<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي الثورات العربية وخطاب الدكتاتوريات
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الثورات العربية وخطاب الدكتاتوريات

 

 

د. كاظم الموسوي

 

حين اندلعت شرارات الثورات الشعبية العربية في أكثر من بلد عربي واشتعلت في هشيم السلطات الدكتاتورية وأزاحت حواجز الخوف والرعب عن طرق احتجاجات جماهيرها المليونية وساحات اعتصاماتها وتلون شعاراتها بعد الشعار أو الهدف المركزي الرئيس: الشعب يريد.. إسقاط النظام، أصبحت الآمال معقودة على استمرارها وتواصلها في محيطها الوطني والقومي وهو ما توضح في مجريات التطورات والانعطافات في العالم العربي، وبات مصطلح الثورات العربية شائعا ومستساغا عند الرأي العام العربي أساسا. وتمكنت هذه الثورات من تحقيق أهداف لها في أكثر من بلد، بأشكال متعددة أو متنوعة. اتمت خلع دكتاتورين وأرعبت آخرين قدموا بسرعة تنازلات لم يخطر ببالهم التفكير، مجرد التفكير بها. وما زالت تغذ السير إلى انجاز مكتسبات وتحقيق أهداف تعمدت بدم الشهداء ولوعة الفقراء وتطلعات الملايين.

ومن اللافت في هذه الثورات خطابات الدكتاتوريين ومستشاريهم والناطقين بلسانهم والحجج التي اشهروها واستندوا إليها، قبل هزيمتهم المكشوفة بإصرار الثوار وصمود الجماهير، محاولين التعكز عليها لضرب الثورات وتحطيم الإرادات وتشتيت القوى وإضعاف الجهود، ولكن مسيرة الثورات ردت على كل تلك الخطابات وآلة إعلامها، من خلال طبيعة قوى الثورات و تنوع حامليها الذين كانوا من كل الفئات والطبقات، العمرية والاجتماعية، والتيارات السياسية والإيديولوجية، وألجمت مروجيها. فقد تحجج الطغاة دائما بأوهام كثيرة وضعوها مبررات لاستبدادهم وعاشوا على بعضها أو تقبلوا الارتهان بمشاريع أجنبية وخضعوا لها اغلب سنوات حكمهم، ومنها ما سموه بتطرف جماعات من الإسلام السياسي. حيث ركز الرئيس التونسي المخلوع في رده على استقالة سفيره في اليونسكو في باريس بان ما يحصل في تونس اضطرابات تقودها "جماعات الإخوان" وستعالج القوات الأمنية أمرها، حسب تصريحات السفير في فضائية الجزيرة. ووضح السفير احتجاجه ليس على من يكون وراء الاضطرابات بقدر ما هي أساليب المعالجة، أدوات تصعيد القمع والعنف الرسمي ضد احتجاجات سلمية شعبية. وهذه فضيحة واحدة من بين غيرها وحجة اعتمدها النظام وفشل في إثباتها أو التحقق منها عمليا. هذا الخطاب الذي بدأه علنا الرئيس التونسي الهارب تحول إلى شفرة مدروسة عند من تبعه وغيره.

عاش الرئيس المصري المتخلي عن منصبه بعد ان ادعى خدمة بلاده أربعين عاما على ارتباطاته بخدمة مخططات ليست لبلاده مصلحة حقيقية بها، متذرعا بتلك الفزاعة، ان بديله في حكم مصر والشعب الذي تجاوز الثمانين مليونا ونضجت أجياله وعرفت بقناعاتها طريقها إلى الحرية، مثلما كان نظيره التونسي يردده في خطابه الذي جره إلى مصيره. وشن حملته الانتخابية البرلمانية لإبعاد "الإخوان المسلمين" عنها وكذلك أي حزب أخر غير بطانته والمصفقين له ولعائلته في جلساتهم العلنية وخلواتهم السرية، فحكم على نفسه وخطابه بنهايته. وكأنها لعنة الدكتاتورية وخطابها السياسي والإعلامي.

في ليبيا كانت كل خطب الرئيس الليبي العقيد القذافي للرد على الثوار الذين انتفضوا سلميا عليه وطالبوا بخلع وكشف أسرار أربعة عقود غيب شعبهم وبلادهم واختصر باسمه وعائلته، كانت ردوده إنهم مجموعات من تنظيم القاعدة، (إضافة للمصطلحات الخاصة به عنهم)، وبدأت الفضائح، مثلما تمت مع سابقيه في تونس ومصر، عن الفساد والهدر والثروات الوطنية التي تصرف وعائلته بها، بينما لا تبتعد كثيرا عن قصورهم مدن الصفيح والفقر والحرمان.

تكررت الحجج نفسها في اغلب العواصم العربية مع تنوعات محلية، وكانت النتائج مخالفة إلى الوقائع والحقائق التي تمت. فلا في تونس ولا في مصر كانت جماعات الإسلام السياسي هي الوحيدة وراء ما حصل. بل بالعكس وضعت هذه الجماعات في حجمها الطبيعي ومكانتها في التطورات والتحولات التي تفجرت وانتقلت بالشعوب والبلدان إلى مرحلة جديدة، وفتحت الأعين على ما كان حاصلا وما تكشف بعده. فاضحة بالأساس خطابات الرؤساء المذكورين على الأقل لحد الآن. ولعل تمكن الثوار في تونس ومصر من السيطرة على وثائق الأجهزة الأمنية وكشف بعض الأسرار، التي بينت ان السلطات هي التي تقوم بإشاعة الفتن الطائفية أو الدينية أو السياسية، وكيف ان هذه السلطات خانت القسم الذي تدعيه أمام الرأي العام في مسرحيات الانتخابات والتمثيل السياسي الدورية. ولعل ما حصل مع رئيسي تونس ومصر مثالا أوليا لغيرهم من كره الشعب لهم ومن اعتمادهم على مؤسسات أمنية قمعية تتسابق في انتهاكات حقوق الإنسان والإستبداد وإهانة شعوبهم وتجويعهم وسرقة الثروات والفساد المالي والإداري والخضوع لارتهانات خارجية بدلا من الإنصات لأنات الشعب وتظلمات الجماهير.

من كل ما سبق لم يعترف أي رئيس بأسباب منطقية معقولة لما يجري في بلاده ويحاول باستمرار التذرع بحجج تفضح الطغيان الذي يعيش عليه، ودون ان يجهد نفسه بمعرفة الأوضاع الحقيقية والإقرار بها ومعالجتها بما يخدم شعبه ووطنه، وكأن سنوات تسلطه الطويلة لم تمنحه فرصة التجديد وإصلاح ما خربته إدارته. والوقائع التي تحققت عند سقوط دكتاتوريات تونس ومصر مثالا على ذلك. وستكون مثلها أو أبشع منها في غيرها من البلدان.

ساحات التحرير والتغيير في العواصم العربية تكشف خطابات الدكتاتوريات وعمق الانتهاكات وطبيعة حاجات الإصلاح وضرورة التغيير. وهذه وقائع الزمن العربي الجديد.

 

كاظم الموسوي

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا