بالإنهيار الإقتصادي الأمريكي، أو بأنهيار الدولار الذي بات حتمياً، ليس على المدى البعيد أو المتوسط ، وإنما على المدى القريب. 

لكل هذه المعطيات، فإن خروج الجيش الأمريكي من العراق حاجة أمريكية، ولكن كيف يكون هذا الخروج، وعلى أي نحو؟

أغلب الظن، أن أمريكا تريد إيقاف النزف الذي عانت وتعاني منه، سواء في العراق أو أفغانستان، إذ من المتوقع أن تسعى إلى الخروج من أفغانستان أيضاً، ربما بعد خروجها من العراق بقليل، من دون خسارة النفوذ الذي تحصلت عليه، أو حتى التقليل منه، إلا أن هذا لا يتعلق برغبة أمريكا، فإمريكا لم تخرج بمحض إرادتها ورغبتها، وهي إن لم تخرج بهزيمة فإنها ستخرج بنصف هزيمة على الأقل، ولنصف الهزيمة تبعات، كما سيكون للاعبين الآخرين سواء في الملف الأفغاني، أو الملف العراقي كلمتهم التي على أمريكا لا الإستماع لها فقط، وإنما مراعاتها، وقبل هذا وذاك موقف العراقيين، وبالأخص الرافضين للوجود الأمريكي في العراق، والذين يتواجدون بقوّة الآن على الساحة العراقية، والذين يملكون القوّة والقدرة على الرد، ووقتما شاؤوا، وموقف المقاومين الأفغان في الحالة الأفغانية، وبناء على هذه المعطيات فإن النفوذ الأمريكي سواء في العراق، أو أفغانستان سيتأثر كثيراً في حالة الخروج العسكري الأمريكي من البلدين، وهذه مسألة ينبغي أن يستثمرها العراقيون، وكذا الأفغان، لتعزيز موقعهم السيادي، كما أن على دول المنطقة التعامل وفق هذا المعطى.

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا