<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر جيفارا الأسطورة وبن لادن الظاهرة 
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

جيفارا الأسطورة وبن لادن الظاهرة 

 


صباح علي الشاهر


أسامة بن لادن، حاول أن يتخطي أصله اليمني، وجنسيته السعودية، ترك رغد العيش، والجاه والثروة، والارتباط بالأسرة البالغة الثراء، والذهاب الي وهاد افغانستان وكهوفها لرفع راية الجهاد ضد السوفييت أولاً، وضد أمريكا ثانيا، وضد العالم كله في نهاية المطاف بعد أن قسّم العالم الي فسطاطين، فسطاط الايمان وفسطاط الكفر. فسّر الايمان بناء علي موروثه المعرفي، البسيط والمغلق، شديد العزلة، وانطلق من قناعاته الخاصة ليحدد بثنائية قسرية فسطاط الايمان، الذي كان بالنسبة لتحديداته شديد الضيق، والذي كان يصغر يوماً بعد يوم، ليس في اطاره الكوني، ولا الاسلامي، وانما حتي في الحيز المذهبي، ليقتصر في نهاية المطاف علي أشخاص يريدون العيش خارج العصر، نهجاً وسلوكاً وعملاً. أشخاص احتكروا الحقيقة، واستحوذوا علي الايمان الخالص، بحيث وجدوا أن من حقهم نحر الآخر الذي لا يري ما يرون، ولا ينهج ما ينهجون، بحيث أصبحت الجهادية هي بالتحديد قتل الآخر، في المدرسة والمؤسسة وعلي قارعة الطريق، في المعبد والكنيسة والجامع، في الملهي والمقهي والبار، في السوق أو داخل البيوت التي لم تعد آمنة، ولم يعد الآخر هو الكافر، كما هو تحديد الكافر وفق كل الشرائع، ولا المخالف في الدين أو العقيدة، ولا المسلم، ولا حتي التابع لمذهب مختلف وليس مخالف، ولا حتي الذي هو من نفس المذهب أو الجماعة، وانما تعدي الأمر هذا كله، ليصبح الآخر، والمقصود بالآخر، هو كل من لا ينتمي للقاعدة، أو لا ترضي عنه القاعدة، مشروعاً للقتل والابادة. 
الآخر هنا، والذي هو مشروع للابادة، هو العالم كله، العالم الذي عدوه مختلف، ومارق، وكافر، أما الفسطاط الآخر، الـ (نحن)، أهل العقيدة الخالصة الصافية، والايمان الحق، فهم الثلة التي تُعرف من سيمائها، والتي هي من الصغر والقلة، بحيث تضيع بين مليارات البشر، و أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، كما تضيع قطعة الخشب في البحر المحيط.
لم يخرج بن لادن من ضيق القطرية والقبيلة لرحابة الانسانية، حتي ولا لرحاب الاسلام باتساعه، وانما رحل من القطرية والقبيلة الي الجماعة الضيقة، التي هي مثل شبيهاتها عبر التأريخ (فرقة ناجية) تحتكر الصواب كله، الحق كله، الخير كله، مثلما تحتكر الله والاسلام، وتملك وحدها حق ايقاع القصاص، بمن تشاء، وأني تشاء، وبالكيفية التي تشاء، لهذا يصعب عد بن لادن مكافح أممي، عابر للطوائف والأثنيات، كما يصعب عده محارباً من أجل الحرية، وان ادعي محاربة الاستكبار الأمريكي ــ الغربي، والذي كان يسميه غالباً (الصليبي). 
لن يتحوّل بن لادن الي إسطورة حتي بعد موته التراجيدي، ودفنه وفق الطريقة الاسلامية في البحر العربي! كما صرّح غبي أو متغابي أمريكي، ربما مستهزءا بنا وبعقولنا، أو مستفزا لمشاعرنا، وهو نهج أتقنته أمريكا في التعامل معنا، وكررته مراراً، قصد اذلالنا. شخص آخر، مقاتل عنيد ضد الأمبريالية، لاقي المصير نفسه الذي لاقاه بن لادن، لم يدفن في بحر الروم علي الطريقة المسيحية بأعتباره مسيحياً، وانما رفضوا تسليم جثمانه بعد مقتله لذويه، أو حتي تعريف أحد بمكان قبره، والحجة عينها، كي لا يكون قبره مزاراً للثوار في أنحاء العالم، هذا الشخص هو أرنستو تشي جيفاراً. لم يعرف أحد قبر جيفاراً، مثلما سوف لن يعرف أحد حتي مكان رمي جثة بن لادن في البحر، لكن جيفارا سكن قلوب وعقول شبيبة العالم، ولا أعتقد أن عقول وقلوب شباب العالم، خارج الاطار الضيق الذي تحرّك فيه بن لادن ستكون مكاناً لبن لادن، لأنه اساساً عدها في اطار الفسطاط الآخر، الذي أحل دمه، دونما ذنب، ودونما جريرة. 
جيفارا أيضاً ترك رغيد العيش، ترك المناصب (رئيس البنك المركزي، مسؤول التخطيط، وزير الصناعة) والتحق وهو الطبيب عالي الثقافة بالثورة العالمية، لم يلتحق بها حقيقة، وانما أراد احداثها وتفجيرها. 
اليوم ترتسم صورة جيفارا علي قمصان الشبية في أنحاء العالم كافة، وترفع صوره حتي في احتجاجات جمعات الغضب في شوارع ومياديين مدننا العربية. جيفارا موجود في ربيع العرب، مرفوعة صورته كما الأعلام العربية، هل سيضع شبيبة العالم صورة بن لادن علي صدورهم، وهل سيرفعونه رمزاً؟! لا أشك، بل أجزم، أنهم سوف لن يفعلوا هذا، لسبب بسيط أنهم لم يشعروا أن بن لادن (مكافح من أجل الحرية)، ليس فقط لأنه كفرهم طراً، وأباح قتلهم، وأرعبهم من دونما سبب ومبرر، وانما لأنه دفن نفسه في حيّز ضيّق، معتبراً كل من هو خارج هذا الحيز عدواً، في حين أن جيفارا الذي قدم استقالته من قيادة حزبه، ومن مناصبه القيادية في الدولة، ومن جنسيته الكوبيه المُكتسبة، أعلن (لا أعرف حدوداً فالعالم بأسره وطني). 
العالم ما كان ولن يكون (وطن بن لادن) بل مسرحاً لتنفيذ أشد عمليات الابادة وحشية. 
العالم الاسلامي أيضاً ما كان ولن يكون (وطن بن لادن) بل ميداناً يزاول فيه أتباعه القصاص ممن لم يذنبوا. 
العالم العربي والسعودية، وكذا اليمن، ليسوا (وطن بن لادن) وانما حقول لتجاربه في القتل. 
ربما اسرائيل، التي هي ليست بلد بن لادن بالتأكيد، والتي لا نشك بأنه يعاديها من أعماقه، هي المكان الوحيد الذي لم تظهر فيه بصمات القتل الـ (بن لادني) العشوائي، مما يثير تساؤلاً مشروعاً: لماذ القتل القاعدي ممكن، ومتاح في كل مكان في العالم، حتي في أشد الأماكن تحصيناً (البنتاغون مثلاً)، وغير مكمن، ومستحيل بالنسبة للمحروسة اسرائيل! سؤال نعتقد أنه جدير بالاثارة؟ 
المكافح من اجل الحرية ليس هو من يقتل أكثر. المجرمون هم وحدهم من يتباهي بعدد ضحاياهم، أما المكافح من أجل الحرية، فهو يكافح من أجل انهاء القتل، وعندما يضطر للقتل فأنه يحدد أولاً، وبكل صرامة، كيف ومن يقتل؟
كم من الذين قتلهم النهج الـ (بن لادني) كانوا مستحقين للقتل فعلاً، ثم كيف كان قتلهم؟ 
الفارق بين بن لادن وجيفاراً، أن جيفاراً لم يقتل مواطناً مدنياً بريئاً واحداً، أما بن لادن فضحياه من الأبرياء لاعد لهم، وهذا هو الفارق الجوهري بين جيفارا الأسطورة، وبن لادن الظاهرة

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا