<%@ Language=JavaScript %> موفق الرفاعي تداعيات الفشل السياسي في العراق
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

تداعيات الفشل السياسي في العراق

 

 

موفق الرفاعي

 

انه امر مفهوم حين يطالب الناس الحكومة اصلاح البنى التحتية والانظمة الادارية والمالية والتعليمية والصحية وتقديم الخدمات الضرورية ووضع الحلول لمشاكل الكهرباء والماء والصرف الصحي وغيرها.

لكن ماهو غير مفهوم ان يطالب خبراء ومحللون سياسيون ومثقفون وصحفيون الحكومة بكل ذلك. اذ هذه النخب من المفروض بها انها تعي اسباب تعثر الاصلاحات وغياب الخدمات واستعصاء حل المشكلات، فتتركز مطالبها في اصلاح النظام السياسي الفاشل القائم على تقاسم وتشارك المناصب والمكاسب والحصص والذي يعود اليه هذا الشلل الذي اصاب مفاصل الحياة وجعل من العراق بلدا متخلفا بامتياز يتراجع كل شيء فيه بدل ان يتقدم.

في امريكا مثلا.. لم يقل احد من الخبراء والدارسين ان انهيار الاسواق العالمية المرتبطة بالنظام الرأسمالي وافلاس الخزينة الامريكية كان بسبب مباشر لشيكات الوعد بالسداد او لازمة الرهن العقاري وانما قالوا انها بسبب الاسس التي قام عليها النظام الرأسمالي وان اية معالجات تضمنتها خطة الانقاذ كانت مجرد مسكنات وان الحل يكمن في اصلاح ذلك النظام.

ان الداء الذي يشل مفاصل الحياة العراقية لا يحتاج الى فحوصات مختبرية او كشوفات سريرية فهو واضح ومشخص، وما على النخب والخبراء سوى اختيار العلاج الناجع.

نعرف جيدا ان الجميع يعلم ذلك ويجبن البعض عن الإشارة بإصبعه اليه خشية ان تطاله خناجر مليشيات الساسة او يُتهمُ بالارهاب او الحنين الى النظام السابق، ولكن هذا الجبن سوف يعقّد المشكلة ويجعل من الساسة المتنفذين اكثر استبدادا بعد ان يصادروا ارادة الشعب تماما.

منذ تشكيل حكومة المالكي الثانية ونحن نشهد خطوات حثيثة طالت حتى الهيئات المستقلة من اجل جمع الصلاحيات التنفيذية في شخص واحد هو نوري المالكي، وفي يد حزب واحد هو حزب الدعوة. وهذا مؤشر خطير لما يمكن ان يؤول اليه الوضع في العراق في المستقبل القريب وفي ظل فوضى، انشغل بتداعياتها العالم واغفل ما يجري في دهاليز المنطقة الخضراء.

العراق بلد غني وفيه ميزانية ضخمة خصص جزء كبير منها للاعمار والخدمات وفيه من الكفاءات ما يغنيه عن الاستعانة بالخبرات الاجنبية وموارد بشرية عاملة فنية وغير فنية تتآكل بفعل البطالة، وهو لا يحتاج سوى الى خطة شاملة من المستحيل ان تتحقق وذهنية الساسة الذين يديرون البلاد بهذا القصور، ونظرتهم الى المستقبل لا تمر الا عبر "مقاومة ثقافة الخارج" واجتثاث الكفاءات الاكاديمية كما صرح بذلك علي الأديب وزير التعليم العالي قبل اسبوعين.. "أن قانون المساءلة والعدالة سيطبق في الجامعات العراقية قريبا، لأن الجامعات مازالت تضم عددا كبيراً من الأساتذة من أعضاء حزب البعث المنحل." انها ازمة نظام وليست ازمة خدمات، أزمة عقل وتصورات خاطئة وذهنية لا تحسن وضع الخطط الا في كيفية الانتقام والثأر من الماضي. وياليته كان انتقاما من الماضي القريب وحسب انما هو انتقام من الماضي كله لاستبداله بماض اخر قائم على الأساطير والدجل والخرافات.

الشعب يتحمل الجزء الكبير من مسؤولية استمرار هؤلاء الساسة بمنحه صوته لهم والعبء الأكبر تتحمله النخب المثقفة التي عجزت حتى الان عن تغيير قناعات الناس وتقويم مساراتهم.

فمن منا لا يعرف ان الصراعات الدائرة اليوم ما بين الاطراف السياسية ومحاولات الاستفراد بالسلطة الجارية من قبل طرف واحد هي مظاهر للفشل السياسي؟ وانهم حتى يصرفوا اعين الناس عن النظر الى عوراتهم يصرون على اختلاق ما يشغلهم ويلهيهم حتى لو كان ذلك باسم الدين.

والا ما معنى ان يفتشوا في التاريخ عن كل ما هو مختلق او حتى حقيقي فينظموا الناس في مسيرات احتجاج وبكاء وكأن ما حدث انما حدث اليوم؟

او ان تختزل جميع المشكلات في ازمة مجلس السياسات الاستراتيجية والاصرار عليه وكأنه الحل الاوحد لها.

العراق، وطن وشعب امام منعطف وجودي. فاما ان يكون او لا يكون. اما ان يبقى عراقا واحدا موحدا او يمزق، ولا نقول يقسم. واذا استمر حال الشعب والنخب المثقفة فيه على ما هم عليه اليوم فسنكون قريبا امام خيار دويلات الطوائف. عندها لن يفيد البكاء ولا الندم كما لم يفد من قبل لا بكاء ولا ندم ابو عبدالله الصغير وهو يودع غرناطة.

واذا كان هناك من تعاطف معه فخلد تلك الحادثة التي حدثت على هضبة (البادول) فاطلق على المكان (تنهيدة العربي الأخيرة) فلا اظن أحدا اليوم سيتعاطف معنا ليخلد خيبتنا لانه عندها لن تكون لدينا هضبة نطل منها على العراق ولا وقت لنتنهد.

ان ما يُرشّح الازمة السياسية للاستمرار والتصعيد هي هذه اللاابالية التي تسود الشارع العراقي وعدم التشخيص الصحيح للمشكلات التي يواجهها المجتمع .

لقد استبشرنا خيرا حين تحرك الشارع في 25 شباط الماضي غير ان هذا التحرك سرعان ما خفت او تآكل. البعض ارجع سبب ذلك الى بعض الاجراءات القمعية التي استخدمتها السلطة في اجهاض التحرك غير انا لا نرى ذلك ونرجعه الى عدم قدرة النخب على التنسيق وغياب القيادات الواعية لاهدافها وللاساليب التي كان عليها اتباعها مستفيدة من تجارب الحركات الشبابية في بلدان عربية .

ان الاجراءات القمعية التي استخدمتها السلطات العراقية كانت بسيطة اذا ما قورنت باساليب قمعية قامت بها انظمة عربية كما في تونس ومصر وانتهت الى الفشل في تفتيت تلك الحركات التي نجحت بالنهاية في تحقيق اهدافها باسقاط تلك الانظمة. بل ان الحركات الشبابية في ذينك البلدين تمكنت من استثمار ما قامت به الانظمة من قمع في استقطاب الكثير من شرائح المجتمع التي لم تشارك في البداية واجبرت الرأي العام الدولي انظمة وشعوبا للوقوف الى جانبها .

ليس معنى هذا اننا نغفل عوامل كثيرة خارجية وداخلية ساعدت على ذلك لكن ما هو مؤكد ان ارادة الشعب بالتغيير واصراره على ذلك باستخدام الوسائل الصحيحة والتنظيم والانضباط كان لها الاثر المباشر لنجاح تلك الحركات.

لسنا يائسين تماما من قدرة الشعب العراقي على التغيير في المستقبل غير ان ما يجب حسابه هو ان الزمن ليس في صالحنا اذا بقينا نراوح لان احزاب السلطة لن تتوقف في تنفيذ برنامجها للامساك بجميع مفاصل الدولة العراقية وتوجيهها بالشكل الذي يؤدي في النهاية الى احتكار جميع القرارات ليعود الشعب مرة اخرى الى دوره الذي كان عليه قبل العام 2003 والمقتصر على المباركة والتأييد والتصفيق والتطبيل متنازلا عن دوره الطبيعي في صنع القرار .

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا