<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر المقامرة بمصالح الشعب

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

المقامرة بمصالح الشعب

 

صباح علي الشاهر

 

وأخيرا إنتهى العرض وسيسدل الستار، بعد أن ألقى اللاعبون كامل أوراقهم على الطاولة . لم يعد في جعبة أي منهم، لا  (جوكر) ولا ورقة مخفية، كل الورق أضحى على الطاولة .

لم يعد ثمة معنى للإدعاء، أو التهويل، وبطل الغش والتزوير، أو إدعاء الغش والتزوير ، إذ لم تعد المرحلة مرحلة عدّ أو فرز، أو حتى إحتكام لهيئة قضائية .

الأرقام وحدها الآن من يحدد ويقرر، وما خلا هذا عبث، وعندما تتحدث الأرقام تصبح المماحكة باسم الجدل مضيعة للوقت.

مقامرون على مائدة قمار، هكذا تبدو الصورة في بعض جوانبها، إلا أن المقامرة هذه المرّة ليس بمال المقامرين الخاص، وإنما بمصالح ومصائر الشعب، وهذا ما يجعلها أغلى مقامرة في التأريخ، يقامر فيها مقامرون متهورون بما لا يملكون .

إذا كانت مجريات الحملة الإنتخابية تستحق أن يجرى حولها ما لايحصى من الدراسات والتحليلات لإستخلاص العبر، فإن مجريات ما بعد الإنتخابات يمكن أن تكون مستودعاً لا ينضب لمن يرغب بدراسة أقوال وأفعال الساسة، كذبهم، وخداعهم، وتقلبهم، وعدم إحترامهم لعقول الناس.

أول ما يتوصل إليه المتابع لصراع الديكة هذا، أن لا برنامج ولا منهج حقيقي لأي منهم ، يؤكد هذا سهولة إنتقالهم من ضفة إلى أخرى، ومن دونما تبرير، مما يشير إلى أن ليس ثمة خنادق، وليس ثمة أفكار مختلفة يتم الصراع حولها وبموجبها، وإنما ينحصر عراك الديكة حول، ومن أجل ذاك الذي تًذل له الرقاب، مثلما تسيل له اللعاب، صاحب المعالي والفخامة  دولة ( الكرسي).

ما جرى في الإنتخابات، وما جرى ويجري بعد الإنتخابات يمثل هزيمة أخلاقية من العيار الثقيل لساسة العراق الجديد، عكست بكل وضوح لا جدارتهم بقيادة بلد عظيم كالعراق، كما عكست أزمة من نوع خاص، شديدة الوقع والتاثير، ألا وهي إهتزاز مصداقية العديد من وسائل الإعلام إلا ما رحم ربي .

يُقال عن الصحفي بإنه باحث عن الحقيقة، وعاكس للحقيقة. وهو بهذا المعنى غير معني بشيء آخر غيرها. أي غير معني بالأكاذيب، ولا حتى بإنصاف الحقائق.

عندما وصفوا الصحافة بالسلطة الرابعة، فإنهم أرادوا بهذا أن دورها يوازي السلطات الأخرى، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومكمل لها، ربما أدرجت الصحافة في هذا المدرج من باب تعظيم دورها، وهو عظيم فعلاً، بشرط إتصاف هذه الصحافة والإعلام عموماً بالمصداقية، وإلا فإنها ستكون مهما تطور إداؤها وسيلة لتمرير الخديعة والتدليس، وعندما تكون كذلك فإنها سوف لن تتعدى كونها سلطة قمع وإستلاب إضافية، تعمل من حيث تدري أو لا تدري على النزول بالإنسان من مرتبة الإنسان إلى مرتبة ما دون الإنسان، إذ ما الذي يتبقى للإنسان عندما يحرم ليس فقط من الإطلاع على الحقيقة، وإنما حتى من إمكانية الوصول لها، عبر تشويش ممنهج، يقدم له أكاذيب وأنصاف حقائق وفبركات.

يقولون أعطي للإنسان الأخبار والمُعطيات الصحيحة، فإنه سيتوصل للحقيقة بنفسه، من دون الحاجة إلى أن تقدمها له بشكل جاهز ومباشر،  مهما كانت مداركة متواضعة، تصبح هذه الحقيقة في متناوله، لقد وضعته على طريق الوصول إليها، وعززت بهذا آدميته.  ولكن قدم له أكاذيب وأنصاف حقائق، فإنك في هذه الحالة تجعل من المتعذر عليه الوصول إلى مشارف الحقيقة. لماذا ؟ لأنك خربت منظومة تفكيره بمجملها. برمجته على طريق يفضي إلى أي شيء،  ولكن ليس إلى الحقيقة الموضوعية.

يمكن للصحافة أن تلعب (الدوريين) معا، أو أحدهما، وهذا متعلق بالهدف الذي من أجله أنشئت الوسيلة الإعلامية.

هل المطلوب إحترام آدمية الإنسان، وأبقاءه في المرتبة الآدمية التي هي بقامة الإنسان، عبر مساعدته على الوصول إلى الحقيقة، التي تجعل من سلوكه وتصرفه متسقاً مع أدراكه للحقيقة التي سوف يتصرف بمقتضاها، وتجعله كامل الحرية والأهليه في إتخاذ الموقف منها سلباً أو إيجاباً، بحيث يصبح الموقف الذي يتخذه أي كان نوعه، موقفه الذاتي ، الخاص به وحده، والمتأتي من مراعاة مصلحته الحقيقية أو نوازعه وتطلعاته، أم أن المراد شيء آخر؟

الإنسان الحر، هوالإنسان الذي يتخذ قراره من خلال النظر في جملة الحقائق المعطاة له ، وليس الذي يتخذ قراره وسط ركام الأكاذيب وأنصاف الحقائق. في الحالة الاولى يكون القرار قراره، والموقف موقفه، وفي الحالة الثانية يكون القرار قرار غيره. إنه بالتحديد قرار ذاك الذي شوه الحقائق أو أبدلها، ثم أوهم المخدوع المًستلب، المحروم من معرفة الحقيقة، بأنه صاحب قرار ورأي، في حين أنه كان مدفوع دفعاً لتبني هذا الرأي أو القرار عبر التعتيم والتحريف، وأبدال الوقائع، وعرض أنصاف الحقائق. 

الإنسان موقف، ولكونه كذلك فإن من حقه أن تتوفر له المعطيات الحقيقية، دونما تشويه، فهذه وسيلته الوحيدة لبلورة موقفه الخاص، وعلى الوسائل المناط بها توفير المعلومة وهي وسائل الإعلام في هذه الحالة، الحرص على تقديم هذه المعلومة كما هي، ومن دونما رتوش.

يكون الإنسان بمرتبة الإنسان عندما يكون له موقف، وينزل إلى مرتبة  ما دون الإنسان عندما لا يكون كذلك، وبهذا المعنى يكون دور الإعلام بناءً عندما يساهم في جعل الإنسان صاحب موقف فعلاً، لا صدى لغيره، أو هداماً، عبر حرمانه من إمكانية تعزيز آدميته، وجعله يتصرف حتى على الضد من مصلحته .

بين أن يكون مكرساً لآدمية الإنسان، أو مشوهاً لها، لا يوجد خيار أمام الإعلام الحر المستقل، الذي أصبح الآن الملاذ الأخير، وآخر القلاع بعد السقوط المريع والمخزي للساسة والحركات السياسية، وسقوط الإعلام الحزبي والسلطوي، وكذا الإعلام التابع ، المدفوع الأجر .

مجريات الحملة الإنتخابية الأخيرة في العراق، وكذا ما قيل وعُمل وفُعل طيلة الأشهر التي تبعتها، ولحد الآن، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك الجوهر الحقيقي لما سُمي بالعملية السياسية، مثلما يُعري ويكشف مصداقية ساستها، ومؤسساتها.

  

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال