<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي من يدمر ليبيا؟
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

من يدمر ليبيا؟

 

 

د. كاظم الموسوي

 

منذ السابع عشر من شباط/ فبراير 2011 يوم اندلاع الانتفاضة الشعبية في ليبيا والى اليوم اختلفت الصور القادمة من ليبيا وفيها أيضا. في البدايات كشفت الأحداث عن وصول وهج الانتفاضات الشعبية العربية التي تأججت في أكثر من بلد عربي إلى مشارف ليبيا، الجماهيرية الشعبية الديمقراطية العظمى. فتبين ان هذه التسمية الكبيرة ليس لها ما يثبتها صدقا أو واقعا. فضحت الانتفاضة هذا الواقع الذي كان مستورا بالمال والرشوة الكبيرة والصغيرة لقوى وأحزاب وشخصيات فاعلة في الشأن العام لكسب الصمت عليه، إذا لم تكن مشاركة في تزيين، أو تجميل صورته القائمة على الكارثة التي تعيشها ليبيا اليوم.

هذا أول انجاز للانتفاضة الشعبية السلمية، فضح سلطة متفردة بكل شيء في البلاد، بل  واختصار البلد بملكية عائلة واحدة تتحكم بالثروة والسلطة والقرار السياسي. فليس هناك مؤسسات عسكرية أو مدنية ببعد وطني عام دون تدخل أو حكم فرد من العائلة التي تدعي أنها حولت ليبيا إلى بلد متميز بمؤتمرات شعبية حاكمة والسلطة لها ولا يحكمها طاغية بالحديد والنار حكما مستبدا تعاونه شلة من العائلة والمستفيدين منه. مستغلا ثروات البلاد الكثيرة في إدارة الاستبداد الداخلي وتبديدها في تكريس الفساد الإداري والمالي وصناعة مافيات الإرهاب والخراب في البلاد وخارجها. هذه الصورة لم تكن غائبة أو مخفية ولكنها كانت مطلية بماكينات الإعلام والثروات الهائلة التي تصرف في سبيل التغطية عليها وحرف الأنظار عنها.

فجاءت الانتفاضة الشعبية السلمية في بداياتها كاشفا ضوئيا كبيرا لتعريتها ورفع الغطاء عنها. لكن سيف التسلط والقمع والفساد أعلن بكل صلف تمسكه بمواقعه وعدم التنازل للشعب ولإرادته ولخياراته والعمل معه لتغيير واقع الحال نحو الحرية والديمقراطية والكرامة، وتشبث بإمكاناته العسكرية في الرد على الانتفاضة، واستخدم ألفاظا مخجلة تفضحه وتوضح طبيعة سلطته ووعيه السياسي للتطورات التي اجتاحت البلدان العربية المحيطة به. وخرج ابنه سيف الإسلام القذافي في طرح برنامج مساومة مع المنتفضين، (وهو لا يحمل أية صفة رسمية في البلاد، غير أنه ابن أبيه)، ووضع الشعب أمام مصير العبودية لسلطة والده أو الحرب الأهلية والدمار والخراب. وللأسف "بادرت" جامعة الحكومات العربية ومن يمولها في دعوة حكومات الغرب للتدخل المباشر في شأن داخلي في بلد عضو فيها وفي الأمم المتحدة، وفي تسهيل فرصة ما تسميه هذه الدول الاستعمارية بالتدخل الإنساني وإصدار قرار من مجلس امن الأمم المتحدة لتدك بموجبه العمران والإنسان في ليبيا. وهذا ما حصل فعلا وتم رغم كل الاعتراضات من بعض الحكومات أو الاختلاف في الرؤى الدولية حول نهب الثروات الليبية وتغيير السلطة في ليبيا.

تشكل في المناطق الشرقية مجلس سمى نفسه بالانتقالي وعيّن عسكريين ومدنيين بمهام حكومية ونسب له أشخاصا معروفين بعلاقاتهم مع أصحاب القرارات السياسية والعسكرية الدولية، لاسيما أعضاء حلف الأطلسي، الذي هيا نفسه للقيام بالمهمة. وانتقلت الانتفاضة من سلمية تحررية إلى مسلحة ومعارك عسكرية بين شرق وغرب، وبين مدن محررة ومحتلة، (هكذا!) مع تسميات تتكرر في كل حرب وأوضاع تتحكم فيها قررات مجلس الأمن ودوله والحلف الأطلسي. ومن التدخل الإنساني إلى التدمير الإنساني. وبالتأكيد أصبح الشعب الليبي ضحية مطامع ومصالح ليست له أية إرادة فيها أو اختيار. بل أصبح الصراع داخليا بدعم خارجي وتسميات تشوه مدلولاتها، وانتشرت أفكار وآراء لا تدخل في مصالح الشعب الليبي الذي أخذت المعارك بين صفوفه تتعاظم بضغوط وأسلحة غربية، وغطت الطائرات الأطلسية سماء ليبيا ويجري العمل الآن لتدخل عسكري مباشر، بإرسال وحدات تأخذ مسميات الاستشارة والتدريب لتتحول بديهيا إلى وحدات حراسة وتامين سلامة قواتها ومشاريعها التي لم تعد سرية أبدا. (تذكروا التدخل الأمريكي في فيتنام أول الأيام وكيف تحول إلى احتلال وحرب إبادة أمريكية للشعب الفيتنامي)!.

رغم كل ذلك فالصور التي تنقل من ليبيا كارثية، صور دمار وخراب عام وضحايا في الأرواح والعمران والآمال. وتتحول البلاد إلى ساحة حروب عسكرية تشترك فيها صنوف القوات والأسلحة، (ومنها ما يراد تجريبه أيضا). وفي الوقائع تحولت البلاد إلى مناطق يتحكم فيها الزعيم الذي يدعي انه لا يملك منصبا، ومناطق تتصرف فيها مجموعة من المنشقين عنه والذين يحاولون ان يوظفوا حركة المعارضة الشعبية لخدمة مشاركتهم في الصراع الداخلي على المصالح والمخططات الغربية المنتظرة لليبيا. وكل منطقة تحتوي على منابع نفط وثروات أخرى، يجري العمل على التصرف فيها بما يحقق خيارات الذين يقصفون البشر والمدن تحت تسمية التدخل الإنساني لحماية المدنيين.

هذه كذبة أخرى فضحتها الأحداث في ليبيا إضافة إلى قرار مجلس الأمن وغاياته والتدخل العسكري البري، اسمها "حماية المدنيين"!. حيث تنقل شاشات الفضائيات، رغم المنع والقمع، صورا مأساوية عن "معاناة المدنيين" في تلك المنطقتين داخل الحدود الليبية.

صورة ليبيا اليوم تعري كل تدخل خارجي وتسمياته الإعلامية المفبركة والمخجلة في تشويهها لمعانيها اللغوية. وتدين في الوقت نفسه مستويات التدخل الداخلي في التشبث في إدارة الحكم أو التسابق إليه. كما تتوازى مع التدخلات التي أخذت دوائرها تكبر يوميا عن بدايتها، والتي حولت الانتفاضة السلمية إلى مسلحة، والصراع مع السلطة إلى معارك دموية بين الأهالي والمدن، والإصرار على الاستمرار في هذا النفق الدموي الذي لا أملا واضحا قريبا في نهايته.

ليبيا تتدمر كل يوم يمر، والتفرج عليها يبعدها عن الهم العربي، ويسهم في محاصرة شرارات التغيير الثوري في العالم العربي، ويفتح الباب أمام مخططات الغزو والاحتلال والعدوان الأطلسي. من يدمر ليبيا اليوم؟ سؤال برسم الجميع!.

 

كاظم الموسوي

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا