<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر إختزال وإحلال مُريب
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

إختزال وإحلال مُريب

 

 

صباح علي الشاهر

  

طالبت بعض قوى حركة الخامس والعشرين من ينايير المصرية السلطات المصرية بإقفال المعهد الجمهوري، والمعهد الديمقراطي، وفريدم هاوس ( بيت الحرية ) التي تعود ملكيتها لأمريكيين، بسبب قيامها بأدوار مُريبة، ومن جهة أخرى إعترفت السفيرة الأمريكية في القاهرة بأنها قدمت منذ بداية الثورة المصرية قي 25 ينايير مبلغ 40 مليون دولار للمنظمات والجمعيات الأهلية بحجة دعم الديمقراطية في مصر .

ليست السفارة الأمريكية هي الجهة الوحيدة التي نصّبت نفسها راعية ومومونه لما يُسمى (منظمات المجتمع المدني) ، والتي تكاثرت بشكل مُلفت للإنتباه بعد تفجرّ الشارع المصري، إذ هناك وكالة خاصة تُسمى ( الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ) تختص حصراً بهذا المجال، إضافة لعشرات الجمعيات والمعاهد والمؤسسات التي تحمل أسماءاً براقة ، والتي تعلن عن إنشغالها بهموم الإنسان، وتسعى لمساعدته على فهم ومزاولة الحرية !!

ربما من المتعذر معرفة عدد هذه المنظمات التي تأسست بمساعدة ودعم السفارة الأمريكية أو الوكالة أو المؤسسات الأخرى، سواء في الداخل أو الخارج، ولكن من المؤكد أن ما تم صرفه على تأسيس هذه المنظمات يتجاوز مئات الملايين خلال فترة لا تتجاوز البضعة أشهر، في وقت يعاني فيه الأقتصاد الأمريكي من أزمة خانقة، قد تكون الأخيرة قي عمر الإمبريالية الأمريكية، مما يشير إلى الأهمية القصوى والإستثنائية التي توليها الأدارة الأمريكية لعمل هذه المنظمات.

كان العمل من أجل الديمقراطية والحرية، وما يزال بالنسبة لقوى الشعب العربي الحية، في مصر، وعلى إمتداد الساحة العربية، عملاً نضالياً، لا يتقاضى المناضل عنه إجراً.

كان المناضل هو المانح، وهو المِعطاء، إذ يقدم سنوات عمره، وربما حياته، في سبيل ما يؤمن به، وما يعمل من أجله، ومع إنبثاق هذا النمط مما يُسمى بمنظمات المجتمع المدني ، إصبح العمل من أجل الحرية والديمقراطية بمقابل، وبعبارة صريحة بأجر. 

كان الإتصال بالسفارات والقنصليات الأجنبية، خط أحمر، يُعد في أغلب الأحيان الحد الفاصل بين الوطنية والعمالة، فكيف أصبح دعماً للحرية والديمقراطية؟

لقد أريد لما يُسمى بمنظمات المجتمع المدني على الطريقة الأمريكية، أن تكون بديلاً عن المنظمات الأهلية التي تربى فيها جيل من المناضلين العرب، عُرف بمقارعته للإستعمار بلا هوادة، وبديلا عن الأحزاب التي تنبثق من حاجات الشعب ومتطلبات الوطن، في مرحلة تاريخية محددة، وتنمو وسط الجماهير، تعلمها وتتعلم منها، ويشتد عودها بمقدار إلتحامها بالناس وإحتضان الناس لها، في حين أن ولادة منظمة من منظمات المجتمع المدني على الطريقة الأمريكية، لا تعدو أكثر من شيك يُدفع من السفيرأو السفيرة، ومن مدير الوكالة أو المؤسسة الأمريكية، التي لا يعرف أحد بمن ترتبط، شيك قد يكون بمائة ألف دولار أو عشرة آلاف دولار، يُعلن بعدها إنبثاق منظمة مجتمع مدني، ربما لا تضم سوى مستلم الشيك لوحده،  أو معه زوجته أو أبنه، وفي أحسن الأحوال صديقه.

بالنسبة للطرف الداعم لا يهم كم تمثل منظمة المجتمع المدني هذه، مثلما لا يهم أن كانت تقاريرها التي ترفع إلى المنظمات المانحة، والتي يتم تسميتها غالباً بالدولية، دسمة أم هزيله، فما تخسره هنا تعوضه هناك، وبهذه الطريقة تنخرط جموع يتكاثر عددها باستمرار بمهام العيون الراصدة، من دون أن تتهم بالجوسسة مثلاً، بل هي عيون ديمقراطية، حريصة على الحرية، كثيرة الصخب، بالغة الشراسة لأنها تحسب أنها مسنودة، وكي تكتمل الصورة تقوم أجهزة الأعلام بتبريز هذه الشخصيات، بإعتبارها ممثلة للمجتمع المدني، الذي تغيب عنه إتحادات العمال، والجمعيات الفلاحية، وإتحادات النساء والطلبة والشباب، والنقابات المهنية، ولجان الأحياء، وإلى آخر ما أفرزه قرننا المنصرم من أشكال التنظيم المدني، المراقب من قبل منتسبيه، والمُحدد بقواعد وبرامج مقره في مؤتمرات علنية شفافة، والتي يعاد إنتخاب قيادته أو يتم تغيرها في كل دورة إنتخابية .

هل جلبت لنا منظمات المجتمع المدني الأمريكية هذه الديمقراطية مثلاً، وهل عرفتنا بالشفافية، وهل قدمت أي من هذه المنظمات جردة حساب أمام منتسبيها؟ هل يعرف أي منا ميزانية أي منظمة، وكيفية تمويلها، وطرق الصرف؟ وهل يعرف أي منا حقيقة هذا الركام الذي لا يُحصى ولا يُعد مما يُسمى منظمات المجتمع المدني ؟ هل نعرف سوى كون فلان رئيس أو أمين عام أو ممثل، أو زعيم، أو المتحدث باسم المنظمة الفلانية والعلانية ؟

هل نرضى بأن يختزل الشعب، وتختزل أحزابة، وتختزل منظماته المهنية والجماهيرية والديمقراطية، ذات الباع الطويل بالعمل الجماهيري، بمنظمات هلامية، تتوالد كما الفطر ، ولغايات لا نعرف حقيقتها ؟

أن يُقاد الفرد من قبل أي جهة، خصوصاً إذا كانت ممولة، أمر متوقع ، لا بل هو واليقين صنوان، ولكن أن تُقاد منظمة جماهيرية، أو مهنية،  واسعة التمثيل، مُراقبة من قبل أعضائها، مُعاد إنتخاب قياداتها في كل دورة، إذا لم يكن أمراً مستحيلاً ، فهو أمر صعب. 

لم يكن أمام شبكات التجسس، ونشطاء السفارات الأجنبية فيما مضى، من أجل التأثير على هذه المنظمات الوطنية، وكذا الأحزاب، سوى إمكانية واحدة، ألا وهي إمكانية إختراق هذه المنظمات، أو زرع العملاء داخلها، وهذا أمر لم يكن سهلاً، وحتى لو أفلحت جهة ما في إيصال عميل لها إلى قيادة منظمة مهنية أوديمقراطية، أو جماهيرية، فإن هذا العميل لا يستطيع توجيه هذه المنظمة وجهة أخرى غير تلك التي رسمت لها من قبل منتسبيها ، ووفق برنامجها المُعلن والمُقر. 

تأريخ من العداء بين الفعاليات الوطنية العربية، على كامل إمتداد الوطن العربي، والإستعمار، وهو تأريخ يعبر عن مدى إرتباط هذه المنظمات، حزبية أم غير حزبية بالشعب، ومدى تعبيرها عن أهدافه وطموحاته، التي كانت وما زالت متعارضة ومختلفة مع أهداف أمريكا والغرب (المستعمر)، ونقول المستعمر تمييزا عن الغرب الحضاري الذي نقدر ونحترم، وهذه إشكالية لم تستطع القوى الغربية وأمريكا حلها، لذا يصبح من المفهوم محاولة إختزال الشعوب وأحزابها ومنظماتها الأهلية الحقة، المُجربة تأريخياً، والمُختبرة في سواح النضال والمواجهة، بمنظمات هلامية، من دونما طعم ورائحة، ولا إمتدادات جماهيرية .

السؤال المطروح بإلحاح : هل الإختزال والإحلال هذا من ملامح ما يُسمى بالشرق الأوسط الجديد؟

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا