Untitled Document

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

 تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 
   

   

 

علاوي ذلك القطار الطويل من الفضائح، من يمثل؟ 1

 

صائب خليل

 في كليب تلفزيوني دعائي إنتخابي له، بث في الإنتخابات الأخيرة، يقول أياد علاوي بأنه لو عاد الزمن به إلى الوراء، لأتخذ نفس المواقف..(1)

وبتصريحه هذا فهو يقدم لنا خدمتين: الأولى إلغاء حجج المدافعين عن علاوي الذين يحتجون على محاسبة علاوي على ماضيه ويدعون إلى التعامل مع الحاضر، والثانية أنه يساعدنا على رؤية ما ينتظر منه مستقبلاً. ومادام علاوي ليس آسفاً، وينوي أن يكرر ما قام به في الماضي، فأن مراجعة تلك المواقف تكتسب أهمية إضافية للحاضر والمستقبل، فما هذه "المواقف" التي لم يجد فيها علاوي ما يأسف عليه، بل يفخر بها ويريد أن يكررها لو أتيح له ذلك، كما يقول بنفسه؟ لننظر إلى هذه المواقف لنفهم ما الذي يجب أن ننتظره من علاوي إن تمكن من سلطة على الحكومة أو مركز حساس فيها. 

فضائح علاوي طالباً

حين أعلن مؤخراً فوز قائمة علاوي كتب جوشوا هولاند "هل انتخب العراق لتوه قاتلاً جماعياً؟" (2)

أشار الكاتب إلى الجريمة التي نسبت إلى أياد علاوي، وتتلخص بأنه قد قتل ستة أشخاص مقيدين في مركز أمن العامرية، بالمسدس بدم بارد قبيل تسلمه رئاسة وزارة حكومته المؤقتة عام 2004، وأشارت المقالة إلى أن الرواية نشرت في صحيفة سيدني مورننك هيرالد الأسترالية ونشرها أحد الصحفيين المرموقين مستنداً إلى روايتين مستقلتين لشاهدي عيان، وقال أن الظروف في العراق لم تسمح بالتحقيق ومحاكمة علاوي بشكل موثوق به.

لم تكن مقالة جوشوا إلا واحدة من ألاف المقالات التي دارت حول فضائح الرجل الذي دفعت به أميركا لحكم العراق كاختيار وحيد حين كان لها أن تختار بحريتها التامة. لكن فرض أياد على العراقيين بدا ثقيلاً حتى على الولايات المتحدة الجبارة، فقد بدا أياد وكأنه قاطرة تجر قطاراً طويلا ً من الفضائح يستحيل سترها.

لقد بدأ قطار أياد علاوي يجمع "فاركونات" الفضائح منذ محطات شبابه الأولى، ومنذ ذلك الحين وقطاره يزداد طولاً في كل محطة يقف عندها هذا القطار.

 كتب عن فترة شباب علاوي العديد من زملائه، ومنهم الدكتورة هيفاء العزاوى التي كتبت فى مقالة نشرتها فى كانون الثانى 2004 فى صحيفة لوس انجلوس تايمز بأنها كانت طالبة فى كلية الطب البشرى فى بغداد، وإنَّ علاوى كان معروفاً فى حينها بغبائه الدراسى وكونه بلطجياً يهدد الطلبة بمسدسه الشخصى ويتحرش جنسياً بالطالبات، وأنها تحتفظ بمعلومات عن سلوكياته الشخصية تدينه أخلاقياً وسياسياً.

وبعد نجاح الإنقلاب فى 8 شباط 1963 كان علاوى بملابسه العسكرية أحد قادة الحرس القومى فى كلية الطب ببغداد والمناوب اليومى ليلاً فى العديد من مراكز الحرس المهمة ولاسيما المركز الأساسى فى قصر النهاية، حيث مكتب للتحقيق الخاص مع القوى المتهمة بكونها معادية للإنقلاب وفى مقدمتها الحزب الشيوعى والقوى القاسمية والأحزاب الديمقراطية والقوى الناصرية

وحين شكل صدام جهاز حنين الأمنى كان علاوى أحد عناصره الاساسية. 

فضائحه في الحزب

كتب الصحفي الكبير سيمور هيرش:"لقد ساعد علاوي صدام للوصول الى السلطة, قال لي احد ضباط الأمن الأمريكان " كان محركاً فعالاً ومؤمناً حقيقياً (بصدام)" حسب ريول مارك خرخت, مسؤول المخابرات المركزية الامريكية (C.I.A ) الذي خدم في الشرق الأوسط, وأضاف : "هناك حقيقتان بارزتان بالنسبة لعلاوي. الأولى انه يحب ان يتصور نفسه رجل ذو افكار, والثانية هي ان اكبر فضائله هو انه سفاح".

"إن سألتني ان كانت هناك دماء على يدي علاوي في فترة تواجده في لندن, فالجواب هو "نعم", هكذا يقول فنسنت كانسترارو, ضابط سابق في المخابرات المركزية الامريكية (C.I.A.). "كان يتقاضى راتباً من المخابرات العراقية وكان متورطا في مهمات وسخة". كذلك اكد لي مسؤول حكومي اثاره اهمال تأريخ علاوي الشخصي، قال لي قبل اسابيع أن علاوي كان متورطاً في "اليد الضاربة" للمخابرات والتي كانت مسؤولة عن ملاحقة واغتيال البعثيين الخارجين عن السلطة والهاربين الى اوروبا."

هيرش هذا هو الذي كشف فضيحة اميركا في ماي لاي في فيتنام وساهم في ايقاف تلك الحرب, وساهم بفضح تفاصيل ووتركيت التي اسقطت نيكسون, احد اكثر الرؤساء الامريكان عدائية وقسوة في التأريخ, وإليه يرجع فضل كشف صور سجن ابوغريب, لذا فإننا لا نستند إلى مصادر هشة في هذه القصة.

سنكتفي بهذه اللمحات من الفترة التي يقول علاوي أنه سيكررها لو أعاد التأريخ نفسه، وهي مجرد لمحات لأن الحقائق المحددة التي ترافق مثل هذه الحالات رغم أنها لابد أن تكون مملوءة بقصص الإجرام المصاحبة دائماً لمثل هذه المقدمات. قد نعرف يوماً بعض تلك التفاصيل، فهي تكمن بلا شك ضمن أطنان من الوثائق العراقية المهربة، في أدراج المخابرات المركزية الأمريكية، والتي لن تكشف إلا إذا أرادت أميركا الإنقلاب على علاوي يوماً، أو أراد هذا الإنقلاب عليها.

لنترك الماضي البعيد إذن ولنأت على محطات قطار علاوي في فترة ما بعد إسقاط الأمريكان لصدام.

لذا فإننا لا نستند إلى مصادر هشة في هذه القصة.

فضائح بعد 2003

 لأن الحكومة القادمة ستقرر مسألة تنفيذ انسحاب القوات الأمريكية، فلم يعد بإمكان الإدارة أن تنتظر أكثر، ويجب أن يستلم السلطة رجال مطيعون لها. إلا أن رجالها كانوا بعيدين عن إمكانية الفوز بأنفسهم، أو حتى بمساعدة مالية كبيرة أو تزوير بسيط. وقد عبّر مؤخراً باحث اميركي من معهد اميركان انتربرايز المقرب من المحافظين، في تقرير شديد اللهجة قلة حظوظ رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي رغم تلقيه "ملايين الدولارات من حلفاء صدام حسين السابقين في الاردن وغيرها من الدول العربية". وقال أن أدارة أوباما تسعى الى دفع حظوظ علاوي للوصول الى رئاسة الحكومة، "الا ان العراقيين يذكرون سجله".

لكن يبدو لي أن حياة العراقيين المأساوية جعلتهم أسرع نسياناً مما تصور الباحث مايكل روبن، الذي ذكّرنا ببعض "فاركونات" قطار أياد وقال بانه "عندما كان علاوي في مجلس الحكم لم يكتف بتعيين قريبه نوري بدران في منصب وزير الداخلية، لكنه ايضا دافع عنه عندما اتهم باستخدام اموال الوزارة المخصصة لشراء معدات عسكرية لمكافحة التفجيرات، للمضاربة على الدينار العراقي، مما ادى الى اختفاء عشرة ملايين دولار"...ومذكرا بان "وزير الدفاع في عهده حازم الشعلان، وهو بعثي سابق على غرار علاوي نفسه، كان يحظى باعجاب الاميركيين بسبب لهجته المعادية للايرانيين، اضاع مليار دولار على عقود لا قيمة لها ، وهي اموال كان يفترض ان تذهب لمكافحة الارهاب". (4)

ربما يتعجب روبن لماذا تختار أميركا شخصية مشبوهة إلى هذه الدرجة لتقود لها البلاد، لكنه لا يدري أو يتظاهر بأنه لا يدري أن نفس هذه الصفاة التي انتقد بها علاوي، هي التي يفضلها الأمريكان في الأشخاص الذين يحكمون نيابة عنهم، وقد كان علاوي لذلك السبب وليس بالرغم منه، مقرباً إلى أميركا إلى درجة أن الأسوشيتد برس نقلت قلق الامم المتحدة من اختيار علاوي لروابطه بالولايات المتحدة ووكالة الاستخبارات الأمريكية.

ينقل لنا عاصم الفياض في مقالة بعنوان "الأسوأ من أن يحكمك المالكي أن ينقذك علاوي منه!" نشرت في "البديل العراقي"، ملخصاً لبعض عربات قطار فضائح علاوي خلال فترة حكمه وما بعدها إضافة لما ذكر أعلاه، وفيها جاء:

- أول عملية سرقة كشفت "رسمياً" أثناء حكومة بريمر، هي كشف سلطات مطار بيروت شحنة معبئة في صناديق تحمل 19.5 مليار دينار عراقي على متن طائرة صغيرة مستأجرة، في حين إن أوراق السفرة كانت تشير إلى نقل ركاب، وليكشف بعدها إن الأموال سحبت بصك بتوقيع وزير الداخلية نوري البدران عضو حركة الوفاق وشقيق زوجة علاوي، وخلاف ابسط قواعد الصرف.

- حكومة بريمر لم تكن تظم في بدايتها وزارة الدفاع، وحين بدء التفكير بتشكيلها سارع علاوي إلى التنازل عن منصب وزارة الداخلية (وأقيل نوري البدران من قبل بريمر وكلف سمير الصميدعي بالمنصب) وسلمت وزارة الدفاع إلى قريب لعلاوي والجلبي وهو عبد الأمير علاوي.

-. ضربه الفلوجة بطريقة مجرمة، وليس اضطراراً (كما يدعي)، فلا ننسى ضحكاته السمجة في القاعدة الأمريكية وهو يصدر "أوامره" لتدمير المدينة.

-. تشكيله ووزيره المجرم طالب النقيب للواء الذئب والذي أذاق أهل الموصل سوء العذاب والمعاملة، وراح العشرات ضحايا لاجرامه وبطشه، والذي كان بداية تشكيل قوات مغاوير الداخلية المجرمة.

-. ضرب مدن الأنبار وسامراء والضلوعية.

ولم تكن هذه هي المدن الوحيدة التي ضربها علاوي فلم يشر الكاتب إلى ضرب النجف سوى بشكل عابر مخفف، ويبدو أن الكاتب أراد التركيز على جرائم علاوي التي ارتكبها بحق "المكون السني" الذي يتباكى اليوم عليه، ويقدم نفسه كمدافع عنه ويكاد يصبح رمزاً سياسياً له! 

ومن القضايا الخطيرة التي تمت طمطمتها بشكل غريب، إتهام وزارة الداخلية لأياد علاوي (مع حارث الضاري) في التورط في قضية أحداث الزركة الإرهابية في نيسان 2008. ولقد وصلت القضية إلى المشادات العلنية بين المالكي وعلاوي، حيث صرح الأول علناً باتهام الثاني بالقضية. ورغم أن أياد والقائمة العراقية نفوا التهمة وطالبوا المالكي بالإعتذار إلا أنهم لم يصلوا إلى أن يشكوه إلى القضاء، وهو ما كان الأمر الطبيعي في مثل هذه الحالة، خاصة وأن المالكي رفض الإعتذار وقال أن القضية كلها في يد القضاء، وأن علاوي يستطيع أن يقدم شكوى تشهير إن كان بريئاً، لكن علاوي لم يفعل! وهكذا تركت قضية خطيرة من قضايا الإرهاب معلقة كالعديد من غيرها التي اتهم سياسيون في مواقع خطيرة بالتورط فيها، مما يشرح إلى أي مدى من التدهور وصل حال البلاد الذي يتوازن في سلطاته بين حكوماته والإحتلال بشكل يستحيل أن يعرف فيه المواطن من المذنب في ماذا.

وعدا هذه التهم الجرمية الخطيرة للغاية، فأن أياد علاوي، ولقربه الشديد من الإحتلال الأمريكي، رجل خطر على الإقتصاد أيضاً، ليس فقط بسبب الفساد المدعوم أمريكياً، والذي مارسته حكومته القصيرة، بل أيضاً باندفاعه اللامحدود إلى المشروع الإقتصادي الأمريكي في العراق. ولو أتيح له وللإدارة الأمريكية حينها لخصخص النفط والإقتصاد العراقي برمته لصالح الشركات منذ زمنه. فقد "قدم في سبتمبر 2004 مبادئ لقانون النفط الجديد في العراق، اقترح فيه “إنهاء التخطيط المركزي وهيمنة الدولة على الاقتصاد” وحثالحكومة العراقية لتتوقف عن إدارة عمليات قطاع النفط”. كما أنه أوصى بالخصخصة حيث وجه الأمور لتكون الصناعة “بشكل كامل مبنية على القطاع الخاص، بحيث يتم التدرج أيضاً بخصخصة عمليات تسويق النفط ومنتجاته، كما تكون سائر التوسعات للمصافي أو المصافي الجديدة مقامة على أساس القطاع الخاص المحلي منه والأجنبي”. كما تمت التوصية بأن يتم تطوير الحقول الجديدة غير المستغلة من قبل شركات النفط الدولية. (5)

مبدئية علاوي ومصداقيته

إضافة إلى كل ذلك، فأن أياد علاوي شخص عديم المصداقية، وسهل الإنقلاب من موقف إلى عكسه في اللحظة التي يناسبه فيها ذلك. ولقد تسبب ذلك في خيبة أمل معظم من تعامل علاوي معهم، ولم يحدث في جميع الكتل ا لسياسية التي تواجدت في العراق بعد عام 2003 أن انفض أعضاؤها بأسرع وأكثر من الكتلة التي شكلها أياد علاوي، رغم تسامحهم الأولي الكبير معه وتحملهم لشطحاته المتعالية، أما باعتباره الملجأ المتوفر للعلمانيين الذي ساندته الولايات المتحدة ودعمته، أو طمعاًُ في الوصول إلى الحكم بواسطة ذلك الدعم. وكان علاوي لا يفتأ يقوم بنفس الأعمال التي ينتقدها إلى درجة الحماقة.

في سعيه إلى السلطة بكل الوسائل، أطال أياد الحديث عن طائفية خصومه وخطرها على البلاد وقدم نفسه المخلص الذي سيمنع هذا الخطر من إيصال العراق إلى الحرب الأهلية:

“إنني سوف أقوم بالدور الذي ينبغي علي القيام به من أجل إنهاء الطائفية، وتحويل العراق إلى بلد آمن وبلد ديمقراطي.”

“لذلك السبب نحن نعتقد أن حكومة المالكي لن تكون قادرة” على إجراء مصالحة مع السنة والشيعة والأكراد “لأنها قامت على أسس فلسفية طائفية.”

” ان الحكومة الحالية في بغداد تتسم بالطائفية ولايمكنها حل مشكلات البلاد.”

“إن الوضع برمته قائم على الطائفية ومنع المصالحة”

“أن النظام يجب أن يتغير ويجب أن يسود نظام غير طائفي”.

“المالكي جزء من النظام الطائفي الذي يؤثر سلبا على البلاد. لا يمكننا أن نرى تحسنا إذا بقي النظام الطائفي مطبقا فيها”.

لكن مغازلته للتوافق منحت لعبارات علاوي هذه وقعاً مثيراً للغثيان. فكتب العديدين عن هذا التناقض مثلما عبد المنعم الأعسم عن مرارته من ذلك “التحالف مع معسكر معارض (التوافق) متهم هو الاخر بالطائفية، ومتمسك، بل ومقاتل لتكريس المحاصصة” 

وعدا حديث الطائفية الذي لا ينتهي، أغرق أياد علاوي الإعلام بحديثه الغاضب عن "الإقصاء" و "التهميش" و "روح الدكتاتورية" التي اتهم بها خصومه وخاصة خصمه اللدود نوري المالكي، وتحدث كثيراً عن كيف يجب أن تكون الديمقراطية، وكان كثيراً ما يتحدث عن نواقص ومشاكل وانتقادات حقيقية لكن المرء لا يحتاج إلى الكثير من الذكاء ليكتشف أن علاوي أبعد ما يكون عما يعد به، وأقرب ما يكون إلى ما اتهم خصومه به.

يكتب حامد حمودي تحت عنوان "اياد علاوي....بذرة دكتاتورية عراقية في طور التشكل"

"...اذا ماقارنا هذا ببدايات تشكل دكتاتورية صدام حسين مثلا سوف لانرى كبير فرق اذ وفي بداية الطريق لاتظهر اي علامات فارقة في سلوكيات واداء الشخص في المخاض السياسي قد تسهل على عوام الناس تحديد ذلك لتتصدى عندها وتضع حدا لطموحاته المريضة"...."مايميز اداء اياد علاوي  ....هو روح الاقصاء التي يمتاز بها واستسهال واسترخاص الكذب وغيره من المحذورات في سبيل تحقيق اهدافه , ثم لاننسى نسبة الغرور المرتفعة جدا في دمه حيث يحضرني هنا هو استشهاده في كل مقابلة تجريها معه اية وسيلة اعلامية باتصال جورج بوش به في بداية تسلمه مقاليد رئاسة الوزارة في الفترة الانتقالية الماضية ليوحي للقارئ او المستمع بانه شخص ذو شان يتصل به رئيس اقوى دولة في العالم" (6)

لكن دكتاتورية وتهميش وغطرسة أياد علاوي لم تظهر بقدر ما ظهرت من خلال ردود أفعال رفاقه وما قالوه عنه، وكشف زيف ادعاءاته الشديد بحب الديمقراطية والبعد عن الدكتاتورية. فهو في الوقت الذي يعبر فيه عن غضبه على المالكي الذي زار ايران “دون التشاور مع الكتل السياسية” الأخرى، فأنه لم يكن يتشاور حتى مع مكونات كتلته السياسية نفسها!

فأعلنت صفية السهيل: ” القائمة تدار بطريق الهاتف او الايميل كما ان اتخاذ القرارات يتم بمنأى عن الديمقراطية، الادارة غير شفافة والقرارات تتخذ بطرق غير ديمقراطية والاوامر تعطى دون استطلاع الاراء ولسنا شركاء في اتخاذ القرار.”

 “لايشرفني ان اكون مسلوبة الارادة ولاقرار لي في القائمة التي انتمي اليها”

مفيد الجزائري 21 – 9: ” نحن لم نكن نعرف بموضوع الوساطة التي قام بها الدكتور اياد علاوي بين عزة الدوري والامريكان بل عرفناها من خلال وسائل الاعلام شأننا بذلك شأن جميع المواطنين.”

وهكذا انفض الرفاق عن أياد علاوي واحداً واحداً من الأعضاء المستقلين إلى الحزب الشيوعي، ولم يبق معه سوى من رضي أن يكون "مسلوب ا لإرادة" يدار "من التلفون"! ولم يخسر علاوي رفاقه فقط، بل حلفاؤه أيضاً، ففي اللحظة التي وجد فيها علاوي فائدة أكبر حسب تقديره، قلب لأصدقائه القدامى، الكرد، وجهه والتفت إلى جهة ثانية.

لا شك أن القيادات الكردية حين حسبت حسابها اليوم، وهي تتلقى العروض للتحالف من كل الجهات، لم تتذكر مواقف النجيفي فقط، بل تذكرت أيضاً مواقف علاوي هذه.

وبالرغم من كثرة شكوى علاوي مع قلة احترام القانون في حكومة المالكي، وهي بحد ذاتها كلمة حق، إلا أن المراقب الدقيق يستطيع أن يميز صفة واضحة في علاوي كانت من أشد مميزات الفترة الصدامية خصوصية، رغم أنها لم تزل بزوالها، وهي التصور بأن أفضل تعبيرعن قوة وسلطة الشخص تتمثل في قدرته على تجاوز القانون! إن الذين تربوا على هذه الصفة لا يستطيعون مقاومة الرغبة في استعراض تجاوزهم للقانون واحتقارهم له والإيحاء بأنه إنما وضع للضعفاء وعامة الناس فقط، وأنهم فوق ذلك. في هذا يشبه علاوي صدام حسين، أو ربما أكثر، يشبه حماية صدام حسين وقواته الخاصة وأقاربه. فصدام حسين يختلف عن أياد علاوي في أن الأول لم يكن يكثر من التظاهر باحترام القانون، بل كان أكثر انسجاماً في تعبيره عن نفسه المتخلفة، فيقول مباشرة: "وما هو القانون؟ إنه جرة قلم!". أما علاوي الذي تسيطر عليه نفس العواطف فلم يتح له (بعد) أن يقول مثل هذا الكلام علناً. وهو بحاجة إلى إظهار نفسه على الأقل للمصوتين له من العلمانيين، بأنه يمثل القانون واحترامه، ويكثر من انتقاد خصومه على قلة أحترامهم للقانون. هذا التنافر بين الرغبات يبدو واضحاً من طريقة كلام علاوي وحركاته وأفعاله.

إن الجرائم التي سبق ذكرها تعبر طبعاً في حالة ثبوتها، أن الرجل لا يحترم القانون بأكثر مما يحترمه رجل عصابات محترف. لكن حتى في انتظار ذلك اليوم، نستطيع أن نتخيل أن من تربى في الأجواء التي تربى فيها علاوي، فأن احترام القانون يعتبر نقيصة كبيرة، وأن صاحب مثل تلك النقيصة لا يستطيع كسب احترام مرؤوسيه في فرق الأمن والإغتيالات الحزبية ولا يستطيع أداء عمله.

ويستحيل على المرء فيما بعد أن يخفي مثل تلك العواطف والتربية بشكل دائم، فاحتقاره الشديد للقانون سيتسرب عاجلاً أم آجلاً من بين كلماته وتصرفاته الصغيرة قبل الكبيرة. إنتبه أحمد مهدي الياسري إلى ذلك فكتب (28 -02-2007) تحت عنوان:"من خول علاوي طلب اطلاق المجرمين ؟؟" يقول:

"ياتي علاوي بالامس ومن على قناة العراقية في لقاء خاص معه ويقول وبصيغة استفزازية تشي بماخلفها من امور بعيدة عن رغبات هذا الشعب ويقول انه طلب من !!!!! الامريكان !!!!! وليس من القانون والقضاء العراقي، ان يطلقوا سراح المجرم الماثل امام محكمة الشعب في قضية الانفال الدامية بدماء ابناء واطفال ونساء وشيوخ وحيوانات وارض وسماء ومقدرات شعب كردستان سلطان هاشم احمد كما انه طالب باطلاق سراح اثنين من التيار الصدري لم يسمهم واعتقد انه من ساهم باعتقالهم وكأنه يريد ان يعطي لنفسه صفة العدالة والتوازن"...."علاوي يقول في ذات اللقاء انه لايعترف و يشكك بنزاهة وعدالة القضاء العراقي بعد ان طالبه مقدم البرنامج بتبرير لمثل هذا الطلب وسأله لماذا لاينتظر نتيجة بت القضاء العراقي بالامر".... 

وكتب محمد ضياء عيسى العقابي تحت عنوان "مـن أجلســكما فـوق القـانـون، يــا عـلاوي ويــا بـاجــه جي؟" :

"لقد إجتمع السيد أياد علاوي بالدكتورة كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، لعرض مشروع بديل عليها لحكم العراق وقد أيدته الوزيرة. أما بنود مشروع الدكتور أياد والقائمة العراقية فهي كما صرح بها النائب عن القائمة السيد أسامة النجيفي ونقلتها (د.ب.أ.) ونشرتها صوت العراق بتاريخ 6/3/2007، وهي: "إعادة النظر في العملية السياسية بالكامل وتغيير طريقة إدارة الدولة العراقية وتجميد الدستور وحل البرلمان".

هذا يرقى بلا شك إلى جريمة التآمر على الديمقراطية، ويعاقب بقسوة متناهية حتى في أشد البلدان ديمقراطية!

نلاحظ في الحالتين مواصفات علاوي ليس فقط في احتقار القانون، وإنما في احتقار بلده وسيادته، وهو ما ستدل عليه بوضوح العديد من العربات الأخرى لقطار الفضائح الذي يسحبه وراءه، ويدل عليه تواجده الثابت في الخارج واحتقاره لعمله البرلماني ولجوئه بشكل ثابت ودائم إلى الدعم الأمريكي والعربي للوصول إلى السلطة، والتي لم يحصل على الدعم الشعبي العراقي الطبيعي ما يكفيه لها. وهو أيضاً لا يجد غيضاً من الإعتراف بتعامله مع 14 جهاز أمن أجنبي، دون أن يشير إلى أن تلك التعاملات قد توقفت، فهل يستطيع القانون مثلاً أن يحاسب مواطناً بتهمة التجسس لأي بلد كان، في حكومة يرأسها مثل أياد علاوي؟

وهكذا لم يبق لأصدقاء علاوي ما يدافعون به عنه سوى "علمانيته" واعتباره ملجأً لهم من التسلط الديني وتسييس الدين. كانت "علمانية علاوي" صك الغفران الذي يسمح له بارتكاب كل الخطايا دون حساب لدى ناخبيه. ولكن، وفي أحد الأيام، ولسوء حظ هؤلاء الناخبين (أو حسن حظهم!) يكتشف علاوي أن من مصلحته أن يغازل الأحزاب الدينية،. فينقلب فوراً من شخص "يؤمن بالتراث الديني" ويعترض على "تسييس الدين" إلى الموقف المعاكس. لنقرأ هذين الخطابين له:

علاوي 22-06-2007: “نحن نذكر دائماً أن الأديان هي جزء من تراثنا وتقاليدنا وحضارتنا. لكننا ضد تسييس الدين والمذاهب.”

علاوي 10-09-2007:  “إن تسييس الدين حق طبيعي”!

ليست المشكلة في عبارة علاوي الأخيرة، فالموضوع قابل للجدل، لكن المشكلة في تعبيرها عن الإستعداد للإنقلاب وبسرعة خارقة وراء المصالح وبلا خجل، وفي كون "علمانية" علاوي هو ما كان قد بقي لتابعيه من مبررات للسير وراءه. وهكذا تحول "رمز العلمانية" بين ليلة وضحاها إلى شخص أقل علمانية من بعض أشد رجال الدين تديناً، والذين كانوا يرفضون صراحة تسييس الدين، مثل آية الله اسحاق الفياض، احد المراجع الاربعة في النجف، والذي لم يكتف بالدعوة إلى عدم تسييس الدين قبل اسبوعين من ذلك التأريخ، بل وحذر منه!

لنتوقف هنا...لقد تعبت من الكتابة والإختصار، ولا شك أنكم تعبتم من القراءة، ومازال القطار طويلاً. لا مفر من تجزئة المقالة وترك الباقي إلى الحلقة الثانية، فإلى اللقاء التالي. – صائب خليل

21 نيسان 2010  

<< الجزء الثاني

(1) www.youtube.com/watch?v=V5Yd0K2xfnc

(2)  http://www.informationclearinghouse.info/article25096.htm

(3) http://www.berkeley.edu/news/media/releases/2004/10/11_hersh.shtml

(4) http://aknews.com/ar/aknews/4/126298

(5) http://www.safsaf.org/01-10-2006arttikl1/book_iraqi1.htm

(6)  http://www.nahrain.com/d/news/05/11/02/nhr1102q.html

<< الجزء الثاني

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا