نزار رهك الحقيقة وهيكل وماركس ردا على عامر حسن وعبد الخالق حسين

 

الحقيقة وهيكل وماركس

 

ردا على عامر حسن وعبد الخالق حسين

 

 

 نزار رهك

 

تناول الكاتب عامر حسن في موضوعه (الحقيقة القادرة على الحياة ) والمنشورة في صفحة طريق الشعب لسان حال (الحزب الشيوعي العراقي ) موضوعة هي في غاية الأهمية وتتعلق بكامل التوجهات المنهجية لليسار الليبرالي الجديد والتي دفعت قيادة الحزب الشيوعي العراقي التحرك في إطاره ضمن توجهاته الجديدة بعد الأحتلال الأمريكي – البريطاني للعراق لينهي مرحلة مليئة بالنضال الوطني والطبقي والفكري لحزب كان يعبر عن المصالح الطبقية لشغيلة اليد والفكر وكان حاضنة للثقافة العراقية المنحازة لمصالح غالبية طبقات الشعب المضطهدة . النهاية تجسدت بهذه الأبعاد الأيديولوجية الجديدة لما يسمى عالم الصراع الغير مؤدلج وهو يبريء العالم الرأسمالي والأمبريالية العالمية من توجهاتها الأيديولوجية التي تخدم مصالح الرأسمال العالمي وشركات النفط العالمية وشركات متعددة الجنسية العالمية العملاقة .. والنهاية بهذا المعنى الأستسلام للأيديولوجيا المضادة أو المفترض أن تكون المعادية في ساحة الصراع العالمي الأقتصادي والأجتماعي والأخلاقي والمعادية لشعبنا العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى هذه اللحظة .. وهنا يخوض الحزب تناقضا بين التاريخ الوطني للحزب وحاضر الموقف الذي يتناقض حتى مع أبسط مقومات التنظيم الوطني الذي يستوجب الأستقلالية الوطنية في التوجه الفكري والسياسي .. أم هي صحوة فكرية كصحوة الأنبار ؟

ولكن على ماذا نصحو ؟ .. هل على المنهج العلمي للنظرية الماركسية ؟ أم على سلوكيات القيادة الحزبية في مواجهة المتغيرات السياسية ؟ لقد علمتنا الماركسية (إن النظرية رمادية ولكن شجرة الحياة خضراء أبدا ) (لينين عن الشاعر الألماني غوته) .. وهي الماركسية التي قلبت المفاهيم رأسا على عقب وأستبدلت قراءة التاريخ بالعلم .. بالمادية التاريخية وهي المنهج العلمي لدراسة قوانين التطور الأجتماعي وهذه القوانين لم تدحضها الحياة بعد والتطور التاريخي يسير بهدى هذه القوانين وما الأحداث السياسية والشخصيات التاريخية وغيرها ليست سوى عوامل معرقلة أو مسرعة للوصول الى الحتمية التاريخية وهذه الحتمية قد تأخذ أشكالا متعددة ولكنها في النتيجة تصل الى مساراتها العلمية في تفسير متعرجاتها.

ويبتدأ كاتب المقال بأهانة فضّة لمن لا يتفق معه في الرأي .. الأنسان المفكر ..وبودي هنا أن لا أدخل في سجال حول طريقة التعبير فالموضوع يتعلق بأختيار نهج آخر غير المنهج الماركسي وعلينا (على الأنسان المفكر) أن يراجع قناعاته الفكرية والنظرية (؟) وتصحيح وإعادة ترميم البنية التي (ربما هرمت كما يقول كاتب المقال) بسبب الأنقطاع (عن منِْ ؟ ) أو ( التصحر المعرفي !! ) ..الخ وهنا يعلن الكاتب إن الأفكار والنظرية (التي هرمت بسبب الأنقطاع) هي التي تجلب بآثارها المدمرة على القرارات اليومية وهنا يربط الكاتب النظرية والأفكار بالقطيعة ليفسر القطيعة هذه بآثارها المدمرة . وعلى ضوء هذا المفهوم علينا التخلي عن المنهج العلمي من أجل القرارات اليومية (حسب رأي الكاتب) . إن مايميز المنهج الماركسي هو موقفه الطبقي الواضح فهل هذا يعني أن نتخلى عن موقفنا الطبقي لنكون أناسا مفكرين؟ وهل يعني أن نساند الأحتلال (الطبقي) لنتجنب الآثار المدمرة وهل يعني أن نتبنى الأتجاه الرأسمالي الذي يجرد الشعب من ملكيته الأجتماعية والتي دفع ثمنها عشرات الآلاف من الشهداء وتاريخ مفعم بالتضحيات لتحقيق السيطرة الأجتماعية للدولة على أهم المرافق الأقتصادية الحيوية  في العراق ؟ .. وهل يعني أن نتخلى عن مجانية الطب و التعليم والأصلاح الزراعي والتأميم والحقوق القانونية المدنية وحق العمل والعمل النقابي وتوزيع الأراضي لسكنة الصرائف.. ألم تكن كل هذه نتيجة نظريتنا (الهرمة !) فما هو جديد الكاتب من الأفكار النظرية الجديدة ليقنعنا بضرورة تبنيها ؟ الفساد , الخراب الأقتصادي بعد الأحتلال , الكهرباء والماء , خطوط التلفونات والبدالات الحديثة , دوائر البريد , الأحصاء , البيئة الملوثة , البطالة .. ..؟؟

قد تكون ردودي على السيد عامر حسن مليئة بالأسئلة وعلامات الأستفهام .. وهذا يعني إنه هدم جدار برلين العراقي من دون أن يضع لنا شكل جنّة برلين العراقي الغربي .. وإذا كان الحديث عن جدار برلين ونموذجه فعلى الكاتب السعي لهدم الجدران الجديدة التي صنعها الأحتلال وهدم جدران الفيدراليات المزيفة التي تمزق وحدة الوطن والسعي لهدم الجدار الذي بنته قيادة الحزب الشيوعي العراقي في طريق وحدة اليسار على أساس الثوابت الوطنية والطبقية والديمقراطية (الجديدة).. وفي صدد التجربة الألمانية فأن اليسار الألماني لن يتخلى عن مفاهيمه ونظرياته الماركسية بل تبنى مفاهيمها دون الأعلان عن مسمياتها .. تخلى عن مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا كهدف آني ليس له مبررات علمية في الوقت الحاضر ولكنه متمسك بالبروليتاريا وقوى الشعب العاملة الأخرى والدفاع عن مصالحها , وهي الطبقات التي صقلتها عملية التطور التقني والأقتصادي لتشكل قوة إنتاجية تمتلك دورا فاعلا في عملية الأنتاج الأجتماعي .. فاليسار الألماني له وجهة طبقية ووطنية واضحة الملامح ويواجه عدوّه الطبقي وجها لوجه دون أن ( يقفز أمامهم نص للفيلسوف والمفكر الكبير أنجلز  ) ليصيغوا بدائل تكتيكية مع الأحتفاظ بالمنهج العلمي للماركسية التي أثبتت الأزمة المالية العالمية صحة توقعاتها وقواعدها العلمية في حتمية الأنتقال من مرحلة إقتصادية- إجتماعية الى مرحلة أخرى أكثر تقدما ومع ما يتناسب مع نمو وتطور القوى المنتجة الى الحد التي تتناقض مع العلاقات الأنتاجية  وحيث الأزمة الرأسمالية الحديثة هددت ومازالت أركان النظام الرأسمالي الأمبريالي ومصيره المحتوم . إي إن حقيقة أخرى يجب أن تسود وتطغي على الحقائق القديمة كما يوردها الكاتب في أمثلته من نص قفز اليه أثناء إنشغال الكاتب في هذه المعضلة.

 

لنر ماذا قال أنجلز وكيف تم تفسيره من قبل كاتبنا :  (خلال مجرى التطور, يصبح ما كان حقيقيا" من قبل غير حقيقي ، حين يفقد ضرورته وحقه في الوجود، تزول الحقيقة السائرة في طريق الفناء لتحل مكانها حقيقة قادرة على الحياة )

أولا في النص جملة (مجرى التطور ) وفي مفهوم أنجلز الماركسي هو التطور وفق المنهج العلمي وليس التطور الذي يحصل في موديلات الملابس النسائية .

وثانيا (ما كان حقيقيا من قبل غير حقيقي  حين يفقد ضرورته ) وهنا يتحدث أنجلز الذي قفز في ذهن الكاتب عن الضرورة التاريخية وفق المنهج العلمي للتاريخ الذي صاغته الماركسية في ماديتها الديالكتيكية .. أي إن النظرية لم (تهرم بعد) .

وثالثا تزول الحقيقة القديمة ( إنتصار الرأسمالية على النظام الأقطاعي القديم)  لتحل محلها حقيقة قادرة على الحياة (إنتصار القوى المنتجة على العلاقات الأنتاجية القديمة التي كانت تعيق تطورها التاريخي وبهدمها يجعلها قوة قادرة على الحياة ) إذن ما قفز في ذهن السيد عامر حسن هو عكس ماكان يبغي الوصول اليه فهو يريد الأستناد الى المنهج والنظرية الماركسية من أجل إلغاء العمل بها ومن خلال نصوص ماركسية إلغاء العمل بالماركسية ..(وكأنه إكتشف إن ماركس وأنجلز قد أوصيا بالغاء وشطب ما توصلا اليه .. وهذه كانت محشورة في نص قفز فجأة في ذهن السيد كاتب المقال !!)  شيء يثير السخرية أكثر ما يثير في ( الأنسان المفكر ) ما يجب أن يقوم به لمواجهة القرارات اليومية التي تشغل باله .فهو منشغل بعملية التخلي عن المنهج الماركسي أكثر من إنشغاله بالقرارات اليومية وسياسة الحزب البرلمانية ودوره في العملية السياسية .

إنه نفس المفهوم  الذي يطرحه كاتب آخر من نفس الطينة (كما نقول في لهجتنا العامية ) وهو الطبيب عبد الخالق حسين في موضوعه (توني بلير المنتصر دائما ) الذي نشر موضوعه في الوقت الذي يغلي فيه الشارع البريطاني لمحاكمة مجرم الحرب بلير يدافع هذا الأخ عن توني بلير ويبرر ذلك بأنه تم  ( تشويه صورته والإساءة إلى سمعته بتلفيق شتى الاتهامات ضده، والمطالبة بإجراء تحقيقات متتالية حول شرعية دخول بريطانيا مع أمريكا في الحرب التي أطاحت بنظام البعث الفاشي في العراق، للانتقام منه، وذلك لاعتقادهم الخاطئ أن صدام حسين كان يسارياً لكونه كان معادياً لأمريكا الإمبريالية "عدوة الشعوب" حسب اعتقادهم ) أي إنهم يساريون مغفلون لا يعرفون إن صدام حسين أباد الشيوعيين وملأ السجون والمعتقلات بعشرات من المناضلين الشيوعيين هكذا أطلق الكاتب درته ككاتبنا (الأنسان المفكر) ومن ينتبه الى مدخل هذه المواضيع لكلا الكاتبين يجد مدخلها هجومي وعنيف ضد من يخالف ما سيأتي به . ومو ضوع الطبيب عبد الخالق حسين غير مؤهل للنقد لأن الكاتب يبدو كما كتب لي الأستاذ في الفلسفة الدكتور شاكر السعدي إن هذا الكاتب لا يفهم لا هيكل ولا الماركسية ولا نابليون وقد إستنسخ بشكل محرف مقطع من مقالة كتبها الأستاذ شاكر الساعدي وقد نشرت على صفحة صوت اليسار العراقي بعنوان ("اليسار الهيگلي " لا يسارا ولاهيگلياً الدكتور شاكر الساعدي )  ليعطي بعض المبررات لرأيه وهي إن هيكل قد ساند إحتلال نابليون .. وقد أشرت في رسالة خاصة الى الأستاذ شاكر الساعدي وأرفقت له بها نص الموضوع الذي كتبه السيد عبد الخالق حسين  فأجابني بهذه الرسالة التي سأطرحها بنصها دون تغيير رغم إن الأستاذ الساعدي كان مشغولا وهو يترفع بالرد على أمثال هؤلاء الكتاب : نص رسالة الدكتور شاكر الساعدي :

.......

لكن تلك المقالة لاتستحق الرد ، لانها تحتوي على أخطاء قاتلة وأن صاحبها لم يفهم لا هيكل ولا ماركس ولا نابليون ولا تاريخ فرنسا او المانيا ولا مصر وأنه يخبط خبط عشوائي ، كما أنني مشغول هذه الأيام بأنهاء أطروحتي الثانية ، وليس لدي وقت متاح للرد على تلك الترهات ، كما أنني أدرك ادراكاً عميقاً بأن الرد الحقيقي على مجمل صنائع الاحتلال لايمكن الا أن يكون من داخل العراق المحتل ، وأن الرد الوحيد هو بطرد الاحتلال بنفس الاسلوب الذي احتل به بلدنا.  لقد حاول أن يستفاد من مقالتنا السابقة لكنه لم يحصد غير الخيبة .
قال هيكل مرة بخصوص فيكتور كوزان الذي لم يفهم هيكل رغم مرافقتة ردحا من الزمن في محاولته الفاشلة بتبني بعض أفكار هيكل

 .
(
لقد حاول كوزان أن يضع في طبقه  بعض من اسماكنا لكنه لم يحضى الا ببعض من الانواع الصغيرة)


يقول الكاتب

أن هذا الدعي لايفرق بين العقل والفكرة ولا بين الروح والمطلق فبالنسبة له أن هذه المقولات مترابطة ، ثم أنه لايفرق بين الروح الفردية وروح الشعب المثابر ، فأن الروح المحركة للتاريخ حسب هيكل هي روح الشعوب المختارة وليس كل الشعوب ، أما بالنسبة الى التاريخ ، فأنه ينظر اليه بأن تاريخ الحوادث العامة أو الخاصة ، في حين أن التاريخ لدى هيكل هو تقدم الوعي بالحرية ، وان التاريخ بالنسبة له هو التاريخ الفلسفي العام وليس التاريخ الأقتصادي أو السياسي لفترة محددة أو امبراطورية أو دولة ، اما القوة المحركة للتاريخ بالنسبة الى هيكل فهي قوة الروح المرتبطة بالواقع ارتباطاً لافكاك فيه وهي تخلق فكرة جديدة ترتبط بواقع جديد .أما بالنسبة الى ماركس فهو ينظر الى القوة المحركة للتاريخ ، ذلك الترابط المتبادل بين الفكرة والواقع بكل مكوناته القديمة والجديدة وهو لايعطي للعامل الأقتصادي الدور الوحيد بعملية التطور لكنه يعتبره  العنصر الحاسم ، في آخر المطاف .  يقول أنجلس برسالته الى يوسف بلوخ
في 21-22 ايلول 1890 لندن 
 
 
وفقا المفهوم المادي للتاريخ ، يشكل أنتاج وتجديد أنتاج  الحياة الفعلية العنصر الحاسم ، في نهاية المطاف في العملية التاريخية واكثر من هذا لم نؤكد....  
في يوم من الآيام ، لا ماركس ولا أنا . أما أذا شوه أحدهم هذه الموضوعة بمعنى أن الأقتصادي هو،على حد زعمه ، العنصر الوحيد ، فأنه يحول هذا التأكيد الى جملة مجردة ، لامعنى لها ،ولا تدل على شيء .أن الوضع الأقتصادي أنما هو الأساس ، ولكن مختلف عناصر البناء الفوقي تؤثر هي أيضاً في مجرى النضال التاريخي ،وتحدد في الأغلب شكله في كثير من الأحيان ، ونقصد بهذه العناصر : أشكال النضال الطبقي السياسية ونتائجه _النظام السياسي الذي تقيمه الطبقة العاملة الظافرة بعد كسب المعركة ،وما الى ذلك _والاشكال الحقوقية وحتى انعكاس جميع هذه المعارك الفعلية في عقول المشاركين فيها ، والنظريات السياسية والحقوقية والفلسفية ، والاراء الدينية وتطورها الاحق وصيرورتها نهجاً من العقائد .وجميع هذه العناصر تتفاعل ، وفي هذا التفاعل تشق الحركة الاقتصادية لنفسها في آخر المطاف ، بوصفها حركة ضرورية ، طريقها عبر كثرة لا عد لها من الصدف (اي من الاشياء والاحداث التي صلتها الداخلية بعيدة او عسيرة البرهان الى حد أنه يمكننا اهمالها واعتبارها غير موجودة ). والا كان تطبيق النظرية على اي من المراحل التاريخية أسهل من حل معادلة بسيطة من المرتبة الأولى .
نحن نصن تاريخنا بأنفسنا ،ولكننا ، أولا ، نصنعه في ظل مقدمات وظروف محددة جداً ،الأقتصادية منها هي الحاسمة في آخر المطاف . ولكن الظروف السياسية وغيرها ، وحتى التقاليد التي تعشعش في رؤوس الناس ، تلعب هي ايضاً دوراً معيناً، وان لم يكن الدور الحاسم .)
ويقول ماركس في  مكان آخر بصدد هذا المفهوم حول ترابط مختلف الفعاليات الانسانية الحالية والسابقة في تحديد طابع اي مجتمع .
(
بأن الاموات يمسكون بالاحياء )
أما بصدد اقتباسه (اليوم شاهدت التاريخ علي ظهر حصان 
فلم أجد اي أثر لمثل هذا الأقتباس الخاطيء والمشوه ،وأن هذا البائس (عبد الخالق حسين) ، أعتقد بأن هذه المقولة جاءت بكتاب (محاظرات في فلسفة التاريخ ( الذي لم يطلع عليه
أن تلك المقولة جاءت برسالة من هيكل الى صديقة نيتامير في خريف 1806- وشتاء 1807 : )
(
لقد رأيت الامبراطور _روح العالم _ يخرج من المدينة لكي يذهب مستطلعاً :وأنه في الواقع ،لاحساس خارق رائع يحسه المرء اذ يرى فرداً مثل هذا ،متمركزا هنا في نقطة ،ممتطياً صهوة جواده صفحة 31، يمتد الى العالم ويهيمن عليه ) فرانسوا شاتليه- هيكل  ـ جورج صدقي 
الحقيقة كما ذكرت في مقالتي اليسار الهيكلي ، بأن هيكل لم يقل بأن نابليون روح العالم بل قال أن نابليون هو نفس او نسمة العالم وليس روح التاريخ كما ذكر ذلك المتطفل على الفلسفة
كما أن هيكل غير موقفه بعد ذلك من نابليون ، ففي خطابه اكتوبر عام 1818 عندما تسلم اشهر كرسي الفلسفة في جامعة برلين ، وصف الاحتلال الفرنسي (نابليون (بطغيان أجنبي وبربري . حيث يقول (وبوجه عام ،ليست حياة الروح وحدها التي تكون عنصراً اساسياً في وجود هذه الدولة ، بل أن هذا الكفاح العظيم للشعب الموحد مع أميره في سبيل استقلاله وفي سبيل تدمير طغيان أجنبي وبربري وفي سبيل الحرية )
أما قوله (لأن هيكل كان يؤمن أن نابليون .... ومهما قيل عن دوافع نابليوت ...كان مدركاً لمهمته) 
يقول هيكل أن مأساة نابليون بأن لم يكن مدركاً لما قام به ولم يفهم مغزي الثورة الفرنسية ، فكانت نتيجتة الماساوية . أما بخصوص دوافع نابليون من حروبة ،فهذا القول يتناقض مع قول الكاتب عبد الخالق حسين بأن نابليون روح التاريخ البشري ، فأن حروب نابليون الاستعمارية ، واستعباد الشعوب المحتلة والتجنيد الاجباري لشباب البلدان المستعمرة وجعلها طعماً لمدافع واطماع نابليون الاقتصادية ، نزعت منه صفة الحرية والمساواة التي جاءت بها الثورة الفرنسية
اما بخصوص حملة نابليون المنكودة على مصر ، ودوافعها النهضوية الحديثة لاخراج الشعب المصري من ظلمات الجهل والتخلف ، فأني احيل الكاتب الجاهل الى ما قاله هيكل بصدد الشعب المصري
 
(
أما بالنسبة الى الروح المصرية فجدير بالذكر هنا أن الايلييا Eliansا
أطلقوا على المصريين ، طبقاً لرواية هيرودوت ، لقب أحكم حكماء البشر ، وأنه لدهشنا حقاً أن نجد بينهم ، وعلى مقربة من
 
الغباء الأفريقي ، ذلك الذكاء النظري وذلك التنظيم العقلي الكامل الذي تتسم به جميع المنظمات والمؤسسات ، والاعمال الفنية التي تثير اعجاباً لا جد له ... ومن أجل ذلك تطورت الصناعات والنواحي الآلية في الفنون تطوراً كبيراً ...أما نظام القضاء فيدار بعناية بالغة ... وتظهر الحكمة والتعقل بصفة غالبة في التنظيمات التشريعية لدى المصريين. وهذا التعقل الذي يتجلى في الجانب العملي ، نجده كذلك في منتجات الفن والعلم ... ولقد كان القدماء ينظرون الى مصر ، بسبب تنظيماتها الحكيمة على أنها نموذج لوضع أخلاقي حقيقي _فهي مثل أعلى على غرار المثل الأعلى الذي حققه فيثاغورس في جماعته الصغيرة المنتقاة ، والذي تخيله أفلاطون بطريقة أكبر وعلى نطاق أوسع ) هيكل ، محاضرات في فلسفة التاريخ ، العالم الشرقي ، الجزء الثاني صفحه، 194 _ 197ت د. امام  عبد الفتاح امام
وللذكر فأن هيكل يؤكد بأن الروح انتقلت من مصر الى اليونان ثم الرومان ثم الى الجرمان _المانيا
هذه بعض الملاحظات السريعة الغير معدة للنشر ولا للرد على عبيد الاحتلال ، لأن الرد عليهم مهما كان موضوعي وموثق وقاسي  سوف يمنحهم بعض المصداقية التي لايستحقها تلك المخلوقات التي تحاول الدخول الى اي بقعة اسنة . كما يقول عنها كوبين احد اعضاء اليسار الهيكلي وصديق ماركس الحميم
(تستمر تلك المخلوقات البذيئة  بطرق ابواب الجحيم لكن ، لم يسمح لها بالدخول لفرط دنائتها )

إنتهى الأقتباس

ويبدو إن توجها جديدا من كتاب الأحتلال يحاول تشويه المضامين الفلسفية الكلاسيكية ليصيغها حسب متطلبات المرحلة السياسية الجديدة ويفسرها بالشكل الذي يريحه مستغلين بذلك نهاية الدور الذي يلعبه الشيوعيين على مر التاريخ بالتصدي للتشوهات الفكرية التي تتعرض لها النظرية الماركسية .. وبعد الأحتلال وتحول الحزب الى المعسكر المساند الى السياسة العولمية الأمبريالية فلا غرابة في نشر هذه الكتابات في إعلامه وصحافته.

وعودة الى مقال كاتبنا عامر حسن (الحقيقة القادرة على الحياة) حيث يعلن الدعوة دون جهد كبير وفي أسطر معدودة عاى التخلي عن النصوص الماركسية (فاذا كان البعض لا يرى ضالته الا في الناجز والقطعي من فكر ماركس وانجلز وغيرهما كتيار علماني) أي غمامة في هذا الرأي وعن إي ناجز يتحدث والعراق لم يسعه بعد حتى مناقشة ماستؤول اليه الأوضاع السياسية في ضل الأحتلال ولا مناقشة ماهية النظام السياسي والأقتصادي المستقبلي وبالرغم من كل دساتير العالم الحرالتي تقرر حرية الشعب في إختيار شكل النظام السياسي ينص دستور الأحتلال على إن التوجه الجديد للعراق يجب أن يعتمد على سياسة السوق الرأسمالية وهذا النص لم أجده حتى في دستور برلين الخالية من الجدار والآن الكاتب يطالبنا بتغيير ضالتنا وقطعيتنا المنهجية ونسلك طريق الأحتلال ودستور الأحتلال و نهجر فكر ماركس وأنجلز اللذين جلبوا لنا الدبابات .. المهمة التي ينصحنا بها الكاتب كعلمانيين وهي المفردة التي دخلت مترافقة مع التقسيم الأستعماري للسياسيين الموالين للأحتلال .. وأعود لطرح الأسئلة وماذا هو المطلوب إعتناقه خارج فكر ماركس وأنجلز  وما هو النهج الآخر المفترض إتباعه ؟ وهل نستبدل الماركسية بكتاب ( الف حرز وحرز ) أم (كيف تتعلم التنويم المغناطيسي؟) بدلا من كتاب مالعمل؟ للينين

وعودة ثانية الى المقال العجيب الغريب والذي ليس له علاقة بحزب يحمل إسم  الشيوعية .. لا إستهانة بالحزب فأنا جزء منه وأمضيت حياتي كلها في النضال في صفوفه وأمتلك الحق في الدفاع عن مباديء الحزب والدفاع عن المنهج العلمي الذي آمنت به ..بل لتعرية التوجهات الليبرالية الجديدة التي تدفع باليسار الى الأستسلام أمام الماكنة العولمية للأستعمار الجديد . ويكمل كاتب المقال وهو أحد أصحاب التوجه الجديد لقيادة الحزب بهذه السفسطة الفارغة :

(هكذا يحترق الفيلسوف ليجدد الآخر, اذ يعرف هذا العملاق المعرفي اين تكمن الحقيقة واذا تطلب الامر تقويم فكرة ما, فهو يعمل على فنائها لتحل محلها افكار جديدة قادرة على استيعاب نبض المراحل التي تعيش في كنفها, لان الحقيقة لا يمكن ان تنشأ على بعد نظري ومنهجي كلي ومطلق ولايمكن ان تخضع لنزعة تجريبية لاتمتلك سياقاتها التاريخية والاجتماعية والوظيفية )

التدقيق بالمفردة ضروري لمعرفة مايريد أن يصل اليه الكاتب ولكن في نص السيد عامر حسن نجد مفردات غير مفهومة ولا هي المفردات التي تأخذ معنيين ليختبيء حول أحدهما ضد الآخر  فما هي النزعة التجريبية التي لا تمتلك سياقاتها التاريخية والأجتماعية (هل هي التجربة السوفيتية؟ ) وهو أمر يتعلق باللينينية وهي ماركسية عصر آخر وهي التي حولت روسيا من عصر الأقطاع والقنانة الى مصاف الدول العضمى ونهاية الأتحاد السوفيتي ليست لها علاقة بالماركسية بل لها دراساتها التي لم تكتمل بعد وأسرارها التي لم تكشف بعد ولا تكفي جملة صغيرة من الكاتب لفهم هذا الموضوع .

أما كون الحقيقة لا يمكن أن تنشأ على بعد نظري ومنهجي كلي ومطلق... فالماركسية ليست نصا جامدا بل هي طريقة لتفسير الحياة هي قوانين أثبتت الحياة صحتها وأعترف بها أعداءها قبل مدعيها .. وهي نهج من دونه لا يصلح حزبا أن يكون شيوعيا

حزورة وخلطة مصطلحات لا نعرف راسهة من رجليهة .. فيكفينا إنه لم يجد ما يستند عليه سوى (الفيلسوف والمفكر أنجلز ) صديق ماركس ورفيقه في النظرية ليقنع قراءه بأن نظريته قد هرمت وحان وقت نظرية (جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق – كما يسميه الطبيب الكاتب عبد الخالق حسين)

المؤسف إن هذه الكتابات تنشر أولا في صحافة الحزب الشيوعي العراقي الرسمية !!!

 

 

11.02.2010

Rahak@t-online.de

 

 

الحقيقة القادرة على الحياة

عامر حسن
 

 


الانسان المفكر – الخاضع للاسئلة المتجددة- بحاجة مستمرة للمراجعات الفكرية والنظرية وتجارب الوجود لكي يتابع ويدقق المسار الذي انتهجه ويحاول وبكل اصرار تصحيح واعادة ترميم البنية التي ربما هرمت بسبب الانقطاع او التصحر المعرفي,هذه القطيعة التي ما زال الكثير من سياسيي ومثقفي العراق غير آبهين باثارها المدمرة على القرارت اليومية, سواء أكانت ردية ام جماعية من خلال المراجعات التي طالما تشغلني قفز امامي هذا النص للفيلسوف والمفكر الكبير (انجلز) اذ يقول:
(خلال مجرى التطور, يصبح ما كان حقيقيا" من قبل غير حقيقي ، حين يفقد ضرورته وحقه في الوجود، تزول الحقيقة السائرة في طريق الفناء لتحل مكانها حقيقة قادرة على الحياة). هكذا يحترق الفيلسوف ليجدد الآخر, اذ يعرف هذا العملاق المعرفي اين تكمن الحقيقة واذا تطلب الامر تقويم فكرة ما, فهو يعمل على فنائها لتحل محلها افكار جديدة قادرة على استيعاب نبض المراحل التي تعيش في كنفها, لان الحقيقة لا يمكن ان تنشأ على بعد نظري ومنهجي كلي ومطلق ولايمكن ان تخضع لنزعة تجريبية لاتمتلك سياقاتها التاريخية والاجتماعية والوظيفية.
نحن العراقيين بحاجة آنية لمراجعات كثيرة تشمل كل مناحي الحياة بدءا" من الفكر السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي وصولا" الى ادق المفردات اليومية في التعامل مع صراع الوعي والوجود. فاذا كان البعض لا يرى ضالته الا في الناجز والقطعي من فكر ماركس وانجلز وغيرهما كتيار علماني او الا من خلال القدسية اللاهوتية والفتوى كتيار ديني, فعليهم ان يخلعوا قناع التنظير والتنزيل الازلي وان يفتحوا ابوابهم لكل تطور يمكن ان يساعد الاخر في سبر اغوار المعرفة والتعايش مع النقائض ونبذ فكرة التعويذة- النص, اوهام النظرية, والانغلاق والترامي خلف ( جدران برلين العراقية). نحن بحاجة الى نخب تقود العملية السياسية والثقافية قادرة على فهم الواقع والتعامل مع المتغيرات بعقلية منفتحة تتجاوز الوهم الكبير بان الاسلاف لم يتركوا شيئا للاخلاف وكأن التاريخ في نهايته او غيبته الكبرى , وتقتنع بأن قطار الحقيقة سيظل سائرا" رغم تبدل مساراته وهرم بعض ركابه وقادته. فعلى كل القوى العاملة في الوسط العراقي ان لا تنهل من نهج الجمود والنصوص والمليشيات المقدسة التي تعصم العيون والعقول, فهناك الكثير من الحقائق التي في طريقها للفناء وعلينا السعي لاغلاق وحرق ملفاتها وعدم وضعها على الرف والعودة لها حين يتطلب الامر المراوغة السياسية او من اجل تكتيك ساذج ومخادع. هذه الحقائق التي نتحدث عنها كثيرة (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية - التنظيمية )والتي اصبحت عائقا" امام معرفة الحقيقة الناصعة والتي لا يمكن الركون اليها كونها تنطلق من فكر شمولي او اصولي لايواكب عصرنا الجديد, وهذا ينطبق على التعصب الايديولوجي والديني والقومي والاثني والمذهبي والطائفي والتي عراق اليوم اكتوى بنيرانها مرات ومرات , فالتجربة العراقية وغيرها اثبتت افول نجم هذا المنحى او ذاك وان الجميع المفكر والمخلّص يسعى لوضع العراق في اطار الحقيقة القادرة على الحياة.

 

 
 

توني بلير، المنتصر دائماً

د.عبدالخالق حسين

 

منذ أن قرر الرئيسان السابقان، البريطاني توني بلير، والأمريكي جورج دبليو بوش، على تحرير العراق وأفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حاول خصوم بلير في بريطانيا، وخاصة من اليساريين، وحتى من داخل حزبه (العمال)، تشويه صورته والإساءة إلى سمعته بتلفيق شتى الاتهامات ضده، والمطالبة بإجراء تحقيقات متتالية حول شرعية دخول بريطانيا مع أمريكا في الحرب التي أطاحت بنظام البعث الفاشي في العراق، للانتقام منه، وذلك لاعتقادهم الخاطئ أن صدام حسين كان يسارياً لكونه كان معادياً لأمريكا الإمبريالية "عدوة الشعوب" حسب اعتقادهم. فاتهموه بالكذب على البرلمان والشعب البريطاني وخدعهما بالإدعاء عن إمتلاك صدام حسين لسلاح الدمار الشامل. وكان آخر هذه المحاولات لجنة تشيلكوت التي روجوا لها كثيرا منذ مدة، والتي استجوبت العشرات من الشخصيات المتنفذة ذات العلاقة، السياسية والدبلوماسية والقانونية وغيرهم. وكان يوم  29/1/2010 هو اليوم التاريخي المشهود "الملحمة" حسب تعبير صحيفة الغاردين، والذي كان خصوم بلير ينتظرونه على أحر من الجمر، آملين في تصفيته معنوياً وأخلاقياً وسياسياً بالضربة القاضية، فجلبوا نحو مائتين من أعدائه في تظاهرة احتجاجية ضده أمام البناية التي أجري فيها الاستجواب، ولكن كالعادة، خيَّب بلير أملهم، فخرج من ذالك الاستجواب الذي دام ست ساعات، منتصراً، شامخاً وصامداً صمود الأبطال، باعتراف نقاده.

 

شيء عن فلسفة التاريخ

لو كان الفيلسوف الألماني العظيم، هيغل حياً في عصرنا الراهن، لاتخذ من توني بلير وجورج دبيلو بوش دليلاً قاطعاً على صحة نظريته حول وجود القوة الروحية المطلقة المحركة للتاريخ البشري. ففي كتابه القيم الموسوم: (محاضرات في فلسفة التاريخ) يعتقد هيغل أن القوة المحركة للتاريخ تتمثل في الفكر المطلق أو الروح المطلق. في حين  يتفق ماركس مع هيغل أن التاريخ تقدمي ومتحرك إلى الأمام بشكل حتمي في مساره العام وعلى المدى الطويل، وعن القوة المحركة له خارجة عن وعي الناس، إلا إنه (ماركس) يختلف عن أستاذه في تحديد هذه القوة، إذ يعتقد أن القوة المحركة للتاريخ هي مادية تتمثل في وسائل الإنتاج ونمطه، أي العامل الاقتصادي.

 

ولذلك، فعندما غزا نابليون بونابرت ألمانيا، وشاهده هيغل يتفقد جنوده وهو على صهوة حصانه، علق بسرورر رغم احتالال مدينته قائلاً: (اليوم شاهدت روح التاريخ على ظهر حصان)، لأن هيغل كان يؤمن أن نابليون وأمثاله هم الذين يمثلون روح التاريخ البشري فيحركونه إلى الأمام. ومهما قيل عن دوافع نابليون من حروبه، إلا إنه كان مدركاً لمهمته، إذ كان هو نفسه من نتاج المرحلة ليقوم بالمهمة التاريخية المطلوبة، فقام بغزو أوربا ونقل إليها مبادئ الثورة الفرنسية (الاخاء والعدالة والمساواة)، وأشعل في شعوبها روح الثورة والتمرد على التخلف والاقطاع، اقتداءً بالثورة الفرنسية. وهكذا اشتعلت أوربا عن آخرها في ثورة عارمة، وحروب أهلية طاحنة ضد الانظمة الاقطاعية المتخلفة، والانتقال إلى مرحلة تقدمية ديمقراطية جديدة. ونابليون هذا هو نفسه الذي وقف مخاطباً جيوشه التي كانت تدك أسوار القاهرة في أول حملة على منطقة الشرق سنة 1798، قائلاً :«انتم اليوم أيها الجنود الأشاوس تقومون برسالة جليلة في قلب الشرق، فأنتم تجلبون أنوار الحضارة والتمدن للشرق الغارق في ظلمات الجهل والتخلف». لذلك فنابليون أراد فعلاً نشر أنوار الحضارة، فالحملة الفرنسية كان لها دور رئيسي مهم جداً في النهضة المصرية الحديثة.

 

مهمة بلير وبوش التاريخية

وعلى هذا الأساس أعتقد جازماً أن بلير وبوش هما من نتاج مرحلة العولمة التاريخية، فرضهما قانون (الضرورة والصدفة) لإنقاذ شعوب منطقة الشرق الأوسط من انظمتها الهمجية المستبدة المتخلفة، وإدخالها في عصر الحضارة الحديثة. وكان قيام منظمة القاعدة الإرهابية بأحداث 11 سبتمبر 2001 هو ضمن مفارقات التاريخ التي جعلت الدولة العظمى تعيد النظر في حساباتها، وتغير موقفها من دعمها للأنظمة المستبدة التي ترعى الإرهاب إلى شن الحرب عليها وإسقاطها والعمل على قيام أنظمة ديمقراطية مكانها. وهكذا فإن ما قام به بن لادن، زعيم القاعدة، كان وفق (ربَّ ضارة نافعة) وقانون (الضرورة والصدفة)، حيث فرضت الضرورة على الدولة العظمى في عصر العولمة، عدم ترك الشعوب الضعيفة المقهورة تحت رحمة الطغاة من أمثال الملاّ عمر وصدام حسين وغيرهما، بحجة أن معانات هذه الشعوب هي شؤون داخلية، وبأن عليها أن تحرر نفسها بنفسها كما يعتقد البعض، فجرائم هذه الأنظمة لا تؤذي شعوبها فحسب، بل وتؤذي أمريكا نفسها، بل والعالم كله، إذ كيف لهذه الشعوب أن تحرر نفسها بنفسها بعد أن جردها الطغاة من كل سلاح المقاومة، وجعلوها لا حول لها ولا قوة؟

 

وبعد إسقاط الفاشية في العراق، ثارت ثائرة القوى المعادية لبوش وبلير، من اليمين واليسار المتطرفين الذين أعتقدوا خاطئاً بأن صدام حسين هو يساري وإشتراكي، لا لشيء إلا لأنه كان معادياً لأمريكا، رغم أنه دمر القوى اليسارية في العراق بسراديب التعذيب المظلمة وأحواض الأسيد المذيبة للأجساد البشرية. ومن هنا تنطبق عليهم مقولة لينين: (إن اليسار المتطرف واليمين المتطرف يلتقيان في نهاية المطاف ولكن عند حوافر الفرس). وهكذا التقى اليساريون في أوربا مع أعتى القوى اليمينية الرجعية بما فيها التنظيمات الإسلامية المتطرفة، بل وحتى مع قوى الإرهاب البعثي- القاعدي في العراق، كرهاً لأمريكا، واعتبروا هذا الإرهاب "مقاومة وطنية شريفة" قاموا بدعمها مادياً وتمجيدها معنوياً.

 

بلير ولجنة الاستجواب والصحافة البريطانية

كان خصوم بلير يتوقعون له الهزيمة في هذا الاستجواب، وأن يعترف بـ"الخطأ" ويعتذر، ولكن كما ذكرنا آنفاً، خيّبَ أملهم، إذ أصر بكل قوة أن قراره في إسقاط صدام كان صحيحاً، والشعب العراقي والعالم اليوم أفضل بدون صدام، وأن الشيء الوحيد الذي لم يتوقعه هو دور إيران والقاعدة التخريبي في زعزعة العراق بعد التحرير. وأنه غير نادم على ما قام به، ولو أتيحت له الفرصة مجدداً لعمل الشيء نفسه.

 

دام الاستجواب ست ساعات، وخرج منها بلير منتصراً باعتراف العديد من خصومه في الصحافة البريطانية، (أدناه مقتطفات منها) وأنه كان يعمل وفق قناعاته وضميره دون أن يتأثر بابتزاز الشارع له، خاصة عندما يكون المرء في موقع المسؤولية الخطيرة كرئيس دولة كبرى مثل بريطانيا، يرى أمن بلاده مهدداً من قبل حكومة مارقة تخطط لامتلاك سلاح الدمار الشامل. فكما علقت صحيفة الاندبندنت المناهضة لتحرير العراق وبلير وبوش، كتبت على لسان بلير مانشيتاً يقول: "لا اعتذار.. لا ندم .. واذا عاد الامر لي، فان ايران ستكون الخطوة القادمة". وهنا تكمن عظمة بلير وشجاعته وصراحته وإلتزامه بالواقعية، وما تتطلبه سلامة الحضارة البشرية من إجراءات شجاعة لحمايتها من تهديدات بلطجية الدول المارقة من أمثال صدام حسين بالأمس، والرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، اليوم.

وترى صحيفة التايمز في افتتاحيتها التي حملت عنوان "قضية 2010 " :"انه اتضح بعد ست ساعات من الاستجواب ان توني بلير مازال مع قرار حرب العراق وانه يعتقد ان الحرب كانت شرعية وان السلام لم يتحقق كما يأمل تماما. كما انه ذكر بقدراته الكبيرة، اذ لم يكن فصيحا ودقيقا وعميق التفكير حسب، بل اظهر رغبة تثير الاعجاب في تحمل مسؤولية قراره."

وفي تقريرها الرئيسي على صفحتها الاولى، تشير الغارديان الى أن بلير خرج من ما أسمته "ملحمة" الساعات الست من التحقيق امام لجنة تشيلكوت بأصراره على انه "غير نادم" على الاطاحة بصدام حسين، قائلا ان العالم بات اكثر أمنا وأن العراق قد استبدل "يقينية القمع" بـ "لا يقينية السياسة الديمقراطية".

 

موقف أعداء العراق من التحرير

المشكلة أن أعداء التغيير في العراق يتحججون بما يجري فيه من إرهاب ومشاكل وعقبات أمام نمو الديمقراطية، فيلقون اللوم في كل هذا على بلير وبوش، بل وحتى أولئك الذين كانوا مع تحرير العراق، ينتقدونهما على عدم التخطيط الكافي لما بعد التحرير. فيرد عليهم بلير، أنه لم يكن هناك شح في التخطيط، ولكن البعض من التخطيط كان خاطئاً، إذ لم يتوقعوا التحرك الإيراني والقاعدة بهذه الضراوة لتخريب العراق الجديد. لا شك أن القيام بعمل هائل كتحرير العراق من أعتى نظام طاغوتي، لا بد وأن تبرز أمامه مشاكل غير متوقعة.

 

وسبب آخر للتذمر من بوش وبلير، أن البعض، وحتى من بعض الناس المؤيدين لإسقاط البعث، كانوا يتصورون أن العراق سيقفز مباشرة بعد تحريره، من استبداد البعث الفاشي إلى ديمقراطية الدول الغربية العريقة. وهذا مستحيل ومخالف لقوانين التطور الاجتماعي. وبما أن هذا التحول السريع لم يحصل مباشرة بعد سقوط حكم البعث، راح هؤلاء ومعهم البعثيون وأنصارهم، يروِّجون أن الشعب العراقي غير مهيأ للديمقراطية، وأن أمريكا فشلت في العراق. وهذا طبعاً مجرد تمنيات ورغبات، فالمشروع الأمريكي في تحرير العراق وبناء دولة ديمقراطية حقق نجاحاً كبيراً، حيث تحقق العديد من الإنجازات الكبرى في هذا المضمار، مثل: الدستور الدائم، والانتخابات العديدة، والبرلمان، وهناك عشرات الأحزاب ومئات الكيانات السياسية، ومئات الصحف، وعشرات الإذاعات والمحطات التلفزيونية الفضائية، معظمها تابعة للقطاع الخاص، وليس للحكومة أية وصاية عليها أو على حرية التعبير والتفكير. كما وهناك المئات من منظمات المجتمع المدني، والشعب مازال يتعلم قواعد الديمقراطية، والإرهاب في تراجع. وهذا انتصار للشعب العراقي كما هو انتصار لبير وبوش.

 

ومن المفيد هنا أن نذكِّر القراء الكرام بما قاله الرئيس بوش بهذا الخصوص: "لقد مرت فترة كان العديد يقولون أن الثقافتين اليابانية والألمانية ليستا قادرتين على استدامة القيم الديموقراطية، لقد كانوا على خطأ والبعض يقول الشيء ذاته عن العراق، وهؤلاء أيضا مخطئون".  ويؤكد "أننا لم نخلف وراءنا جيوش احتلال وإنما تركنا دساتير وهيئات برلمانية ولم نخلف أعداء دائمين بل وجدنا أصدقاء وحلفاء جدد". كما وقال في مكان آخر: "ان الديموقراطيات الناجحة تحتاج الى وقت كي تنمو كما فعلنا نحن. لقد استغرقت رحلتنا نحو الاندماج والعدالة 200 سنة".

 

المهم هنا أن نجح الشعب العراقي، وبدعم من أصدقائه، في أزاحة العقبة الكبرى (حكم البعث) عن طريق الديمقراطية والحداثة، وراح يحث الخطى لبناء دولته العصرية الديمقراطية كتحدياً الصعاب. هذا الكلام من الصعب أن يفهمه ويقبله الذين تبرمجت عقولهم بالآيديولوجيات الشمولية التي أكل الدهر عليها وشرب، فهم سجناء كهوفهم المظلمة، ولا يستطيعون التفكير خارج صناديقهم المقفلة، ومصابون بعمى الألوان، فلا يفرقون بين التحرير والاحتلال.

 

أجل، بلير المنتصر دائماً، لقد انتصر في تبوئ قيادة أعرق حزب ديمقراطي بريطاني يهتم بالعدالة الإجتماعية والحرية، وحقق الكثير من الانجازات للشعب البريطاني خلال رئاسته للحكومة لعشر سنوات، ولأول مرة أستطاع أن يفوز حزبه بقيادته لثلاث دورات برلمانية متتالية، وانتصر مع بوش في إسقاط أشرس وأعتى الأنظمة الرجعية الفاشية في العالم، حكم طالبان في أفغانستان والبعث الفاشي الصدامي في العراق. وحتى في استقالته من قيادة الحزب والحكومة في حزيران 2007، كان منتصراً حيث خرج مرفوع الرأس، ولأول مرة في تاريخ بريطانيا يصفق النواب ويقومون له احتراماً عندما غادر البرلمان بعد إلقاء خطبة الوداع. وآخر نصر حققه هو في يوم "ملحمة الساعات الست" في 29/1/2010، التي أفحم فيها لجنة تشيلكوت بكل رباطة جأش وصمود وصراحة وشجاعة وإصرار على صحة قراره في إسقاط الفاشية في العراق، وخرج منها منتصراً مرفوع الرأس باعتراف خصوصمه "لا اعتذار.. لا ندم .. واذا عاد الامر لي، فإن ايران ستكون الخطوة القادمة".

وكعراقي، اقتلعني البعث مع خمسة ملايين عراقيين آخرين، من وطني، أشعر بعظيم الامتنان إلى الرئيسين، بلير وبوش على إسقاطهما للنظام الفاشي العاهر، وتحرير العراق، ومنح شعبه الأمل في مستقبل مشرق بالديمقراطية والاستقرار والازدهار.

فألف تحية للسيد توني بلير، متمنياً له المزيد من الانتصارات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنوان الإلكتروني: abdulkhaliq.hussein@btinternet.com

الموقع الشخصي للكاتب:  http://www.abdulkhaliqhussein.com/

 

 

 


 
    الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

مقالات الكاتب

نزار رهك

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

 

 

لا

 

للأحتلال