<%@ Language=JavaScript %> كاظم الموسوي في ذكراه: نزار قباني رسام الشعراء
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

                 في ذكراه:

 

 نزار قباني رسام الشعراء

 

 

 

بقلم: كاظم الموسوي

 

بعد رحيله الذي ودع فيه شهر نيسانابريل، وإطلالة الربيع، قبل أعوام (30 نيسان/ ابريل 1998)، حيث ينتشر ضوع الياسمين في حارات دمشق وشرفات المنافي البعيدة عن الوطن والقلب، انتبه له أصدقاء ومريدون ليعيدوا له ألقه الذي كان متبخترا فيه، ولينظروا فيما ترك لهم من معين يتجدد وذكرى يقرأون فيها السلام عليه ويلقون التحية أسئلة أو قراءات مغايرة للمألوف منه أو الشائع عنه. وقد صدرت كتب ونشرت مقالات عديدة، من بينها كتاب الناقد الدكتور صلاح نيازي، عن دار الرافد بلندن، بعنوان: "نزار قباني رسام الشعراء".
ضم الكتاب نبذة عن الشاعر مستلة من معجم البابطين الشعري، وأربعة فصول، حملت عناوين المقالات التي كتبها الناقد عن الشاعر الراحل، وضمها لدفتي الكتاب بعد رحيله، معتبرا فيها مراحل شعرية من مراحل إبداع الشاعر.
"قالت لي السمراء"، "ديوان القصائد"، "قصائد متوحشة"، و"كتاب الحب"، هي عناوين الفصول، وهي أساسا عناوين دواوين شعر للشاعر صدرت في فترات متتالية.
واعترف الناقد أن دراسته لمراحل شعر قباني انطلقت من بحثه الذي هداه له ولزملائه الطلبة الناقد الدكتور علي جواد الطاهر، وما وجده من مفاتيح لأبواب شعر القباني، عبر قراءات مجاميعه الشعرية وإصداراته الأخرى التي اربت على الخمسين، ومن ابرز تلك المفاتيح ما قاله الشاعر الإنجليزي روبرت جريفز من أن نصف الشاعر امرأة، ومأساة انتحار أخت الشاعر ـ وصال ـ وهي في ربيعها الخامس والعشرين. كما قدر بعد الدراسة والتمحيص أن الشاعر خلال الفترة من عام 1944 تاريخ صدور ديوانه الأول "قالت لي السمراء" إلى عام 1970 تاريخ صدور ديوان "كتاب الحب" قد مرّ بثلاثة منعطفات شعرية رئيسة، تمثلت بديوان قصائد وقصائد متوحشة وكتاب الحب، وهي الدواوين التي درسها في هذا الكتاب، محاولا الاجتهاد في الإجابة على الأسئلة التالية: هل كان نزار قباني مؤلفا أم عازفا موسيقيا؟ هل نظرته للمرأة تجريدية، أم جسدية؟ بكلمات أخرى هل حاول نزار التوصل إلى قيم روحية عالية بمفردات حسية، كما فعل المتصوفة في مفردات الخمرة؟ ما دور الحواس في شعره؟ وما هي الحاسة الأقوى، وما الحاسة الأضعف، وما تأثير ذلك في التكوينات الشعرية؟ ما نوع المرأة التي كان يفضلها نزار؟ هل كان يحبها أم يعشق حضورها فقط؟ لماذا أحس بالشيخوخة وهو في سن الأربعين؟ لماذا كره لحم الأنثى عاريا؟
في محاولاته لقراءة الدواوين توقف الناقد عند ابرز ما عكسته في صياغاتها الشعرية، اللونية، الجمالية، مع العودة للمفاتيح التي يسرت له مغاليق نزار قباني، ومنطلقا من تحديد (ثيماته) التي أراد العزف عليها، فيرى في ديوانه الأول، الذي دعا مؤرخي الأدب ونقاده التوقف مليا عنده كأساس لما تلاه بعد، أن الشاعر عالج بريشته الفنية موضوعات هي: الألوان ورموزها، الثياب ودلالاتها، العيون، العطور، والشَعَر. وتابع في موضوعاته أسلوب الشاعر في تلوينه ورؤيته الجمالية وصراعه بين حاستي اللمس والبصر. مستفيدا من رهافة الشاعر واستخدامه لطبيعة الألوان وتموجاتها وظلالها في نصه الشعري، دفع الناقد إلى الاستنتاج بقدرات نزار الفنية التشكيلية لنصه الشعري لوحاته الفنية، وهي تعج بحالات الشاعر النفسية والمؤثرات الخارجية المؤطرة لبواعث القصائد وحياة الشاعر اليومية.
أما في ديوانه قصائد (الصادر عام 1956) والذي دشن فيه كتابة الشعر الحديث، الذي رأى الناقد فيه قدرة متوافقة مع روح الشاعر السردية وإمكاناته الوصفية ورسمه للصدى بوسيلة أخرى.
فأكد نيازي إن هذا الديوان قمة نزار قباني الشعرية فنيا أو انضج دواوينه السابقة، حيث دخل الشاعر من حيث الموضوع في مواطن حسية لم يشهدها الشعر العربي من قبل (ص47). وتحول الشاعر من عالم النبات إلى عالم اللحم البشري، من وشوشة الانسام وألوان الأزهار وعطورها إلى احتقانات الجسد وعوائه وعرقه ورائحته، من أغاني العراة وعبق الخبز والبيادر والعصافير إلى هسيس اللحم والسرير والأبواب الموصدة وشجب المزاريب. كما انتقل انتقالة عجيبة من النهار إلى الليل، حتى ليمكن اعتباره ديوانا ليلياً (ص73). ورغم ذلك وجد الناقد أن الشاعر اخذ جادا البحث عن مرفأ، وأخذت الألوان تتزاحم عنده وأبرزها استخداماً في الديوان كما فيما سبقه: الأخضر، الأسود، الأبيض، الأحمر، الأزرق.
ختم الكاتب دراسته بملاحظاته الشخصية التي اكتشفت انشغال الشاعر بالملابس وببدايات خوف وانتقال بعض الألوان من صفة إلى اسم وحدود المكان الشعري وأبعاد تاريخية تتمثل بالذكريات التي جمعت تجربة الشاعر مع موضوعه الأثير في دواوينه السابقة.
هذه المتغيرات في القصيدة القبانية ليست عابرة أو مؤقتة، أخذت مداها في النص الشعري وفي طاقات الشاعر التعبيرية لفترات زمنية وانعكست في الكلمة واللون والمكان والتحولات المحيطة بالشاعر أيضا أو الملازمة له.
أما في دراسته لديوان قباني قصائد متوحشة الذي صدر عام 1970 فتلمس الناقد إحساس الشاعر بالزمن، وخوفه منه ومن الشيخوخة التي غزته وهو ابن الأربعين، واعتبره أخطر تحول في تاريخه الشخصي، مما أثر بالضرورة في أسلوبه من حيث بناء العبارة وانتقاء كلماتها (ص94). فيما أعاد الدارس حقائق عن الشاعر أولية في دراسته من بينها أن شعر قباني وثيقة شخصية أو سيرة ذاتية، لابد من ربطه بمن سبقه من شعر، وقراءة التحولات فيه والانتقالات الشعرية والفنية في الألوان والأحاسيس والموقف من المرأة والعلاقة معها، وغناه في تناقضاته.
ظهر واضحا اثر الزمن على شعر نزار، من خلال انعكاس بعض التحولات العربية وتغيرات الواقع السياسي على شعره، ورغم كرهه لأي تسلط غير تسلطه الشخصي، عاش الشاعر مرحلة حاسمة في الديوان وما بعده، اشتبك فيها الخاص بالعام والواقع بالفن، فمن نكسة 1967 إلى انبعاث قصة أخته وسلطة أبيه، ومن انفراط النساء عنه واحدة واحدة، وعناوينهن الميتة، إلى الشيخوخة التي ما أن يدق باباً حتى يجدها أمامه فيهرب إلى غير وجهة، حاول مستميتا أن يمسح هويته بحب لا يبقي ولا يذر، وظل يصيح:
"آه لو حب يبلعني
يقلعني مثل الإعصار"
ثم يعلن لها:
"أنا رجل بلا قدر
فكوني أنت لي قدري".
ولكنها مثل كارمن لم تعد تصغي لحبيبها خوسيه. (ص117).
في هذه المرحلة من حياة الشاعر حيث تتركز الألوان والمواضيع، وحيث المخاضات الجديدة داخله وخارجه، انتقل إلى مرحلة جديدة في "كتاب الحب"، أعطت للدارس نيازي في ختام كتابه وصف الكتاب وشعر نزار بمرحلة جديدة، أخرى، فوجد أن الديوان لوحة في طور التشكيل. إذ أن الديوان لا يحمل أية عناوين للقصائد وإنما أرقاما. وكأن الرسام بدأ برسم جزء ثم تركه ليجف، وفي هذه الأثناء انتقل إلى آخر، وهكذا دواليك.(ص123).
قارن الناقد في قراءة شعر نزار بما عزم عليه من درس بين دواوينه فوصل إلى أن الشاعر في كتاب الحب قد ودع مرحلة من عمره الشعري وبدأ أخرى برسم لوحته التي لم تكتمل ولن تكمل، شأن كل عمل فني. ووجد إن هذه اللوحة قد تهيأت لها عوامل إضافية لخصها في شعور بوجود قوة غيبية ووحي وعدة الرسم أو الكتابة ومن ثم الملكة والدربة وأخيرا التكريس والانقطاع التام. هذه العوامل برأي نيازي قدمت لكتاب الحب انتشاء روحيا موسيقيا وقيما سامية ارتفعت بالنص الشعري وموضوعه الأثير لدى نزار قباني.
تحولت المرأة ـ الجسد في شعر قباني إلى المرأة ـ الرمز وروح لوحة لم تكتمل، وفي العشق كما في عملية الخلق، يستطيع الفنان أن يغير كل شيء، يستطيع أن "يدخل الشمس على حصانه" أو"يصبح ضوءا سائلا لا تراه العين" أو يغدو زمانا خارج الزمان، وأكثر من ذلك، كما قال نزار:
"حين أكون عاشقا
اجعل شاه الفرس من رعيتي
واخضع الصين لصولجاني
وانقل البحار من مكانها
ولو أردت أوقف الثواني".
وهنا تكمن مأساة الفنان الحقيقية في المسافة بين الفكرة والتطبيق، بين الإحساس بالمرارة وعبث الكلمات ومشروع إكمال اللوحة الخالدة، والجمال الأسمى. وخلص الناقد دراسته كعادته في الفصول السابقة بملاحظات شخصية، أشبه بالخلاصة الختامية أو الأحكام النهائية، فعثر في البحور الشعرية التي كتب بها الشاعر مناسبة للمواضيع التي تناولها وبثها كلماته، فبحر السريع للحماسة والسرعة في عملية الخلق وبعده الكامل مناسبا لحالة التأمل والثقة بالنفس، بينما لم يستعمل الشاعر بحر الخبب كما حصل في ديوانه السابق إلا مرتين ضمن اثنتين وخمسين مقطوعة ضمها الديوان. واعتبر أن هذا الديوان أول محاولة جربها نزار في كتابة شعر موضوعي جاد وهو نوع نادر في الشعر العربي. كما إن تحويل الشاعر المرأة إلى فرشاة ولون وخط تخلص كامل من حاسة اللمس، وهو سره الدفين.
إن قراءة الدكتور صلاح نيازي لشعر نزار قباني في مراحله الأولى، من أول دواوينه التي صدرت أواسط الأربعينات إلى مرحلة السبعينات حيث صدر كتاب الحب إشارة وفاء أولية لشعر شاعر متألق لم يرسم للشعراء وحسب وإنما للقراء أيضا ووجد خلافا لشعراء معه مساحات واسعة من العلاقات بين نصه وقارئه أو قارئته، جمهوره الذي خلقه كما خلق مواضيعه الأثيرة، ليس في جسد المرأة، لمسا أو تخيلا، وإنما في بحور الواقع العربي وتحولاته السياسية الكثيرة التي شهر سيفه عليها بغضب الشاعر العربي الجريء. ورغم أن الناقد قد جمع في هذا الكتاب مقالات كان قد نشرها ووجد فيها ما يستحق من إعادة النشر وتقديم العزاء لرحيل شاعر كبير، دون أن يعيد صياغاتها أو يضيف إليها ما يكمل الدراسة أو يواصل الحفر في رؤى الشاعر الفنية وألوانه الأخرى التي قد تطورت مع أدواته واغتنت مع تعدد منافيه ومآسي أمته التي رسم لها قصائده الكثيرة، الأمر الذي عرض الناقد إلى أحكام بحاجة إلى إعادة نظر وتوقف عندها مع تطور النص الشعري والموضوع لدى الشاعر، أو تكرار كان بالإمكان تجنبه أو هفوات الأرقام والطباعة.
لاشك أن قراءة واحدة لشاعر كبير غير كافية ولا تستوفي حقه، لاسيما نزار قباني وما صنعه في الشعر واللغة والمواضيع التي تناولها أو لفت الأنظار إليها، وفي الألوان التي رسمها أو وضعها على لوحات دواوينه الشعرية أو نصوصه النثرية أو مواقفه السياسية أو الحياتية. لقد كتب الكثير عن شعر نزار قباني وسيكتب أيضا، وتلك معان من خلود الشعر والشعراء

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا