<%@ Language=JavaScript %> كاظم الموسوي البحرين: الانتفاضة المغدورة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

البحرين: الانتفاضة المغدورة

 

كاظم الموسوي

 

انتفض الشعب البحريني يوم الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011 محددا مطالبه بإصلاح دستوري نص عليه "ميثاق العمل الوطني لعام 2001" وبالحرية والديمقراطية والمواطنة الكريمة، وهي النصوص التي تنصل عنها "الحاكم" ومؤسسات إرهابه وقمعه واضطهاده. استمد الشعب انطلاقته، بعد عقد من الزمان والانتظار والتنبيه والنصيحة، من تاريخه النضالي وتقاليده الوطنية وتضحياته الجسيمة وقوائم شهدائه ومستفيدا من زمن الغضب العربي الذي هز قلاعا راسخة من ديكتاتوريات استمرت عقودا متتالية، وانكشفت صورتها وفضحت عوراتها، وما أشبهها في بلده!. فصعّد الشعب انتفاضته كاسرا حواجز الخوف ووقف شبابه عاري الصدر أمام أجهزة القمع والتسلط والتفرقة والتمييز الطائفي والسياسي. وانطلق بالآلاف معتصما في دوار اللؤلؤة، ميدان "التحرير" البحريني، متظاهرا سلميا، معبرا عن إرادته من كل الأجيال، نساء ورجالا، شبابا وشيوخا، رافعا شعارات وطنية داعية للتغيير سلميا. فلم يسمع صوته ولم تستجب الحكومة لشعاراته وانهالت عليه بنادق الحرس الملكي ورشاشاته لتقتل الأبرياء وتهدد حياة الكثير من المحتجين كما افتتحت السجون وآلات الإعلام الحربية للتشويه والخداع والهروب إلى الأمام.

نقلت بعض وسال الإعلام صور الشباب الذي استشهد مواجها الرصاص الأعمى على شوارع العاصمة وبالقرب من ميدان التحرير ونصبه. ولم تتحمل الحكومة سماع نداءات الشعب وخياراته، فكذبت وعودها التي تعلنها في مثل هكذا ظروف لامتصاص النقمة والالتفاف على المطالب المشروعة، وهاجمت الميدان بوقت لصوص الفجر، ساعية كسر إرادة الشعب وضرب اعتصامه وتشويه رغباته. وتمكنت من ذلك بتفاوت واضح في ميزان القوة العسكرية. ولكن الإرادة الشعبية أقوى من اسلحة الطغاة وممارسات أجهزتهم الوحشية، وعادت من جديد بالقوة الوطنية نفسها.. وكرر "الحاكم" أسلوبه ذاته.

منذ نشأته، عمل "الحاكم" على التفرقة الطائفية وعاش على صناعة السلطة المتفردة بالضد من إرادة الأغلبية الوطنية والرأي العام التقدمي وميز بين فئات وطبقات الشعب، وواصل سياساته المرسومة له في فرض تسلطه العسكري ألاستخباري والدموي في اغلب الأحيان. ومارست السلطات والأجهزة القمعية فيها التي يقودها خبراء أجانب، مباشرة أو بالريموت كونترول، انتهاكات صارخة ضد حقوق الإنسان والحريات العامة. إزاء كفاح الشعب وحراكه الوطني اضطرت الحكومة للإعلان عن إصلاحات شكلية. ولكنها كعادتها تراجعت عنها، مستثمرة الحماية التي توفرها القاعدة الإستراتيجية للقوات الأمريكية وتنفيذها سياسات التطبيع والتآمر على القضايا العربية علنا دون مواربة والمساهمة في مشاريعها العدوانية مع بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي، والتهرب دائما من توفير الخدمات الأساسية للشعب واحترام المواطنة ومشاركتها في القرارات السياسية والإستراتيجية. وتناور السلطات بين أداء دورها الوظيفي وبين الادعاءات بالتجاوب للإصلاح والتغيير. رغم ان الصورة واضحة لا تحتاج إلى كثير من الخداع والتضليل والسكوت على الانتهاكات والارتكابات الفاقعة ضد المصالح الوطنية والقومية المعروفة.

لم تكتف السلطات الحاكمة ومن يدعمها عسكريا بما قامت به، بل استدعت قوات عسكرية بغطاء "درع الجزيرة" لضرب الانتفاضة والغدر بها، وتحت حجج وتسميات كثيرة، تسخر من نفسها ومن كثير ترديدها والضحك على الذات عبرها، وتهديم نصب الميدان ومسح أثره في الدوار وفتح أبواب السجون للاعتقالات لممثلي الطيف الوطني الذي شارك في الانتفاضة، معلنة تكرار سياساتها القمعية وفضح أكاذيبها وتفرقتها الطائفية للانتفاضة ومصادرها الوطنية. ومسجلة في قمعها الوحشي صورة أخرى لها تكشف حقيقة دورها في المنطقة، إضافة إلى ردود الفعل التي تعلنها والبيانات السياسية التي تتناغم مع "الحرب السرية القائمة ضد إيران" والتي تشترك فيها بعض دول الخليج علنا مع الأساطيل الأمريكية والإسرائيلية ومخططات العدوان للهيمنة على المنطقة. ولم تعد مثل هذه القضايا مخفية بل هي الأوضح من غيرها رغم التعتيم الإعلامي والتضليل والتهرب من تلك الحقائق الساطعة.

أعلنت القوى الوطنية البحرانية في بياناتها المشتركة أو المنفردة إدانتها لإجراءات القمع الوحشي واستمرار مطالبها الوطنية ورفضها للسياسات الرسمية التي تعيد بلدها إلى مستعمرة من جديد وخضوع كامل للإرادات الاستعمارية ومخططاتها العدوانية. وشجبها لقوانين الطوارئ وانتهاك الحريات وتهديم المساجد ودعوتها لضرورة إطلاق السجناء والسجينات واحترام العقائد والتقاليد الوطنية.

المأساة في البحرين ان انتفاضة الشعب غدر بها ليس حكوميا فقط، بل خليجيا وعربيا ودوليا وإعلاميا وأخلاقيا، وتكشف فيها مدى التواطؤ والخيانة للشعارات الخادعة التي تدعيها حكومات غربية أو عربية، وأعادت إلى الأذهان تجارب سابقة عاشتها الحركة الوطنية البحرينية في السبعينات بعد إعلان الاستقلال وبعد تغيير الإمارة إلى مملكة، وإصرار العائلة المالكة على دورها الوظيفي في خدمة المشاريع الإستراتيجية الأجنبية في المنطقة.

من جهتها طالبت منظمة العفو الدولية حكومة البحرين بوقف انتهاكات حقوق الإنسان والحملة التي تشنها على المستشفيات واعتقال أطباء ومرضى باتهام مشاركتهم في الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، كما اتهمت الحكومات الغربية بالصمت بسبب الموقع الاستراتيجي للبحرين التي تستضيف الأسطول الخامس الأميركي ولأهميتها كشريك تجاري في الخليج.

كما كشف الغدر بالانتفاضة ارتهان حكومة البحرين بالحماية الأميركية وانتهاك ما تدعيه من استقلال وسيادة، وارتباط سياساتها بهذا الارتهان مع التواطؤ الخليجي المنسق معها في مثل هذه الإجراءات الوحشية. واستمرارها في تعميق أزمة الهوية والانتماء، والتنصل من أية إصلاحات ديمقراطية، داخليا، وخارجيا فضحت طبيعة الصلات الخليجية ونشاطاتها المعادية لتطلعات شعوبها ومصالحها الوطنية.

يضاف لها غياب الاستفادة من دروس التجارب التاريخية وأبرزها عدم اتفاق قوى التيارات الوطنية على إيجاد القواسم المشتركة بينها والتقدم بمشروع موحد متكامل، يضغط على الحكومة ولا يعطيها نافذة تعمل هي بالأساس عليها، في إشاعة الانقسامات واستمرار هيمنتها وفرضها الحلول العسكرية عليها. كما ان بعض هذه القوى يحابي السلطات بخطابها وعدم رؤية المصالح الوطنية إلا من منظار واحد معها يركز على عامل خارجي دون ان يرى الأساطيل والقواعد العسكرية من حوله وداخل بلده، فيسقط من يد الحركة الوطنية منظارها الوطني العام وانحيازها للتفرقة التي يريدها النظام والمحتلين القائمين فعلا والجدد.

ان هذه الإشكاليات التي أعلنتها عمليات الغدر بالانتفاضة الشعبية توضح أهمية القراءة الوطنية لها والاستفادة منها لبناء وطن حر ومستقل ومساهم فعلا في حركة التقدم والتطور العربية. وفي أجواء الغضب العربي والحراك الشعبي يصبح غدر الانتفاضة في البحرين درسا أخر يتوجب قراءته في العالم العربي.

 

كاظم الموسوي

17.05.2011

kalm2011@live.co.uk

www.kadhimmousawi.blogspot.com

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا