<%@ Language=JavaScript %>   الدكتور جاسم العبودي مَنْ ذا أصابكِ يا بغدادُ بالعينِ ؟! (3/3) (الجزء الأخير)

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

الدكتور جاسم العبودي

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

 

مَنْ ذا أصابكِ يا بغدادُ بالعينِ ؟!

 

 (3/3) (الجزء الأخير)

 

 

 الدكتور جاسم العبودي

 

.......... "لقد طوت العصور ألف بساط وبساط من أسمار السلاطين والفراعين والمترفين، ولكنها لم تقدر أن تسحب بساطا واحدا من تحت أقدام فنان أصيل" (1).

.......... يقول عبد الوهاب البياتي (1926-1999) في كتابه (تجربتي الشعرية) (2): "سمعت المتنبي وهو يتمتم بأبياته، راسماً دوائر نارية ومُشعلا الحرائق في كل مكان، والقتلة يطاردونه من حلب إلى شعب بوان، ومن الكوفة حتى القاهرة.. أتذكرهُ وهو يفضح أول دكتاتور من ورق". ويقول:

"وطني درع فولاذي يحمي غرة بغداد // كعبة حب يحرسها الله // كل غزاة التاريخ انهزموا في بوابتها // صاروا في ذاكرة التاريخ رماد // يتبارى في قوس الشمس دفاعا عنها // الأسلاف والأحفاد" (3)

.......... وفي كتابه (كنتُ أشكو إلى الحجر) يقول: "إن قدري كشاعر قد تقرر في أزقة باب الشيخ، وشارع الرشيد ومقاهيه، وتحت قباب بغداد الأسطورة والواقع". ورفض أن يموت في مقابر الزعماء الخصيان، واتخذ من ضريح المتصوف ابن عربي المرسي (1164-1240) جاراً له في سفح قاسيون منذ الثالث من آب عام 1999. وله في شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري (1899-1997) أسوة، الذي دفن في مقبرة الغرباء في السيدة زينب في ضواحي دمشق، تغطيه خارطة العراق المنحوتة على حجر الكرانيت، وكلمات:"يرقد هنا بعيداً عن دجلة الخير..":

............ أبا فرات وأمواج الفراتِ غفت .......... حتى استحالت غثاء في ضحى الأحد (4)

......... تقول وزيرة الثقافة السورية: "وكيف حال الفرات، بعد أبي فرات، وأبي علي ؟، وأرض العراق، التي في حدق الردى، كيف يصرعها الردى ؟، ويحرمها أن تكون مثوى لمن أحبتهم، وأحبوها، وفي نبتها كانوا باناً، فإذا البان يصوحه، حر الفراق، فيغدو خشب نعوش، وكان المأمول أن يكون أقواس نصر للأحبة العائدين" (5).

......... وكأن مدنا تنجب شعراء وكتابا وعلماء وفنانين عظاماً وأخرى تفتخر أرضها ليموتوا فيها، وحتى لا يكونوا بعيدين، وهم حتى في قبروهم، عن دجلة والفرات، وعن بغداد والنجف والكاظمية وباب الشيخ، والشريف الرضي، والزهاوي، والرصافي، وبدر شاكر السياب، وجواد سليم.. بينما - ويا للأسف - لم يحض كثير من نواب وساسة وحكام اليوم في العراق المحتل إلا الذم واللعنات تطاردهم إلى يوم الدين..

........ ومن منفاه في لندن نسمع صوت صديقنا المرحوم الشاعر الشعبي عزيز السماوي (6) (ت 2001) يدمدم:

........ "وينك يا عراق الناس، // يا ليل المحبة أو للمحب كاس // يا دمعة صديق إعله الوجن نجمة صبح تنباس // أعرفك ترفع الراس // صهيل أول حضارة أو شيلة الراس // سومر.. بابل.. أو آشور // خيول إمن اللهب // بين الكتب.. تـنباس"

......... ماذا جنيتْ عصافيرُك - يا بغداد - فتصبح بلا منازل، ترهق أجنحتها الغضَّة معاول الغربة، وقد سُلب منها الوطن ؟.

......... يا أيها الشرفاء هذه بغدادكم، يرضيكم أن يحرقها المغول الجدد ؟!.. وتجترها معدة رعاة البقر.. من منكم يرضى أن يغتصب عرضه ؟!. كم نتمنى أن يتغنى باسمها في الإذاعات ؟!.. وكم يفرحنا أن نطالع في كل الصحف أخبار شعبها الصامد كل يوم !.. ما أحلى أن نزف إليها الأشعار !. اخطبوا رضاها بقول الحق عن حالها في كل المساجد والكنائس.. فالساكت عن الحق شيطان أخرس.. ولنتآخَ ولو مرة واحدة ولنتجافَ عن الدنيا وأيقنوا أنها مفارقة ليست بدار خلود.. "يا أيها المملوك .. بكم تبيع هذه القيود ؟.. فهذه الليلة لن تعود".

........ سنعود يا بغداد سنعود، وعلى حدقات أعيننا لك شعراً كتبناه، إن المحب لمن يحب مطيع، ولن تخيفنا مسدسات النازيين ولا جنود فرعون، ولا "سُيّاس" وأشباه كثير من نواب اليوم.. ولن نرضى أن نكون فلسطينيين جدداً، فغضبك إعصار ليس له حدود، سترعد له كل الأرض.. وعيونك تحتل كل خرائط العالم.. وتحتلني.. وتحتل كل شبر من مدن الخير ودار السلام.

......... "يا وطني المعروض كنجمة صبح في السوق // في العلب الليلية يبكون عليك // ويستكمل بعض الثوار رجولتهم // ويهزون على الطبلة والبوق // أولئك أعداؤك يا وطني" (7)

....... ولم يكن بدر شاكر السياب (1926-1964) ونازك الملائكة (1923-2007) وبلند الحيدري (1926-1996) وعبد الوهاب البياتي (1926-1999)، وسعدي يوسف (ولد 1934) وغيرهم كثر، رواد حركة الشعر الحر الذين ثاروا على القصيدة العمودية فحسب، وإنما رموز أسطورة الثورة الأبدية التي لا تموت، حيث امتدت جذورها في كل مساحات الكرة الأرضية، عندما غرسوا نخيل الرافدين بجواز سفر الكلمة في كل أنحاء العالم حتى جزر القُمُر.. اسمع ما تنبَّأ به ابن بغداد؛ بلند الحيدري الكردي الأصل، وقد سُمِّيت دورة المربد لعام 2010 باسمه:

........ "بغداد // تلك الفاتنة السمراء.. // لماذا ما عدتُ أراها إلا في ثوب حداد ؟؟ // إلا في ظهر منحني أوجلد مهريّ ؟؟"

وفي أخرى يقول:

....... "يا موطني // يا أيها المبارك الكبير في العزة والجلال // أوصيتني // أن لا أنام ، فلم أنم"

...... وهذا سعدي يوسف (من مواليد أبي الخصيب - البصرة) والمقيم في لندن منذ 1999، يغني للعراق، من قصيدة "شهادة جنسية":

......... "أنا: بغدادُ، موصوفةً بما ليس في الوصفِ. الكتابُ العصيُّ. والجنّـةُ. // الدربُ المؤدِّي إلى الدروبِ. أتاهــا كلَّ عصرٍ برابرةٌ. // لكنّها أحكمت الأنشــوطةَ. // العزيزةُ بغدادُ. // والأســيرةُ بغدادُ، // والأميرةُ بغدادُ // والجدارُ الأخـيـرُ".

....... الشعوب مضرمو النار في التأريخ، ولن يخضعوا للتدجين.. يا سارقي الأكفان من الأموات، اللاهثين في دهاليز الخيانة كالكلاب، خذوا أسمالكم قبل أن تُرَحَّلوا بلا توابيت، وولوا هاربين واندسُّوا من حيث جئتم في العتمة، قبل أن يكتسحكم الطوفان الآتي.. أحفادنا إن لم يكن أولادنا، وأوراقنا وكتبنا - يا بغداد - ستصل إليك، وإن كانت مبللة بالدموع، ستصل.

...... وأعود إلى رائعة سعاد آل الصباح بعنوان (قصيدة حب إلى سيف عراقي) السالفة الذكر، رغم أنها مُحيت في مواقع كثيرة، حيث تقول فيها:

........ أنا امرأة قررت أن تحب العراق // وأن تتزوج منه أمام عيون القبيلة // فمنذ الطفولة كنت أكحل عيني بليل العراق // وكنت أُحنّي يدي بطين العراق // وأترك شعري طويلاً ليشبه نخل العراق. // أنا امرأة لاتشابه أي امرأة // أنا البحر والشمس واللؤلؤة // مزاجي أن أتزوج سيفاً وأن أتزوج مليون نخلة // وأن أتزوج مليون دجلة. // أنا امرأة لا أزيف نفسي // وإن مسني الحب يوماً فلست أجامل // أنا امرأة من جنوب العراق // فَبينَ عيوني تنام حضارات بابل // وفوق جبيني تمر شعوب وتمضي قبائل // فحيناً أنا لوحة سومرية // وحيناً أنا كرمة بابلية // وطوراً أنا راية عربية // وليلة عرسي هي القادسية. // سلام على ذكرياتي بشط العرب // سلام على الشمس تسقط فوق مياه الخليج // كأسورة من ذهب. // عراق عراق // إذا ماذكرتك أورق في شفتي الشجر // فكيف سألغي شعوري ؟ // وحبك مثل القضاء ومثل القدر.// أنا امرأة قررت أن تحب العراق// لماذا العراق ؟// لماذا الهوى كله للعراق ؟ // لماذا جميع القصائد تذهب فدوى لوجه العراق ؟ // لماذا تفيض دموع المحبين حين يفيض الفرات ؟ // لماذا شناشيل بغداد تختزن الكحل والذكريات ؟ // لماذا المقام العراقي يدخل في قلبنا من جميع الجهات ؟ // لماذا الصلاة أمام ضريح علي // تعادل ألف صلاة ؟. // لماذا أحب العراق لماذا // أيا ليتني قد ملكت الخيارا // ألم تك بغداد درع العروبة // وكانت أمام المغول جدارا".

....... وتأبى ذاكرتي أن تعود إلا من حيث بدأت، فأرى أمامي الشاعر ابن زُرَيق البغداديّ الذي هاجر مرغما من موطنه بغداد، قاصداً الأندلس، وقد ترك وراءه زوجة يحبها وتحبه.. يقول في قصيدة اليتيمة بعنوان "لا تعذليه" وجدت معه عند وفاته سنة 420/1029 هـ:

........ أستودِعُ اللهَ في بغدادَ لي قمراً ........... بالكَرخِ من فلك الأزرار مطلعهُ

........ ودَّعتُهُ وَبودِّي لو يُودِّعُنِي ................... صفوَ الحياةِ وأَنِّي لا أودِّعُهُ

........ عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا ..... جسمي ستجمعني يوما وتجمعه (8)

 

........................... الملاحظات

1 من رسالة لشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري إلى الروائي والقاص العراقي غائب طعمة فرمان.

2 انظر: ماهر الكيالي، عبد الوهاب البياتي في مدن العشق، بيروت 1995.

3 من قصيدة للشاعر عبد الوهاب البياتي. انظر: ينابيع البياتي: آراء، شهادات، مختارات، إعداد وتوثيق علي القيم، دمشق 1999: 125.

4 من قصيدة للشاعر زكي إبراهيم السالم، انظر: مجلة العربي، العدد 194: 39.

5 من كلمة وزيرة الثقافة السورية نجاح العطار في تأبين البياتي، بعنوان: "مات البياتي.. فبكى الشعر !"، انظر: ينابيع البياتي: آراء، شهادات، مختارات، إعداد وتوثيق علي القيم، دمشق 1999 .

6 عزيز السماوي ، النهر الأعمى: شعر شعبي عراقي، لندن 1995: 89-91. كما صدر له: أغاني الدرويش، ط 1، بغداد 1973، ط 2، لندن 1998؛ بانوراما عراقية، لندن 1998. وهو صديق حميم تعارفنا في لندن ينبض حباً للعراق، وأصرّ على دعوتي لبيته للحديث عن العراق واستذكار أيام العراق المليئة بالحب والذكريات والباميا والدولمة والسمك. وبعد فترة اتصلتُ به للإطمئنان على صحته، أخبرني ولده أنه انتقل إلى رحمة الله (ت 2001).. تغمده الله برحمته الواسعة.

7 من قصيدة مشهورة للشاعر العراقي الشهير مظفر النواب.

8 فاروق شوشة، أحلى 20 قصيدة حب، مكتبة الأسرة: الروائع، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996: 165ـ173. وقد استوعب الروائي البحريني أحمد الدوسري قصة ابن زريق العجيبة هذه في روايته (ابن زريق البغدادي – عابر سنين)، سنة 2009.

 

الدكتور جاسم العبودي

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 
 

 

لا

للأحتلال