<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي الناتو والملونون
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الناتو والملونون

 

د. كاظم الموسوي

 

فضيحة أخرى لسجل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذراع العسكري للغرب، الذي يجسد مشاريع السلطات الغربية في الهيمنة والتحكم في تطورات العالم عمليا، أو يهدد وجودها بمختلف وسائله. هذه الفضيحة ليست جديدة كليا وإنما سلطت الأضواء عليها مؤخرا وكشفت تفاصيلها، عاكسة طبيعته العدوانية تماما واستهتاره بالإنسان وحقوقه والشعوب وإراداتها. ومعرية المعايير الأخلاقية والقانونية التي يتعامل بها الحلف العسكري العدواني عالميا. في الوقت الذي تدمر فيه طائراته التي احتلت السماء الليبية، تحت حجة قرار مجلس الأمن وذريعة حماية المدنيين، تترك مدنيين هربوا من قصفه من ليبيا في قارب يترنح وسط البحر الأبيض المتوسط أمام أقدارهم ليموتوا بعيدا عن جحيم صواريخه واجتماعات قادته وخطبهم ومن يلوذ بهم من أتباعهم الجدد.

الأبشع في الفضيحة أختصره صحفي بريطاني في تقريره في صحيفة الاندبندنت (10/5/2011) بعنوانه "تجاهلوا المأساة لأن الضحايا ملونون". هل هناك صورة أخرى أكثر تعبيرا بعد؟. العنوان وحده تعبير واقعي ومثال صارخ لعمليات الناتو الأخرى والشعارات الخادعة التي يعلنها. كما وصف الكاتب وضع ميناء لامبيدوسا من جهته الشمالية بالمقبرة للقوارب المحطمة المكومة فوق بعضها البعض كألعاب في غرفة أحد الأطفال. وأضاف: يكفي إلقاء نظرة على القوارب لنشاهد أنها لا تصلح لأن تمخر عباب البحار، ولكن المهربين، الذين يتقاضون 1500 جنيه إسترليني أحيانا من أناس فقراء مقابل تهريبهم، يستخدمون تلك القوارب. القليل منها يملك أجهزة إرسال واستقبال، وأنظمة الملاحة، وإذا تغير الطقس بدون سابق إنذار، كما يحدث في كثير من الأحيان، خاصة في هذا الوقت من السنة، يتحول القارب المزدحم إلى كفن غارق. وهذا يعني حالات موت أسبوعية بمعدلات كانت ستجعلها تحتل الصفحات الأولى في الصحف الأوروبية، سوى أن الضحايا ملونون في هذه الحالة. فأين الناتو والمنظمات الإنسانية واللجوء والأمم المتحدة عن هذه الأوضاع والظروف واحترام مواثيقها وقوانينها وشعاراتها التي تطحن فيها الإنسانية صباح مساء؟.

كانت صحيفة الغارديان قد ألقت الأضواء في موقعها الالكتروني على هذه الفضيحة يومي 8 و9 /5/2011، مستندة إلى وقائع الحدث المأساوي. حيث كتب مراسلها جاك شنكر في تقاريره ناقلا من لقاءاته مع الناجين والمتبقين والمتحدثين الغربيين تفاصيل الفضيحة الأخلاقية والقانونية.

سجل المراسل أن وحدات تابعة لحلف شمال الأطلسي ودول أوروبية (فرنسا!) "قد تجاهلت صرخات الاستغاثة وطلبات النجدة الصادرة عن المهاجرين من المركب." وكان يقل على متنه 72 مهاجرا من بينهم العديد من النساء والأطفال وطالبي اللجوء السياسي، وواجه يوم  25/3/2011 بعد مغادرته شواطئ العاصمة الليبية طرابلس صعوبات وهو في طريقه إلى جزيرة لامبيدوسا. وهؤلاء المهاجرون من دول افريقية، هي إثيوبيا ونيجيريا وارتريا وغانا والسودان، و"على الرغم من التحذيرات والمناشدات التي توجهوا بها إلى خفر السواحل الإيطالية وإجرائهم اتصالات مع مروحية وسفينة حربية تابعتين للناتو، لم يتلق المسافرون على متن المركب أية استجابة، ولم تبذل أية جهود لإنقاذهم". ومات 61 مهاجرا ممن كانوا على متن القارب بعد أن تركوا في عرض البحر لمدة 16 يوما دون طعام أو شراب، ولم ينج منهم سوى 11 مهاجرا أخبروا العالم عن تفاصيل محنتهم وحكايات من ماتوا جوعا وعطشا وهولا.

قال ابو كورك، (24 سنة من إثيوبيا) أحد أولئك الناجين، في وصف بعض معاناة المهاجرين "الملونين": "كنا نستيقظ كل صباح لنجد المزيد من الجثث التي كنا نحتفظ بها لمدة 24 ساعة قبل أن نلقي بها إلى البحر."

أشار كاتب التقرير والصحيفة إلى أن قوانين البحار تلزم كافة السفن، بما في ذلك تلك التابعة للوحدات العسكرية، بتلبية نداءات الاستغاثة الصادرة عن مراكب أو زوارق تبحر بالقرب منها، وبالتالي تقديم المساعدة لها إن أمكن. وأشار التقرير إلى أن المنظمات المهتمة بحقوق اللاجئين قد طالبت بإجراء تحقيق بموت 61 مهاجرا. ودعت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة إلى الأمم المتحدة، إلى وجود تعاون أكثر صرامة بين السفن العسكرية والتجارية التي تعبر البحر الأبيض المتوسط، وذلك في محاولة لإنقاذ حياة البشر. فقد قالت لورا بولدريني، المتحدثة باسم المفوضية: "لا يمكن أن يصبح البحر الأبيض المتوسط منطقة تسودها شريعة الغاب، كما لا يمكن أن يظل بدون عقاب أولئك الذي لا ينقذون حياة البشر المعرضين للخطر في عرض البحر"!.

أجل.. ولكن القوانين شيء وسياسات الحكومات الأوروبية شيء آخر. فاغلبها تشدد قوانين الهجرة واستقبال المهاجرين الجدد، وتتناقض إجراءاتها مع احتياجاتها الفعلية ومصالحها الإستراتيجية ومواقفها السياسية والأخلاقية التي تبشر فيها وهي تخطط للعدوان والهيمنة على الدول الأخرى. وتحاول بعضها التنصل من مسؤوليتها وإعادة النظر بقوانينها، ولعل في فضح هذه القضية التي عرفت الآن ما يغني عن السؤال عن أهداف المستعمرين الجدد في عالمنا العربي ولاسيما البلدان الغنية بالنفط والثروات البشرية والاقتصادية المهمة. لقد وضعت النهاية المأساوية للقارب وضحاياه، كما كشفها الناجون منه، ونشرتها الصحافة الحرة، لطخة عار جديدة في جبين اغلب حكام الغرب وسياساته ومخططاته، وأدعياء الحماية والرهان عليهم.

 

 

كاظم الموسوي

kalm2011@live.co.uk

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا