<%@ Language=JavaScript %> كاظم الموسوي الثورات العربية وعامل الزمن
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الثورات العربية وعامل الزمن

 

كاظم الموسوي

 

لا يقدر احد على القول انه كان متوقعا ما حدث في العالم العربي قبل وبعد العام 2011، مطلع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين الميلادي أو القول ان ما حصل هو أمر معروف سلفا أو متنبأ به وربما يقع من يطرح إشارات إلى ان بعض أصوات بشرت به أو توقفت عنده بالاسم والتاريخ والمثال في إشكاليات لا تتناسب معه، مهما كانت مرتبته أو مكانه في الفكر أو التنظيم أو المجتمع. ولكن بعد حصوله يمكن القول ان صفحة جديدة في سجل التاريخ العربي فتحت وان هذا العقد الجديد عقد ثوري عربي بامتياز، مثلما كان العقد السابق عقد دول أمريكية لاتينية، حين تحولت يساريا ديمقراطيا واضحا وهي كما هو معروف حديقة الولايات المتحدة الخلفية، والتي كان اغلب حكوماتها عسكرية واستبدادية تابعة بشكل مباشر للإدارة الأمريكية ومؤسساتها الأخرى. واليوم كيف لنا ان نحدد ما يجري في العالم العربي، ما تحقق وما ينتظر انجازه وكيف ترى الصورة في المشهد العام؟ وأسئلة كثيرة من هذا القبيل وضرورية للقراءة والتحليل والتوثيق والشهادة لما يحدث الآن وغدا. عامل الزمن هنا مهم في دلالاته ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن توقعه أو تحديده لكل ثورة عربية، مهما كانت الأسباب التي تؤدي لها، رغم الاتفاق النظري على مسببات الثورات ودوافعها وضرورتها وقواها المحركة والحاملة لها.

الاحتجاجات التونسية بعد حريق محمد البوعزيزي تحولت إلى ما يشبه عاصفة ثورية في المدن التونسية وأدت بقوتها ومفاعيلها انتقالا أساسيا في تونس محولة إياها إلى منطلق الثورات الشعبية العربية من خلال كسر حواجز الخوف من سلطات القمع والرعب والاستبداد وفاتحة طريقا سلميا بشكله العام أمام دحر الدكتاتورية المتسلطة منذ عقود، معطية للشعوب الأمل في التغيير السلمي والقدرة على الانجاز العملي في خطوات التحول الثوري نحو الديمقراطية، وفي ترحيل الدكتاتور وعائلته وفضح فساده وقمعه وإرهابه وهشاشة سلطته التي أدارها طيلة سنوات حكمه. كما كسرت حدود الثورات الشعبية، أسلوبا ونموذجا ومثالا.

تحركات شعبية وصمود نضالي وكفاح مستمر من اجل الشعار المركزي لكل الثورات: الشعب يريد .. إسقاط النظام. بكل تطوراته وقدراته، محملا تلك الكلمات زخمها الفعلي. متعاملا بين سلطتين توسعت الهوة بينهما وأصبح التغيير منهجا ضروريا لكليهما، إذ لا يمكن أن يتعايشا بالتوازي فترة طويلة، حيث تكمن مخاطر كبيرة خلالها، تتربح منها السلطة الأولى وتعيد دورها الذي فضح ولم يعد ممكنا الاستمرار به دون تغيير إستراتيجي. هاتان السلطتان هما سلطة الحكم، العصابات والمافيات المتحكمة برقاب الشعب وثرواته وآماله، وسلطة الشعب بكل فئاته وطبقاته الاجتماعية وأحزابه السياسية المعبرة عن إرادته ومستقبله.

ومثلما تحقق في تونس حصل في ميدان التحرير المصري، الذي تحول اسمه إلى مسمى لساحات أخرى، سواء في المدن المصرية أو أمثالها في أنحاء العالم العربي، أو في المدلول من المكان ودوره في منهج التغيير. وتغير من موقعه في كتب التاريخ ونظريات الأحزاب السياسية والحكم والدساتير إلى واقع التنفيذ والتطبيق العملي في الشارع وعلى الأرض ومرأى البصر والبصيرة. وطرحت أيام الغضب المصرية مثالها التجديدي في كل المستويات والأصعدة، في إدارة التغيير وقيادة التأثير، في التحول والانطلاق، في الفكر والاجتماع والوحدة الوطنية، في تعزيز الثوابت الوطنية والقومية، في بناء المنعطف الثوري التاريخي، والتحدي للمقولات والأساليب السياسية والتنظيمية وإعطاء الصورة الجديدة للواقع والوقائع التي تميزت بها الثورة العربية في مصر بعد تونس وتواصل الشرارة إلى الشعوب العربية التي تعيش تجربتها وتستلهم الدروس والعبر من كل ما حصل وما يحدث الآن.

الثورات العربية التي حققت سقوط دكتاتورين وسلطتهما (لحد تاريخ كتابة المقال) غيرت في مفاهيم الثورة التقليدية والنماذج السابقة عليها، وقدمت نموذجا جديدا سيدرس في التجربة الثورية في التاريخ ليس في عالمنا العربي وحسب وإنما عالميا. ومن خلال ما حصل يمكن قراءة عامل الزمن في التغيير والثورة والتحولات على الساحات العربية. إن استعادة بدايات اندلاع الثورات ونتائجها الثورية في كل بلد عربي يبرز أهميتها تاريخيا في الانجاز الثوري ودورها في حسم التطورات وتدرجها الزمني والموقف منها. وعامل الزمن وضع التغيرات الثورية في تسلسلها الثوري أيضا، ووضع الاهتمام به وبها في مركز التفكير في التقدم والانجاز لمكتسبات متواصلة والتوقف عندها خشية من التراجع والثورة المضادة عليها. ورغم ذلك فان تلك المكتسبات انجاز للثورات وما قد يشوبها من تعثرات من "الحرس القديم" من فلول النظام السابق ومحاربي التغيير والثورة يمنح الثورات معطيات أخرى لأهمية عامل الزمن في الحدث والمنجز والمدلول منه، لاسيما وقد ارتوت هذه التحركات بالدم الزكي لأبناء الثورات وهو مدادها الفعلي وتعمدها به، من جهة أخرى، إشارة للنصر وقوة دفع شعبي لا يمكن تجاوزها. ولعل في حسابات عامل الزمن إشارات أخرى لفعل الثورة، فقراءة تاريخ الانتفاضة الشعبية في تونس وانتصارها زمنيا يعطي مؤشرات واضحة لوصول اللحظة التاريخية مداها التاريخي في فترة محدودة بأسابيع فقط لإسقاط سلطة تحكمت سنوات طويلة بكل وسائلها المعروفة وغيرها. وكذلك تجربة التغيير في مصر، فثورة 25 من يناير/ كانون الثاني أخذت مداها في أسابيع معدودة فقط لتنهي حكما خطط لدوام بقائه عصرا، موظفا كل إمكانات الدولة وثروات الشعب وحمايته الخارجية بتحالفاته ومعاهداته وخطط العدو الإستراتيجية في المنطقة والعالم العربي والإسلامي. ومع ذلك تمكنت الثورة في زمن معين انجاز المهمة الأولى، ومعها الآن تأتي أهمية عامل الزمن في استمرار الثورة ومكتسباتها، في كنس بقايا النظام السابق وتطهير البلد من مافيات وعصابات الدكتاتورية وإعادة السلطة للشعب فعلا وعملا وحكمه في بلده وثرواته ومستقبله.

لقد فرضت الثورات العربية المندلعة اليوم في العالم العربي نفسها في المشهد السياسي العالمي، ودخلت أسماء المدن الثائرة وأسماء الميادين المقاومة قواميس العلوم السياسية والإعلامية الغربية وما تبقى هو بيد الجماهير التي أقدمت على الثورة واختارت زمنها وموعدها وأهدافها، وهي بكل تحولاتها تضع عامل الزمن مهما قبل وبعد الانجاز. بالتأكيد عامل الزمن له مفعوله في التغيير والثورة وإدراكه يضعه في أوليات التغيير قبل فواته والنكوص عنه، وهو بيد الثوار وبقدراتهم على التمسك ببرنامج التغيير وأهداف الثورة وبرؤية إستراتيجية متكاملة.

 

 

كاظم الموسوي

لندن 11/3/2011

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا