%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال |
|
---|
عذر الجامعة أقبح من فعلها
صباح علي الشاهر
لا أظن أن بمقدور احد فهم موقف جامعة الدول العربية، عندما دعت لفرض الحصار العسكري على ليبيا، وعندما إعترضت على العمليات العسكرية ضدها، أوعندما عادت فعدلت موقفها..
البعض قال أن الجامعة ناصرت الشعب الليبي بمواجهة حاكمه المستبد والدموي، لكن الجامعة لم تنصر أي شعب عربي بمواجهة حاكمه طيلة عمرها المديد، لقد كانت دوما وأبداً تناصر وتعاضد الحكام العرب، لأنها ببساطة جامعة الحكام، ملوك ورؤساء وأمراء وسلاطين، وليست جامعة شعوب، هكذا أريد لها من يوم تأسيسها، وهكذا كانت فعلاً، ولم تخرج عما رُسم لها قط .
ومنذ تأسيس الجامعة وإلى اليوم والحكام العرب لا يتقنون شيئاً أكثر من إتقانهم لإرهاب وتعذيب وقتل شعوبهم، بحيث أصبحوا الملجأ لتلك الدول التي لا تبيح لها قوانينها تعذيب المتهمين، وإستحصال الإعترافات منهم بعيداً عن شرعة حقوق الإنسان، فتضطر لترحيلهم سراً إلى الحكام العرب ليقوموا بعمل ما يخجل الآخرون القيام به .
لم يعد طغاة العالم ومستبدية يحتاجون نفطنا فقط، بل يحتاجون خبرة أنظمتنا في إمتهان كرامة الإنسان وسحق آدميته، وهو الشيء الوحيد الذي أتقنوه، وتفوقوا به .
يمكن القول بكثير من الإطمئنان أن كل حاكم من حكامنا قتل وأباد لوحده أكثر مما تقتل وتبيد حروب طاحنه، وبأساليب لا تخطر على بال أبشع حاكم دموي في التأريخ، هل ثمة حاجة لسرد تلك الوقائع التي لا يمكن لأبسطها إلا أن يوصف بصفة الإبادة الجماعية، هذا من دون التطرق إلى ما كان يجري في أقبية الأمن أو المباحث، أو في السجون العلنية والسرية، أو تلك الإغتيالات المبرمجة، أو ذلك القتل بفعل مجهول، وفنون الإخصاء والتهجير، وكم الأفواه، والتدجين، وتحويل شرائح واسعة من الناس إلى قطيع بمعنى الكلمة، يردد شعارات بالغة الغباء، وبالغة السوء من أمثال ( بالروح بالدم نفديك يا .... ) و ( الله معمر ليبيا وبس ).
أحسب أني ممن كان وما يزال يتابع أقوال وأفعال الجامعة، لا حباً لها وتولهاً بها، وإنما لأني ممن حسب، ربما خطأ، إن وجود منظمة ولو كان شكلياً يذكرنا بأننا أمة، خير من عدم وجودها، وهذه المتابعة تبيح لي القول بأني لم أسمع، ولم أطلع على موقف واحد، وقفته الجامعة إلى جانب أي شعب عربي، بإزاء حاكمه، مهما كانت مظلومية هذا الشعب، ومهما كانت درجة إجرام هذا الحاكم بحق شعبه، ولا أدري ربما حدث في أقبية الجامعة مثل ما حدث ويحدث في شوارع وميادين عالمنا العربي، وربما تعالى الهتاف بشعار ( الشعب يريد إسقاط الجامعة)، وربما إنتصرت الثورة في الجامعة من دون أن ندري، وإلا فمن ذا الذي يفسر هذه اليقضة الفجائية، وهذا الإنحياز المفاجيء للشعب بمواجهة الحاكم؟ هذا الإنحياز الشكلي الذي ترجم إلى خطأ قاتل لا يلامس حافات الخيانة العظمى، وإنما جسد أبشع الخيانات الكبرى من الوزن الثقيل، والتي أبى السيد عمرو موسى إلا أن يختتم بها مسيرته في قيادة الجامعة .
ولعل الأغرب من طلب الجامعة من مجلس الأمن فرض الحظرعلى ليبيا لحماية المتظاهرين، بعد أن قام القذافي بقصف الناس بالطائرات والصواريخ، مقدماً دليلاً عملياً على كونه مجنوناً، بعد الدليل اللفظي الذي قدمه عبر خطبه، وإدعائه بأنه مجد ليبيا، ومجد افريقيا، ومجد العالم، وملك ملوك أفريقيا، وهو الذي كان يصر حتى اللحظات الأخيرة بأنه لا يستأثر بمنصب حكومي ليستقيل منه، وهذا حق وأيم الله، لأنه وأبنائه إستأثر بليبيا كلها، وليس بكرسي أو منصب معين. نقول الأغرب من طلب الجامعة من مجلس الأمن فرض الحظر على ليبيا، هو إدعاء الجامعة بأنها لم تكن تريد قصف ليبيا، وأنها تعلن عن رفضها لهذا السلوك!
كأن الجامعة بلا ذاكره. كأن السيد عمرو موسى ورهطه لم يتابع تصرفات الذين تكفلوا بتطبيق الحظر الجوي على العراق، حيث كانوا يدمرون كل شيء يصدر ضوءاً، حتى لو كان تنور فلاحة عراقية في أقاصي الريف .
وحتى لو كانت الجامعة بلا ذاكرة، فكيف تصور السيد الأمين العام أن لا تقوم الصواريخ والطائرات بدك السلاح الجوي الليبي، من أجل أن لا يعترض أو يعيق طلعاتها؟ ثم كيف تصور أن هذه القوات الجبانه سوف لن تقوم بدك الرادارات الليبية، أو مراكز القيادة العسكرية الليبية، أو منصات الصواريخ، ليتاح لها أن تسرح وتمرح في سماء ليبيا المستباحة؟ ثم كيف تصور أن هذه القوات سوف لن تنقض أيضاً على أرتال الدبابات بحجة حماية الآمنيين أو الثوار؟ ثم تستهدف في نهاية المطاف جميع المعسكرات والمعدات، بحيث تصبح ليبيا عارية تماماً، منهوكة تماماً، مستسلمة تماماً، منهارة تماماً.
بعد أقل من عقد من الزمن ها هو ذا بلد عربي نفطي يلاقي ما لاقاه بلد نفطي آخر، وهاهي جامعتنا الموقرة تعطي المسوغ الأخلاقي والشرعي لمن جاء ليقتلنا بحجة حمايتنا، فأي ذاكرة سمكيّة هي ذاكرتنا نحن عرب هذا الزمن الأغبر.
المفجع في الحالة الليبية هو اللبس والتداخل الذي يضبب الرؤية، فما من أحد بمقدوره الدفاع عن جرائم القذافي، والذي من المؤكد أننا سنتفاجأ بما لم يكن يخطر لنا على بال ، ليس فقط بحجم الجرائم الذي إقترفها نظام القذافي، ولكن بحجم النهب ومدياته أيضاً، وما من عاقل يتمتع بأدنى حس وطني يقبل أن يدك الغرب الذي لم نكن بالنسبة له سوى مشاريع للقتل، أن يدك ليبيا المظلومة في الحالتين، المطعونة في الحالتين، الخاسرة في الحالتين.
من المؤسف جداً، أن يصدق القول التالي ( ليس ثمة من هو أسوء من قيادة وحكومة القذافي، إلا المعارضة الليبية) تلك المعارضة التي هللت وكبرت لتدمير القدرات الليبية من قبل أمريكا والغرب الإستعماري، والتي رفعت الأعلام الفرنسية إلى جانب علم ليبيا الملكي ، فهل ثمة مأساة أقسى وأمر من هذه وقعاً .
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|