|
لا للأحتلال |
|
---|
المشهد السياسي في سوريا: لا مفر
د. كاظم الموسوي
بعد الحدث التاريخي للشاب محمد البوعزيزي اهتزت أعمدة عديدة في الأوضاع العربية، لم يعد بالإمكان البقاء على الحال نفسه. وأصبح التغيير مخرجا لابد منه، فلا يمكن العودة إلى ما كان أو ما انتهى مفعوله.
العالم العربي شهد ما حصل في تونس ومصر وما تلاه يقترب منه ولم يعد الصمت أو الانتظار ممكنا.
وقد حصل هذا في غير بلد ومنها سوريا التي تشهد مثل غيرها من البلدان العربية انتفاضة شعبية متنامية، تتشابه في الكثير من سماتها التي انطلقت بها أو العوامل المحركة لها. ولكنها قد تختلف ببعض ما ميز سوريا عنها وجعل النظر لها يتطلب الإمعان في تعريفها وتطوير الرؤية حولها.
فهناك ما يختلف عما حصل في بلدان عربية اخرى وما هو مستنسخ منها. وتلعب العوامل الخارجية والداخلية فيها دورا بارزا، خصوصا حصولها بعد نجاح ثورتين في بلدين عربيين مهمين، تونس ومصر، وتعثر الثورة في بلدين آخرين، اليمن وليبيا، وخنق وغدر ثورة في البحرين التي تختلف عن غيرها من حيث اختلاف نظامها السياسي عن البلدان الأخرى، وغيرها ممن يشهد تموجات في الفعل الانتفاضي، وأساليب معالجتها، وانتباه الغرب الاستعماري لمفاعيل الثورات العربية على الأرض والتخطيط على استيعابها ووضعها في إطار لا يهدده، وإشغالها بما يصب في خدمة مصالحه عبر ما اصطلح عليه بالثورة المضادة!..
استمرار الانتفاضة السورية وتوسعها وتطور شعاراتها تعبير عن حراك وطني متنام يطالب مثل غيره بالحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية وما يضع الشعب السوري أسوة بغيره من الشعوب والبلدان، كما ان التضحيات التي تدفع فيها تعبر عن وعي الشعب ودوره في المساهمة في بناء نفسه ووطنه أيضا.
وهي الحالة التي انتبهت لها دوائر أو عملت عليها، من الخارج والداخل. وليست مخفية أو سرية، وتحاول استثمارها لمآربها. من بينها تصريحات الإدارات الأمريكية والأوروبية، وخطابات زعيم جماعة الإخوان المسلمين (المقيم في الرياض) من اسطنبول، إلى اجتماعات المعارضات أو من يسمون أنفسهم في أكثر من عاصمة، إلى ما صرح به معارضون معروفون من إغراءات المال والسلاح، إلى التحرك السياسي والمسلح في بعض المدن بأهداف مشابهة لما حصل في ليبيا مثلا أو ما ينتوي التماثل فيه، إلى مخيمات اللجوء والتشجيع عليها من أوساط رسمية أو موجهة بالريموت كونترول في تركيا ولبنان وغيرها.
مع ذلك فالأبرز في رسم ملامح المشهد السياسي في سوريا، التحركات الداخلية السياسية خصوصا والعلنية، رغم انعكاسات الكثير من المؤثرات الخارجية والداخلية عليها. فهناك التظاهرات والشعارات الاحتجاجية التي كسرت حواجز الخوف والرعب، وهناك النشاطات الرسمية والمواقف الأجنبية الداعمة لها أو للسلطات من جهة، وكذلك زيارات السفراء الغربيين إلى مدن معينة، وتهديدات حكوماتهم من جهة اخرى، كما حصل في حماه علنا وربما غيرها سريا أو بالواسطة وما شابهها، وإرسال بالونات الاختبار وجس النبض فيها لمحاولة توضيح ما يتستر طي المطلوب من سوريا انجازه للدخول في الدائرة المرسومة غربيا من العالم العربي بعد الثورات الشعبية، والتي يراد حصرها في تسميتها بربيع عربي، وكأنها أول مرة أو أول حدث عربي، وكأن الدماء العربية التي أزهقت والتضحيات التي قدمت لم تكن في العناوين ذاتها والأهداف المنشودة نفسها. كما تبرز محاولات المزج بين الحالات كلها وتعميم الصورة على المشهد إعلاميا وسياسيا لأهداف مطلوبة.
لا يخفى ان وضع سوريا ومواقفها في علاقاتها الإستراتيجية مع المقاومة العربية ضد الاحتلال الأجنبي والاستعمار الغربي والصهيوني، ومع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يضعها في فوهة المدفع الصهيو امريكي خصوصا. ويقاتل هذا المدفع بكل السبل لفك هذه العرى بأي شكل، علنا أو سرا، وقد تكون تهديدات الإدارة الأمريكية عبر الجنرال كولن باول، حين كان وزيرا للخارجية، ليست بعيدة عن الذاكرة اليوم، وقد لا تكون الأولى وليست الأخيرة بالتأكيد.
ومن يحاول النسيان يوهم نفسه، أو لا يريد ان يتعلم من دروس التاريخ. وهذه مصيبة كبيرة في تكرار المآسي وتضييع الفرص، وكأن التجربة الكارثية في احتلال العراق وما يتعرض له الشعب الليبي اليوم ليس كافيا لمن يحاجج بعكس التيار، أو يركب الحصان بالاتجاه المعاكس ويتصور نفسه الصحيح وغيره بعيد عن الصورة. وتلك أيضا مأساة اخرى.
للأسف تمكنت المخططات الخارجية المعادية من التغلغل في الشؤون الداخلية العربية بأشكال علنية، كما في ليبيا واليمن، وبأشكال متعددة كما في تونس ومصر وسوريا، وغيرها، وللأسف ان دول الناتو تتصارع على اخذ ادوار لها في الشؤون العربية، بما فيها تركيا طبعا.
تؤشر إلى ذلك النشاطات التركية وتوجهاتها الخطيرة على الأوضاع العربية في ليبيا وسوريا، مع تصاعد الهجمة الصهيو أمريكية على الثورات والانتفاضات العربية، تحت مسميات متعددة.
هنا تصبح تلك المحاولات في التداخل وتشويه الصورة، بين الانتفاضة الوطنية والعنف الدموي وبين التوجهات المعادية والحلول غير المبررة حالة سلبية مضادة لمصالح الشعب السوري. ولكن انعقاد اجتماعات علنية للمعارضة الوطنية الداخلية، لأول مرة منذ عقود، ووقفات احتجاجية علنية، ومرورها بسلام في بعض الحالات، واحتكاكات وعنف بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين والمحتجين، واعتقال أعداد غير قليلة منهم، وسقوط شهداء، يبين ان الحراك الشعبي أوصل رسالته، وتبقى الأهمية منه في تنفيذ التوصيات التي خرجت بها الاجتماعات العلنية للمعارضة والسلطة، على السواء، وتوفير الأجواء للانتقال السلمي وضمان التحولات التي لا مفر منها في سوريا اليوم. فبعد دم البوعزيزي وخالد سعيد أصبح كل دم في أي مكان يأخذ مداه نحو التغيير، وبات الصراع مفتوحا وشاملا لكل الصعد التي تراكمت فيها العوامل والأسباب التي أدت إلى الانتفاضات والثورات. وتتحمل الأجيال الشابة من كل الفئات الاجتماعية والتيارات الفكرية والسياسية إطلاق الشرارة وانجاز التغيير. في الوقت الذي تريد "أجيال أخرى" وتيارات معينة، وبدعم معروف ومتنوع من جهات خارجية، لا يهمها مصير البلاد والعباد بقدر مصالحها الآنية، ان تنتقم وبكيد واضح مستفيدة من مجريات التغيير والنهوض العربي، واستثمار اللحظات الحرجة في حساباتها المعلومة.
المشهد الآن يتطلب وعيا حادا بالمصالح الوطنية والقومية والتطورات والأخطار الإستراتيجية، والعقلانية في حوارات واقعية لرسم منهج للتغيير، والعمل المخلص والصادق على وقف هدر الدم وإسكات رؤوس الفتنة ودعاتها وبياناتها المعبرة عنها وعن المكان الذي تصدر فيه أو الذي يدعمها، سواء كان قريبا أو بعيدا عن دمشق. ولا مفر من درء الأخطار وتحقيق إرادة الشعب وخياراته ووحدته الوطنية، ومواجهة التحديات والمخططات المرسومة، والعمل بكل الجهود لمستقبل الوطن.
كاظم الموسوي
24.07.2011
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|