<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي إرادة الشعب... إرادة الحياة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                          مقالة للكاتب د. كاظم الموسوي       

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 إبحث في صوت اليسار العراقي

 

 

 

إرادة الشعب... إرادة الحياة

 

د. كاظم الموسوي

 

تونس ابن خلدون وتونس أبو القاسم الشابي... تونس الخضراء... تونس الحرة. مسيرات وتظاهرات تتحشد معلنة غضب الشعب.. إرادته التي هي إرادة الحياة التي تغنى بها شاعرها وقننها لها فيلسوفها ومؤرخها، منذ أزمان طويلة، ولكنها بقيت حية في ضميره ووعيه مهما تغالبت القوى الفاسدة والمستبدة عليها وتراكمت السنوات العصيبة.

إرادة الشعب في الحياة الحرة الكريمة.. في العيش بسلام وطمأنينة، في وطن حقيقي يحترم أبناءه ويوفر لقمة الخبز بكرامة وعلاقات إنسانية بحرية وتواصل اجتماعي بتوافق ومشاركة جماعية. وصفها الشاعر الشابي في قصيدته التي رسمت لوحتها العملية: إذا الشعب يوما أراد الحياة    فلابد أن يستجيب القدر

وكتب مؤرخه وفيلسوفه ابن خلدون مقدمته التي قدمها بدرس التاريخ ومفهومه في مقولته: اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم. والأنبياء في سيرهم. والملوك في دولهم وسياستهم. حتى تتم فائدة الإقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق و ينكبان به عن المزلات والمغالط لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً و لم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط ولاسيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب ومطية الهذر ولا بد من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد".

لكل ما حصل في تونس ظروفه الموضوعية والذاتية وبينهما فرار الطاغية وانكشاف أسراره وفضح سيرته وسجلات حقبته الفعلية، لا أغطيتها التي لما تزل إدارتا واشنطن وباريس تحاولان طلاءها والاستحواذ عليها بصراعات الأسياد وحروب الرأسماليات الكبرى.

ظروفها الموضوعية معلنة من سنوات.. وهي أحوال الدنيا والدين، القمع والدكتاتورية والاستغلال البشع والفساد الواسع للعوائل الحاكمة باسم الرئيس وكوادره الحزبية والمالية والسياسية للثروات والقرارات والإدارات. كم الأفواه والسجون والحرمان والتفاوت الطبقي والاجتماعي، وشيوع البطالة عن العمل وضياع الفرص أمام الخريجين والباحثين عن عمل بكدحهم وبعرق جبينهم، والضغوط الاقتصادية الأخرى من الغلاء إلى شحة المواد والأجور و.. وغيرها من صعوبات الحياة والعيش الإنساني والخدمات البسيطة. انتهاك الحقوق والعصا الغليظة والكذب الصريح عن الانفتاح والتطوير واستئثار فئات الحاشية بكل الخيرات والثروات، وتكريش حزب حاكم بالاسم وسلطة مرتهنة بكل أوضاعها بالدعم الأجنبي حتى بالقضايا الشخصية والعائلية لحاكميها، وكلها خارج أصول السياسة والعمران.

وظروفها الذاتية أشعلها محمد بوعزيزي بالتضحية بنفسه، وتحوله إلى الشرارة  أو عود الثقاب المنتظر. لم يعلم انه سيكون كذلك، لقد فتح الطريق إلى التغيير. وأعلن بجسده المثال النموذجي في التضحية.. إشارة انطلاق وبيانا أول للجماهير. الشرارة التي أشعلت النار في هشيم العسف والقسوة والتجويع والخداع.. لم يعد الصبر معبرا، ولا الجوع ممكنا، ولا الصمت هدنة أو ترقبا. فكان توقيته رهن ارتفاع درجات الغليان الشعبي والحراك الوطني، واستمرار الاحتجاجات لانطلاق الانتفاضة. الشارع عبر عن نفسه بالاستعداد لها والمنظمات المدنية تهيأت لها. كل الشباب والشابات. العاطلون عن العمل الأكثر من ثلاثمائة ألف خريج جامعي.. وعوائلهم المنتظرة لهم إلى الشارع والى المطالبة بالتغيير. التغيير الشامل للمؤسسات والنظام وآله. لا انتظار بعد الشرارة التي اندلعت وكسرت حواجز الخوف والرعب من الدكتاتورية والإرهاب الفعلي من السلطات التي تربت عليه.

الانتفاضة الشعبية أعطت أوكلها الأولى. لم يستطع الحاكم إلا أن يتفهمها، ورغم كل محاولاته للتلاعب فيها أو لتضليلها، كما ادعى وزير إعلامه دجلا في الفضائيات بان الشارع خرج مؤيدا للسلطة، كان الرئيس وعائلته في طريق الهروب. والدرس الكبير هنا إن الرئيس الهارب لم يجد ملجأ له يرحب فيه في عواصم من خدمهم بكل طغيانه وظلمه وانتهاكاته وكسب صمتهم وتشجعيهم والإنكار له والتهرب من تحمل مسؤولية حمايته أو إيوائه. طائرة الهروب ظلت تحوم في الفضاء نهارا طويلا حتى حطت بما لم يكن في الحساب. لماذا اختار الرئيس التونسي الهرب من بلاده؟، لماذا لم يجد له بين شعبه ووطنه من يحميه ويتسامح معه؟. هذا درس كبير له دلالاته لكل من يسوس الشعوب بالريموت كونترول الأجنبي وينسى إرادة الشعب أو يتناساها بتصنيع حزب حاكم، مهما كان تاريخه ومسيرته، ومؤسسات أمنية للقمع والرعب والاستهتار بالإنسان والعدالة والثروات والأمن الحقيقي.

كانت رياح التغيير التي هبت في الثمانينات في أوروبا، والتي غلفت بأسماء الديمقراطية والألوان المتعددة، رغم التدخل الأجنبي الكبير فيها وفي تهيئة مناخاتها في حرب باردة طالت عدة عقود متتالية وصراعات قاتلة بين معسكرات وأحلاف وشركات عابرة للقارات، لم تتمكن من اجتياز حواجز الشواطئ العربية، وتبين أن القوى المتسلطة والمستفيدة من التحولات لم ترغب أن تواصل تلك المتغيرات ولم تجد لها موقع قدم بالشكل الذي توفر لها هناك. ورغم ذلك فان الشارع العربي لم يهدأ عند احتلال بغداد ولن يرضى تكرار الورطة الأمريكية في بلد آخر. وكان درسا آخر لآل النظامين العربي والغربي على السواء. هل نسيت مبادرة كولن بول (نهاية عام 2002) التي حملها إلى تونس بالذات ومنها أراد توزيعها لإعلان الديمقراطية الأمريكية في العالم العربي؟.

والدرس الأكبر الآخر من انتفاضة الشعب التونسي والتي لا يمكن المرور عليها سريعا دور وسائل الإعلام الجديدة فيها. الفضائيات والانترنت وشبكات الحوار الاجتماعي، التي تفاخر بها النظام في تونس وادعى أبوته للمتغيرات في مجالاتها عربيا. لقد لعبت هذه الوسائل برغم اختلاف رسالاتها وأهدافها دورا كبيرا في تعميم الانتفاضة ونشر أخبارها، ليس داخل تونس والعالم العربي وحسب. وأعطت للشارع التونسي حقه في رفع صوته وصرخات شبابه وشاباته، رغم قوانين الطوارئ وانتشار قوات القمع والرعب واستخدام وسائلها الإرهابية في منع الشارع من إيصال صوته ورأيه وموقفه وحالاته المزرية من الحرمان والاضطهاد والتجويع والموت البطيء، الذي دفع بمحمد بوعزيزي أن ينهيه بطريقته الخاصة.

من يوم اندلاع شرارة الثورة الشعبية، تلك اللحظة التاريخية والأوضاع في سير متتال للتغيير. حاول أركان النظام السابق الحفاظ على مواقعهم والتحكم في سيرها، إلا أن المنتفضين لا يمكنهم الاطمئنان دون تشكيل مجالس شعبية تضم كل الأطياف والقوى السياسية والمعارضة وحتى من المؤسسات العسكرية والأمنية لخوض الصراع المفتوح لانتصار الثورة وانجاز التغيير الكامل. لعب اتحاد الشغل والنقابات والاتحادات المهنية دورها في الحراك والتغيير. وما زالت قوتها في الشارع، من كل الأعمار والتيارات، من كل الفئات والطبقات. اغلب الشباب من الأجيال التي عاشت في حكم الرئيس الواحد والحزب الواحد واللون الواحد. قد يكونون ممن لم يسمعوا أو يقرأوا للينين أو حسن البنا أو حتى جمال عبد الناصر، ولكنهم لم يهبطوا من السماء. هم أبناء عوائل عاشت تلك التجارب واختلطت بها وعانت من سجون نشطائها ومنع أدبياتها وتجفيف مساحاتها، فخرجت محتجة وغاضبة ومصرة على التغيير وحتى وهي ترفع صورا أخرى، وشعارات خاصة لها بأشكال أخرى تتناسب مع خصوصياتها، حتى وكأنها تقول، إنها ثورة تونسية شعبية، وأنها في الطريق ذاتها إلى النصر. وتلك إرادة الشعب.. إرادة الحياة.

 

 

كاظم الموسوي

k_almousawi@hotmail.com

www.kadhimmousawi.blogspot.com 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا