<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر لبس القفاز والتلويح بالمهماز
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

لبس القفاز والتلويح بالمهماز

 

 

صباح علي الشاهر

 

ليس من دونما سبب أن تنطبع  الصور النمطية في الذاكرة . من المحتم أن لها اساس، ربما يضيف الناس لهذه الصورة ما يشاؤون من إضافات ليست فيها اصلاً، ولكن لا يمكن إعتبار الصور النمطية المنغرزة في الذاكرة محض إختلاق، وصورة العصملي في الذاكرة العربية من هذا النمط. لسنا بصدد تحليل هذه الصورة النمطية فهذا يحتاج إلى بحث أو دراسة خاصة ، لكننا نشير إلى أن واحدة من أبرز أشكال هذه النمطية، التعالي المفرط، الممزوج بالإحتقار للآخر، الذي هو نحن العرب، بكل أطيافنا وتلاويننا.

 ربما تكرست هذه النظرة بسبب حكمهم لنا عدّة قرون، حيث كانوا هم السادة الحاكمين، وكنا مجرد رعايا، أو رعاع ( عرب يوك قديماً، أو عربجة حالياً ) ، وزاد من قساوة وسوداوية النظرة التركية للعرب أحداث ما بعد الحرب العالمية الثانية، ووقوف العرب إلى جانب الإنكليز والفرنسيين، الذين تحولوا إلى أعداء للدولة العثمانية، بعد أن كانوا متعاونين أو منافقين لها، رغم أن القادة الذين أعلنوا ما سُمي بالثورة الكبرى، لا يمثلون العرب، أو على الأقل لا يمثلون أغلبيتهم، حيث كان عرب العراق تحديداً مناهضين للإنكليز ومدافعين عن الدولة العثمانية، التي عدوها دولتهم لأنها تحمل راية الإسلام، رغم ما عاناه الشعب العراقي من محن وآلام في ظل السلطات العثمانية الإستبدادية التي كانت بالغة القسوة في التعامل مع الرعايا العراقيين، وكان المغرب العربي برمته تقريبا مشغولاً في الكفاح ضد الغزاة والمحتلين، إنكليزاً كانوا أم طليان أم فرنسيين أم برتغاليين، أم أسبان، وكانت جزيرة العرب تسير في منحى خاص مختلف ظاهرياً عما يجري من صراعات هذه الحروب التي كانت حروب عالمية بين لصوص جدد، وكذا الأمر فيما يتعلق باليمن . إذن تحميل العرب، كل العرب، وزر التعامل مع الأوربيين، أمر خاطيء ويحتاج إلى إعادة نظر، خصوصاً وإن الإتراك المحدثين قد كونوا هم أيضاً صورة نمطية عن العرب، صورة سيئة من أول سماتها الغدر، وقد لعب الإعلام التركي، المسيطر عليه من قبل اللوبيات الصهونية، والمؤيدين للغرب، طيلة سنوات ما بعد سقوط الدولة العثمانية دوراً في تكريس هذه الصورة التي أضحت نمطية في الذهن التركي .

نسجل دونما تحفظ أن تركيا أردوغان لم تعمل على إزالة هذه الصورة، حتى ولو في إعلامها الخاص، ربما حسبت أن مواقف أردوغان الإستعراضية كافية لجعل العرب يدينون بالولاء المطلق للدولة التي إستيقضت فجأة ثم وجدت أن مصلحتها مع العرب، وأن إسرائيل التي هي حليفتها وصديقتها، وترتبط بها بمعاهدات وإتفاقيات عسكرية أمنية ، واقتصادية ، وثقافية، دولة مغتصبة لحق الآخرين !!

ممكن، وممكن جداً، أن تغيّر الدول، مثلما يغيّر الأشخاص بعض مواقفهم، وربما كلها، ولكن من يغيّر الموقف، يحتاج إلى إرسال لا علامات ضعيفة، وإنما مواقف حاسمة، تشعر المقابل بأن التغيير الحاصل هو تغيير حقيقي، وأعتقد أن التغيير حتى بعد طرد السفير الصهيوني من أنقرة، وتجميد التعاون العسكري، ليس تغييرا حقيقياً، لأنه لا يتعلق بالقضية الفلسطينية وأحقيتها، وإنما بكرامة تركيا، فتركيا ربطت إلغاء هذه الخطوات الخمس التي إعلنتها بإعتذار إسرائيل عن هجومها الدموي على سفينة الحرية ( مرمرة ). والسؤال المثار هنا، ماذا لو إعتذرت إسرائيل ؟

ليس بمقدور أحد الزعم بأن الأمور سوف لن تعود إلى مجاريها بين تركيا والكيان الصهيوني، ولكن ليس بمقدور أحد أيضاَ الزعم بأن ليس ثمة ما تغيّر أو يتغيّر في تركيا .

لفترة طويلة، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين، كانت تركيا، الوطن المتبقي من الإمبراطورية العثمانية، في عزلة عن محيطها وعمقها الطبيعي.

كان قادة تركيا الحديثة يمنون أنفسهم بحلم كان ومايزال صعب المنال، ألا وهو أن تكون تركيا عضواً فاعلاً في الإتحاد الأوربي.

من أجل تحقيق هذا الحلم شبه المستحيل قدم القادة الأتراك، على إختلافهم، كل ما يستطيعون تقديمه لأرضاء أوربا، إذ كانوا رأس حربة في مكافحة الشيوعية، التي ناصبوها العداء بأشد مما ناصبها الغرب الرأسمالي صاحب المصلحة،  كما كانوا في المقدمة في العداء والتآمر على الأنظمة العربية المحسوبة على التقدم والتحرر، والعداء للغرب والصهيونية، وكانوا من السباقين والداعمين للأحلاف المتعارضة مع مصالح شعوب المنطقة، كحلف بغداد، في التزلف إلى الغرب، وإمعاناً في الإبتعاد عن مصالح وهموم شعوب المنطقة، عقدوا أمتن العلاقات مع دويلة الكيان الصهيوني، ولم يقتصر هذا التعاون على الجوانب الإقتصادية والثقافية والعسكرية، والصناعية، وإنما شمل التعاون ولحدود التكامل في الجوانب الأمنية والإستخبارية، بحيث كرست تركيا ولسنوات عديدة جهودها للدفاع عن إسرائيل وممارساتها ، ولم يختلف حكام تركيا في تبني هذا الموقف مهما تباينت ولاءاتهم  وإنتماءاتهم، علمانين كانوا أم إسلاميين، يتساوى في هذا الإسلامي عدنان مندرس واليساري بلموند أجاويد.

المفارقة أنه رغم كل ما فعلته تركيا التي تسمى بالحديثه للغرب فإن الغرب هذا لم يتزحزح عن موقفه من عدم قبول إنخراطها عضواً فاعلاً في الإتحاد الأوربي، أي أنه يرفض إندماجها في عالمهم الغربي .

ليس التأريخ وحده من كان يحول دون إنضمام تركيا لأوربا، ولا الجغرافية، ولا موقف اليونان، ولا تقسيم قبرص، ولا دعاية الأرمن. شيء أكبر من محطات التأريخ الدموية، وشيء أكبر من كون تركيا تدين بدين غير الدين الذي تدين به الأغلبية في أوربا، شيء يكمن في حقيقة وجوهر تركيا، وحقيقة وجوهر تركيا أنها شرق، لا بل بوابة الشرق، وخط دفاعه الأول، وهي لا ولن تكون غير هذا، لن تكون غرباً، مهما تغربت وتأمركت، فهم الساسة الأتراك هذه الحقيقة أم تجاهلوها.. أوربا تدرك هذه الحقيقة جيداً، وهي لا تريد أن يكون الشرق جزءاً منها، ولا أن تكون جزءاً من الشرق، فعندهم أن الشرق شرق، والغرب غرب، وكل الرتوش والتزويقات التي قدمتها حكومات تركيا المتعاقبة، منذ أتاتورك لحد الآن، كتغير الحروف العربية بالإفرنجية، ومحاولة تغيير العادات والتقاليد، لم تخلق تركيا الأوربية، وإنما خلقت تركيا العرجاء التي مازالت وستبقى تبحث عن ماهيتها، وهويتها الحقيقية. 

تركيا بامتدادها الرابض على سنام آسيا، من المتوسط حتى حدود الصين، لن تقنع أحداً إذا لبست القفاز، ولوّحت بالمهماز ..

المطلوب خروج تركيا من الصورة النمطية، صورة الآغا، والباشا، الذي يأمر وينهى، والذي يرى أنه فوق الآخرين، لا لشيء إلا لكونه تركياً والآخرون غير هذا .

شعوبنا التي كانت رعايا، لم تعد كذلك، فلا تستعملوا معها لغة الأوامر والنواهي، بل تفاعلوا معها، وقدموا برهانكم إن كنتم صادقين، وليس ثمة برهان أكبر، وأكثر إقناعاً من الموقف من فلسطين والقدس، ومن الموقف العملي والفعلي من إسرائيل .

نعم، نحن معكم من أجل الدفاع عن كرامتكم، لكننا نقول لكم أن كرامتنا مرهونة بلفلسطين والقدس، ولا كرامة لنا من دونهما، ومن يريد أن يكون منا ينبغي عليه أن يكون مثلنا، وإلا إسمحوا لنا بأن نقول لكم، أننا كشعوب قد غادرنا منذ زمن مرحلة التأثر بالمشاهد الإستعراضية، مهما بدت محبوكة . 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا