<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر بحث الأسس الجمالية في الرواية -الكليّة الموضوعيّة والنمط (1-3)
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

بحث الأسس الجمالية في الرواية

 

الكليّة الموضوعيّة والنمط

 

(1-3)

 

 

صباح علي الشاهر

 

الإنسان ككليّة ملموسة وشاملة الجوانب هو موضوع المعرفة الجمالي الأساسي في الرواية، وهذا هو جوهر الرواية ومحتوها، ومبرر ولادتها ووجودها كجنس أدبي جديد، وفي إطار هذا الجوهر تندرج كل مضامينها مهما تلونت وتعددت وتنوّعت.

كانت الرواية ومنذ نشأتها، ومازالت، وستبقى، إنسانيّة حصراً، فهي تثير قبل كل شيء موقف الإنسان( الفرد) إزاء نفسه وغيره ( الآخر) وإزاء ما يحيط به ( المجتمع والعلاقات)... مركز إهتمام الرواية بلا منازع، الشخصيّة الإنسانيّة، مواقفها وأفعالها... يقول جاك ميتشيل: «الرواية كشكل من الإنعكاس الجمالي للإنسان في المجتمع، بعلاقتها الحميمة الصميميّة «المبنية على الملاحظة»، الشموليّة والإيجابيّة بين الذات «الكاتب والقاريء» والموضوع «الإنسان الموجود في المجتمع القائم»، تتطلب كما أفترض– أكثر بكثير مما هو الحال في الأجناس الغنائيّة الشعريّة - درجة عالية جداً من تحقيق «الشرعيّة الإنسانيّة» من قبل الذات الجماليّة، وأهمية ذلك القطاع في الواقع الإنساني المرئي كموضوع جمالي» -1-

الشرعية الإنسانية في جماليات العمل الروائي ليست شعاراً يمكن رفعه اليوم، وتغييره غداً ، وإنما هي ماهية وجوهر، وهي إذ رافقت الرواية منذ نشأتها، فإنها ستلازمها في كل المراحل اللاحقة، وحتى عندما نُظّر لما سُمي بالتشيء كبديل عن الأنسنة، في مرحلة تغوّل الرأسمالية، فإن منظري التشيء، زعموا أنهم لا يهدفون إلى تشيء الإنسان، وإنما أنسنة الأشياء، أي تعميم الإنسان على الأشياء كلها.

ينطلق العمل الروائي، رغم كل التباين والإختلافات، من الفرد، ثم يعود إلى الفرد، أي منه وإليه، ولم يكن بالإمكان في العصور الأقدم من زمن تشكل الرواية ظهور الرواية كجنس أدبي، بسبب من أن موضوعها ومضمونها الأساس، ألا وهو الإنسان، لم يكن قد تبلور على النحو الذي يمكن أن يوّلد فناً بهذا العمق والغنى إلإنساني، فالإنسان يومها لم يكن ينظر إليه سوى كماهيّة حقيرة، مُدانة، ووفق ما ورد بالكتب المقدسة التي حقّرت من شأنه، أما في المراحل الأبعد، أي زمن الألهة وأنصاف الألهه، فالأبطال لم يكونوا بشراً وإنما آلهة أو أنصاف آلهة. في كل تراث البشرية تقريباً، لم تكن البطولة بقامة الإنسان، إنها حكر على نمط من الخلق، وإن كانوا بشراً لكنهم مقدسون، مسنودون ومدعومون من قوى خفية، وهم حتى لو كانوا نظراء لنا في الخلق، لكنهم مختلفون عنا تماماً، شيء ما جعلهم يغادرون خانة البشر إلى ما هو فوق البشر، وليس من دونما معنى الزعم بأن الدماء التي تجري في عروق الملوك زرقاء. 

 في عصور لاحقة، وتحديداً في عصور النهضة الإنسانية الحقيقية، وبالترافق مع الثورات في كل المياديين، بدأ الحديث عن المضمون الجوهري للإنسان، والذي لم يكن جديداً، ولا مُستحدثاً، وإنما مطموراً خلف ركامات الأباطيل والأكاذيب. المضمون الحقيقي للإنسان، بماهيته وتفرده، بإعماله وطموحاته، بنبله وضعفه، سموه وإنحطاطه، وبقدرته على تحديد مستقبله، دونما حاجة لحرز أو صك ممن يملكون لوحدهم مفاتيح المستقبل، بتبلور هذا الإنسان، بهذا المعطى الديناميكي الفعّال، أصبحت الحاجة ضرورية وملحه لوجود جنس أدبي قادر على التعبير عن هذا المضمون الجوهري، ولهذا ولدت الرواية كجنس أدبي ، والتي إتسمت منذ بدايتها بطابعها الإنساني .

إن الإنسان الذي هو محط إهتمام الرواية مأخوذ كما هو في الواقع ضمن الجماعة، أي ضمن مجتمع قائم محدد تأريخياً، وكما يقول غارودي: « فإن الفرد تأريخياً لا يعي نفسه إبداً إلا في إطار حضارة، أي قلب جماعة».-2-

لقد كانت الرواية في بداية نشوئها عبارة عن مقالة إجتماعيّة ساخرة أو إنتقاديّة، وسيرة حياة، تراجيديّة أو كوميديّة، عكست مجتمعاً معيناً في حدود فترة تأريخيّة معينة، ولذا فإنها منذ نشأتها إتصفت بصفتها الإجتماعيّة، وذلك لأن موضوعها «الإنسان في مجتمع»، ولقد حاولت الرواية جاهدة، ووفق الوسائل المتاحة لها يوم ذاك، إيجاد التأثير المتبادل بين عالم الإنسان كفرد والمجتمع ككل، وتأثير الوسط الإجتماعي على الشخصيّة. يقول غولدمان: «إن ما سيكون مستحيل التصور على كل حال هو أن شكلاً أدبياً يمثل هذا التعقيد الديالكتيكي قد وجد، طوال قرون، لدى أشد الكتاب إختلافاً وفي أكثر البلدان تنوعاً، وإنه أصبح الشكل الأمثل الذي عُبر من خلاله، على الصعيد الأدبي، عن مضمون حقبة بكاملها، دون أن يكون ثمة تماثل أو علاقة دلاليّة بين هذا الشكل وأهم مظاهر الحياة الإجتماعيّة».-3-

 فبلزاك مثلاً الذي إستمد مجده الروائي من كونه مصور الشخصيات الروائيَّة ذات البعد والعمق الإنساني، إهتم غاية الأهتمام بتصوير الجانب الإجتماعي للشخصيّة، وتغليب هذا الجانب على الجانب الروحي أو النفسي، فهو يرى - أي بلزاك - على خلاف ستنادال أو دوستويفسكي أو بروست «أن هناك شيئاً أهم وأكثر دلالة من الحقيقة الروحيّة. إن الشخصيّة لا تصبح ذات أهميّة ودلالة إلا من حيث هي معبرة عن جماعة إجتماعيّة، ومن حيث هي طرف في صراع بين مصالح متعارضة خاضعة للأوضاع الإجتماعيّة والأوضاع الطبقيّة» - 4 -

وبغض النظر عن كون الروايات قد قدمت الشخصيّة كمعطى جاهز وسكوني أحياناً، أم كشخصيّة تتطور مع تطور الحدث، أم قدمت أيضاً واقعاً إجتماعيّاً موصوفاً كمعطى جاهز وسكوني غير متغيّر، أم مجتمعاً يحكمه الصراع ويمور بالحركة، فإن الروايات التي تستحق هذه التسمية قد عكست الشخصيّة ضمن إطارها الإجتماعي الذي لا يمكن إلا أن تكون ضمنه. يقول المفكر الروسي البارز «بليخانوف» الذي لعب  دوراً بارزاً في تطوير المنحى الإجتماعي في الأدب: «كان النقاد المثاليون من مدرسة «هيغل» يقولون أن مهمة النقد الفلسفي تكمن في ترجمة الفكرة التي عبر عنها الفنان في نتاجه، من لغة الفن إلى لغة الفلسفة، من لغة الصور إلى لغة المنطق، وبصفتي نصيراً للتصور المادي للعالم، سأقول أن الواجب الأول للناقد يكمن في ترجمة فكرة ذلك النتاج من لغة الفن إلى علم الإجتماع وفي تحديد ما يمكن تسميته بالمعادل السيوسيولوجي للظاهرة الأدبيّة المعطاة».-5-

إن ما يدعو إليه بليخانوف هو «المعادل السوسيولوجي» لأن هذا المعادل هو الذي الذي يُفسر إرتباط الأدب بالقضايا الإجتماعيّة، وبليخانوف يعتبر (وليس عن حق) أن تقديم الناقد للجانب الفني فعل ثانٍ في العمليّة النقديّة كلها في مقابل الفعل الأول الذي هو البحث عن المضامين الإجتماعيّة للأدب، متجاهلا بذلك الترابط الديالكتيكي بين الشكل والمضمون، ويتأكد هذا التوجه الأحادي الجانب في التحليل الإجتماعي للأدب عند بليخانوف من خلال دراسته لرواية (ما العمل؟) لتشيرنشفسكي، حيث لم يشر إلى الجوانب الفنيّة في النص.

صحيح أن جوهر الإنسان إنما هو في حقيقته مجموع العلاقات الإجتماعيّة، أي العلاقات بين الناس، التي هي ليست غالباً علاقات إختياريّة، حيث يدخلون في علاقات فيما بينهم ثم يصبحون هم أنفسهم نتاج هذه العلاقات الإجتماعيّة، إذ أن علاقات الإنتاج التي تملك وجودها الموضوعي المستقل عن وعي الإنسان وإرادته تشكل القاعدة لجميع العلاقات الإجتماعيّة، وتشكل بنهاية المطاف جوانب هامة من شخصيّة الإنسان. يمكن تسميّة هذه الجوانب بالأشكال العامة للشخصيّة الإنسانيّة، غير أن الأدب عموماً لا يبحث فقط عن الأشكال العامة للشخصيّة الإنسانيّة، وإنما عن تفردها أيضاً، ومن هنا القول إن المعادل السوسيولوجي رغم أهميته فإنه يصبح أحادي الجانب إذا ظل هو المعادل الوحيد المطلوب إستجلاءه أو كشفه أو تقديمه.

إن الواقع الذي تعكسه الرواية ليس الواقع الإجتماعي فقط، بل الواقع ككل، السيكولوجيّة الإنسانيّة والعالم الروحي الداخلي للإنسان، مظاهر الحياة والطبيعة، العلاقات المتبادلة، أي الحياة بإطارها البانورامي، إنطلاقاً من كون التجسيد الفني للحياة، للواقع الموضوعي بشموله، يشكل المثال الأعلى الجمالي، وليس معنى هذا القول أن الرواية تعكس حصراً الواقع الموضوعي بشموله، فهذا مستحيل بناءاً على غنى الواقع الموضوعي الذي من ضمنه الواقع الإجتماعي. يرى هانز كوخ: (إن كل العمليات والعلاقات والظواهر هي موضوع الفن، ليس في كونها عمليات وعلاقات وظواهر في حد ذاتها، ولكن في علاقاتها مع الإنسان».-6-

 ومن هنا يمكن القول إن المعادل السوسيولوجي مهم جداً بالنسبة لتحليل العمل الروائي وتحديد مضامينه، لكنه ليس كل شيء.

يعمل الفن على مستويين، هما الواقع الموضوعي من جهة، هذا الواقع ببعده التأريخي والإجتماعي الملموس، والذي منه وفيه يستمد العمل الفني مادته الأساسيّة، والذي على الفن أن يتمثله،  ومستوى العرض النمطي الرمزي التخيلي الذي له خصوصيته المميزه بإعتباره فناً من جهة أخرى... إن الواقع الموضوعي التأريخي الإجتماعي الملموس هو الكليّة العامة، بينما الفن هو الكلية ذات النوعيّة الجماليّة، التي تنطلق من الخاص والمتفرد خالقة منه ومن إرتباطه بالعام مادتها الفنيّة، مُحيلة المنجز الأدبي، والفني عموماً، إلى عالم خاص قائم بذاته، إلى عرض نمطي، يعتمد الرمز ويرتكز إلى التخييل، ويستثير الواقع الموضوعي في كليته، الإجتماعيّة والتأريخيّة، إن هذا العمل الفني يعتبر بنيّة فكريّة قائمة بذاتها تدل على الواقع الموضوعي بشموليته دلاله رمزية متخيّلة...

 

<<الجزء الثاني <<

 

1- (( جاك ميتشيل(المشاكل الجماليّة في تطورالرواية الثوريّة البروليتاريّة في بريطانيا) مجلة المعرفة. دمشق. العدد 216 شباط 1980. ت: توفيق الأسدي. ص: 147.))

2- (( غارودي (ماركسيّة القرن العشرين) .ت: نزيه الحكيم. دار الآداب. بيروت - 1972.ص:130)).

3- (( لوسيان غولدمان (مشكلات سوسيولوجيا الرواية) ت: بدر الدين عرودكي. مجلة المعرفة. دمشق. العدد217. آذار 1980. ص: 83.))

4-(( أرنولد هاوزر(الفن والمجتمع عبر التأريخ) ت: د.فؤاد زكريا. الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر. القاهرة. ط1. سنة1971. ص:29.))

5- (( بليخانوف (الفن والتصور المادي التأريخي). مجموعة مقالات. ت: جورج طرابيشي. دار الطليعة. بيروت. ط1.1977. ص:59.))

6- ((جاك ميشيل (المشاكل الجماليّة في تطور الرواية الثوريّة البروليتاريّة في بريطانيا). ص: 146.))

 

 

<<الجزء الثاني <<

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا