نزار رهك ورقة عمل لحركة يسارية عراقية جديدة

 

النقابات العمالية والأزمة الرأسمالية العالمية

 

نزار رهك

 

في الأزمة المالية التي تسحق النظام الرأسمالي العالمي في هذه المرحلة التاريخية كان الخاسر الكبير هو النظام الأقتصادي – الأجتماعي وكان الرأسمالية ونظام الأرباح الرأسمالي وكذلك الأيديولوجيا المدعومة برأس المال ونظام العولمة الرأسمالية وهي تهدد العالم الرأسمالي بالأنهيار سواء كان بسبب هذه الأزمة أم بمستقبل هذا النظام الذي يفتقد الى المصداقية في خلق نظام العدالة الأجتماعية التي كانت ضمن مقوماته الأيديولوجية في مواجهة النظام الأشتراكي الذي إنهارت قياداته السياسية وبقيت النظرية الماركسية تثبت جدارتها في تفسير العالم وتغييره وهو ما حدى بمنظري الرأسمال الغربي الى إعادة دراسة الماركسية من جديد لما حملته من توقعات علمية لتطور الرأسمال الى ما هو عليه الآن من أزمات.

وعلى راس المتضررين من الأزمة هم المستثمرين الصغار وأصحاب الأسهم في الشركات التي أعلنت إفلاسها وإنهيارها وهو يعتبر عاديا وطبيعيا لأصحاب الأسهم فهي كأي تجارة تربح أو تخسر والمستثمر في سوق الأسهم المالية يعرف هذه المغامرة وأكبر الخاسرون ماليا هم المستثمرون الكبار في هذه السوق الذي أطلق عليها اليسار الغربي بسوق القمار أو كازينو القمار وهم يقصدون سوق البورصة العالمية أو المحلية . وقد سارعت العديد من الدول الغربية الى إنقاذ هذه السوق من الأنهيار عن طريق ضخ أموال من خزائن الدولة وعلى حساب دافعي الضرائب من العاملين الذين فرض عليهم تبعات ونتائج الخسائر المالية دون أن يتمتعوا بالأرباح التي كانت هذه البنوك والشركات تتمتع بها وبقي أصحاب رؤوس الأموال بمنأى عن تحمل تبعات هذه الخسائر سوى القليل الذي تبرع ببعض مرتباته المليونية لشهر أو شهرين أما الغالبية الساحقة من الطبقة العاملة والمهددة بالبطالة فأنها تكافح من أجل إيقاف عمليات التسريح الجماعي من العمل وهو شرط وعامل مهم في رفع أسهم الشركات التي يعملون فيها في سوق البورصة العالمية .

وهنا مصدر الخلاف بين موقف النقابات العمالية في الدفاع عن حقوق العمال في مواجهة البطالة وموقف الأحزاب اليسارية أو الأشتراكية في مواجهة النظام الرأسمالي وقوانينه الأستغلالية. فالواجب النقابي يفرض على النقابات حماية العمل من البطالة وبالنتيجة حماية الشركات من الأنهيار وتقف بعض الأحيان مع أصحاب هذه الشركات بمطالبة الدولة بالتدخل لأنقاذها بينما يطالب اليساريون بأشراك الدولة في ملكية هذه الشركات والبنوك في قيمتها بعد الخسارة وليس بقيمتها السابقة لها أو تأميمها وهو ما يخشاه الرأسماليون في التحول التدريجي الأستراتيجي نحو الأقتصاد الأشتراكي وبقيادة الدولة الديمقراطية وهي علائم للتطبيقات العملية لنظرية كارل ماركس بالضرورة الحتمية التاريخية للتحول نحو الأشتراكية.

إن موقف النقابات العمالية ليس خاطئا بالمفهوم النقابي بل هو أكثر إيضاحا لمهام العمل النقابي المستقل الغير المسيس من قبل الأحزاب السياسية .

كما هو الحال بالنسبة لمواقف الأحزاب السياسية فالأزمة قد كشفت عن بشاعة الأحزاب اليمينية الرأسمالية وتمسكهم بنظام الأرباح حتى لو كان على حساب حياة الملايين من العمال وعلى حساب قوانين ومباديء الضمان الأجتماعي ومخصصات البطالة والرواتب التقاعدية وخدمات الصحة والتعليم والنقل العام وحماية البيئة وغيرها .وتجري عمليات التقشف على حساب العمال والعاطلين عن العمل وفقراء المستخدمين بينما يتم ضخ المليارات من خزينة الدولة لأنقاذ الشركات المهددة بالأنهيار .. دون معالجة الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة والمتعلقة بطبيعة النظام الرأسمالي وسياسة تدوير رأس المال عبر سوق البورصة المالية وضخ الأرباح في جيوب الأدارة الأقتصادية بطريقة المرتبات المليونية.

لا غرابة في إن المرتب الشهري لمدير بنك هيبو_ريال_إستيت مثلا ثلاثة ملايين ونصف يورو أي ما يعادل 4,6 مليون دولار ومساعديه يتقاضون مئات الآلاف وكذلك مدراء الفروع والمؤسسات التابعة حتى تكاد الأرباح تتوزع كمرتبات شهرية لفئة صغيرة  برأسمال مدفوع من قبل عشرات الآلاف من أصحاب الأسهم الصغيرة وهم وحدهم الذين خرجوا خاسرين من الأزمة وأضطروا الى بيع أسهمهم بسعر بخس وهو ما أوقف العديد من الأستثمارات وما ترتب على ذلك من خسائر في التعويضات قد تدفع إدارة البنك الى إعلان إفلاسه وتصفية الحسابات من الأرصدة المتبقية.

إن دخول الدولة كمنقذ لهذه البنوك والشركات قد يأتي بشيء من الأنعاش و لكنه إنعاش مؤقت سرعان ما ينحدر نحو الهاوية التي ستجر معها الدولة والنظام الرأسمالي برمته , إذ إن الأزمة دفعت بالمستثمرين في سوق البورصة الى سحب الثقة بمستقبلها وعدم المغامرة برؤوس الأموال .

إن مهاما جديدة تقف أمام النقابات العمالية تربط بين المحافظة على العمل وإيقاف التسريح والمساهمة مع قوى اليسار في وضع البدائل الأقتصادية والسياسية الكفيلة بتغيير طبيعة النظام الرأسمالي القائم وتحسين مستوى المعيشة وزيادة القدرة الشرائية للعمال وإيجاد فرص عمل جديدة للعاطلين وإعادة القوانين لدولة الضمان الأجتماعي التي كانت هذه الدول تسعى لألغائها وإعادة تشريعها بما يلائم سياسة رأس المال و التقتير في الخدمات الأجتماعية .

وعلى طبقتنا العاملة العراقية والشعب العراقي كافة إستيعاب مضامين هذه الأزمة وجعلها نموذجا في مواجهته لسياسة الأحتلال وعملائه في خصخصة قطاعات الدولة الأنتاجية والخدمية وتنشيط سوق البورصة العراقية وتوجيه البلد نحو إقتصاد السوق الحر , التي سوف تقود بالعراق الى أسوأ ما هو عليه الآن وترهن كافة ثرواته الوطنية لأحتكارات السوق العالمية وتجريد الدولة من دورها القيادي للأقتصاد الوطني .. وإن كانت الدول الغربية ترصد المساعدة لشركاتها من أموال وخزائن دولها فأن خزائن الدولة العراقية منهوبة ومستباحة بأيدي لصوص الأحتلال ولن تجد شركاتنا الوطنية من يساعدها عند الأزمات.

 

 

 Rahak@t-online.de

 

01.04.2009

 

 

 

  إتصل بنا    | ©2009 صوت اليسار العراقي

 

 

 

 

مقالات الكاتب

نزار رهك

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

 

 

لا

 

للأحتلال