<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر فرح بطعم الحنظل
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

فرح بطعم الحنظل

 

 

صباح علي الشاهر

 

لم يحدث إجماع بين مثقفي الأمة كذاك الإجماع على أن حال أمتنا لن ينصلح طالما ظلت أنظمتنا العربية على ما هي عليه، و لم توجد في العالم كله أنظمة إحتقرت شعوبها، وتعالت عليها،  وأمتهنت كرامتها، كأنظمتنا العربية، مثلما لم نشهد- على الأقل في العمر الذي عشناه- حكامنا إستُعبدوا من قبل الآخرين، ربما بدرجة إستعبادهم لشعوبهم ، وإذِلُوا من قبل الآخرين، ربما بأكثر مما أذلوا رعاياهم .

كان حكامنا والحق يُقال، نمطاً خاصاً من الحكام، لا مثيل له ولا شبيه في عصرنا هذا، وبعضهم لا شبيه له في كل العصور. يتقلبون بين الشيء وضده بأسرع من لمح البصر. يصبح الصديق عدواً والعدو صديقاً، لا بسبب تغيّر المعطيات، وإنما بسبب مزاج الحاكم. الحاكم المتفرد أصبح مثل ذاك الذي له يومان، يوم العسر ويوم اليسر،   يوم السعد ويوم النحس، يوم البطش، ويوم الرحمة، حتى أن أقرب المقربين لم يسلم من يوم نحس الحاكم الذي لا يستشعر البعض حلوله، حتى لو إمتلك كل وسائل الإستشعار عن بعد، ولم تسلم الأوطان والشعوب الأخرى من يوم نحس حكامنا، قريبة كانت أم بعيدة .

حكامنا كلهم، الذين  يرون أن ماهم فيه من نعمة إنما هي من عند الله، الذين يحسبون أنهم خلقوا ليكونوا فوق البشر، لأن البطن التي حملتهم ليست كبطون النساء، والظهر الذي إنسلوا منه ليس كظهر بقية الرجال، وأولئك  الذين يدعون إنهم خرجوا من الشعب، وهم يحكمون باسم هذا الشعب، كلهم وبلا أستثناء مولعون لحد الخبال بكنز الأموال، وتكديسها في بنوك الغرب، وكلهم وبلا إستثتاء  مهووسون بالبذخ الذي لا حدود له ، سواء من حيث نمط القصور التي يينونها أو يقتنونها، والتي لا ينبغي أن تشبه قصور الغير، أو نوع الطائرات الخاصة، أو السيارات الخاصة، أو اليختات الخاصة، التي غالباُ ما تكون حتى مرافقها من الذهب الخالص. ولم لا أليسوا هم معجزة حلّت علينا برحمته سبحانه. قليل بحقهم القول أنهم فوق مستوى البشر، حتى وصل الأمر بتابع إلى مخاطبة سيده بقوله : ( سيدي لولا أن الوحي قد إنقطع بعد وفاة رسول الله لقلت أنه يوحى إليك!).

كلهم وبلا إستثناء لا يثقون إلا بالإبن، أو الأخ، أو النسيب، أو إبن العم، أو إبن الأخ، أو إبن العشيرة، فإن لم يكن لأحدهم عشيرة فالبطانة، والحاشية، ومتعهدي الخدمات الخاصة ، أولئك الذين ينسجون حوله الأساطير، سواء ما يتعلق بحلمه، أو علمه، بتقواه أو تدينه، بسماحته وشدة بأسه، وقدراته الخارقة التي لم تُوهب لغيره من البشر، فهو حصيف ، أريب، قادر على معرفة حقيقة الإنسان من مجرد النظر في عينيه، لا تخفى عليه خافية ، ملّم، مدرك، وإذا كان للرسول الأعظم شاعر واحد، فإن لكل واحد من هؤلاء جيش عرعرم من الشعراء، ومثله من الفنانين، الذين لا هم لهم سوى رسم (جُهرته)، أو نحت حالاته المختلفة، وفيالق من الإعلامين والطبالين والمُبخرين، والحوات والمُهرجين، الذين لا علم عندهم يعلو على علم تفسير وتحليل أقوال القائد، وسبر أغوار خطبه العصماء، وإستخلاص مكنونات توجيهاته التي على هديها يسير الشعب دونما زوغان، وينهض الوطن متجاوزاُ كل  كبوة أو عُثار.

إذا كان الله سبحانه قد اختص بتسع وتسعين من الأسماء الحسنى، فإن لكل واحد من هؤلاء الأفذاذ  أكثر من مائة من الأسماء والأوصاف والنعوت، وقائمة أسمائهم الحسنى مفتوحة كجدول مندليف، يمكن لكل مدع للإبداع إضافة صفة أو اسم أو نعت لها، ليدخل هذا المسمي أو الواصف أو الناعت ملكوت الرئيس والقائد، ويصبح من أصحاب الحضوة ولو إلى حين .

قلة قليلة من النخب هي التي لم تصب بالإحباط من الشارع العربي. قلة قليلة حيّل بينها وبين التواصل بين الناس عبر وسائل التواصل المعهودة، والتي أحكم الطغاة السيطرة عليها، مباشرة أو بالواسطة، أما أغلبية النخب فقد عبرّت عن يأسها من الشارع العربي، وأعلنت موته منذ أمد بعيد، ثم بدل من أن توجه لومها وإنتقادها للطغاة الذين تفننوا في كم الإفواه، صبت جام غضبها على الشارع المسحوق والمُستلب، وكأنها بذلك تؤكد ثورية جوفاء، لم يعد لها من فعل سوى تسطير الكلام المنافق، ثورية ورقية لفظية تتعملق زوراَ، وهي القميئة واقعاً بإزاء العملاق حقاً .    

وكذّب شارعنا العربي طروحات النُخب المأزومة المهزومة، إنتفض من حيث لم يحتسب أحد، فأصيب الطغاة بدوار لا أظن أنهم سيصحون منه، من سقط منهم، أو من هو في طريقه إلى السقوط الحتمي .

صرخ الشارع، فإذا بالأطواد الشامخة، التي عملت على نفخها آلاف الأقلام، ومئات  مؤسسات البذخ بلا حدود، إذا بها، كما هي حقيقتها،  عجفاء خاوية، مهزوزة، تحاول كآخر ورقة تلعبها إستدرار عطف من أذاقتهم الويل والثبور، معتمدة على محاولة إستثمار طيبة جبلت عليها شعوبنا السمحة، ولكن هيهات، فقد إنتصر الشارع ، إنتصر لأنه كان واع وموّحد.

شكراً لأخوة البوعزيزي، شكراً لأبطال ميدان التحرير، لقد جعلتمونا نفرح بعمق، فرحاً ممزوجاً بالفخر كله، إذ لأول مرّة تصنع شوارعنا ومياديننا نصراً بهذا الحجم، نصراً تونسياً بأمتباز، مصرياً بأمتياز، نصراً مُلهماً بكل المعاني والمقاييس .

هل هي مفارقة أم واقع حال، أن يكون طعم الفرح المصري والتونسي كالشهد على اللسان ، وطعم الفرح الليبي كالحنظل.

الفرح الذي هو بطعم الشهد أثبت أننا قادرون على التخلص من طغاتنا دونما مساعدة من أحد، ولا تدخل من أحد، ولا منيّة من أحد. نحن الذين نحرر أنفسنا من طغاتنا، الذين جثموا على صدورنا بدعم الغرب وأمريكا لهم . هذه هي مسؤليتنا، وهذا هو واجبنا.. تحررنا من طغاتنا يعني من جملة ما يعنيه، تحررنا من هيمنة الصهيونية وأمريكا والغرب ، فالتحرر من الطاغية من دون التحرر من الثلاثي الكريه، ليس تحرراً، وإنما هو إبدال لطاغية بطاغية آخر، أو إبدال ذليل بذليل آخر.

ليس تحرراً ذاك الذي يُبدل طاغية مجنون، بتبعية لقتلة عمر المختار، وجزار الشعب الجزائري، ومن لا يحتاج دليلاً لأثبات عدائه للأمة ومناصرته لإسرائيل. وطمعه بخيرات الشعوب.

أكون منافقاً لو قلت أني شعرت بعين الفرح الذي شعرت به عندما إنتصرت تونس، ولا بنفس الفرح الذي أحسست به عندما أنتصرت إرادة ملايين المصريين، إذ كيف يكون الفرح صافياً والناتو يدنس تراب ليبيا؟

  يا أحرار ليبيا : لماذا جعلتم الفرح بطم الحنظل؟  

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا