<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي الثورات الشعبية والنظام السياسي في العالم العربي
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الثورات الشعبية والنظام السياسي في العالم العربي

 

 

د. كاظم الموسوي

 

قدمت الثورات الشعبية التي انطلقت في العالم العربي، من تونس ومصر إلى غيرها من البلدان العربية، صورة واضحة، عن أشكال النظام السياسي، من جهة، وطبيعة هذا النظام وتناقضاته والأسباب التي أدت إلى مآلاته، بأشكال متقاربة، من جهة اخرى. فقد رسمت بقلم عريض أوجه التشابه والخصوصية في كل صنف من الأنظمة السياسية، وبينها منفردة أيضا، فاضحة حقيقة كل نظام وأساليبه وصراعه مع مسمياته وإعلاناته عن نفسه وتمتعه بما يوفر حكم التاريخ عليه. فإذا فاجأت الثورات الشعبية العربية مَن انشغل في العمل السياسي والفكري العام فيها فأنها أعطت صورة متقاربة للأوضاع والعوامل المحركة لها والقادرة على الحكم على الوعي السياسي والثقافي بمجرياتها وضرورة الانتباه لجريانها كما النهر في الأرض الرخوة. ورسمت صورة بونارامية لطبيعة التحولات العربية والقوى التي أنجزتها والمؤثرات الفاعلة فيها والتدخلات الخارجية والإقليمية التي أسهمت هي الأخرى في مسيرتها. وأدخلت الثورات الشعبية كل هذه الأمور في مقدمة المشهد السياسي العام، مانحة فرصة استقراء واضح، والاستفادة من الدروس والعبر بشكل سليم هذه المرة وعدم تفويت فرصتها بانتظار فرص اخرى. صحيح نجحت ثورتان في خلع رئيسين لجمهوريتين، لم تكونا في أول السلم المتوقع للتغيير والثورات بحكم ظروف وعوامل داخلية وخارجية لهما. وهما جمهوريتان متقدمتان في الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية ومتشابهان في الكثير من الاسباب التي أدت إلى الثورة عليهما. كذلك احتدام الصراع في بلدان أخرى وتمدد لهيب الانتفاضات والثورات ليعم العالم العربي، وان كان بدرجات وتموّجات، إلا ان ما بعد ذلك يتطلب التوقف والإمعان فيه والتفكير بصوت عال في السير الصائب في المهمات المطلوبة في كل حالة وتحول وتغيير. أصبح الحاصل من الثورات سمات التميز والتشابه بين الأنظمة الجمهورية والأخرى الملكية. وكذلك طرق معالجة الأزمات والأحداث في كل بلد ونظام من الصنفين القائمين في العالم العربي. ورغم هذا التمايز والتشابه أو الخصوصية والتباين لكل بلد عن غيره إلا ان تطابقات واسعة جمعت بين البلدان والأنظمة في العالم العربي، وكأنها أوان مستطرقة، أو هي بالذات. أبرزها الاستبداد والفساد، والتسلط وتهميش التنمية وغياب العدالة والتشوهات في الإدارة والحكم والارتهانات بالخارج الذي لم يترك نفسه سائبا فيما يجري اليوم. وتصرف كل نظام بالعملية السياسية في البلد وكأنها إقطاعية خاصة وبجمود عقلي ملفت للانتباه. فقد دمرت الأنظمة العربية الحياة السياسية مشددة على غياب الحريات السياسية، مع محاولات تدجين الأحزاب السياسية المعارضة، التي قد تكون هي وراءها، أو تهميشها إلى درجة العنوان فقط دون ان تمارس أي دور حتى لخدمة النظام نفسه، أو الحاكم اختصارا، واستمرار التسلط لعقود متتالية بالأدوات نفسها والقوانين، وأبرزها قانون الطوارئ وإجراءات القمع والسجون والنفي والحرمان وتشويه دور أجهزة الأمن الوطنية وتحويلها إلى حارسة للحاكم وأسرته ومن يحيط به وليس للشعب والوطن. إضافة إلى الفساد الواسع في أجهزة الدولة، من القمة إلى القاعدة الإدارية، وانتهاك صارخ لقوانين الدولة وحقوق الإنسان، شمل حتى مواد الدساتير التي وضعت في بعض البلدان لضبط العملية السياسية والتوازن في الاستقرار السياسي والبناء الوطني. وتسليم أكثر القطاعات الاقتصادية والثقافية وحتى السياسية إلى فئات مقربة من الحاكم ومنحها كل الفرص للفساد والإثراء وجمع المليارات من الثروات الوطنية على حساب الإفقار العام للمجتمع. دون اخذ الاعتبار بالشرائح الواسعة والجديدة من الطبقات الشعبية والكادحة والمهمشة في المجتمعات العربية، والتي باتت وقود الثورات ومادتها الأساسية. خصوصا من الفئات العمرية الشابة من كل الطبقات الاجتماعية، المؤهلة أكاديميا والمعطلة عن المساهمة في العمل والإنتاج. وهي الشرائح الاجتماعية التي تزداد نسبتها في التركيب الاجتماعي في العالم العربي كل عام دون آفاق واضحة لها ولمستقبلها.

نظريا هناك اختلافات وفروق واسعة بين النظامين، الجمهوري والملكي، وبين الدول المنتجة للنفط والدول المصدرة للعمالة، ولكن الثورات كشفت، في الواقع، ان هذه النظم في العالم العربي تتشابه كثيرا في طبيعة السلطة فيها، لاسيما في احتكارها والجمود السياسي في قمتها والتناقضات بين الشعارات البراقة المرفوعة وتطبيقاتها العملية، ففصل السلطات وطبيعتها والدساتير والأحزاب السياسية والحريات العامة والعدالة والتنمية المستدامة لا تختلف فيها، أو تتباين حسب صنفها، وتضيف لها وسائل وأساليب اخرى تضعها في مكان لا يليق باسمها في المشهد السياسي والثقافي العام.

خلاصة الأمر، تحولت الحركة السياسية إلى عوائل سياسية تابعة للحاكم وسلطته وكذلك المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، إضافة إلى سجلات الانتهاكات للحقوق الإنسانية وقواعد العمل السياسي، وكذلك الاستئثار بالسلطة والثروات والرهان على الدعم والتدخل الخارجي على حساب الإرادة الوطنية والشعبية، وتحميل الشعوب مغبة السياسات الجشعة في مختلف الصعد وامتهان كرامة المواطن وعزته وتشويه ابسط مسلمات تعريف الدولة والسلطات في العصر الحديث. 

بينت الثورات الشعبية ان غياب العقل والحوار بين الحاكم والمحكوم واستشراء الفساد والاستبداد وضعف التنمية المستدامة وعدم تمكين المواطن كانسان من اخذ دوره في وطنه وثرواته، هي من بين ابرز العوامل التي أدت إليها، وان الأيام حبلى بها وعلى العاقل ان يتعظ أو يرحل دون أسف عليه.

 

كاظم الموسوي

kalm2011@live.co.uk

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا