<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل حساب خسائر الإحتلال لأوراقه في العراق مؤخراً ونتائج ذلك

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

 

حساب خسائر الإحتلال لأوراقه في العراق مؤخراً ونتائج ذلك

 

(1)

 

 

 

صائب خليل

 

لا غرابة أن تتعالى أصوات الإنفجارات في بغداد، إنفجارات القتل وانفجارات السياسة، فأحد طرفي الصراع (الشعب والأمريكان) راهن بالكثير جداً من أوراقه من أجل فرض الحكومة المناسبة له، وخسر كثيراً جداً، ودون أن يحقق أي شيء يستحق الذكر حتى الآن، نعم لقد خسر الشعب العراقي كثيراً، لكن قد أفاجئكم بالقول: الحسابات تقول، أن الخاسر الأكبر في الفترة الماضية هو الإحتلال! لقد بذل جهداً هائلاً، فالمراهنة كبيرة، لذا فهو لا يريد أن يخرج من الميدان بهزيمة صريحة واضحة، فتراه يرغي ويزبد ويحطم، ومانسمعه من أصوات ليست سوى قرقعات غضبه وما نراه من دماء ليست سوى ما تعصر يديه من البشر انتقاماً.

 

لأني يا قارئي العزيز لا أؤمن بالعفاريت التي تظهر وترهب وتختفي فلا يبقى لها أثر، فإنني أكتفي بتحليل المصالح والمعلومات المثبتة، وأنطلق مما أصدق وما لا أصدق من أفتراض أن كل جهة تعرف ما تريد وتعمل بوعي من أجله، وأن لا وجود للمجانين في السياسة، مثلما لا توجد عفاريت في الحياة، ومن يحاول إقناعنا أن جهة تفعل شيئاً ضد مصالحها أوفوق طاقتها لأنها "مجنونة"، إنما يحاول خداعنا.

 

من هذا المنطلق أحلل الإرهاب، وأيضاً الأخبار و مصداقية الوثائق ومعقولية التفسيرات للأحداث. ومن هنا أرى أن أحداث كنيسة السيدة النجاة لم يقم بها "مسلمون متطرفون"، فهؤلاء كانوا دائماً موجودون في جميع البلدان، فلماذا الآن؟ ولا علاقة لهم بالأقباط والعملية والشروط جاءت لإعطاء صورة إعلامية معينة بأن المسلمين في حرب مع المسيحيين، ومن المعقول أن من اقتحم الكنسية كان قد أوهم من قبل جهة ما، بأنه في مأمن.

وبنفس الطريقة فأن التفجيرات في بغداد لم يقم بها لا مجانين ولا "متطرفون" ولا تكفيريين، بل جهة منظمة بدقة وقوية.

 

ولا تختلف الحركات الإعلامية عن الحركات الإرهابية، ولا أرى أن وثائق ويكيليكس كانت بريئة، حتى أن كان الكثير من وثائقها صحيحاً. بغض النظر عن مدى صحتها، تسببت وثائق ويكيليكس في العراق بخلاف شديد زاد الشق بين الأطراف المختلفة، فصدقها بشكل كبير، إن لم يكن تاماً، من يقف بالضد من المالكي، وحاول أن يستخدمها هراوة لضربه، وذهبت جهات في "العراقية" إلى المطالبة بأن يؤجل تشكيل الحكومة حتى يتم التحقيق في الإتهامات التي تثيرها الوثائق، وهم يعلمون أن هذا يعني تأجيل الحكومة لسنوات!

بالمقابل رفض جانب المالكي الوثائق جملة وتفصيلاً، وقال أنها مؤامرة ضدهم، وهو اتهام ضمني لأميركا بالتآمر، دون أن يقولوا ذلك بصراحة تتسبب في قطيعة غير محسوبة النتائج. نبه مؤيدوا المالكي إلى التوقيت وأشاروا إلى نقص وانتقائية الوثائق وشككوا فيها. ورد الإعلام الأمريكي بشكل غير مباشر من خلال "إعلامه" بالسخرية من فكرة استهداف المالكي. عبد الرحمن الراشد كان مثالاً ممتازاً للرد الأمريكي، او الإسرائيلي الذي يرتبط به إسمه، قال:

 

"من يراجع فهرس الوثائق كما صنفه الموقع يجد أن حظ المالكي فيه بسيط جدا، وأن المتضررين الآخرين مثل وزارة الدفاع الأميركية وإيران وسورية هم أكثر بكثير من المالكي. .... ولو افترضنا أن الأميركيين عازمون على حرمانه لما احتاجوا لنشر هذا الغسيل الوسخ، الذي يسيء إليهم كثيرا، فقط من أجل حرمان المالكي من المنصب. ... الحقيقة أن المالكي ليس خصما بل هو إحدى الشخصيات المفضلة عند واشنطن، ولا تزال توحي بأنه سياسي مناسب للمنصب من جديد، إن استطاع إشراك القوى العراقية الرئيسية الأخرى، لكن مشكلة المالكي أنه يريد أن يكون ديكتاتورا لا رئيس وزراء. يريد أن يحكم بمناصب سيادية وصلاحيات هائلة، كما كان يفعل في السنوات الأربع الماضية"

 

ليكمل: "لا يتطلب التآمر على المالكي، ومنعه من رئاسة الوزراء، الكشف عن أربعمائة ألف وثيقة فضائحية، الفضيحة تكفيها ورقة واحدة، بلا تبعات." (1)

 

ورغم أن الراشد لم يتفضل بإيضاح ماهية "الصلاحيات الهائلة" التي يريد المالكي أن يحكم بها، ولم يقل إن كانت تلك الصلاحيات موجودة في الدستور أم أن المالكي أضافها إليه، ولم يقارن لنا بين صلاحيات رئيس الوزراء العراقي وصلاحيات الرجل الأول في بلاده مثلاً، أو صلاحيات رؤساء وزارات الدول البرلمانية المشابه لنقتنع بهول تلك الصلاحيات ونعمل على تغييرها. رغم كل ذلك فقد كان المحاولة الأفضل بالمقارنة مع ما كتبه الآخرون، والهجوم الأقوى على منطق من يشكك بنوايا ويكيليكس. لكنه يبقى هجوم كثير الخلل، إن دقق المرء في تفاصيله.

 

فحقيقة أن كون الوثائق تدين إيران وسوريا أكثر مما تدين المالكي، لا تزيد مصداقية الوثائق بل ربما تقللها، فهي تؤكد أنها موجهة ضد خصوم الأمريكان عموماً! والحقيقة يمكننا أن نضيف إلى قائمة الراشد فيمن من تهاجمهم الوثائق، حكومتي باكستان وأفغانستان. ومثل إيران وسوريا فأن هاتين الحكومتين تتعرضان لغضب أمريكي في الوقت الحاضر!

وأما أن "المالكي من الشخصيات المفضلة عند واشنطن" فالراشد يكرر الفخ الأمريكي الذي نبه إليه كاتب هذا المقال في وقت سابق قريب، وبين أنه ادعاء غير واقعي وغير معقول (2)

أما لماذا تسرب أميركا وثائق تدينها هي، فسؤال وجيه، لكن له جواب، ببساطة : "لكي يتمكن أمثال عبد الرحمن الراشد من الإدعاء بأن الوثائق سليمة"! فالوثائق تتعرض للتشكيك الشديد الآن، فكيف لو أنها لم تتضمن أية وثيقة تدين الإحتلال وجرائمه؟ من كان سيصدق مثل تلك الوثائق؟ إذن من المعقول أن الأمريكان رأوا أنه لا بد من تقديم تضحية ما، من أجل نفخ بعض المصداقية في الوثائق لتتمكن من إنجاز مهمتها المطلوبة في إثارة الناس والقلاقل.

 

ومع ذلك، دعونا نراجع لنرى إلى أي مدى أدانت هذه الوثائق الإحتلال. لاحظت ولاحظ أخرين مثلاً أختفاء تفاصيل هامة تدين الإحتلال بشكل كبير، فلم أجد حادثة البصرة التي ألقي القبض فيها على رجلي مخابرات بريطانيين متلبسين ومتنكرين بشكل رجال دين، يوشكون القيام بعملية تفجير إرهابية في حسينية في البصرة، ومعهم كل ما يخطر ببال من أسلحة الإرهاب، وقتلوا شرطيين ولاذوا بالفرار قبل أن يقبض عليهم ليتم تحريرهم بالقوة العسكرية من قبل الجيش البريطاني مخاطراً بحياتهم، مما يؤكد التهمة. ولم نجد فيها الكثير من التفاصيل المشينة التي حدثت في ا لفلوجة، ولم أجد حادثة اغتيال عائلة صديقي لطيف ابراهيم من قبل دبابة امريكية حتى أحرقتهم في سيارتهم، ستة أطفال وأمهم والسائق ورجل حاول إنقاذا الأطفال الذين كانوا يتصارخون في داخل السيارة المشتعلة! وجدنا بدلاً من ذلك وصفاً لأحداث مماثلة لكن كما يريده الأمريكان: تم التحذير، وإطلاق النار في الهواء، ولم يقف السائق..وو..لذلك، فما عدا تعديل بسيط في عدد الضحايا، فالأوراق اقرب إلى الدعاية الأمريكية مما هي ضدها، كما وصفها أحد الأصدقاء. وأين جريمة قتل أطفال النعيرية التي توجه أصابع الإتهام بشكل واضح وصريح إلى الجيش الأمريكي وترتيبه ومشاركته في تحضير العملية الإرهابية؟ (3).

لعل أهم إدانة لأميركا في الوثائق وأكثرها مصداقية، كانت الفلم الذي صور عملية قتل الصحفيين من الطائرة، ولكن لاحظ أيضاً أن وضع تلك الحادثة في المجموعة الأولى، يمكن تفسيره بأنها أفضل طريقة لإكساب الوثائق المصداقية والسمعة الجيدة أولاً وتثبيتها في رؤوس الناس، قبل أن تقدم الوثائق التي تناسب السياسة الأمريكية، والتي قد تثير الشك بمصداقيتها.

 

هذا يفسر الشك بالقصد من الوثائق، لكنه لا يثبت انها مزورة، وفي تقديري أن فيها الكثير من الوثائق الحقيقية. ومحاولة حزب المالكي رفض الوثائق جملة وتفصيلاً، يجانب الحق.

تعذيب في السجون؟ أن من ينكر ذلك يعلم أنه كذاب! وإن كانت هذه وثائق مشكوك بها، فقد سبقتها أدلة لا يمكن الشك بها، فقد ذكر منتظر الزيدي على سبيل المثال، وبشكل علني وفي وسائل الإعلام، أنه تم تعذيبه بالكهرباء، وذكر أسماء من عذبه، وتحمل مسؤولية كلامه، فلماذا لم يتم التحقيق في دعواه ليدان بالتشهير إن كان كاذباً؟ لم يكن كاذباً إذن!

مسجونون بدون مذكرات قضائية؟ ما أكثر الحالات المحددة التي قدمها الصدريون، وأنا أعرف زميلاً في الدراسة تم اعتقاله ولا زالت زوجته لا تعرف مصيره رغم اعتراف الحكومة باعتقاله، ويمكنني بسهولة أن أجمع قائمة طويلة من هذه الحالات، وعلى أية حال فقد اعترف بها المالكي نفسه اخيرا. لنر كيف سيتصرف مستقبلاً بعد الإعتراف.

مخالفات للدستور؟ المخالفات الأكثر صراحة لم يشر إليها لأنها في صالح الإحتلال: تمديد حالة الطوارئ بدون علم البرلمان مثلاً. وهكذا فربما خير ما يصف وثائق ويكيليكس أن الكثير منها صحيح، ولكنها كلمة حق أريد بها باطل!

 

لنلاحظ أن ويكيليكس زادت الإنشقاق في الشعب العراقي، فمن صدق الوثائق يحتج بشدة على المقابل لرفضه ما يراه هو كـ  "حقائق واضحة"، وهذا غاضب ممن يراه يتحجج بـ "اوراق مزورة مسربة" لضرب مرشحهم للحكومة. أتمنى أن يرى كل من الجانبين وجهة نظر الآخر، وأن يتحول كشف الوثائق إلى سلاح لضرب من أراد ضرب الشعب بها. أن تتبنى الحكومة القادمة شفافية أكبر، وأن تعلم أن كل ما تخفيه سيستخدم ضدها يوماً، وأن تستعمل الوثائق وبعد أنتهاء تشكيل الحكومة، للتحقيق واكتشاف المذنبون، وأن يشعر المظلومون بأن هناك تحرك نحو الحق وأن هناك أمل.

 

الهجوم الإجرامي على الكنيسة والتفجيرات الدامية الأخيرة في بغداد، تمثل دخول المعركة مرحلة متقدمة. فالإحتلال يريد استعادة المبادرة، ويريد وقف سلسلة الهزائم، بعد أن فشلت مؤامرة الدعوة السعودية، تلك الدولة التي أذاقت من لجأ إليها من العراقيين الهاربين من صدام حسين في رفحه، المر والهوان، صارت فجأة شديدة الحرص على العراقيين ومستقبلهم!

 

لكن ما هي تلك الهزائم وما هي خسائر الإحتلال التي أتحدث عنها؟ الإحتلال خسر أولاً حين اضطر إلى كشف أوراقه السرية في علاقته بالبعث حين فاوضهم في اسطنبول وضغط على المالكي ليقبل بذلك، وحين اعترض الأخير انتهره قائلاً أن الجيش الأمريكي هو المسؤول عن الأمن حسب المعاهدة! نعم نفس المعاهدة التي أراد المالكي بها إرضاء الأمريكان!  ثم حين فشل الضغط  الأمريكي أمام ردة فعل شعبية عنيفة، اضطر الأمريكان للتخلي عن المشروع وأجلوا المؤامرة إلى فرصة أفضل، وحاول السفير إصلاح النظرة إلشعبية العراقية تجاه بلاده بعد أن أيقضتها المؤامرة، بالتصريح بأن أميركا ليست مع البعث، ودون أن يسأله أحد. لكنه ليس بحاجة لمن يسأله، فكل اتصال تلفوني بين الناس يصل إليه.

 

ومرة ثانية, وقبل الإنتخابات، فشلت السفارة الأمريكية في حماية بعض البعثيين من قرار هيئة المساءلة والعدالة، وفرضهم على الإنتخابات، رغم أنها القت بكل ثقلها وبشكل مفضوح وفضائحي في الموضوع. وحاولت إيقاع الناس في الفخ بفكرة تأجيل المحاسبة إلى ما بعد الإنتخابات، حيث تصبح القضية أكثر تعقيداً، وسيمكن لها حمايتهم باعتبارهم نواباً. حين فشلت تراجعت ثانية، وحاولت السفارة تخفيف الخسارة بتكرار التأكيد بأن الولايات المتحدة ليست مع إعادة البعث.

 

تمكنت أميركا من إيصال العراقية إلى رقم واحد في الإنتخابات، لكن بطريقة مفضوحة تماماً من التزوير، وأضطرت لكي تصل إلى هذه النتيجة، ان تفضح علاقتها المشبوهة اولاً بالمفوضية المستقلة للإنتخابات ووقوفها معها بشكل علني ضد شكاوى جميع بقية القوائم على التزويرات وحاولت منع محاولات إعادة العد بتصريحات نارية لـ "الصهيوني" كما يصف نفسه، نائب الرئيس بايدن. وحاول فرج الحيدري أن يتجنب بأي ثمن إعادة عد الأصوات وبشكل فضح موقفه الذي لا أشك لحظة في أنه تمت رشوته أو ابتزازه، ليدعي بأن إعادة العد، التي تجري بسهولة في كل مكان آخر في العالم، "مستحيلة"! وهكذا كشف المزيد من حجم المؤامرة الهائل، لكنه لم يكن كافياً لتمريرها. واضطرت الولايات المتحدة أن تكشف العلاقة المشبوهة الأخرى مع ممثل الأمم المتحدة، وهو ما كشف تورط أد ملكرت في المؤامرة، فلا يوجد مراقب دولي يؤكد سلامة الإنتخابات حتى قبل بدئها، ثم يدعو الأطراف إلى نسيان الشكاوي وطلب العد، وقبول النتائج كما هي!  

 

وأخطر من كل ذلك كشفت المؤامرة إختراق الإحتلال لأعلى مستويات القضاء العراقي حين أصدر الأخير قراراً مضحكاً مبكياً وربما لا سابقة له في التاريخ بالسماح بإعادة العد، شرط أن لا تتم المقارنات التي يفترض أن تكشف الخلل الذي تم تقديم الشكوى والبراهين عليه من قبل الكتل المشتكية!

 

كل هذه الفضائح خسائر كبيرة للأمريكان يجب عدم الإستهانة بها، فقد بذلوا الكثير من الجهد والمال لتركيبها كأدوات إحتياطية وألغام يتم تفجيرها في أي وقت يحتاجه الإحتلال، وهاهو يفجر ذخيرته التآمرية السرية الواحدة تلو الأخرى دون أن يصل علاوي إلى الحكم.

 

ولم تتوقف الخسائر الأمريكية بعد إنتهاء الإنتخابات وأثناء معركة تشكيل الحكومة. فكشفت تلك المرحلة حقائق خطيرة أخرى، لعل أهمها حقيقتين كبيرتين أثارت الدهشة في العراق. أولى تلك الحقيقتان هي الموقف الشديد الغرابة لعمار الحكيم وأطراف أخرى في المجلس الأعلى، لا يمكن تفسره إلا بأنه تعرض إلى إبتزاز شديد. فالرجل جزء من الإئتلاف الأكثر مقاعداً، ويكفي أن يتوافق مع المالكي ليحصل على وزارات تفوق حصته البائسة من المقاعد، فأية مصلحة له لذلك الإنحياز غير المحدود للجانب الآخر؟ ما الذي يدعو شخصاً في مثل هذا الموقف ليقدم ورقة كبرى مجاناً لمنافسيه بالقول بأنه "لن يشارك في حكومة لا يشاركون فيها"؟ إن كان يستحيل على الرجل أن يشارك في حكومة بدون العراقية فلماذا لم ينضم إلى تحالفها؟ ما الذي دعاه إلى الوقوف بوجه إعادة العد التي يفترض أن تحصل لتحالفة على المزيد من المقاعد، ليقول "ان عملية الفرز اليدوي التي يراد تحقيقها في البلاد تحمل في طياتها العديد من المخاطر"؟ (4)

 

أنا ليس لدي أي تفسير سوى تعرض الرجل للإبتزاز لقيامه بعمل مخجل أو خارج القانون تم تهديده بكشفه، لكنه مجرد تقدير شخصي لا أجد تفسيراً غيره.

كذلك لم أجد تفسيراً لموقف التيار الصدري في التخلي عن مرشحه إبراهيم الجعفري وتحمله إحراج شديد مخجل لصالح شخص أقل ما يقال عنه أنه غير نظيف السمعة وغير موثوق، وأحد أقرب الشخصيات المتملقة إلى خصومهم الأمريكان، علماً أن علاقتهم الدموية بالأمريكان تجعل تولي مثل هذا الشخص لرئاسة الحكومة أمراً في غاية الخطورة عليهم، وكان عليهم أن يقفوا بوجهه بكل ما أوتوا من قوة، فإذا بهم يدعمونه رئيساً للحكومة!

مثل سابقاتها، فجر الأمريكان هذين اللغمين الكبيرين، دون تحقيق نتائج!

 

ومن الخسائر التي تحتسب على الجانب الأمريكي - البعثي، المواقف الحادة المتطرفة والكذب المفضوح لأعضاء العراقية واستهتارها بالمحكمة الإتحادية وقرارها والسخرية منه رغم خطورة هذا الموقف مما كشف للناس نوعية هذه المجموعة. وأذكر بشكل خاص حملتهم الأخيرة التي أكدوا فيها أنهم من المستحيل أن يشاركوا في حكومة يقودها المالكي لأنه طائفي وضعيف وفاشل وهم لا يثقون به، و أن "برنامجهم" يختلف مع برنامجه بشكل شديد (لا أحد يعرف أي من البرنامجين، دع عنك ذلك الفرق بينهما). لكنهم اليوم يتراجعون ويفاوضون للمشاركة تحت رئاسة "الطائفي، الضعيف، الفاشل، الذي لايثقون به" ماداموا سيحصلون على مناصب!

هذه "الفضيحة المبدئية" وغيرها، كشفت جماعة العراقية للناس، وخسر الأمريكان ورقة أخرى، فهم لا يتوقعون أن يحصلوا مستقبلاً على فرصة أخرى لخداع الناس، لا من ناخبيهم، ولا من خصومهم!

 

ولا ننسى أخيراً الفضيحة الخطيرة المتعلقة بحقيقة أن الحاسبات التي تم تجهيزها للمفوضية العامة للإنتخابات، كانت من قبل جهة يشتبه أن لها علاقتة وثيقة بمجاهدي خلق، وأنها هي نفسها التي جهزت حاسبات وزارة الدفاع، وهذه كلها حقائق أسهم كاتب هذه السطور في كشفها، ومازالت تنتظر إتخاذ إجراء بشأنها.

لم يخسر الأمريكان انكشاف هذه الحقائق السرية فقط، بل ارتفع وعي الناس وسينظرون بحذر أكبر في الإنتخابات القادمة ويتساءلون عن تأمين الحاسبة والنظام، ويشككون بالمفوضية ويتجرأون على محاسبتها ومطالبتها بضمانات قوية.

 

لقد كلفت العملية كلها أميركا كمية لا يمكن إصلاحها من المصداقية, وانكشفت بسببها أسراراً شديدة الأهمية كانت تأمل بلا شك أن تستعملها كأوراق في الحالات الحرجة في التآمر مستقبلاً، سواء في وزارة الدفاع أو في تزويرات قادمة للإنتخابات، وبذلك فأن المستقبل لن يكون سهلاً بعد الآن. فالأجهزة كشفت والعملاء كشفوا وكذلك كشفت حقيقة التوجه الأمريكي الأكيد والمصر لإعادة البعث للعراق مثلما جاءت به إليه، ومثلما أعادة الأنظمة الفاشستية في العديد من بلدان العالم بعد إزاحة حكوماتها بحجة الديمقراطية. ومن الواضح تماماً منذ أيام اسطنبول أن الأمريكان أساءوا تقدير حجم الرفض العراقي الشعبي للبعث، والإستعداد لمقاومة عودته، وصمود أبنائه وكشفهم لأسرار مؤامراتها.

 

ما يغيض الأمريكان أكثر، ويكثر من أصوات الإنفجارات والدماء، ان كل هذه الفضائح والتضحيات بالسمعة وانكشاف الأوراق، لم تكن كافيه لإيصال أياد علاوي إلى رئاسة الحكومة، وهو فشل هائل، ليس مستبعداً أن يكون هو السبب وراء تغيير السفير الأمريكي في العراق، سواءاً لسوء إدارته للمؤامرة، أو لأن سمعته صارت تعرقل علاقاته وتمشية المصالح الأمريكية في البلاد.

 

لكن كل هذه المكاسب العراقية والخسائر الأمريكية في معركة تشكيل الحكومة المناسبة لكل منهما، قد تزول وتتبخر في اية لحظة، فالوضع مازال متفجراً ومحملاً بالمؤامرات. لقد كانت الخسائر أكبر من أن يتحملها أصحابها ويعترفون بالأمر الواقع، وبقدر ما هي خسائرهم تكون مكاسبنا، لكن نجاح المؤامرة لو حدث، فأن كل تلك المكاسب تزول ويتمكن الإحتلال من بناء حقول الألغام السياسية والأمنية من جديد، والمرحلة حبلى بالإحتمالات الخطيرة.

 

في الحلقة التالية من المقالة سنكمل الحديث عن ذلك.

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

مقالات الكاتب

صائب خليل

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال