<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر اللاعبون في الوقت الضائع
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

اللاعبون في الوقت الضائع

 

 

صباح علي الشاهر 

قبل أن يسمع أحد باسم قرضاي إفغانستان، كان الجميع يعرف  إسم الدكتور أحمد الجلبي ، المنادي بتحرير العراق عبر تدخل عسكري أجنبي، وتحديداُ أمريكي، وطوال سنوات الحصار كان الرجل من أنشط العاملين في هذا الإتجاه.

لم يخف الرجل أهدافه، ولا خططه، بل دافع عنها بكل الوسائل المتاحه، مسنوداً بالدعم الإمريكي الذي ترجم إلى دعم مادي لم يسبق له مثيل، ولم تقدمه الإدارة الأمريكية إلى أي جهة، خصوصاً إذا كانت هذه الجهة لا تملك قوى مقاتلة على  الأرض كحالة الجلبي وقتها.

كل مؤتمرات المعارضة في الخارج عقدت إما بإشراف الدكتور الجلبي، أو بإدارته المباشرة، وكل القوى التي إنضمت إلى ما سُمي بالمعارضة في حينه، تلقت الدعم المعنوي والمادي من هذا الرجل، الذي لم يكن معنياً بالسياسة قبل دخول العراق إلى الكويت، حيث كان منشغلاً بالبزنس الذي برع فيه و تفوق. 

دخل الرجال جنوب العراق قبل سقوط بغداد، وظهر بين الجنود الأمريكان في أور، قرب الناصرية في الأيام الأولى لبدء العمليات العسكرية. كان يتصرف كما لو كان ديغول، محاولا إثبات إنه أيضاُ يملك قوات تحرير، وفي الحقيقة لم يكن الذين كانوا بمعيته سوى بضعة أفراد نقلهم معه من كردستان إلى مسقط رأس إبراهيم الخليل، لا دراية لهم بالعمل العسكري، ولا خبرة لهم بحرب العصابات، ولم يقوموا بأي عمل عسكري في حياتهم ، ولكن يبدو أن هذا لم يكن مهماً، ومن المؤكد أن الرجل لم يكن يريد التباهي بالقوة التي يملكها، والتي لم تظهر حقيقتها، وإنما أراد الإعلان، بكامل الوضوح، أنه رجل المرحلة، وبحضوره بين الضباط والجنود الأمريكان في مواقع التماس أراد أن يبين أنه رجل أمريكا أيضاً، وقتها كانت أمريكا قد أفلحت في تنصيب قرضاي الذي جلبته من المجهول لكي يكون رجل إفغانستان ورئيسها، ولهذا فقد تم عبر هذا العرض إيصال الرسالة التي مفادها أن  أحمد الجلبي قرضاي العراق، إضافة إلى أن الجلبي لم يأت من المجهول كقرضاي، وإنما كان في عمق الصورة طيلة سنوات الحصار السوداء .

للإنصاف فإنه ينبغي أن يقال عن قرضاي ( جلبي أفغانستان) ، لا أن يقال عن الجلبي ( قرضاي العراق).

لم تكن لقرضاي أية ميزة يتفوق بها على الجلبي، لا من الناحية العلمية، ولا العملية ، ولكن قرضاي أصبح رجل أمريكا في إفغانستان بلا منازع ، في حين فشل الجلبي أن يكون كذلك .

البعض يعلل هذا بأن ليس ثمة منافس لقرضاي في إفغانستان، أو أن لا رجل في إفغانستان كقرضاي بالنسبة لأمريكا، أما في العراق فهناك العديد من رجالات أمريكا، الذين يرتبطون بها بنفس درجة إرتباط الجلبي، وربما أكثر، والذين بنوا تنظيماتهم المعارضة التي لا تقل قوّة وحضوراً عن تنظيم الجلبي ، لذا فقد ترجحت كفة بعضهم على كفة الجلبي .

مثل هذا التحليل يملك صدقيته ومعقوليته، لكنه ليس هو الأساس. ثمة شيء توفر لقرضاي ولم يتوفر للجلبي، ففي إفغانستان القبلية تتحدد القوة بالإنتساب القبلي، وقرضاي كان بشتونياً، أي ينتمي إلى أقوى عصبة بشرية في إفغانستان، أما في حالة الجلبي فلا عزوة له، ولا قبيلة يمكن أن تكون عصبته، أما أولئك الذين إعتمدهم في تنظيمه الخاص فقد تسرب أغلبهم إلى تنظيمات أخرى، بدت أكثر قوّة وأكثر مردوية وربحية . 

صحيح أن العراق ليس إفغانستان، ولكن العراق تحوّل وبشكل سريع إلى دولة تتحكم بها القبلية، والطائفية، والأثنية، دولة يتم فيها إصطفاف القوى السياسية على هذا النحو .

من يعرف الدكتور الجلبي يؤكد أنه حاد الذكاء، وأنه يحسن قراءة الخارطة السياسية، ووفق هذا التوصيف يمكن القول أن الجلبي إختار الجانب الذي يرى أنه الرابح الآن وفي المستقبل، وتعويضاً عن حرمانه من العصبة التي يتمتع بها أغلبية الساسة من أقرانه، بإستثناء غريمه اللدود أياد علاوي الذي لا عصبة قبلية له هوالآخر، فإنه أراد أن يكون ممثلاً لأوسع وأكبر عصبة في البلد، لذا إختار الدعوة للبيت الشيعي، وهذا الإختيار يتوافق مع ما أرادته أمريكا، التي قسمت العراق إلى شيعة وسنة وأكراد، ولا يتعارض معها، لكنه ليس النهر الذي تسبح فيه أسماك الجلبي، فرجل علماني، متغرّب، ومتأمرك، ليس من السهل أن يتوج ملكاً لطائفه فيها هذا الكم الهائل من الرموز والبيوتات التي قدمت عبر تأريخ العراق الحديث عشرات الضحايا، سواء في مقارعة النظام السابق، أو في سعيها لتركيز زعامتها للطائفة، وشخصيات نسجت علاقات قوية مع الجسم العام للطائفة عبر عشرات السنوات التي كان فيها الجلبي يتنقل بين لندن ونيويورك، والعواصم الأوربية الأخرى، ناسجاً علاقات أخرى من نمط آخر، مع قوى وشخصيات يحسب أنها هي وحدها القادرة على وضع هذا أو ذاك على هذا الكرسي ، أو على هذا العرش .  

في سنة حكم  بريمر، وصل الجلبي لرئاسة ما سُمي بمجلس الحكم، ولكن ثمة من لا وزن له وصل إلى هذا المنصب أيضاً.

وعندما دخل الإنتخابات فشل في الحصول على مقعد واحد، أما في الإنتخابات الأخيرة فبالكاد، و( بطلعان الروح )، حصل على مقعد واحد. ووصل عبر تفاهمات داخل الطائفة إلى منصب نائب رئيس الوزراء لفترة قصيرة .

إذن الجلبي لم يتميز عن أقرانه في فترة الحكم المباشر للأمريكان، وكذلك في الفترة التي لحقتها، ولم تنفعه يافطة البيت الشيعي، فما الحل ؟

ربما كانت النقلة االكبيرة  في مسيرته  إتجاهه إلى إيران ووضع كامل أوراقه أمامها. لقد شعر بأن المستقبل في العراق ليس للنفوذ الأمريكي، وإنما للنفوذ الإيراني، وأن إيران أقدر حتى في هذه الظروف، ظروف الإحتلال، على  تحديد حجوم الساسة .

ومع إشتداد شقة الإختلاف مع دولة القانون، ومع المالكي تحديداً، يتجه الجلبي لتمتين علاقته مع المجلس الإسلامي، بوابته المشرعة على إيران، ومع الصدريين التيار الأقوى في الساحة الشيعية، ومع الأكراد ضارباً على وتر العمل المشترك سنوات المعارضة، حيث لم يكن لحزب الدعوة إي دور أو وجود في مؤتمرات المعارضة، إذ لم يلتحق هذا الحزب بما سمي بالمعارضة إلا في الشهر الأخير قبل الإحتلال، غير أن ما فات الجلبي هنا هو أن الظروف الآن غير تلك التي كانت زمن المعارضة، فمن يحكم إستطاع أن يمد جسوراً مع عناصر تتزايد باستمرار ليس داخل التحالف الكردستاني ، وإنما حتى داخل العراقية .

يتباهى الجلبي أنه هو من دفع الأمريكان لإسقاط صدام، لاحظوا أنه يتحاشى القول إحتلال العراق، والجلبي وحركته يسمون الإحتلال تحريراً، ولم يغيروا رأيهم هذا إلا بعد أن أجبرت أمريكا مجلس الأمن على إعتبار العراق محتلاً .

البعض يرى أنه ليس بسبب هذا غيّر الجلبي رأيه من قضية الإحتلال، وإنما لأنه فقد الحظوة لدى الأمريكان، وبعد أن أحس بأن منصب رئيس البلاد أصبح بعيداً عنه، فلا صناديق الإقتراع ستوصله إلى هذا المناصب، ولا الأمريكان، ولكن الإرتباط القوي بإيران يمكن أن يحقق له هذا الحلم .

من المؤكد ان الجلبي غيّر بوصلته، وغيّر إتجاهه، وهذا إختياره، ولكن ليس بمقدوره وليس بإختياره تغيير معطيات الماضي القريب، ولا التبرؤ من تبعات هذا الماضي، خصوصاً إذا كان حجم الخسائر البشرية العراقية من جراء هذا الهول، الذي سماه الجلبي تحريراً ( مليون ونصف مليون ضحية !) .

الدكتور أحمد الجلبي رجل الإحتلال الأول في العراق ، ربما لا ينافسه في هذا اللقب سوى غريمه الدكتور أياد علاوي، زميل دراسته الثانوية في كلية بغداد ( مدرسة الراهبات).

الرجل لا ينكر هذا الأمر، فقط يبدل مفردة الإحتلال بالتحرير .

الإسبوعين الماضيين حملا لنا مشهدين أنطويا على تناقض بالغ الشدّة، ألا وهما حضور السيد الجلبي إلى مؤتمر القدس في إيران، وجلوسه في الصف الأمامي مع القادة المناهضين لإسرائيل، والمناضلين من أجل عودة القدس، وإلى هنا يبدو الأمر سهل الهضم ، فلا أحد بمقدوره أن يزايد على الرجل إذا أعلن عداءه لإسرائيل، ودفاعه عن القدس، فالعداء لإسرائيل والدفاع عن القدس يستلزم كحد أدنى الجهر بالدفاع والعداء، والتعبير عن هذا بأي شكل مناسب، ولكن الأمر صعب الهضم، هو الحدث الثاني، ألا وهو حضور السيد الجلبي  في لقاء نظمه حزب مقاوم في لبنان، عُرف بصلابته في محاربة إسرائيل وأمريكا، وممقاومته لكل أشكال الإحتلال، ولم يكن حضور السيد الجلبي لمجرد الحضور فقط، وإنما لغرض إلقاء محاضرة.

 في ماذا ؟

في الفعل المقاوم.

وعلى من ؟

على المقاومين، الذين علموا الدنيا فنون المقاومة ؟

ربما تكون للسيد الجلبي وجهة نظر، رغم أن البعض لا يقر مثلاً بكون الخيانة وجهة نظر!!

وربما يكون السيد الجلبي قد إستدرج أمريكا للقضاء على الديكتاتورية في العراق، هذا إذا أمكن لعاقل تصديق أن بإمكان شخص إستدراج أمريكا، أو إذا صدق أن المستدرج هو الذي يدفع لا الذي يدفع له!

ولكن المؤكد، والواضح كل الوضوح، أن رجل الإحتلال، لا ولن يكون، وتحت أية لافتة، رجل المقاومة والتحرير .

إسمحوا لنا أن نقول لحزب المقاومة العتيد، الحزب الذي نفتخر به ونعتز، لن نعطي لعقولنا إجازة ، ولن نوافق على أن يلعب الخاسرون في ساحاتك في الوقت الضائع .

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا