<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي الاحتلال الناعم
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الاحتلال الناعم

 

د. كاظم الموسوي

 

 

تنسحب القوات العسكرية للاحتلال الأمريكي من العراق أم لا تنسحب.. تبقى أم تتقلص، تعيد توزيعها أم تمدد المعاهدة الموقعة بين الحكومتين العراقية والأمريكية، التي تنتهي نهاية هذا العام.. وأقوال اخرى. المهم في كل ما يجري ان الادارة الامريكية مضطرة للانسحاب العسكري لكلفته المادية الباهظة، ولمعالجة أزمتها الاقتصادية المستفحلة داخليا، وليست استجابة لمقتضيات المعاهدة أو أية معاهدة أو اتفاقية بين دولة احتلال وحكومة بلد محتل.. ولكنها هل تترك العراق؟. الجواب على هذا السؤال شرعه لها مسؤولون عراقيون رسميا في خطاباتهم المنشورة في وسائل إعلامهم، أي علنيا دون مواربة، بتمرير الاحتلال بطرق اخرى، منها الطريق الناعمة التي كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون قد قالتها سابقا تمهيدا للانسحاب العسكري وتقليل تكاليفه المادية والبشرية أيضا. وأعادت خلالها خطط الاستثمار والاستعمار التي دفعتها إلى احتلال العراق.

ذكرت وزيرة الخارجية الأميركية، (حسب وكالات الأنباء يوم 6 حزيران/يونيو 2011)، ان الوقت مناسب لأميركا لكي تتعامل مع العراق كفرصة تجارية، وشجعت المستثمرين الأميركيين على توسيع استثماراتهم في العراق. وقالت كلنتون، في كلمة ألقتها في منتدى اقتصادي شارك فيه مديرو كبريات الشركات الأميركية للبحث عن فرص الاستثمار بالعراق، ان الحكومة الأميركية ستقدم كافة أشكال الدعم لقطاع الشركات بهدف الاستثمار في العراق". وأضافت ان "السفارة الأميركية في العراق وقنصلياتها تشجع النشاطات التجارية في كافة أنحاء العراق، كما تبذل وزارة الخارجية محاولات لإنجاح مشاريع الشركات الأميركية"، وجددت الوزيرة التزام إدارة الرئيس باراك أوباما، بتحويل العراق إلى دولة قوية وديمقراطية وذي اقتصاد متقدم، بحيث توفر للشعب العراقي الاستقرار والرفاهية (!)، في وقت تدخل العلاقات الأميركية مع العراق مرحلة جديدة، كما كثف السفير الأميركي جيمس جيفري جهوده من أجل فتح غرفة التجارة الأميركية في العراق. وأوضحت وزيرة الخارجية الأميركية انه "سيتم افتتاح القنصلية الأميركية في أربيل والبصرة، وهو ما سيسهل عمل الخبراء المدنيين الأميركيين مع نظرائهم العراقيين ويدعم عمل رجال الأعمال الأميركيين في العراق خلال الأعوام المقبلة". وبحسب صندوق النقد الدولي، فان لدى العراق خطة لتتفوق على الصين في النمو خلال العامين المقبلين (!). وأشارت إلى انه "في حين تنشغل الشركات التركية، الصينية، الفرنسية، الأردنية، والإيرانية بتطوير مشاريعها في العراق، نرى عددا صغيرا من الشركات الأميركية في العراق إلى جانب العسكريين والدبلوماسيين". وتابعت ان "العراق يسعى إلى أعمار كافة النواحي الاقتصادية بالبلاد، وليس قطاع النفط فقط، بل قطاع الزراعة والنقل والإسكان والبنوك". ونوهت إلى ان "العراقيين يبذلون كل ما فيه وسعهم من أجل توفير فرص العمل والاستثمار للمستثمرين المحليين والأجانب". وبعد كل هذا التوضيح للمخططات والمشاريع التي تريدها إدارة الاحتلال، رد مسؤولون عراقيون عليها بموافقات رسمية، ولم يكتفوا بها، بل وتقديم الشكر لقوات الاحتلال العسكرية على اقتراف جرائم الاحتلال التي تحاسبهم شعوبهم وتطالب بمحاكمتهم عليها، بما يبين عقلية المحتل والقابل للاحتلال بصورة غرائبية أو كاريكاتيرية صارخة. ولتمرير هذا الشكل التعاقدي الجديد من الاحتلال الناعم للعراق تتصرف دولة الاحتلال بما يتناسب مع ظروف وشروط هذا الاحتلال. ومن بينها صناعة أجواء توتر واحتراب وتهديدات بأخطار متصاعدة تدفع إلى الاستسلام إلى مشاريعها الرئيسية. وتشهد يوميات العراق المحتل أحداثا دموية متتالية، من القتل والتدمير والتخريب والاغتيال وغيرها من العمليات المعروفة، التي وضع أسسها السفراء الأمريكيون الذين توالوا التحكم في شؤون العراق منذ سنوات طويلة سبقت الاحتلال واستمرت معه بمهام جديدة لهم.

عودة سفك الدم العراقي بأساليب وحشية وتأكيدات كلنتون على الاستعمار وتأييد مسؤولين عراقيين لها وتهديدات وزير الحرب الأمريكي بنفاد وقت إدارته من مماطلة المسؤولين العراقيين الرسميين، علنا وسرا، عن تمديد أو تجديد المعاهدة أو أية اتفاقية اخرى، تقول هذه الأمور كلها، ان العراق لم يتخلص من الاحتلال الأمريكي، فهو كنز استراتيجي كبير، حلم به المحتلون من كل الأنواع وفي كل الأزمان. ولن يكون الأمر يسيرا وسهلا ومهمات قوى التحرر فيه تتطلب المواصلة والإصرار على أهدافها الوطنية وضرورتها التاريخية.

الصراعات السياسية الداخلية وتصنيع الأزمات داخل العملية السياسية واستشراء الفساد والاستبداد وترك العباد والبلاد نهبا للعدوان والطامعين والاستغلال والانتهاكات والارتكابات التي لم تحدها قوانين أو قواعد أو اتفاقيات، يضاف لها فتح الحدود للعدوان الأجنبي دون احتجاج رسمي، ومحاصرة العراق في موارده وثرواته ومياهه، ومساعي الاستحواذ عليها أو استغلال الظروف الملتبسة فيها لخطوات ابعد منها دون ان تجد البلدان المنتهكة حرجا أمام القانون الدولي أو الشرعية الدولية كما يحلو للدول المحيطة بالعراق ترديدها، تدفع إلى السؤال عنها وعن المحركين لها أو المخططين والمستفيدين منها. وقبل ان تنسحب القوات الامريكية تتحمل المسؤولية كاملة عما يجري من اعتداءات متواصلة على الحدود وعلى الحصار الاقتصادي والسياسي وغيرها، من بناء موانئ أو العمل على تعقيد إنهاء قرارات صدرت من مجلس الأمن ضد العراق. (مثل خضوع العراق تحت البند السابع)، أو استمرار المطالبة بتعويضات مالية كبيرة تؤثر على وضع إعادة الأعمار في العراق أو تكبله بما يعرقل مسيرته التي لا يحسد عليها في سنوات الاحتلال المستمرة.

استمرار التوترات والفوضى الداخلية لا يخدم أية مصلحة وطنية. العراق يعيش فترة حاسمة جديدة تحدد خطوات مستقبله واستقلاله واستثمار خيراته، وأي تراجع أو تواطؤ مع المحتل يبدد طاقاته وإراداته ويضع العراق من جديد أمام مفترق آخر وتيه جديد، يضعف دوره ومكانته ويخدم مخططات الأعداء، ليس في العراق وحسب وإنما في العالمين العربي والإسلامي، ويسهل للتدخلات الأجنبية والتنافس والاحتراب الداخلي والخارجي مساحات أوسع تصب كلها في تنويع اسم الاحتلال وضياع البوصلة الوطنية والتحررية وعرقلة التقدم نحو المؤمل والمرتجى.

 

كاظم الموسوي

29.09.2011

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا